للطريق الصوفى فى القرنين السادس والسابع سماته الخاصة به، والتى يمتاز بها عن الطريق الصوفى فى القرون التى سبقته ، وأهم هذه السمات هو ظهور التصوف الفلسفى ، ونضج الشعر الصوفى (راجع: الطريق الصوفى فى القرنين السادس والسابع - بداية ظهور التصوف الفلسفي).
ويعتبر السهروردي المقتول من أوائل متفلسفة الصوفية في الإسلام، واسمه أبو الفتوح يحيى بن حبش بن أميرك، ويلقب بشهاب الدين، ويوصف بالحكيم، وهو من أهل القرن السادس الهجري، ومولده بسهرورد حوالي 550هـ، ومقتله بأمرصلاح الدين الأيوبي، في حلب 587هـ([1]).
ومن هنا عرف بـ: (المقتول) تمييزًا له عن صُوفِيَّين آخَرَيْنِ لكنهما من رؤوس أهل السنة والجماعة فى وقتهما ومن أئمة أهل الحديث والفقه ، وهما أبو النجيب السهروردي المتوفى سنة 563هـ، وابن أخيه أبو حفص شهاب الدين السهروردي البغدادي المتوفى سنة 632هـ، وهذا الأخير هو مؤلف كتاب (عوارف المعارف)، وإلى هذين تنسب الطريقة السهروردية.
وكان السهروردي المقتول كثير الترحال في طلب العلم، فتتلمذ في مدينة ميراغة من أعمال أذربيجان على فقيه ومتكلم مشهور هو مجد الدين الجيلي، أستاذ فخر الدين الرازي، وتتلمذ بأصفهان على ابن سهلان الساوي صاحب كتاب (البصائر النصيرية) في المنطق، وصَحِبَ الصوفية وتَجَرَّدَ وَزَهِدَ، وقدم حلب وتتلمذ فيها على الشريف افتخار الدين، وحاز لديه مكانة أَحْنَقَتْ عليه فقهاء حلب، فشنعوا عليه، فأحضره الملك الظاهر ابن صلاح الدين صاحب حلب في ذلك الحين، وعقد له مجلسًا من الفقهاء والمتكلمين، فظهر عليهم بحججه فإذا بالملك يقربه وَيُقْبِلُ عليه. ولكن المعارضين للسهروردي من العلماء الذين رأوا فى عقيدته خروجا واضحا وصريحا على عقيدة أهل السنة والجماعة كتبوا إلى السلطان العادل صلاح الدين يحذرونه من فساد عقيدة ابنه بصحبته السهروردي، ومن فساد عقائد الناس إن هو أَبْقَى عليه، فكتب صلاح الدين إلى ابنه بقتله، فَاسْتَفْتَى ابْنُهُ فُقَهَاءَ حلب، فأفتوا بقتله، فقتل خنقًا بحلب سنة 587هـ، وله من العمر ثمان وثلاثون سنة([2]).
قال الحافظان الذهبى وابن حجر([3]) : الشهاب السهروردي الفيلسوف صاحب السيمياء([4]) قتل لسوء معتقده ، وكان أحد الأذكياء . ولم يرو شيئا .
وقال ابن خلكان: وكان أوحد أهل زمانه في العلوم الحكمية جامعا للفنون الفلسفية بارعا في الأصول الفقهية مفرط الذكاء فصيح العبارة ، وقال : إنه كان يعرف السيمياء . قال: ويلقبه أصحابه : ((المؤيد بالملكوت))، وكان يتهم بانحلال العقيدة ، والتعطيل ، واعتقاد مذهب الحكماء ، واشتهر ذلك عنه فأفتى علماء حلب بقتله لما ظهر لهم من سوء مذهبه.
وقال ابن كثير([5]) : له من المصنفات التلويحات ، وهياكل النور ... وغير ذلك من الكتب المشتملة على الفلسفة وعلم الأوائل ، التى ساقها الله بسببها إلى قتله ، وجعله مثلة فى الناس ، يرتدع به كل من على طريقته ومنهجه ، ولو أنه اشتغل بالآثار النبوية ، والأخبار المصطفوية المنقولة بالسند الصحيح عن خير البرية لخرج من هذه البلية ، ولرفع يوم القيامة إلى الجنة ، ولكن كان ما وقع به مقدرا ، وكان على جبينه مسطورا.
وقال ابن أبي أصيبعة : كان أوحدا في العلوم الحكمية ، جامعا للفنون الفلسفية ، بارعا في الأصول الفقهية ، مفرط الذكاء ، فصيح العبارة لم يناظر أحدا إلا أربى عليه .
وكان السُّهْرُوَرْدِىّ - على ما يحكى الشَّهْرُزُورِىّ([6]) والمناوى([7])- قد طاف البلاد على طريق الفقر ، والتجريد ، بحيث كان عليه دلق ، وعلى رأسه فوطة مفتولة ، ومعه إبريق وعكاز لا يزيد على ذلك ، ونقل ابن أبي أصيبعة أنه كان لا يلتفت إلى شيء من أمور الدنيا ، وأنه كان أولا في أبناء فارس ، وعليه جبة قصيرة ، وعلى رأسه فوطة ، كأنه فلاح .
ويذكر الشَّهْرُزُورِىّ أنه كان من السابقين فى الحكمة العملية ، وأنه كان قلندرى([8]) الصفة ، وكان له رياضات عجز أهل الزمان عنها ... وكان أكثر عباداته الجوع والسهر والفكر فى العوالم الإلهية ، وكان قليل الالتفات إلى مراعاة الخلق ، ملازما للصمت والاشتغال بنفسه([9]) .
ومن كلامه : اللهم خلص لطيفى من هذا العالم الكثيف .
ومن كلامه : حرام على الأجساد المظلمة أن تلج ملكوت السماء .
وكان السهروردي المقتول متعمقًا في الفلسفة، فيقول عنه صاحب (طبقات الأطباء) إنه كان «أوحد أهل زمانه في العلوم الحكمية، جامعًا للعلوم الفلسفية بارعًا في الأصول الفقهية، مفرط الذكاء، فصيح العبارة»([10]).
وقد خَلَّفَ جملة مصنفات ورسائل([11])منها (حكمة الإشراق)، و(التلويحات) ويبدو فيه أرسطي الاتجاه، و(هياكل النور)، و(المقامات) و(المطارحات)، و(الألواح العمادية)، وبعض الأدعية. على أن أهمها في تصوير مذهبه هو (حكمة الإشراق)، الذي تضمن آراءه في التصوف الإشراقي. وأسلوب السهروردي في مصنفاته بوجه عام أسلوب رمزي شديد الخفاء.
والسهروردي المقتول عارف بالفلسفة الأفلاطونية، والمشائية، والأفلاطونية المحدثة، وبالحكمة الفارسية، وبمذاهب الصابئة، وبالفلسفة الهرمسية، وهو يذكر هرمس كثيرًا في مؤلفاته. ويعتبره من رؤساء الإشراقيين. ويصفه بأنه «والد الحكماء»([12]). وهو يذكره مع أغاذيمون، وأسقلبيوس، وفيثاغورس باعتبارهم من حجج العلوم المستورة جنبًا إلى جنب مع جاماسب، وبزرجمهر من حكماء الفرس. وتكاد تجمع المصادر الحديثة([13]) جميعها على الأثر البالغ للفلسفة الأفلاطونية على آراء السُّهْرُوَرْدِىّ وفلسفته ، وهم فى ذلك إنما يعتمدون ابتداء على تصريح السُّهْرُوَرْدِىّ نفسه بذلك فى كتبه فقد قال فى حكمة الإشراق : ((إمام الحكمة ورئيسها أفلاطون صاحب الأيد ، والنور))([14]) .
ونرى الدكتور أبو ريان يختم كلامه عن مصادر فلسفة السُّهْرُوَرْدِىّ بقوله : ((والحق أن الإشراقية لم تكن سوى الصورة الأخيرة التى آل إليها مذهب أفلاطون بعد تطوره التاريخى الطويل حيث تفاعلت معه عناصر متعددة ، وامتزجت به تيارات فلسفية مختلفة ، بل وأكثر من هذا فإننا نجد الفلسفة الإسلامية منذ نشأتها تقوم على دعائم أفلاطونية عميقة الجذور ، لم تلبث الإشراقية أن كشفت عنها فى صورتها الكاملة))([15]) .
ويرى كوربان أن هرمس أحد وجوه كبيرة ثلاثة تتحكم في سير مذهب السهروردي الإشراقي، والوجهان الآخران هما أفلاطون، وزرادشت([16]).
ونلاحظ –أيضًا- أنه عارف بمذاهب الفلسفة الإسلامية، وعلى الأخص بمذهبي الفارابي وابن سينا. وهو وإن كان ينقد فلاسفة الإسلام الذين ينعتهم بالمشائين([17])، فإنه ولا شك متأثر بهم.
وعرف السهرورديُّ طائفةً من صوفية القرنين الثالث والرابع، وهو يمتدح أبا يزيد البسطامي الذي يطلق عليه (سيار بسطام)، والحلاج الذي يصفه بأنه (فتى البيضاء)([18])، وأبا الحسن الخرقاني وهو صوفي فارسي([19])توفى سنة 425هـ. وهؤلاء عنده أهل الإشراق الفارسي الأصيل.
وهكذا كان السهروردي المقتول منوع الثقافة، وحكمته الإشراقية تأتلف في الحقيقة من عناصر متعددة، وهو يرى أنه أحيا بها الحكمة العتيقة التي ما زال أئمة الهند، وفارس، وبابل، ومصر، وقدماء اليونان إلى أفلاطون يدورون عليها، ويستخرجون منها حكمتهم، وهي الخميرة الأزلية([20]).
وكما كادت أن تجمع المصادر على تأثر السُّهْرُوَرْدِىّ بأفلاطون ، فإنها لا تنى تؤكد على ذات الدرجة تأثره بحكمة فارس القديمة ، وأنه كان يعمل على إحيائها ، وهم فى ذلك أيضا لا يجاوزون صريح كلامه فى ذلك حيث يقول فى مقدمة حكمة الإشراق([21]) : ((وما ذكرته من علم الأنوار وجميع ما يبتنى عليه وغيره يساعدنى عليه كل من سلك سبيل الله عز وجل ، وهو ذوق إمام الحكمة ورئيسها أفلاطون ، صاحب الأيد والنور ، وكذا من قبله من زمان والد الحكماء هرمس إلى زمانه من عظماء الحكماء وأسطاين الحكمة مثل أنبادقلس ، وفيثاغورس ، وغيرهما ، وكلمات الأولين مرموزة وما رد عليهم ، وإن كان متوجها على ظاهر أقاويلهم لم يتوجه على مقاصدهم ، فلا رد على الرمز ، وعلى هذا يبتنى قاعدة الشرق فى النور والظلمة التى كانت طريقة حكماء الفرس مثل جاماسف وفرشاوشتر وبوزرجمهر ، ومن قبلهم ، وهى ليست قاعدة كفرة المجوس وإلحاد مانى ، وما يفضى إلى الشرك بالله تعالى)).
مفهوم حكمة الإشراق :
يورد الشيخ مصطفى عبد الرازق([22]) رحمه الله تعالى فى هذا الصدد كلاما مطولا للشيخ طاش كبرى زاده ذكره فى مقدمات كشف الظنون ، ويوافقه عليه ، فيقول: ((حكمة الإشراق هى من العلوم الفلسفية بمنزلة التصوف من العلوم الإسلامية ، كما أن الحكمة الطبيعية والإلهية منها بمنزلة الكلام منها .
وبيان ذلك أن السعادة العظمى والمرتبة العليا للنفس الناطقة هى معرفة الصانع بما له من صفات الكمال ، والتنزه عن النقصان ، وبما صدر عنه من الآثار والأفعال فى النشأة الأولى والآخرة ، وبالجملة معرفة المبدأ والمعاد . والطريق إلى هذه المعرفة من وجهين :
أحدهما : طريقة أهل النظر والاستدلال .
وثانيهما : طريقة أهل الرياضة والمجاهدات .
والسالكون للطريقة الأولى ، إن التزموا ملة من ملل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهم المتكلمون ، وإلا فهم الحكماء المشاءون .
والسالكون إلى الطريقة الثانية ، إن وافقوا فى رياضتهم أحكام الشرع فهم الصوفية ، وإلا فهم الحكماء الإشراقيون . فلكل طريقة طائفتان .
(نلاحظ هنا أنه جعل الحكمة الإشراقية فى مقابل الشرع ، وخارجة عنه) .
وحاصل الطريقة الأولى : الاستكمال بالقوة النظرية ، والترقى فى مراتبها الأربعة ، أعنى مرتبة العقل الهيولى([23]) ، والعقل بالفعل([24]) ، والعقل بالملكة([25]) ، والعقل المستفاد([26]) ، والأخيرة هى الغاية القصوى لكونها عبارة عن مشاهد النظريات التى أدركتها النفس بحيث لا يغيب عنها شىء ، ولهذا قيل : لا يوجد المستفاد لأحد فى هذه الدار بل فى دار القرار ، اللهم إلا بعض المتجردين من علائق البدن والمنخرطين فى سلك المجردات.
وحاصل الطريقة الثانية (التى هى طريقة أهل الرياضة والمجاهدات ، طريقة الصوفية من المتشرعين ، والإشراقيين من الفلاسفة) : الاستكمال بالقوة العملية ، والترقى فى درجاتها التى أولها : تهذيب الظاهر باستعمال الشرائع والنواميس الإلهية .
وثانيها : تهذيب الباطن عن الأخلاق الذميمة .
وثالثها : تحلى النفس بالصور القدسية الخالصة عن شوائب الشكوك والأوهام .
ورابعها : ملاحظة جمال الله سبحانه وتعالى ، وجلاله ، وقصر النظر على كماله .
والدرجة الثالثة من هذه القوة ، وإن شاركتها المرتبة الرابعة من القوة النظرية ، فإنها تفيض على النفس منها صور المعلومات على سبيل المشاهدة كما فى العقل المستفاد إلا أنها تفارقها من وجهين :
أحدهما : أن الحاصل المستفاد لا يخلو عن الشبهات الوهمية ، لأن الوهم له استيلاء فى طريق المباحثة ، بخلاف تلك الصور القدسية ، فإن القوى الحسية قد سخرت هناك للقوة العقلية فلا تنازعها فيما تحكم به .
وثانيهما : أن الفائض على النفس فى الدرجة الثالثة قد تكون صوراً كثيرة استعدت النفس بصفائها عن الكدورات ، وصقالتها عن أوساخ التعلقات لأن تفيض تلك الصور عليها ، كمرآة صقلت وحوذى بها ما فيه صور كثيرة ، فإنه يتراءى فيها ما تسع من تلك الصور . والفائض عليها فى العقل المستفاد هو العلوم التى تناسب تلك المبادىء التى رتبت معاً للتأدى إلى مجهول ، كمرآة صقل شىء يسير منها فلا يرتسم فيها إلا شىء قليل من الأشياء المحاذية لها . ذكره ابن خلدون فى المقدمة))انتهى المراد من كلام الشيخ مصطفى عبد الرازق .
فمبدأ هذه الفلسفة وأساسها الأول على ما يذكر الدكتور مدكور([27]) : ((أن الله نور الأنوار ، ومصدر جميع الكائنات ، فمن نوره خرجت أنوار أخرى هى عماد العالم المادى والروحى . والعقول المفارقة ليست إلا وحدات من هذه الأنوار تحرك الأفلاك ، وتشرف على نظامها (كما يذكر السُّهْرُوَرْدِىّ ، فى هياكل النور)([28]) .
فالفلسفة الإشراقية تعتمد إذن على نظرية العقول العشرة الفارابية مختلطة بعناصر من الفلسفة الفارسية القديمة.
وإذا كان العالم فى جملته – فيما تذهب إليه الفلسفة الإشراقية - قد برز من إشراق الله وفيضه ، فالنفس تصل كذلك إلى بهجتها بواسطة الفيض والإشراق . فإذا ما تجردنا عن الملذات الجسمية ، تجلى علينا نور إلهى لا ينقطع مدده عنا . وهذا النور صادر عن كائن منزلته منا كمنزلة الأب والسيد الأعظم للنوع الإنسانى ، وهو الواهب لجميع الصور ومصدر النفوس على اختلافها . ويسمى الروح المقدسة أو بلغة الفلاسفة العقل الفعال (كما يذكر السُّهْرُوَرْدِىّ فى هياكل النور)([29]) .
ومتى ارتبطنا به – بناء على تصور هذه الفلسفة - أدركنا المعلومات المختلفة ، واتصلت أرواحنا بالنفوس السماوية التى تعيننا على كشف الغيب فى حال اليقظة والنوم .
وليس للتصوف من غاية إلا هذا الارتباط ، والإشراقيون يسعون إليه ما استطاعوا وكثيراً ما ينعمون به .
أما الأنبياء فهم فى اتصال دائم وسعادة مستمرة يقول السُّهْرُوَرْدِىّ : ((إن النفوس الناطقة من جوهر الملكوت ، وإنما يشغلها عن عالمها هذا القوى البدنية ومشاغلها ، فإذا قويت النفس بالفضائل الروحانية وضعف سلطان القوى البدنية بتقليل الطعام وتكثير السهر ، تتخلص أحياناً إلى عالم القدس، وتتصل بأبيها المقدس ، وتتلقى منه المعارف ، وتتصل بالنفوس الفلكية العالمة بحركاتها وبلوازم حركاتها ، وتتلقى منها المغيبات فى نومها ويقظتها ، كمرآة تنتقش بمقابلة ذى نقش))([30]) .
يقول الدكتور مدكور : ((فالفلسفة الإشراقية التى دعا إليها السُّهْرُوَرْدِىّ متأثرة فى بدئها ونهايتها بتعاليم الفارابى ، ذلك لأنها مؤسسة على نظرية الفيض الفارابية ، ونزاعة إلى العالم العلوى .
غير أن هذه الفلسفة صوفية كلها ، أو التصوف هو كل شىء فيها ، فى حين أنه ليس لدى الفارابى إلا قطعة من مذهب متنوع الأجزاء .
هذا إلى أن الإشراقى لا يقنع بالاتصال بالعقل الفعال وحده ، بل يطمع فى الاتحاد بالله مباشرة والامتزاج بنور الأنوار (كما يذكر السُّهْرُوَرْدِىّ فى هياكل النور)([31]) . فكأن السُّهْرُوَرْدِىّ حين دعى للاختيار بين تصوف الحلاج وتصوف الفارابى رأى أن يجمع بينهما ، وأن يقول بالاتصال والاتحاد معاً ؛ وهذه نزعة توفيق أخرى تتفق مع روحه العامة)).
ثم يؤكد الدكتور مدكور على أن : ((هذا التصوف العقلى المبنى على فكرة الفيض يبدو كذلك عند صوفى وفيلسوف آخر من رجال القرن الثالث عشر ، ونعنى به ابن سبعين ...))والذى وصفه الدكتور مدكور بأنه : ((المفكر النقادة الذى لم يُدْرَس بعد دراسة كافية ولائقة به ، على الرغم مما فى آرائه من حصافة ، وفى أفكاره من عمق ودقة . وأكبر مصدر نعتمد عليه حتى اليوم فى تعرف نظرياته هو المراسلات التى دارت بينه وبين الإمبراطور فردريك الثانى حاكم صقلية المتوفى سنة 1250م .
وكلنا يعلم ما كان عليه فردريك الثانى من رغبة فى العلم وحب للأدب والفلسفة العربية . لهذا وجّه إلى مفكرى الإسلام أربعة أسئلة أجاب عنها ابن سبعين عالم سبتة ، وهى : قدم العالم ، والمقولات العشر ، وما وراء الطبيعة فى غايته ومبادئه ، وطبيعة النفس . وهذه الأسئلة تلخص تماماً المشاكل الهامة التى كانت تشغل المفكرين عامة وتلاميذ أرسطو على الخصوص فى ذلك العصر . وقد أجاب عنها ابن سبعين إجابة موسعة بحيث ضمنها كل مذهبه وآرائه الخاصة .
فتصوف السُّهْرُوَرْدِىّ وابن سبعين مؤسس على دعائم فلسفية . وفى رأيهما أن الكائن الممكن يستلزم كائناً آخر واجب الوجود بذاته ليمنحه الوجود ويفيض عليه بالخلق والإبداع ، وهذا الكائن الواجب الوجود هو الله جل شأنه ، فهو موجود أزلاً ، بنفسه ودون حاجة إلى أى موجد آخر ، وإلا امتدت السلسلة إلى ما لا نهاية . والكائنات الأخرى جميعها مظاهر لعلمه وإرادته ، ومنه تستمد الحياة والوجود ؛ فوجودها إذن عرضى وبالتبع . وعلى هذا ليس ثمة إلا كائن واحد موجود حقيقة وضرورة ، بل هو الوجود كله ، والكائنات الأخرى لا تسمى موجودات إلا بضرب من التوسع والمجاز .
هذه هى نظرية وحدة الوجود التى اعتنقها جماعة من الصوفية بعد انحطاط الدراسات الفلسفية فى الإسلام ، وقد تكونت فى أوائل القرن الثانى عشر الميلادى ، وانتشرت بعد ذلك فى بلاد الأندلس والمشرق . ومن أكبر أنصارها محيى الدين ابن عربى المتوفى سنة 1240 ميلادية ، وجلال الدين الرومى المتوفى سنة 1273 ، وشعراء آخرون من متصوفة الفرس . ويصعد مذهب الوحدة هذا كما لاحظ ابن تيمية إلى ابن سينا . أو كما نلاحظ نحن - القائل الدكتور إبراهيم مدكور - إلى الفارابى.
وإذا كان الله هو الموجود الحق وجب أن تتلاشى فيه سائر الموجودات الأخرى ؛ وهنا يختلط التصوف بالفلسفة اختلاطاً كبيراً . فكأن مذهب المشائين من العرب لما حورب فى شخص الفلاسفة وجد ملجأ لدى الصوفية ، وكثير من الأفكار الفلسفية الممقوتة تبناه المتصوفة وأبرزوه فى صور أخرى مقبولة ولو إلى حين . وفى رأينا أنه لا يمكن أن يدرس تاريخ التفكير الفلسفى الإسلامى فى العصور الأخيرة دراسة كاملة ، منعزلا عما كتبه المتصوفة وعلماء الكلام .
بيد أن الصوفية بدورهم لم يسلموا من شرور الفلسفة وويلاتها ، وما إن تفلسفوا حتى أضحوا عرضة للمحاربة والانتقام . فالسُّهْرُوَرْدِىّ قتل بأمر صلاح الدين ، وابن سبعين انتحر فى مكة بسبب مهاجمات وجهت إليه فى الغالب ، واتهم معاصره ابن عربى بالإلحاد والزندقة من كثير من أهل السنة))([32]) .
فلسفة السُّهْرُوَرْدِىّ :
يقدم السُّهْرُوَرْدِىّ من خلال كتبه المختلفة ما يكون مذهبا فلسفيا متكاملا يتناول أركان المنظومة الفلسفية الثلاثة : الله - الكون - الإنسان .
ومما تقدم نعرف السبب فى تسمية حكمة السهروردي بــ: (الحكمة الإشراقية) نسبة إلى الإشراق الذي هو الكشف. وقد تعرف –أيضًا- عنده، كما عرفت عند ابن سينا من قبله، بــ: (الحكمة المشرقية)، نسبة إلى المشارقة الذين هم أهل فارس، وحكمتهم ذوقية تعتمد على الإشراق وهو ظهور الأنوار العقلية ولَمَعَانُهَا وفيضانها في النفس عند تجردها. وقد كان اعتماد الفارسيين –كما يقول قطب الدين الشيرازي- في الحكمة على الذوق والكشف، وكذلك قدماء اليونانيين، عدا أرسطو وشيعته فإن اعتمادهم كان على البحث والبرهان لا غير([33]).
ويشير السهروردي إلى أن حكمة الإشراق عنده مؤسسة على الذوق، قائلًا: «ولم يحصل لي -أي ما تضمنه كتابه (حكمة الإشراق)- بالفكر، بل كان حصوله بأمر آخر ، ثم طلبت الحجة عليه، حتى لو قطعت النظر عن الحجة مثلًا ما كان يشككني فيه مشكك»([34]).
وللسهروردي نظرية في الوجود عبر عنها بلغة رمزية، وتقوم على أساس نظرية الفيض([35])، ولا يمكن اعتبارها نظرية صوفية في وحدة الوجود بالمعنى الدقيق؛ لأنه يعدد العوالم الفائضة عن الله، أو نور الأنوار الذي يشبه الشمس التي لا تفقد من نوريتها شيئًا رغم إشعاعاتها المستمرة([36]).
وهناك في رأيه عوالم ثلاثة فائضة:عالم العقول، وعالم النفوس، وعالم الأجسام. فالأول: يشمل الأنوار القاهرة ومن جملتها العقل الفعال أو روح القدس. والثاني: يشمل النفوس المدمرة للأفلاك السماوية وللأجسام الإنسانية. والثالث: هو عالم الأجسام العنصرية أي أجسام ما تحت فلك القمر، والأجسام الأثيرية أي أجسام الأفلاك السماوية([37])، ولكن السهروردي يضيف إليها في (حكمة الإشراق) عالم المثل المعلقة، بناء على تجربته الصوفية([38]). وعالم المثل هذا متوسط بين العالم العقلي للأنوار المحضة، وبين العالم المحسوس، وهو مدرك بالمخيلة النشطة، وهو ليس عالم المثل الأفلاطونية. وعبارة (المعلقة) هذه تعني أن هذه المثل ليست حالة في قوام مادي، بل إن لها مظاهر تتجلى بها كما تظهر الصورة في المرآة. وفي عالم المثل المعلقة نجد كل ما في العالم المحسوس من غنى وتنوع، ولكن بحال لطيفة، وهو عالم من الصور والظلال الدائمة المستقلة الذي يشكل عتبة لدخول عالم الملكوت([39]).
ويوضح قطب الدين الشيرازي ترتب هذه العوالم عند الإشراقيين، فيذكر أن العالم عالمان: (عالم المعنى) المنقسم إلى عالم الربوبية، وعالم المعقول. و(عالم الصور) المنقسم إلى الصور الجسمية، وهي عالم الأفلاك والعناصر، وإلى الصور الشبحية، وهو عالم المثال المعلق([40]).
والنفس الإنسانية عند حكيم الإشراق لا تصل إلى عالم القدس ولا تتلقى أنوار الإشراق إلا بالرياضة والمجاهدة ذلك أنها من جوهر الملكوت، وإنما يشغلها عن عالمها -يقصد عالم الملكوت- هذه القوى البدنية، فإذا قويت النفس بالفضائل الروحانية، وضعف سلطان القوى البدنية، وغلبتها بتقليل الطعام وتكثير السهر؛ تتخلص أحيانًا إلى عالم القدس، وتتصل بأبيها المقدس، وتتلقى منه المعارف»([41]).
وهكذا تصل النفس عند السهروردي بالرياضة إلى نوع من الفناء عن المتعلقات الدنيوية، وعندئذ تتصل بعالم القدس، وتتحقق لها المعرفة والسعادة، فيقول: «لذة كل قوة إنما تكون بحسب كمالها وإدراكها، وكذا ألمها. ولذة كل شيء وألمه بحسب ما يخصه، فللشم ما يتعلق بالمشمومات، وللذوق ما يتعلق بالمذوقات، وللمس ما يتعلق بالملموسات، وكذا نحوها، فلكل ما يليق به. وكمال الجوهر العاقل الانتعاش بالمعارف من معرفة الحق والعوالم والنظام، وبالجملة أمر المبدأ والمعاد، والتنزه عن القوى البدنية، ونقصه في خلاف هذا، وتتعلق لذاته وألمه بهما»([42]). فالنفوس الفاضلة عنده تتحقق بمشاهدة أنوار الحق والانغماس في بحر النور، ولا تنقضي سعادتها([43]).
وعلى الرغم مما قد يبدو في كلام السهروردي من اتفاق ظاهري مع الصوفية الخلص على ضرورة اصطناع المجاهدة والترقي الخلقي للوصول إلى الفناء، والمعرفة بالله، واللذة أو السعادة، إلا أنه يختلف عنهم في اعتباره الحكمة البحثية ضرورية للوصول إلى أعلى المراتب الإنسانية([44])، ويشير بها إلى (الفلسفة المشائية).
ويتبين لنا ذلك من تقسيمه لمراتب الحكماء، فهناك فى رأيه حكيم إلهي متوغل فيالتألهعديم البحث، وهو كأكثر الأنبياء !!! والأولياء من الصوفية، كأبي يزيد البسطامي، وسهل التستري، والحلاج. وحكيم بحاث عديم التأله، وهو كالمشائين من أتباع أرسطو من المتقدمين، وكالفارابي وابن سينا من المتأخرين. وحكيم إلهي متوغل في التأله والبحث، ولم يصل إلى رتبته إلا السهروردي نفسه. وهذا الحكيم المتوغل في التأله والبحث له الرياسة في وقته، وهو (القطب)، وهو لا يعني برياسته التغلب، فقد يكون خفيًّا أو في غاية الخمول، وهو –أيضًا- (خليفة الله) ولا يخلو منه العالم([45]).
وليس من شك في أن ما يذهب إليه السهروردي من أن مقام الحكيم المتوغل في التأله والبحث أعلى من مقام الأنبياء، يعد سببًا كافيًا لهجوم فقهاء عصره عليه. وقد هاجمه ابن تيمية المتوفى سنة 727هـ -أيضًا- متهمًا إياه بادعاء النبوة، على نحو ما يتبين من قوله: «فالواحد من هؤلاء -يقصد من المتفلسفة الصوفية- يطلب أن يصير نبيًّا، كما كان السهروردي المقتول يطلب أن يصير نبيًّا. وكان قد جمع بين النظر والتأله، وسلك نحوًا من مسلك الباطنية، وجمع بين فلسفة الفرس واليونان، وعظم أمر الأنوار، وقرب دين المجوس الأول، وكان له يد في السحر والسيمياء، فقتله المسلمون على الزندقة بحلب في زمان صلاح الدين»([46]).
وتقوم فلسفة السُّهْرُوَرْدِىّ على عدة مبادئ :
أ- مبدأ إمكان الأشرف، والذى يبنى عليه السُّهْرُوَرْدِىّ فلسفته . والتى تعنى أن الممكن إذا وجد فلا بد أن يكون الأصل قد وجد قبله ، أو أن إثبات وجود الفرع يتضمن إثبات وجود الأصل ، ووجود ما هو أقل رتبة يشير حقا إلى وجود ما أرفع منه رتبة .
ب- الفقر والغنى فى النورية ، وهما أساس للتمييز بين مراتب الأنوار ، والشدة والنقص فى النورية ، والغنى والفقر هما الوجوب والإمكان([47]) .
ج- الإشراق والمشاهدة ، أو القهر والمحبة . فالإشراق والمشاهدة عمليتان أحدهما يتخذ اتجاها نازلا ، والآخر صاعدا ، وشرط الإشراق عدم وجود حجاب بين المشرِق والقابل للإشراق ، ثم استعداد القابل . وشرط المشاهدة عدم وجود حجاب أيضا ووجوب الاستعداد .
والإشراق والمشاهدة عمليتان تتخذان صفتين مختلفتين فهما من ناحية مشيدتان وحافظتان للوجود (يعنى إذا صدرا من نور الأنوار) ، ومن ناحية أخرى طريقان للمعرفة الذوقية إذا صدرا من الإنسان الإشراقى .
وقد حاول السُّهْرُوَرْدِىّ تقديم نظرية حول بناء العالم من خلال الإشراق والمشاهدة، فالنور الأقرب صدر عن نور الأنوار عن طريق الإشراق أو الفيض، والأنوار المجردة الأخرى صدرت عن بعضها عن طريق الإشراق ، فالعالى يصدر عنه ما هو أقل منه فى النورية، وهكذا حتى تكون سلسلة الموجودات .
والقهر والمحبة تعبير آخر عن الإشراق والمشاهدة ، فالقهر معناه الإحاطة أو الإيجاد ، وهو معنى الإشراق ، والمحبة معناها الانقياد للأكمل ، وذلك عن طريق محاكاته بالمشاهدة([48]) .
د- القرب والبعد عن الواحد، وبهما تتحدد مراتب الشدة النورية، فالصادر الأول نور مجرد ، وهو الواسطة بين نور الأنوار والموجودات ، وهذا الصادر الأول لا كثرة فيه أصلا ، ولا تلحق به المادة من أى وجه من الوجوه ، ثم تنتظم منه سلسلة الموجودات النورانية ، وتتركب فى ترتيب تنازلى ابتداء من نور الأنوار، ويصدر بعضها عن بعض صدورا ضروريا([49]).
ومن الواضح أن استمرار الإشراق على هذا النحو لا يؤدى إلى تقرير عالم الأجسام ، ومذهبه الذى يقوم على الصدور الضرورى ، لا يقدم تبريرا مقنعا لفكرة الإمكان ، وكيف يصدر الممكن عن الصادر الأول([50]) .
هـ- إبداع العقل للموجودات بترتيب تنازلى شيئا بعد شىء([51]) .
وينبه الدكتور أبو ريان على أن هذه المبادئ أخذها السُّهْرُوَرْدِىّ من كتاب أثولوجيا لأفلوطين - والمنسوب خطأ لأرسطو- مما يوضح مدى تأثير هذا الكتاب على فلاسفة الإسلام([52]) .
العقول العشرة عند السهروردى:
ويتبين من نظرية السُّهْرُوَرْدِىّ فى الفيض أن العقل الأول هو الصادر عن نور الأنوار ، وعنه يصدر العقل الثانى ، وعن الثانى يصدر الثالث ، وهكذا([53]) .
وهذه النظرية وضعها الفارابى ، وقد أسندت خطأ إلى أرسطو ، ويمكننا أن نعثر على بعض أسسها عند أفلوطين ، ... ، وقد تابع ابن سينا الفارابى فى هذه النظرية ، وتناولها بالعرض ، ولم يزد عليها شيئا ذا خطر ، أما السُّهْرُوَرْدِىّ فكان موقفه منها موقفا قلقا فهو يؤيدها فى بعض كتبه مثل اللمحات والتلويحات ، وينقضها فى حكمة الإشراق ، ويرى أن العقول لا تقف عند العشرة ، بل هى كثيرة ذات كثرة فائقة لا يحصرها عد أو حد لأنها تعتبر مثلا للموجودات الحسية ([54]).
عالم النور عند السهروردى:
يمكن أن يعد البناء الوجودى عند السُّهْرُوَرْدِىّ استمرارا بطريقة ما لنظرية العقول العشرة ، أو كنتيجة لنقده لهذه النظرية ، والذى يقوم على تكثير العقول وتعددها .
والحقيقة النورانية يحس بها الإشراقى ، ويشعر باندماجها فى الكل النورانى ، ويلمس اتصالها بنور الأنوار عن كثب ، ويدرك الحيوية الفائقة فى الوجود الحقيقى ، وتمتزج عنده المعرفة بالوجود فلا يحتاج إلى الفصل العقلى بين دواعى المعرفة ودواعى الوجود ، وهو يرى الوجود فى وحدة شاملة.
وعلى الرغم من أن السُّهْرُوَرْدِىّ قد رفض وحدة الوجود إلا أنه مساق إليها من حيث أنها وحدة شهود .
ويرى الدكتور أبو ريان أنه إنما أبطل الاعتقاد بها خيفة بطش الفقهاء ، الأمر الذى حدث رغما عن هذا الحرص والحذر الشديدين([55]) .
المادة عند السهروردى:
الأشعة النورية تستمر فى الإشراق إلى أبعد مدى ، وتتألف منها أنوار طولية وعرضية ، ... فكيف يمكن أن يصدر الظلام عن النور ، وأن تنتهى الموجودات النورية إلى موجودات ظلمانية .
لا تعطينا نصوص السُّهْرُوَرْدِىّ تفسيرا مقنعا لصدور الظلام عن النور ، فمذاهب الفيض تعجز عن أن تقيم برهانا على صحة صدور الممكن عن الضرورى ، ولا يمكن أن نفسر تناهى الأنوار إلى الظلمة أى العدم ، ما دام أنه يفرق بين الأنوار العقلية الفائضة والأنوار الحسية من حيث الطبيعة فالأولى لا تتلاشى ، والأنوار الحسية تتلاشى([56]) .
النفس عند السهروردى:
تنزع الإشراقية إلى الفكرة الأفلاطونية التى تقرر تطابق المادة مع الشر ، فالبدن شر على النفس لأنه مادى ، والنفس قد غشيها البدن بكثافته ، فهى تسعى إلى الفكاك من أسره ، والاتحاد بين الطرفين غير ممكن ، لأن وجود المادة فى مذهب روحى كهذا وجود وهمى ، من ثم تبقى مظاهر اتحاد النفس بالجسم عند السُّهْرُوَرْدِىّ دون تفسير ، مع وجود الفصل الميتافيزيقى التام بين الطرفين .
على أية حال فمذهب الفيض يعتبر البدن شرا ، وترى تخلص النفس منه مشكلة هامة يتوقف عليها مصيرها ، ويتحقق الخلاص بالمعرفة والسلوك([57]).
نظرية المعرفة عند السهروردى:
تشير نصوص السُّهْرُوَرْدِىّ إلى نوع من العلم لا يأتى عن طريق التجريد الذهنى ، أو تمثل صورة الموضوع فى الذهن ، كما هو عليه الفلسفة الإرسطية ، بل يرى السُّهْرُوَرْدِىّ أن هذا علم لا يزيد شيئا على الذات العارفة .
بل العلم عند السُّهْرُوَرْدِىّ تكشُّف يتحد فيه الموضوع بالعارف ، لأن الذات العارفة نفسها من نوع الموضوع ، فهى نور وشعور بهذا النور ، ثم إن موضوع المعرفة هى الأنوار العقلية .
فالمعرفة عند السُّهْرُوَرْدِىّ لا تقوم على تجريد الصور كما يقرر المشاؤون ، بل تقوم على الحدس الذى يربط الذات العارفة بالجواهر النورانية ... فعندما يكون الموضوع معروضا للنظر ، وترفع الحجب يحصل للنفس إشراق حضورى على المبصر فتراه النفس بحضوره عندها ، وليس عن طريق صورة صادرة عن الموضوع ، ومرتسمة فى النفس ... ، فالنفس عندما تضاء جوانبها بالإشراق تدرك الموضوع الحاضر... وهذه القدرة للنفس على استحضار الموضوع تختص بالنفس وحدها فى حالة مفارقتها للبدن وتجردها عن علائقه ... ويتدرج هذا الإدراك حسب درجة النفس فى التسلط على قوى الجسد أو تسلط الجسد على قوى النفس ، فمن أنوار مشرقة إلى ظلمات غاسقة .
وليست هناك شروط خاصة للمعرفة المباشرة عند السُّهْرُوَرْدِىّ إلا فى خلاص النفس من البدن([58]) .
وبناء على هذه النظرية فى المعرفة ، وبناء على أن العالم الحسى وهم ، والوجود الحقيقى هو وجود النفس والروح ، ومن ثم يرى السُّهْرُوَرْدِىّ أن الإدراك الحسى أقرب إلى إدراك المعقول منه إلى المحسوس ، إذ أن موضوعاته ليست المحسوسات فحسب ، بل أيضا الإشراقات ، وهو أبسط وأول مراحل اتصال النفس بالعالم الخارجى([59]) .
أما الإدراك العقلى فقد قبل السُّهْرُوَرْدِىّ آراء المشائية فيما يختص بمشكلة العقل التى تقسم العقل إلى عقل هيولانى ، وعقل ممكن ، وعقل بالملكة ، وعقل مستفاد ، والروح القدس ، إلا أن السُّهْرُوَرْدِىّ يزيد على هذا الموقف اتجاهه المشرقى ، فموضوعات المعرفة ليست المحسوس الذى يجرد العقل منه الصورة المعقولة ، بل الموضوع يستثير الذهن العارف فيحل للذهن إشراق حضورى هو فعل المعرفة ، وعملية الإشراق تربط بين المحسوس ومثاله حسب نظرية المثل([60]) .
النور والظلمة عند السهروردى:
لم يقبل السُّهْرُوَرْدِىّ فكرة النور والظلمة كما هى عند المانويين مثلا أو المزادكة حيث النور مبدأ مساوق فى الوجود للظلام ، وحيث الصراع دائم بينهما ، أما عند السُّهْرُوَرْدِىّ فالنور والظلمة مظهران لحقيقة باطنة ، والنور يعبر عن الحقيقة العقلية الكاملة ، أما الظلام فهو عدم النور ، وتلاشيه ، وعلى هذا فليس الظلام مبدأ وجوديا عنده ، بل هو عدم وجود ... إلا أن الظلام مع كونه عدم وجود فإنه مساوق للشر بالمعنى الأخلاقى عند السُّهْرُوَرْدِىّ ، وهذه فكرة أفلاطونية محدثة شائعة عند الفارابى وابن سينا حيث نجد خلطا بين المدلول الوجودى للمادة والمدلول الأخلاقى ، فالمادة نقص فى الوجود ، وهى فى نفس الوقت شر([61]) .
الرمزية فى فلسفة السُّهْرُوَرْدِىّ :
عمد السُّهْرُوَرْدِىّ فى مؤلفاته إلى الرمز والإشارة والتكلم بلسان الذوق مما خفيت معه المعانى التى انطوت عليها أقواله وتعاليمه ، وأدى إلى شك معاصروه فى عقيدته وإيمانه([62]) ، ويقول السُّهْرُوَرْدِىّ فى مقدمة حكمة الإشراق([63]) : ((وكلمات الأولين مرموزة وما رد عليهم، وإن كان متوجها على ظاهر أقاويلهم لم يتوجه على مقاصدهم، فلا رد على الرمز ، وعلى هذا يبتنى قاعدة الشرق فى النور والظلمة التى كانت طريقة حكماء الفرس)).
ويقول الشَّهْرُزُورِىّ([64]) : ((واعلم أن فهم كلامه ومعرفة أسراره مشكل بها على من لا يسلك طريقته ، ولا يتبع خلقه وعادته ، لأنه بنى على أصول كشفية ، وعلوم ذوقية ، فمن لم يحكم أصوله لا يعرف فروعه ، ومن لم يتجرد عن الدنيا والآخرة لم يذق بالجملة معرفة كلامه ، وحل كتبه ، ورموزاته منوقف على معرفة النفس ، وأكثر الحكماء والعلماء لا خبر لهم بها إلا فى النوادر يأتى فى كل دهر واحد ...)). ثم يحكى عن نفسه فيقول : ((وقد كنت فى عنفوان الشباب أوافقهم (يعنى المنكرين عليه) فى عدم الالتفات إليه ، حتى غلبنى حب التجريد ، وسلكت ،
ويسر الله على معرفة نفسى ، فانحل كلامه ، ووقفت على جميع أسراره فى أيسر زمان ... )).
على أننا نرى أن هناك فرق بين الرمز الصوفى ، والرمز الإشراقى ، وإن كان لنا اعتراض على كليهما ، فالرمز الصوفى يقوم على الذوق فمن ذاق عرف بمجرد الذوق دون حاجة إلى شرح، أما الرمز الإشراقى فمجرد اصطلاح بين طائفة الإشراقيين ، يظهر المراد به بالوقوف على شرحه وبيان معناه ، وشأنه فى ذلك شأن أى مصطلحات ، من حيث التعامل ، والإشكالات الواردة عليه ، ولهذا نجد ابن عربى مثلا يورد فى رسالة اصطلاحات الصوفية بعض الاصطلاحات الإشراقية ، ويبين معناه ، وأنه ربما يصطلح هو على معنى آخر فمثلا يقول :
((اللوائح : ما يلوح للأسرار الظاهرة من حال إلى حال . وعندنا : ما يلوح للبصر : إذا لم يتقيد بالجارحة من الأنوار الربانية : لا من جهة السلب .
الطوالع : أنوار التوحيد تطلع على قلوب أهل المعرفة ، فتطمس سائر الأنوار([65]) .
النور : كل وارد إلهى بطريق الكون عن القلب([66]))).
ولهذا احتاجت كتب السُّهْرُوَرْدِىّ إلى شرح ، يبين مراد كلمه ، شأن أى كلام اصطلاحى ، مبنى على قواعد محددة .
الفلسفة الأخلاقية عند السُّهْرُوَرْدِىّ :
تمثل الفلسفة الأخلاقية عند السُّهْرُوَرْدِىّ عنصرا هاما من عناصر فلسفته الأخلاقية ، ذلك أن تهذيب الأخلاق هى الوسيلة الأساسية لمساعدة النفس على تحصيل العلوم ، وقد ذكر الشَّهْرُزُورِىّ كلاما له يصلح أن يكون مدخلا إلى الفلسفة الأخلاقية عند السُّهْرُوَرْدِىّ ، يقول الشَّهْرُزُورِىّ([67]) : ((المقصود من هبوط النفس الناطقة من العالم العلوى العقلى إلى العالم السفلى الظلمانى لكى تستكمل بالعلوم والمعارف الحقيقية لخلوها فى أول الأمر عن ذلك ... وذلك لا يكون إلا بمعاونة البدن وقواه ، والبدن لا يقوم إلا بالأغذية والملابس والمساكن وما يتبعها من الأمور اللذيذة ، فوجب أن يكون هذه الأشياء مقدرة مضبوطة بالاعتدال لئلا تخرج عنه إلى أحد طرفى الإفراط أو التفريط ... فلهذا احتجنا إلى تهذيب الأخلاق ضمنا وتبعا ، لأن الاشتغال بالحواس الظاهرة والباطنة والشهوة والغضب حجاب للنفس ومنع لها فى الحال عن تحصيل العلوم ... وإذا علمت أن كمال الأنفس بالعلوم النظرية ، وأن العلم بالحكمة العملية نظرى أيضا ، وأن تهذيب الأخلاق إنما جعل لتتفرغ النفس عن الشواغل وتصفو عن الموانع المضادة عن الاستكمال ، فالسعادة الإنسانية مذوقة بتحصيل العلوم ...)).
التعقيب على فلسفة السُّهْرُوَرْدِىّ :
بعد عرض ملخص لفلسفة السُّهْرُوَرْدِىّ ، وأهم أسسها وأفكارها ، نرى أن السُّهْرُوَرْدِىّ يقدم لنا مذهبا فلسفيا إنسانيا كاملا ، يناقش فيه قضايا الفلسفة من خلال المنظومة الرئيسية لها : الله - الكون - الإنسان ، فيقدم مفهومها لكل منها ، ومفهومه لعلاقة كل منها بالآخر ، شأنه فى ذلك شأن أى فليسوف ، وهو فى ذلك يقف على قدم المساواة مع أمثال أرسطو ، وأفلاطون ... ، ومذهب السُّهْرُوَرْدِىّ الفلسفى شأن أى مذهب فلسفى آخر فيه جانب التأثر بما سبقه ، وفيه جانب النقد ، ومحاولة تقديم الجديد .
لكن مذهب السُّهْرُوَرْدِىّ لا ينطلق من أسس إسلامية بشهادة السُّهْرُوَرْدِىّ نفسه ، وبشهادة كل من درس مذهبه ، أو تكلم عنه . وللدكتور محمد مصطفى حلمى عبارة هامة فى هذا السياق ، يقول([68]) :
أول ما يلاحظ فى هذا المذهب أنه يلعب فى الفلسفة دورا يشبه الدور الذى تلعبه المذاهب الصوفية الخالصة فى العلوم الدينية الإسلامية ، مثله فى هذا كمثل الفلسفتين الإلهية والطبيعية فيما تلعبان فى الفلسفة من دور يشبه الدور الذى يلعبه علم الكلام بين العلوم الإسلامية . ومعرفة الذات الإلهية وصفاتها وأفعالها وحكمتها حظ مشترك بين علم الكلام والفلسفة والتصوف ، غير أن هذه المعرفة تحصل من طريقين :
أحدهما : طريق النظر الفلسفى والاستدلال العقلى .
والآخر : طريق الذوق الروحى ، والوجد الصوفى .
1- والذين يسلكون الطريق الأول : إذا كانوا يؤمنون بتعاليم الإسلام ويؤيدون عقائده بالدليل العقلى ، فهم المتكلمون .
أما إذا لم يكونوا كذلك ، أى إذا كانوا يصطنعون النظر العقلى وحده ، فهم الحكماء المشاءون .
2- والذين يسلكون الطريق الثانى : إذا كانوا من المؤمنين بتعاليم الإسلام ، والمتأولين لنصوصه وأحكامه ، والملائمين بين هذه الأحكام والنصوص على وجه ما من أوجه الملاءمة ، فهم الصوفية .
أما إذا لم يكونوا كذلك ، أى إذا كانوا يصطنعون الذوق ، ويعرض فى مذاهبهم ما ينافى نصوص الشرع وأحكامه ، فهم الحكماء الإشراقيون . ومن هنا كانت حكمة الإشراق فلسفة روحانية تذهب فى المعرفة مذهبا ذوقيا قوامه أن المعرفة الإنسانية إلهام من العالم العلوى ، كما يدل على ذلك ما يحدثنا به السُّهْرُوَرْدِىّ نفسه من أنه كتب كتابه (حكمة الإشراق) إجابة لملتمس فريق من أصدقائه طلب إليه أن يكتب كتابا يذكر فيه ما حصل له بالذوق فى خلواته ومنازلاته([69]) ، وأن المنهج الذى اصطنعه هو ذوق إمام الحكمة أفلاطون الذى يلقبه السُّهْرُوَرْدِىّ بصاحب الأيد والنور([70]))).
ويؤكد هذا المعنى الدكتور أبو ريان([71]) حيث ينبه على أنه لا بد من ملاحظة اختفاء الجانب الفلسفى العميق فى مذاهب الإشراقيين المغربيين أمثال عبد السلام بن مشيش ، وأبى الحسن الشاذلى ، وتلامذته ، وأنهم قد ربطوا موقفهم نهائيا بتصوف أهل السنة والجماعة ، وذكروا استمدادهم المباشر من الكتاب والسنة ... بينما نجد الموقف الإشراقى فى المشرق يتعقد فيلتاث بدعاوى الباطنية ، ويقبل نظرية الإمامة العالمية ، ووحدة الوجود ووحدة الأديان . وإن كنا نعترض على وصف الدكتور أبو ريان لمذهبى ابن مشيش وأبى الحسن الشاذلى بأنه إشراقى، ونرى أنه مذهب ذوقى صوفى سنى محض، ووصفه بالإشراقى بمعناه الفنى الاصطلاحى غير مطابق لحقيقة مذهبهما.
ونجد نفس الاتجاه عند الدكتور عبده الحلو([72]) ، حيث يؤكد على أن الإشراقيين ينطلقون من المعرفة ، وهم فى ذلك مخلصون للتقليد الغنوصى والأفلاطونى المحدث ... ، بينما المتصوفون ينطلقون من العبادة بمفهومها الدينى ... ، ويذكر أنه قد تنبه عدد من المتصوفين إلى هذا الفرق الجوهرى فقام السُّهْرُوَرْدِىّ صاحب عوارف المعارف بمهاجمة الإشراق ، ويعتبر أن الانصراف إلى الخلوة والتأمل بغية التوصل إلى الإشراق والمشاهدة يجب أن يكون مأخوذا من الشريعة والتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فإن هذه الأعمال تبعد الإنسان عن الله ، وينبه يعنى صاحب عوارف المعارف على أن الفلاسفة الإشراقيين يريدون الكرامة لأنفسهم ، بينما يطلب الله منا الاستقامة .
ومن الممكن تلخيص ملاحظاتنا على فلسفة السُّهْرُوَرْدِىّ فيما يلى :
- أن فلسفة السُّهْرُوَرْدِىّ يرد عليها كلما يرد على الفلسفة الأفلاطونية المحدثة من طعون ، وردود ، أهمها أنها مبنية على الوهم ، والخيال ، والحكم على الأشياء بغير دليل ولا برهان .
- أن الإيغال فى الرمزية مردود ، كما تقدم الكلام عليه بالتفصيل .
- أن موقف الإشراقية الرافض للتعليم والتعلم هو موقف مرفوض تماما ، بل يمثل هدما للدين ، الذى قام أساسه على التعليم والتعلم ، فما أرسل به النبى صلى الله عليه وسلم إنما عرفه عن طريق التعلم {إن هو إلا وحى يوحى علمه شديد القوى}([73]) ، ووظيفة النبى {يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة}([74]) ، كما أن التعليم هو أحد المنن التى منّ الله بها على الناس {ويعلمكم الله}([75]) . ومع رفض الإشراقيين للتعليم والتعلم يصنفون الكتب ، ويشرحونها بطريقة تعليمية محضة مناقضين بذلك أسس مذهبهم ، وحولوه متناقضين من مذهب إشراقى إلى مذهب تعليمى مكتسب، وهذا التناقض كاف لهدم أساس المذهب الإشراقى. ومما يعنى أن دعوى رفض التعليم والتعلم إنما هى تكأة للخروج عن قواعد الشرع ، وإيجاد ثغرة لتقرير ما يشاءون من أفكار .
- أن القول بالإشراق مفضٍ إلى النسبية المطلقة، ولماذا يريد فرد بعينه أن يفرض علينا إشراقه، وإنما ينبغى على كل شخص - بناء على قاعدة الإشراق نفسها- أن يكون له إشراقه الخاص ، وليصبح لدينا فوضى إشراقية ، وليست فلسفة إشراقية ، ولهذا فنرى أن الإشراقيين ناقضوا أنفسهم ، ولم يتسقوا مع فكرهم عندما حولوا مذهبهم إلى مذهب مدرسى ، له كتبه ، وشروحه ، فكان فى ذلك تفريغ لفلسفتهم من روحها .
- أن الادعاء بأن علاقة الله بالموجودات أنه العقل الذى تفيض منه سلسلة الموجودات هو مناقضة صريحة لنص القرآن الذى يحدد تلك العلاقة بأنه علاقة الخالق بمخلوقاته ، فهى علاقة خلق ، وليس علاقة فيض ، سبحانه {خالق كل شىء}([76]) .
-
وفى النهاية فإنه رضى لنفسه ورضى له أتباعه ودارسوه أن يجعلوه مع أفلاطون وهرمس
وحكماء فارس ... ، ونحن لا نملك إلا أن نرتضى له ذلك ، وكما يقول النبى صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب" .
نسأل الله تعالى بحبنا له سبحانه وحبنا لرسوله ولشرعه الخاتم وللقرآن والسنة ولحملتها ولآل بيت نبيه ، ولصحابته أجمعين أن يجعلنا معهم بحبنا إياهم.
المراجع :
- مدخل إلى التصوف الإسلامي، د. أبوالوفا الغنيمي التفتازاني، القاهرة: مكتبة الثقافة للطباعة والنشر، ط 2، 1976م، (ص234-241)، بتصرف واختصار وإضافات واسعة.
- السهروردى المقتول فى ميزان الفكر الإسلامى ، عصام أنس الزفتاوى، القاهرة ، 1420 هـ/ 2000 م ، بحث منشور بموقعه (لطائف المنن) على شبكة المعلومات الدولية، بتصرف واختصار.
([1])انظر ترجمته في وفيات الأعيان: جـ2، ص 340-348، وبحثًا عن حياته للمرحوم أستاذنا الدكتور محمد مصطفى حلمي، مجلة الآداب بجامعة القاهرة، م 12: جـ2، ديسمبر 1950، وقد تخصص الأستاذ الدكتور محمد علي أبو ريان في دراسة السهروردي المقتول، ونشر (هياكل النور)، القاهرة 1957، وعني بدراسته –أيضًا- المستشرق كوربان (Corbin) ونشر عدة مصنفات له.
([6]) شرح حال السُّهْرُوَرْدِىّ ، للشَّهْرُزُورِىّ ، 3/15-17 ، ضمن مجموعة مصنفات السهروردى ، بعناية هنرى كربن ، ط طهران ، 1373 .
([8]) القلندرية أحد فرق الملامتية ، وهم قوم ملكهم سكر طيبة قلوبهم حتى خربوا العادات ، وطرحوا التقييد بآداب المجالسات والمخالطات ، وساحوا فى ميادين طيبة قلوبهم ، فقلت أعمالهم إلا من الفرائض ... والقنلدرى لا يتقيد بهيئة ، ولا يبالى بما يعرف من حاله وما لا يعرف . الموسوعة الصوفية ، لعبد المنعم الحفنى ، ص 329 .
([9]) شرح حال السُّهْرُوَرْدِىّ ، للشَّهْرُزُورِىّ ، 3/16-17 ، ضمن مجموعة مصنفات السهروردى ، بعناية هنرى كربن ، ط طهران ، 1373 .
([13]) الحياة الروحية فى الإسلام ، الدكتور محمد مصطفى حلمى ، ص 144 . أصول الفلسفة الإشراقية عند شهاب الدين السُّهْرُوَرْدِىّ ، للدكتور محمد على أبو ريان ، ص 77-98. الموسوعة الصوفية (أعلام التصوف ، والمنكرين عليه ، والطرق الصوفية) ، الدكتور عبد المنعم الحفنى ، ص 217 . الفلسفة الأخلاقية الأفلاطونية عند مفكرى الإسلام ، الدكتور ناجى التكريتى ، ص 472-477 .
([14]) حكمة الإشراق ، ص 2/10 ، ضمن مجموعة مصنفات السُّهْرُوَرْدِىّ ، بعناية هنرى كربن ، ط طهران ، 1373 .
وقد عزاه إلى مقدمة هياكل النور : الدكتور ناجى التكريتى فى الفلسفة الخلاقية الأفلاطونية عند مفكرى الإسلام ، ص 473 . والصواب إنه فى مقدمة حكمة الإشراق ، ولم يتعرض إلى ذلك فى مقدمة هياكل النور ، انظر : شواكل الحور فى شرح هياكل النور ، جلال الدين الدوانى (محمد بن سعد اليدن بن أسعد الصديقى ، ت 908هـ) ، ص 6-15 ، بعناية الدكتور محمد عبد الحق اكسن ، ومحمد يوسف كوكن ، طبعة حكومة مدراس بالهند ، 1373/ 1953 .
([16]) تاريخ الفلسفة الإسلامية، ترجمة نصير مروة، وحسن قببسي، بيروت 1966: جـ1، ص 304. وقد بين الدكتور التفتازانى أثر الهرمسية عليه في بحث له عنوانه (أبو سبعين وحكيم الإشراق) بالكتاب التذكاري عن السهروردي المقتول الذي يصدره المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية.
([19]) انظر شيئًا عن آرائه في كتاب نيكولسون (صوفية الإسلام)، الترجمة العربية للأستاذ نور الدين شريبة: ص 85 وما بعدها.
([23]) العقل الهيولانى : وهو الاستعداد المحض لإدراك المعقولات ، وهو قوة محضة خالية عن الفعل كما للأطفال ، فإن لهم فى حال الطفولة وابتداء الخلقة استعداداً محضاً وإلا امتنع اتصاف النفس بالعلوم ، وكما تكون النفس فى بعض الأوقات خالية عن مبادى نظرى من النظريات فهذه الحال عقل هيولانى للنفس باعتبار هذا النظرى .
([24]) العقل بالفعل : وهو ملكة استنباط النظريات من الضروريات أى صيرورة الشخص بحيث متى شاء استحضر الضروريات ولاحظها واستنتج منها النظريات ، وهذه الحالة إنما تحصل إذا صارت طريقة الاستنباط ملكة راسخة ؛ وقيل هو حصول النظريات وصيرورتها بعد استنتاجها من الضروريات بحيث يستحضرها متى شاء بلا تجشم كسب جديد ، فالعقل بالفعل على الأول ملكة الاستنباط والاستخصال ، وعلى الثانى ملكة الاستحضار .
([25]) العقل بالملكة : وهو العلم بالضروريات ، واستعداد النفس بذلك لاكتساب النظريات منها ، وما هو إلا الإحساس بالجزئيات والتنبه لما بينها من المشاركات والمباينات ، فإن النفس إذا أحست بجزئيات كثيرة وارتسمت صورها فى آلاتها الجسمانية ولاحظت نسبة بعضها إلى بعض استعدت لأن يفيض عليها من المبدأ صور كلية وأحكام تصديقية فيما بينها ، فالمراد بالضروريات أوائل العلوم ، وبالنظريات ثوانيها .
([26])العقل المستفاد : هو أن تحصل النظريات مشاهدة . ووجه الحصر فى الأربع أن القوة النظرية إنما هى لاستكمال النفس الناطقة بالإدراكات المعتد بها ، وهى الكسبية لا البديهيات التى تشاركها فيها الحيوانات . ومراتب النفس فى هذا الاستكمال منحصرة فى نفس الكمال واستعداده ، فالكمال هو العقل المستفاد أى مشاهدة النظريات . والاستعداد إما قريب ، وهو العقل بالفعل ؛ أو بعيد ، وهو العقل الهيولانى ؛ أو متوسط ، وهو العقل بالملكة .
([44]) أوجب السهروردي على السالك بطريقته أن يقرأ (التلويحات)، وهو كتاب على طريقة المشائين قبل (حكمة الإشراق)، فيجمع بذلك بين البحث والتأله. مجموعة في الحكمة الإلهية: ص 192، وحكمة الإشراق: ص15).
([46]) أورده أبو المعالي الشافعي السلامي في كتابه (غاية الأماني في الرد على النبهاني)، القاهرة، 1325هـ: جـ21، ص 440.
([48]) أصول الفلسفة الإشراقية عند شهاب الدين السُّهْرُوَرْدِىّ ، للدكتور محمد على أبو ريان ، ص 163-166.
([49]) أصول الفلسفة الإشراقية عند شهاب الدين السُّهْرُوَرْدِىّ ، للدكتور محمد على أبو ريان ، ص 169-175.
([51]) أصول الفلسفة الإشراقية عند شهاب الدين السُّهْرُوَرْدِىّ ، للدكتور محمد على أبو ريان ، ص 166-168.
([53]) أصول الفلسفة الإشراقية عند شهاب الدين السُّهْرُوَرْدِىّ ، للدكتور محمد على أبو ريان ، ص 180-181.
([54]) أصول الفلسفة الإشراقية عند شهاب الدين السُّهْرُوَرْدِىّ ، للدكتور محمد على أبو ريان ، ص 182-199.
([55]) أصول الفلسفة الإشراقية عند شهاب الدين السُّهْرُوَرْدِىّ ، للدكتور محمد على أبو ريان ، ص 200-201.
([56]) أصول الفلسفة الإشراقية عند شهاب الدين السُّهْرُوَرْدِىّ ، للدكتور محمد على أبو ريان ، ص 239-247.
([57]) أصول الفلسفة الإشراقية عند شهاب الدين السُّهْرُوَرْدِىّ ، للدكتور محمد على أبو ريان ، ص 285-298.
([58]) أصول الفلسفة الإشراقية عند شهاب الدين السُّهْرُوَرْدِىّ ، للدكتور محمد على أبو ريان ، ص 75-76 ، 299-305.
([59]) أصول الفلسفة الإشراقية عند شهاب الدين السُّهْرُوَرْدِىّ ، للدكتور محمد على أبو ريان ، ص 306-316 .
([60]) أصول الفلسفة الإشراقية عند شهاب الدين السُّهْرُوَرْدِىّ ، للدكتور محمد على أبو ريان ، ص 316-327.
([64]) رسالة شرح حال السُّهْرُوَرْدِىّ ، 3/14-15 ، ضمن مجموعة مصنفات السهروردى ، بعناية هنرى كربن ، ط طهران ، 1373 .
([67]) مقدمة حكمة الإشراق ، ص 2/3-4 ، ضمن مجموعة مصنفات السهروردى ، بعناية هنرى كربن ، ط طهران ، 1373 .
([71]) راجع لمزيد من التفصيل حول هذه القضية : أصول الفلسفة الإشراقية عن شهاب الدين السُّهْرُوَرْدِىّ ، للدكتور محمد على أبو ريان ، ص 5-7 .