للصوفية عامة ، ولطرقهم الصوفية المنظمة خاصة، دور هائل في نشر الدعوة الإسلامية في خارج دار الإسلام.
ونأخذ مثالاً على ذلك ما حدث في الهند. فكما قال ماسينيون(1)بحق: «إن الإسلام لم ينتشر في الهند بواسطة الحروب، بل انتشر بفضل الصوفية، والطرق الكبرى، وهي: الجشتية، والكبروية، والشطارية والنقشبندية» ذلك لأن «التوفيق الاجتماعي بين الظافرين والمقهورين لا يتم إلا بواسطة أولئك الذين يعطون ولا يطالبون، ويقرضون ولا يأملون في شىء».
وقد كان للتصوف الإسلامي في الهند الفضلُ في المصالحة بين الطوائف، كما يتجلى ذلك في تصوف بابا كيور (المتوفى سنة ۹۷۹هـ/ ۱٥۷۱م) في مدينة جواليور، وما قام به كبير (المتوفى سنة ۹۲٤هـ/۱٥۱۸م) الذي تأثر به السيكه (السيخ) فمزجوا بين تصوف كبير الإسلامي وبين الهندوكية. وأدمج مؤسس مذهبهم، نانك (المتوفى سنة ۹٤٦هـ/۱٥۳۹م) في كتابه الذي يقدسه السيكه:«ادى جرنته» Adi Granth– قصائد صوفي مسلم هو فريد شكر كنجي.
وانتشار الإسلام في أفريقية السوداء جنوبي الصحراء: السنغال، ومالي، والنيجر وغينيا وغانا ونيجريا وتشاد- إنما يرجع الشطر الأكبر من الفضل فيه إلى الطرق الصوفية، خصوصًا التجانية والسنوسية والشاذلية. فكانت الزوايا والرباطات التي أسسها شيوخ هذه الطرق الصوفية بؤرات لنشر الدعوة الإسلامية بين الشعوب الوثنية في غربي القارة الإفريقية وقلبها.
ومرد هذا خصوصًا إلى اختلاط الصوفية بالطبقات الشعبية في هذه البلاد وعيشهم بين العامة والفقراء، مما أبدى لهؤلاء نماذج حية تتصف بالتقوى والصلاح، إلى جانب ما تقوم به هذه الطرق من خدمات اجتماعية وألوان من البر والإحسان والمواساة والمؤاخاة. «إن النموذج المقنع الذي تبدى عنه الصوفية المسلمون وشيوخ الجشتية والشطارية والنقشبندية، وقد تعلموا اللغة الشعبية واختلطوا بحياة عامة الناس، نقول: إن هذا النموذج هو الذي جعل العديد من الهندوكيين والملاويين (سكان الملايو) يعتنقون الإسلام، وليس التعصب المستبد للغزاة (غير المسلمين) الذين كانوا يتكلمون لغة أخرى أجنبية»(2).
ويتصل بهذا أيضًا دور الصوفية في الجهاد بالمرابطة في الثغور الإسلامية لحمايتها ضد المعتدين على حدود دار الإسلام. والتصوف الإسلامي نشأ وتطور واستمر إلى عهد قريب مجاهدا مرابطًا. والرباطات، وهي قلاع حربية حصينة، كانت في أصلها وتطورها خانقاهات للصوفية المرابطين فيها للجهاد ضد أعداء المسلمين.
فعبادان كانت في الأصل أول رباط تجمع فيه «متطوعة» البصرة للدفاع عن هذا الثغر الإسلامي. وفيه رابط عدد كبير من كبار مشايخ الصوفية، مثل مقاتل بن سليمان (المتوفى سنة ۱٥۸هـ)، وحماد بن سلمة (المتوفى سنة ۱٦۷هـ) ، وبشر الحافي.
ورباط المنستير في تونس (القرن الثاني الهجري) ورباط الفتح (عاصمة دولة المغرب حاليًا) ومئات غيرها كانت حصونًا حربية وخانقاهات صوفية في وقت واحد معًا. كذلك الزوايا في المغرب اتخذت نفس معنى الرباط. وكثير من الرباطات مرتبط بشيوخ صوفية كبار. فرباط العباد بالقرب من تلمسان في الجزائر كان حول قبر سيدي أبي مدين، ورباط تافرطست على حدود وادي سبو في المغرب يحتوي على مسجد وقبر لأميرين من بني مرين، ورباط تسكيدلت في جنوب غربي وهران يضم قبر أحد الأولياء (3). وفي المشرق أنشأ نور الدين زنكي في سنة (543 هـ) الخانقاه القديم في حلب. ومحيي الدين بن عربي لعب دورًا هامًا في حث سلاجقة الروم على محاربة الصلبيين(4).
المرجع : أ/د عبد الرحمن بدوى، تاريخ التصوف الإسلامي- من البداية حتى نهاية القرن الثاني، الكويت : وكالة المطبوعات، (ص 25 - 27) .
(1) ماسينيون: ‹‹بحث في نشأة››... ص ۸٦– ۸۷. باريس، سنة ۱۹٥٤.
(2) ماسينيون: ‹‹بحث في نشأة›› ... ص۱٥. باريس، سنة ۱۹٥٤.
(3) راجع G. Marcais : ‹‹ Not sur les ribats en Berberie ›› in Melanges Rene Basset, Paris, 1925, vol, II, 395-430.
(4) راجع ترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوى لكتاب أسين يلاثيوس: ‹‹ ابن عربي، حياته ومذهبه ›› القاهرة، سنة ۱۹٦٥.