كلمة طريق وطريقة في القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [سورة الجن آية 16].
وقال تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا﴾ [سورة النساء آية 168].
وقال: ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [سورة الأحقاف آية 30].
وقال : ﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى﴾ [سورة طه آية 63].
وقال ﴿إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا﴾ [سورة طه آية 104].
وجمع لفظة طريق «طرق» أما لفظة طريقة فجمعها «طرائق». قال تعالى: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [سورة الجن آية 11].
الطريقة عند الصوفية:
الطريقة عند الصوفية هي السيرة المختصة بالمتصوفة السالكين إلى الله فهي سفر إلى الله تعالى وسير ، «والسالك أو المريد هو المسافر، فعلى المسافر إلى الله أن يسلك طريق القوم وأن يجتازها مرحلة بعد مرحلة، أما من أدركته عناية الله فجذبته العناية إلى الله جذبا فهذا ما يسمونه المجذوب التي طويت له الطريق طيًّا في سفر خاطف بفضل الله ومنته»([1]).
ويقول صاحب كتاب ظهور الحقائق في بيان الطريق «والطريقة عند أهل الحقيقة عبارة عن مراسم الله تعالى وأحكامه التكليفية التي لا رخصة فيها وهي المختصة بالسالكين إلى الله تعالى مع قطع المنازل والترقي والمقامات»([2]).
وقد سئل عن معنى السير إلى الله تعالى ما هو فأجاب «إنه سير حقيقي ومعنوي بتزكية النفس والجوارح عن منكرات الأخلاق والأعمال، وبذلك يقرب العبد من حضرات الله تعالى قربًا معنويًا وكلما كان أزكى وأطيب كان أدنى وأقرب وثم سيرًا آخر إلى الله تعالى ألطف من هذا وأدق ولكن لا يصلح ذكره إلا مع من انتهى في السير المذكور أولا أو قارب الانتهاء»([3]).
ونجد أنه «حينما نشأ التصوف الإسلامي في أواخر القرن الثاني الهجري وما بعده استمرارًا لحركة الزهد الإسلامية الأولى، نجد هذا الاصطلاح أعني «الطريقة» يتخذ مدلولا خاصا فهو يعني عند صوفية القرنين الثالث والرابع الهجريين المذكورين في «الرسالة القشيرية»([4]) مجموعة الآداب والأخلاق والعقائد التي يتمسك بها طائفة الصوفية. ويذكر القشيري أيضا كلمة طريقة بمعنى منهج الإرشاد النفسي والخلقي الذي يربي به الشيخ مريده، فيروي عن أبي علي الدقاق قوله "الشجرة إذا نبتت بنفسها من غير غارس فإنها تورق: لكن لا تثمر، كذلك المريد إذا لم يكن له أستاذ يأخذ منه طريقته نفسها فهو عابد هواه لا يجد نفاذا"([5]).
فإذا كنا مع الإمام أبي حامد الغزالي المتوفى سنة 505هـ ، نجده يفهم الطريق الصوفي على نحو لا يختلف كثيرا عن النحو الذي فهمه عليه صوفية القشيري وأبو طالب المكي، ويقول : إن طريق الصوفية عبارة عن تقديم المجاهدة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى، ومهما حصل ذلك كان الله هو المتولي لقلب عبده المتكفل به بتنويره بأنوار العلم. وقد رجع هذا الطريق إلى تطهير محض من جانب السالك وتصفية وجلاء ثم استعداد وانتظار([6]) .
ويُعنَي الغزاليُّ كمن سبقه ببيان قواعد السلوك([7]) على نحو مفصل مثل علاقة المريد بالشيخ وقواعد العزلة والخلوة والذكر وما إليها، وهو يصف مقامات السلوك وأحواله على اختلافها في كتبه التي ألفها في التصوف وعلى الأخص إحياء علوم الدين.
ويرى البعض أن مجىء الإمام الغزالي كان «من العوامل الهامة التي غيرت من مجرى التصوف الإسلامي، فقد أرسى الغزالي قواعد التصوف السني الذي يعني بالجانب الخلقي التربوي في العالم الإسلامي ، ورفض أنواع التصوف الأخرى المسرفة كتصوف الحلاج القائم على فكرة الحلول ، وتصوف البسطامي الذي يعلن فيه الاتحاد ، وسرعان ما ظهر المعجبون بالإمام الغزالي في اتجاهه هذا من كبار شيوخ الصوفية نذكر منهم الشيخ الجيلاني المتوفى سنة 561هـ ، والرفاعي المتوفى سنة 578([8]).
ونلاحظ بعد ذلك شدة تيار الطريق وازدهاره بشكل واضح في القرن السابع الهجري والقرون التالية له.
ومما سبق عرضه لبيان معنى الطريق يتضح لنا أن هذا اللفظ العربي الذي يعني السبيل قد أخذ معنيين اصطلاحيين متعاقبين في التصوف الإسلامي :
1- فهو في القرنين الثالث والرابع الهجريين عبارة عن منهج النفس الأخلاقي يدبر عمليا ضروب السلوك الفردي.
2- وهو بعد القرن الخامس الهجري قد أصبح عبارة عن جملة مراسم التدبير الروحي المعمول به من أجل الأخوة في الجماعات الصوفية الإسلامية المختلفة التي بدأت تنشأ منذ ذلك الحين.
وانتهت الطريقة إلى أن أصبحت تدل على السلوك الصوفي القائم على الرعاية الإسلامية العادية وعلى سلسلة من الوصايا الخاصة لكي يصبح الإنسان مريدا ويتلقى المريد البيعة أو التقليد أو العهد أمام طائفة من الشهود ذوي المراتب من شيخ السجادة والمرشد والمقدم والنقيب والخليفة([9]).
وهذا ما انتهت إليه الطريقة منذ القرنين السادس والسابع الهجريين والقرون التالية لهما فوجدنا الطريقة عهدا بين شيخ ومريده على التوبة والاستقامة والدخول في طريق الله وذكره دائما والعمل بآداب وأصول الطريقة التي يتبعها المريد مع القيام بأوراد وأحزاب شيخ الطريقة في المواعيد التي يحددها له .
المرجع : الطرق الصوفية في مصر ، نشأتها ونظمها ، أ/د عامر النجار ، القاهرة:مكتبة الأنجلو المصرية ، د ت، (ص 22 - 25) .