الجانب العملي من التصوف يقودنا إلى الحديث عن الدور الاجتماعي للتصوف الإسلامي، وهو دور قد أبرزه ماسنيون في مقدمة كتابه: «بحث في نشأة المطلح الفني للتصوف الإسلامي»
الجانب العملي من التصوف يقودنا إلى الحديث عن الدور الاجتماعي للتصوف الإسلامي، وهو دور قد أبرزه ماسنيون في مقدمة كتابه: «بحث في نشأة المطلح الفني للتصوف الإسلامي»(1)فقال : إن منهج الاستبطان الذي يقوم عليه التصوف، وبه أحيا الإسلام وعلومه على حد تعبير الغزالي، يحيل الصوفية إلى أطباء نفسانيين يعملون على شفاء بلايا الآخرين. ذلك لأن الصوفية، كما يقول المحاسبي في كتاب «المحبة» قد رنوا بأبصارهم، بفضل ضياء الحكمة الإلهية، إلى المناطق التي تنمو فيها الأدوية. وقد علمهم الله كيف يفعل الدواء، فبدأوا بشفاء قلوبهم، وأمرهم حينذاك بأن يواسوا قلوب المحزونين والذين يتألمون. «فالتصوف ليس إذن مجرد أسماء تسرد، أو وصفات صيدلية، بل هو علاج بدأ الطبيب المعالج فجربه على نفسه، ابتغاء أن يفيد به الآخرين. والتصوف كما يقول (أبو الحسين النوري) ليس نصوصًا وعلومًا نظرية، بل أخلاق، أي : أنه قاعدة للحياة. وكما يقول الجنيد: «ما أخذنا التصوف عن القيل والقال، لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات» (2).
ومن هنا أتت الأهمية الاجتماعية للتصوف الإسلامي: إنها جاءت من قيمته الطبية النفسية المفترضة. فهل استطاع شيوخه، حسبما زعموا، أن يستقوا من حياتهم الباطنة الوسائل لعلاج آلام القلوب، وتضميد جراح الجماعة وقد مزقتها رذائل أعضائها غير الصالحين؟ الوسيلة الوحيدة الميسورة لنا للفحص عن الحقيقة التي استهدفتها تجارب الصوفية المسلمين هي النظر في نتائجها الاجتماعية: أعني قيمتها، وأثر طريقتهم في الحياة بالنسبة إلى علاج الهيئة الاجتماعية .
فالصوفي يخدم نفسه، كما يخدم الآخرين: يكتشف عيوب نفسه، ليعالجها في نفسه وفي الغير؛ ويرتفع بمستوى حياة الروحية، ليجعل منها نموذجًا يحتذيه، ليس فقط أصحابه في الطريقة، بل وسائر الأمة.
المرجع : أ/د عبد الرحمن بدوي، تاريخ التصوف الإسلامي- من البداية حتى نهاية القرن الثاني، الكويت: وكالة المطبوعات، (ص 23 - 24) .
(1) L. Massignon: Essai sur les origins du lexique technique de la mystique musulmane, p. 16 sqq. Paris, 1954.
(2) ‹‹الرسالة القشيرية›› ص ۲۰، القاهرة، سنة ۱۹٥۹، مطبعة الحلبي.