ظهر الكلام في الفناء الصوفى عند كثير من صوفية القرنين الثالث والرابع بوضوح، وتوسع ، بحيث يمكن أن يعد الكلام على هذا أحد خصائص التصوف فى القرنين الثالث والرابع (راجع: @الطريق الصوفى فى القرنين الثالث والرابع@)
وسنبدأ بتحديد مفهوم الفناء عندهم بوجه عام، فالمتأمل فيما يذكره هؤلاء الصوفية عن الفناء يرى له أكثر من معنى، فهو يشير عندهم أحيانًا إلى معنى أخلاقي حين يُعَرِّفُونَهُ بأنه «فناء صفة النفس»([1])، أو أنه «سقوط الأوصاف المذمومة»([2]). فمن فني عن أوصافه المذمومة، ظهرت عليه الصفات المحمودة. وقيل –أيضًا-: «إن الفناء يعني: الفناء عن الحظوظ الدنيوية»([3]).
وهم يَعْنُونَ –أيضًا- بالفناء فناء الإنسان عن إراداته، وبقاءه بإرادة الله. وإلى هذا يشير الطوسي بقوله: «وأيضًا الفناء هو فناء رؤيا العبد في أفعاله لأفعاله بقيام الله له في ذلك»([4]). ويشير القشيري إليه بقوله: «ومن شاهد جريان القدرة في تصاريف الأحكام يقال: فَنِيَ عن حسبان الحدثان من الخلق»([5]). وهذا الفناء هو الذي سماه المتأخرون من الصوفية بــ: الفناء عن إرادة السوى.
ومن معاني الفناء عندهم –أيضًا-: الفناء عن رؤية الأغيار. أو بعبارة أخرى: الفناء عن شهود الخلق. وإلى هذا يشير القشيري بقوله: «فإذا فَنِيَ –أي: الصوفي- عن توهم الآثار من الأغيار، بَقِيَ بصفات الحق. ومن استولى عليه سلطان الحقيقة حتى لم يشهد من الأغيار لا عينًا ولا أثرًا ولا رسمًا ولا طللًا، يقال: إنه فَنِيَ عن الخلق، وبَقِيَ بالحق»([6]). وهذا هو الذي أطلق عليه بعض المتأخرين من الصوفية: الفناء عن شهود السوى.
وهناك خاصية معينة للفناء الصوفي من الناحية السيكولوجية يذكرها الصوفية وهي ذهاب الحس والوعي، فلا يعود الصوفي يحس بشيء من جوارحه، ولا بنفسه، ولا بالعالم الخارجي. فيقول القشيري عن ذلك: «وإذا قيل: فَنِيَ عن نفسه وعن الخلق، فنفسه موجودة، والخلق موجودون، ولكنه لا علم له بهم ولا به، ولا إحساس ولا خبر. فتكون نفسه موجودة، والخلق موجودون، ولكنه غافل عن نفسه، وعن الخلق أجمعين، غير محس بنفسه، وبالخلق»([7]).
ويمكن القول بلغة علم النفس الحديث: إن حالة الفناء هي الحالة الوجدانية التي يفقد فيها الشخص مؤقتًا شعره بــ: (الأنا)، وهي في اصطلاح الصوفية –أيضًا-: «عدم شعور الشخص بنفسه ولا بشيء من لوازمها»([8]).
ويحاول القشيري تقريب الفناء من الأذهان، فيقول: «وقد ترى الرجل يدخل على ذي سلطان أو محتشم فيذهل عن نفسه، وعن أهل مجلسه هَيْبَةً. وربما يذهل عن ذلك المحتشم حتى إذا سئل بعد خروجه من عنده عن أهل مجلسه، وهيأت ذلك الصدر، وهيأت نفسه، لم يُمْكِنْهُ الإخبار عن شيء»([9]).
ويَسْتَدِلُ على هذه الحال من القرآن الكريم قائلًا: «قال تعالى: +فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ_[يوسف:31]، لم يجد -أي النساء- عند لقاء يوسف -عليه السلام- على الوهلةألم قطع الأيدي، وهن أضعف الناس! +وَقُلْنَ حَاشَ للهِ مَا هَذَا بَشَرًا_ [يوسف:31]. ولقد كان بشرًا، وقلن: +إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ_[يوسف:31]، ولم يكن مَلَكًا. فهذا تغافل مخلوق عن أحواله عند لقاء مخلوق، فما ظنك ممن تكاشف بشهود الحق سبحانه، فلو تغافل عن إحساسه بنفسه وأبناء جنسه، فأي أعجوبة في ذلك؟!»([10]).
ويجعل القشيري تدرج الصوفي في الفناء على النحو التالي، الأول: فناؤه عن نفسه وصفاته ببقائه بصفات الحق، ثم فناؤه عن صفات الحق بشهوده الحق، ثم فناؤه عن شهود فنائه باستهلاكه في وجود الحق([11]).
ويعتبر الفناء عند الصوفية حالًا عارضًا لا يدوم للصوفي؛ لأنه لو دام لتعارض مع أدائه لفروض الشرع، فيقول الكلاباذي في (التعرف): «وحالة الفناء لا تكون على الدوام؛ لأن دوامها يوجب تعطيل الجوارح عن أداء المفروضات، وعن حركاتها في أمور معاشها ومعادها»([12]).
والفناء عند الصوفية فضل من الله، وموهبة للعبد، وليس من الأفعال المكتسبة.
وينفي الكلاباذي عن الفناء الصوفي أنه حالة مرضية فيقول: «وليس الفاني بالصعق، ولا المعتوه، ولا الزائل عنه صفات البشرية فيصير ملكًا أو روحانيًّا، ولكنه فني عن شهود حظوظه»([13]).
ويختلف سلوك الصوفية في حال الفناء، فبعضهم يعود منه إلى حال البقاء فيثبت الإثنينية بين الله والعالم، وهذا هو الأكمل بمقايس الشريعة، وبعضهم الآخر ينطلق منه إلى القول بالاتحاد أو الحلول أو وحدة الوجود، التي لا تفرقة فيها بين الإنسان والله، أو بين العالم والله؛ ولذلك قيل: إن الفناء مزلة أقدام الرجال، فإما أن يثبت الصوفي فيه، أو تزل قدمه فيقول بآراء مخالفة للعقيدة الإسلامية.
وهذا يفسر لنا لماذا حذر الطوسي في (اللمع) من الأخطاء التي يمكن أن تترتب على حال الفناء، فمن ذلك أن يظن الصوفي أن الفناء هو فناء البشرية، فيصبح موصوفًا بالإلهية. فالبشرية لا تزول عن البشر، ولذلك «غلطت جماعة من البغداديين في قولهم إنهم عند فنائهم عن أوصافهم دخلوا في أوصاف الحق! وقد أضافوا أنفسهم بجهلهم إلى معنى يؤديهم إلى الحلول، أو إلى مقالة النصارى في المسيح -عليه السلام-»([14]).
والله تعالى لا يَحِلُ في القلوب، ولكن «يَحِلُ في القلوب الإيمان به، والتصديق له، والتوحيد والمعرفة –له-»([15]).
من هنا يمكن تقسيم صوفية القرن الثالث والرابع من حيث الفناء إلى فريقين، فريق يتمسك بالشريعة فيه، فلا ينطلق إلى مذاهب مخالفة –ولو في ظاهرها- للتوحيد، وفريق ينطلق إلى القول شطحًا بالاتحاد والحلول. ويمثل أبو القاسم الجنيد الفريق الأول خير تمثيل، على حين يمثل البسطامي والحلاج الفريق الآخر، وفيما يلي بيان ذلك.
1- الفناء في التوحيد عند الصوفية الملتزمين بالشرع:
تحدث كثير من صوفية القرنين الثالث والرابع في معنىالتوحيد، وقيل: إن أول من تكلم ببغداد فيه السري السقطي المتوفى سنة 251هـ، وهو خال الجنيد وأستاذه([16]). وقيل: إن أول من تكلم –أيضًا- في علم الفناء والبقاء([17])، أبو سعيد الخراز، وهو تلميذ للسقطي، توفى سنة 279هـ.
ولكن أبا القاسم الجنيد -ولا شك- أعمق صوفية هذه الفترة كلامًا عن التوحيد والفناء فيه، وهو أعظمهم خطرًا؛ ولذلك يلقب بــ: (شيخ الطائفة). وقد وصفه القشيري في (الرسالة) بأنه: «سيد هذه الطائفة وإمامهم»([18]). وأصل الجنيد من نهاوند، ومولده ونشأته بالعراق، وكان فقيهًا على مذهب أبي ثور، وصحب خاله السري القسطي، كما صحب الحارث بن أسد المحاسبي، وتوفى سنة 297هـ([19]).
ويمثل الجنيد في تصوف عصره اتجاهًا معتدلًا، وإن شئت قلت: يمثل تصوف الفقهاء المستند إلى الكتاب والسنة بشكل ظاهر. ولعل في عبارته التالية ما يشير إلى منهجه في التصوف، يقول الجنيد: «من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدى به في هذا الأمر-يقصد التصوف-؛ لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة»([20])، وهو يقول –أيضًا-: «الطرق كلها مسدودة عن الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلمواتبع سنته ولزم طريقته، فإن طريق الخيرات كلها مفتوحة عليه»([21]).
وقد غلب على الجنيد الكلام في دقائق التوحيد، وكتب تراجم الصوفية حافلة بالكثير من أقواله في هذا الصدد، فمن ذلك ما يرويه القشيري عنه قائلًا: «وسئل الجنيد عن التوحيد، فقال: إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته، بأنه الواحد الذي لم يلد، ولم يولد. بنفي الأضداد والأنداد والأشياء، وما عُبِدَ من دونه، بلا تشبيه، ولا تكييف، ولا تصوير، ولا تمثيل: +لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ_[الشُّورى:11]»([22]).
وكلام الجنيد هنا لا يخرج في معناه عن معنى التوحيد عند المتكلمين. على أنه يتحدث عن التوحيد بمعناه الصوفي، فيقول: إن العقل عاجز عن إدراكه؛ لأنه: «إذا تناهت عقول العقلاء في التوحيد، تناهت إلى الحيرة»([23]). وكان يقول كذلك: «أشرف كلمة في التوحيد ما قاله أبو بكر الصديقا: سبحان من لم يجعل لخلقه سبيلًا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته»([24]).
ويفسر القشيري عبارة الصديق بأن المعرفة الصوفية بالله ووحدانيته كَسْبِيةٌ في الابتداء، ولكنها ضرورية أو فطرية في الانتهاء، فالمعرفة الأولى إذًا لا شيء بالقياس إلى المعرفة الضرورية، كالسراج عند طلوع الشمس وانبسط شعاعها عليه، لا تعود له قيمة! وهذا المعنى سيرد عند الغزالي، وعند غيره من متأخري الصوفية فيما بعد، وهو أن المعرفة بالله مركوزة في النفس الإنسانية بالقوة، كالبذور في الأرض أو الجوهر في قعر البحر أو في قلب المعدن([25])، وبالمجاهدة الصوفية يصل الإنسان إلى التحقق بها. والتوحيد الحقيقي عند الجنيد ثمرة الفناء عن كل ما سوى الله، فيقول عن ذلك: «التوحيد الذي انفرد به الصوفية هو إفراد القدم عن الحدث، والخروج عن الأوطان، وقطع المحاب –أي: ما يحبه الإنسان-، وترك ما علم وجهل، وأن يكون الحق سبحانه مكان الجميع»([26]).
وهذا التوحيد عنده هو توحيد الخاصة، فيقول الطوسي في (اللمع): «سئل الجنيد –رحمه الله- عن توحيد الخاصة، فقال: أن يكون العبد شبحًا بين يدي الله –عز وجل- تجري عليه تصاريف تدبيره»([27]). وهذا لا يكون إلا «بالفناء عن نفسه وعن دعوة الخلق له...بذهاب حسه وحركته لقيام الحق له فيما أراد منه»([28]).
وبهذا الفناء في التوحيد يتحقق للصوفي: «الخروج من ضيق رسوم الزمانية إلى سعة فناء السرمدية»([29]).
وواضح من كلام الجنيد أنه يشير إلى توحيد من نوع خاص يقوم على أساس من الفناء عن الإرادة وعما سوى الله بذهاب الحس والحركة، مع الثقة التامة بأن الله يقوم للعبد بكل شيء. وسنجد الصوفية فيما بعد يُدِيرُونَ بينهم هذا المعنى من معاني التوحيد، وهو الفناء عن السوى، إرادة وشهودًا.
والفناء في التوحيد معرفة نظرية تحققت بها نفس الإنسان في عالم آخر قبل أن تتصل بالبدن في هذا العالم، وهذه الفكرة عند الجنيد وعند غيره من الصوفية المتأخرين كابن عطاء الله السكندري([30])شبيهة بفكرة أفلاطون عن سبق وجود النفس الإنسانية في عالم المثل قبل هبوطها إلى البدن، وعن تحققها في ذلك العالم بالمعرفة الحقيقية([31])؛ ولذلك قال أفلاطون: «العلم: تذكر. والجهل: نسيان». فهو فطري في النفس، ولكن البدن حجبها عنه. ويدلنا على أن الجنيد يرى التوحيد فطريًّا في النفس قوله: «(التوحيد) أن يرجع آخر العبد إلى أوله، فيكون كما كان (في العلم السابق) قبل أن يكون (في هذا العالم)»([32]). ويرى الطوسي([33]) أن ذلك مستندًا إلى قوله تعالى:+وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْهَذَا غَافِلِينَ_[الأعراف:172]([34]).
والفناء في التوحيد الذي ظهر القول به عند الجنيد وتابعه فيه الصوفية السنيون أمر يقره أشد خصوم الصوفية، ويرون أنه يتمشى مع السنة، كما نجد أن علماء الكلام يقرون به ولا يرون فيه مخالفة لأصول العقيدة فيقول سعد الدين التفتازاني: «...إذ انتهى العبد في السلوك إلى الله، وفي الله، يستغرق في بحر التوحيد والعرفان بحيث تستمر ذاته، وصفاته في صفاته، ويغيب عن كل ما سوى الله، ولا يرى في الوجود إلا الله، وهذا الذي يسمونه -أي الصوفية- الفناء في التوحيد، وإليه الإشارة في الحديث القدسي: لايزال العبد يتقرب إلى الله بنوافل...إلخ. وبالجملة هو طريق علم وعرفان، وشأن وكمال، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا عوج في بدايته ونهايته»([35]).
وكان الجنيد في الحقيقة شخصية هامة في تاريخ التصوف الإسلامي([36])، وترجع هذه الأهمية إلى خصوبة آرائه، وإلى أنه كان يجمع فيها بين الشريعة والحقيقة، وأنه كان من أهل الرسوخ والتمكين، لا من أرباب الأحوال والشطح، فكان مُؤْثِرًا للصحو على السكر([37])، وللبقاء على الفناء، وكان أستاذًا قديرًا يجمع حوله المريدين ليعلمهم التصوف، ويبصرهم بكمال العلم والعمل، وله مدرسة مشهورة في التصوف([38])، سينهج نهجها فيما بعد الغزالي والشاذلي.
2- الفناء والاتحاد عند أهل الشطح:
وإذا كان الجنيد يمثل الصوفية المتزنين في التعبير عن حقائق التوحيد، وكان مُؤْثِرًا للبقاء على الفناء، وللصحو على السكر، وللفرق على الجمع([39])، فإن ثمة صوفية آخرين غلبت عليهم أحوال السكر، والفناء، والجمع في حبهم لله، ونطقوا بعبارات غريبة عرفت بــ: (الشطحات)، وأداهم ذلك إلى إعلان اتحادهم بالله، أو حلول الحقيقة الإلهية فيهم. وأغلب الظن أنهم لم يقصدوا اتحادًا ولا حلولًا حقيقيًّا، ولكن عباراتهم ملتبسة.
وقد حكم عليهم بعض الفقهاء بالخروج عن العقيدة الإسلامية، والتمس بعض الصوفية تأويلات لأقوالهم تجعلها متمشية مع الشريعة، وتوقف البعض في الحكم عليهم.
وقد بين لنا ابن تيمية بنوع من التحليل النفسيكيف انطلق بعض أولئك الصوفية من حال الفناء إلى القول بالاتحاد أو الحلول، قائلًا:
«ولكن هذه الحال -أي الفناء- تَعْتَرِي كثيرًا من السالكين، يغيب أحدهم عن شهود نفسه وغيره من المخلوقات، وقد يُسَمُّونَ هذا فناء واصطلاما، وهذا فناء عن شهود تلك المخلوقات، لا أنها في أنفسها فنيت... ومن هنا دخلت طائفة في الاتحاد والحلول، فأحدهم قد يذكر الله حتى يَغْلُبَ على قلبه ذكر الله، ويستغرق في ذلك فلا يبقى له مذكور مشهود لقلبه إلا الله، ويفنى ذكره وشهوده لما سواه، فيتوهم أن الأشياء قد فنيت، وأننفسه فنيت، حتى يتوهم أنه هو الله، وأن الوجود هو الله»([40]).
ويمثل أبو يزيد البسطامي صوفية هذا الاتجاه الثاني للتصوف خير تمثيل([41])، وهو الاتجاه الذي يخضع أصحابه -كما سبق أن ذكرنا- لأحوال الوجد والفناء، فتصدر عنهم عبارات مُوهَمَةً ومُسْتَشْنَعَةَ الظاهر في تعبيرهم عن صلة الإنسان بالله.
والبسطامي هو طيفور بن عيسى بن سروشان من أهل بلدة بسطام، وكان جده سروشان هذا مجوسيًّا أسلم. وقد توفى أبي يزيد البسطامي سنة 261هـ، وقيل: 264هـ([42]).
وقد اختلفت الآراء في أبي يزيد البسطامي اختلافًا بينًا، فقد رويت عنه أقوال من قبيل الشطحات، وربما دست عليه بعض هذه الأقوال([43])، فقد لاحظنا أن السلمي في (الطبقات)([44])، والطوسي في (اللمع)([45])، والقشيري في (الرسالة)([46])قد ذكروا عنه أقوالًا في التمسك بالكتاب والسنة، وقياس أحوال التصوف بالنسبة إليها. وقد دافع الطوسي عنه في (اللمع)، وبين أن ما نسب إليه من أقوال مستشنعة الظاهر لها تأويلات حسنة عند الصوفية، ومنهم الجنيد([47]).
وقد غلب على البسطامي في الحقيقة حال الفناء؛ ولذلك تُؤْثَرُ عنه فيه أقوال كثيرة، منها قوله: «للخلق أحوال، ولا حال للعارف؛ لأنه محيت رسومه، وفنيت هويته بهوية غيره، وغيبت آثاره بآثار غيره»([48]). وهذا لا يكون إلا بانجذاب العارف إلى الله بالكلية، فلا يعود يشهد غيره، فالعارف –كما يقول أبو يزيد-: «لا يرى في نومه غير الله تعالى، ولا في يقظته غير الله تعالى، ولا يوافق غير الله تعالى، ولا يطالع غير الله تعالى»([49]).
ويتضمن الفناء عند أبي يزيد –أيضًا- فناء الإرادة، روي عنه أنه «أراد أن لا يريد». ويقول ابن عطاء الله شارحًا هذه العبارة: «واعلم أنه قال بعضهم: إن أبا يزيد لما أراد أن لا يريد، فقد أراد! وهذا قول من لا معرفة عنده، وذلك أن أبا يزيد إنما أراد أن لا يريد؛ لأن الله تعالى اختار له وللعباد أجمع عدم الإرادة معه، فهو لا يختار معه شيئًا ولا يريده، فهو في إرادته أن لا يريد موافق لإرادة الله»([50]).
على أن أهم ما يتميز به فناء أبي يزيد هو سقوط ما سوى الله شهودًا، بحيث لا يعود الصوفي مشاهدًا إلا حقيقة واحدة هي الله، بل لا يعود مشاهدًا لنفسه، لتلاشي نفسه عن مشهوده، وهو ما عَبَّرَ عنه بمحو الرسوم، وفناء الهوية، وغيبة الآثار، وعندئذ يتحد الحق، وإلى هذا الاتحاد([51])يشير بقوله: «خرجت من الحق إلى الحق حتى صاح مني في: يا من أنت أنا! فقد تحققت بمقام الفناء»([52]). ويشير إليه –أيضًا- بقوله: «منذ ثلاثين سنة كان الحق مرآة نفسي؛ لأنني لست الآن من كنته. وفي قولي (أنا) و(الحق) إنكار لتوحيد الحق؛ لأنني عدم محض. فالحق تعالى مرآة نفسه، بل انظر! إن الحق مرآة نفسي؛ لأنه هو الذي يتكلم بلساني، أما أنا فقد فنيت»([53]).
ويسرف أبو يزيد – فيما يروى عنه وكثير منه لا يثبت- في التعبير عن حال فنائه واتحاده بمحبوبه، فينطق بشطحات غريبة نحو قوله: «إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني»([54])، وقوله: «سبحاني ما أعظم شأني»([55])، وقوله: «خرجت من بايزيديتي كما تخرج الحية من جلدها، ونظرت فإذا العاشق والمعشوق واحد؛ لأن الكل واحد في عالم التوحيد»([56]). وسئل ما هو العرش؟ فأجاب: أنا هو. وما هو الكرسي؟ فأجاب: أنا هو. وما هو اللوح والقلم؟ فأجاب: أنا هو»([57]).
على أنه يجب أن يوضع في الاعتبار أن مثل هذه العبارات قد نطق صاحبها في حالة نفسية غير عادية نتيجة معاناة من نوع خاص، ولذلك يلقى الطوسي ضوءًا على الظروف النفسية المحيطة بالشطح قائلًا: «الشطح كلام يترجمه اللسان عن وجد وفيض عن معدنه مقرون بالدعوى»([58]).
ويقول: «إن (الشطح) في لغة العرب هو: الحركة. يقال: شطح يشطح: إذا تحرك... فالشطح لفظة مأخوذة من الحركة؛ لأنها -عند الصوفية- حركة أسرار الوجدان إذا قوي وَجْدُهُمْ، فعبروا عن وَجْدِهُمْ ذلك بعبارة يستغرب سامعها»([59]).
ويؤكد الطوسي أن الصوفي في حالة الشطح مغلوب على أمره تمامًا؛ ولذلك فهو معذور فيما يصدر عنه في هذه الحالة من عبارات، ويضرب مثلًا بالماء الكثير إذا جرى في نهر ضيق فإنه يفيض من حافتيه، ويقال: شطح الماء في النهر، فكذلك المريد الواجد إذا قوي وَجْدُهُ، ولم يُطِقْ حَمْلَ ما يرد على قلبه، نطق بعبارت مستغربة مشكلة على فهم سامعها، وعلى السامع أن يسأل عنها من يعلم علمها، ولا يسارع إلى الإنكار»([60]).
وقد لاحظ ماسينيون([61])ملاحظة دقيقة تتعلق بالشطح، وهي أنه يأتي عند الصوفي بصيغة المتكلم من غير شعور منه بذلك، وهذا يعني أنه فني عن ذاته، وبقي بذات الحق، فنطق بلسان الحق، وليس بلسانه هو. والعبارات التي ينطق بها الصوفي في مثل هذه الحالة لا ينطق بها في أحواله العادية؛ لأن النطق بها يُكَفِّرُ قائلها.
ويؤيد ذلك ما يشير إليه الجنيد، وهو أن الصوفي في الشطح لا ينطق عن ذاته وإنما عما يشاهد، وهو الله، وذلك فيما يروى عنه: «قيل للجنيد: إن أبا يزيد يقول: سبحاني! سبحاني! أنا ربي الأعلى! فقال الجنيد: «الرجل مستهلك في شهود الجلال، فينطق بما استهلكه، أذهله الحق عن رؤيته إياه، فلم يشهد إلا الحق، فنعته»([62]).
والشطح عند البسطامي ثمرة تجربة من نوع خاص، كما لاحظ الأستاذ ستيس (Stace). وقد وصف ستيس تجربة البسطامي بأنها شعور بالاتحاد (Unitar conseiousness)، وهو الشعور الذي يتجاوز كل كثرة. وهذه التجربة الصوفية معروفة جيدًا عند دارسي موضوع التصوف، وشائعة في كل أنواع التصوف في الحضارت المختلفة([63])، وهي تجربة تلاشي ما هو ظاهر، وتحطم الأسوار التي تحد المتناهي حتى تفنى ذاتيته، وتندمج في اللامتناهي، أو في محيط الوجود([64]).
ويستند ستيس في هذا الصدد إلى عبارات للبسطامي مترجمة مأخوذة من كتاب أربري:
(Sufism: an accout of the mystics of Islam, London, pp. 54-55).
ونصها بالعربية:
«ذكر عن أبي يزيد أنه قال: رفعني (الحق) مرة فأقامني بين يديه، وقال لي: يا أبا يزيد، إن خلقي يحبون أن يروك. فقلت: زيني بوحدانيتك، وألبسني أنانيتك، وارفعني إلى أحديتك، حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك! فتكون أنت ذاك ولا أكون أنا هناك!»([65]).
ويرى ستيس أن التجربة الصوفية تكمن في قول أبي يزيد: «ألبسني أنانيتك»، وفي قوله: «فتكون أنت ذلك، ولا أكون أنا هناك». وهذه العبارة الأخيرة تعني في رأيه([66])أن ذاتية أبي يزيد قد اختفت أو تلاشت في الذات الكلية –الله- بحيث لم يعد هناك (أنا) وإنما (أنت) فقط. ويرى سيتس –أيضًا- أن تجربة فقدان الفردية أو الذاتية (Individuality) في الوجود المطلق، هي ما يطلق عليه اصطلاحًا: (الفناء).
والمسألة في رأينا لا تعدو مجرد شعور نفسي من البسطامي بالاتحاد، فهو لا يقصد حقيقة الاتحاد لمخالفته صراحة للعقيدة الإسلامية([67])؛ لذلك أصاب سيتس حين وصف تجربة البسطامي بأنها مجرد (شعور) بالاتحاد، أو بالفناء في المطلق.
ولعل هذا هو ما جعل بعض الصوفية كالجنيد يلتمس للبسطامي العذر فيما نطق به من شطحيات، وهو –أيضًا- ما جعل صوفيًّا سنيًّا كعبد القادر الجيلاني يقول: «لا يحكم إلا على ما يلفظ به –الصوفي- في حال الصحو، وأما الغيبة فلا يقام عليها حكم»([68]).
على أن من الصوفية أنفسهم من يرى حال أصحاب الشطحيات كالبسطامي ناقصًا، ومن هؤلاء الجنيد إذ يقول: «إن أبا يزيد –رحمه الله- مع عظم حاله، وعلو إشارته، لم يخرج من حال البداية، ولم أسمع منه كلمة تدل على الكمال والنهاية»([69]).
وما يقوله الجنيد يعني أن البسطامي كان من أرباب الأحوال المغلوبين على أمرهم، والخاضعين للوجد، ومَنْ هذا شأنهم يظلون دائمًا في البدايات، ولا يكونون قدوة لغيرهم. وقد قال الصوفية: صاحب الحال لا يُقْتَدَى به، والأكمل أن يكون الصوفي من أرباب التمكين لا الأحوال، فالأحوال بداية، والتمكين نهاية.
وقد وصف ابن تيمية فناء البسطامي بأنه فناء قاصر، فيقول: إن «بعض ذوي الأحوال قد يحصل له في الفناء القاصر سكر وغيبة عن السوى. والسكر وجد بلا تمييز، فقد يقول في تلك الحال: سبحاني! أو: ما في الجبة إلا الله، أو نحو ذلك من الكلمات التي تؤثر عن أبي يزيد البسطامي... وكلمات السكران تُطْوَى ولا تُرْوَى ولا تُؤَدَّى»([70]).
وعلى كل حال فإن أصحاب الشطحيات في رأينا ليسوا من الصوفية الكمل، وهذا هو رأي كثير من أهل التصوف المعتدلين.
وقد اعتبر نيكولسون أن أهمية أبي يزيد البسطامي في تاريخ التصوف الإسلامي راجعة إلى أنه أول من استعمل كلمة الفناء بمعناها الصوفي الدقيق، أي بمعنى محو النفس الإنسانية وآثارها وصفاتها، حتى لَيُمْكِن أن يُعَدَّ هذا الرجل بحق أول واضع لمذهب الفناء([71]).
على أن نيكولسون أخطأ أحيانًا في نسبة القول بوحدة الوجود (Pantheism) إلى البسطامي([72])، فإن مذهب وحدة الوجود لم يعرفه التصوف الإسلامي قبل ابن عربي المتوفى سنة 638هـ.
والحقيقة أن البسطامي صاحب مذهب اتحادي قائم كما قلنا على أساس الفناء، أو بعبارات أخرى على أساس من الشعور النفسي، وفرق بين عبارات تصدر عن صوفي كالبسطامي فني عن كل شيء فلم يعد يستشعر وجودًا سوى الله، وبين مذهب صوفي فلسفي متكامل في طبيعة الوجود كمذهب ابن عربي، لا يرى إلا حقيقة وجودية واحدة، يطلق عليها اسم (الله) تارة، واسم (العالم) تارة أخرى([73]).
3- الفناء والحلول:
وإذا كان الفناء قد أدى بالبسطامي إلى القول بالاتحاد، فإنه قد أدى بصوفي آخر هو الحلاج إلى القول بالحلول.
والحلاج هو أبو المغيث الحسين بن منصور بن محمد البيضاوي، أحد كبار الصوفية في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع. وسمي بالحلاج لأنه كان يكتسب بحلج الصوف. ولد حوالي سنة 244هـ بالبيضاء بفارس، وقيل: إنه مجوسي الأصل، وقيل –أيضًا- إنه من نسل الصحابي أبي أيوب، ونشأ بالعراق وقد صاحب شيوخ التصوف في عصره كسهل التستري، وأبي عمرو المكي، والجنيد([74]).
ولكنه انفصل عنهم وراح ينشر دعوته في بلدان إسلامية عدة كخراسان، والأهواز، والهند، وتركستان. وعند عودته من مكة إلى بغداد سنة 296هـ التفت حوله سريعًا تلاميذه الذين عرفوا بــ: (الحلاجية).
وقد اُتْهِمَ آنذاك بالشعوذة من جانب المعتزلة، كما اتهمه الإمامية، والظاهرية بالكفر([75]).
ويقال إن السلطات في عصره اتهمته بأنه كان يتآمر على الدولة([76])، وأنه كان يدعو سرًّا إلى مذهب القرامطة، وكانوا خصوم الخلافة([77]). وأغلب الظن أن السلطات خشيت منه؛ لأنه كان يتمتع بشعبية ضخمة، إذا التف حوله الكثيرون ممن اعتقدوا بولايته وكراماته.
وقد صدرت فتوى من الفقيه داود الظاهري ضد الحلاج، فقبض عليه عام 297هـ وأودع السجن، ولكنه فَرَّ منه. إلا أنه قبض عليه مرة ثانية في سنة 301، وصدرت ضده فتوى أخرى صَدَّقَ عليها القاضي المالكي أبو عمرو([78])، وحكم عليه بالإعدام، فصلب وقطعت يداه ورجلاه، وفصل رأسه، وحرقت أشلاؤه، وألقيت في نهر دجلة.
وقد لقي الحلاج مصيره في شجاعة فائقة وعَذَرَ قاتليه، فقد ذكر أنه قال وهو مصلوب: «هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصبًا لدينك وتقربًا إليك، فاغفر لهم، لو كشفت لهم ما كشفت لي لما فعلوا ما فعلوا!»([79]).
وقد اختلف الناس في الحلاج وعقيدته في حياته وبعد مماته اختلافًا بينًا، وبالغ أصحابه فيه فاعتقد بعضهم أنه رفع إلى السماء كالمسيح، واعتقد البعض الآخر برجعته بعد أربعين يومًا. واتفق أن دجلة زاد في سنة مقتله فادعى أصحابه أن سبب ذلك إلقاء رماده فيه([80]). هذا في الوقت الذي كفره فيه البعض، وتوقف فيه آخرون كالإمام الفقيه أبي العباس بن سريج([81]). وقد أنكر بعض معاصريه من الصوفية عليه صراحة، ومن هؤلاء الجنيد، وعمرو بن عثمان المكي، وأبو يعقوب النهرجوري، وعلي بن سهل الأصبهاني([82]). ويقول السلمي –أيضًا-: «إن أكثر المشائخ قد ردوه»([83]).
وقد ترك الحلاج عدة مصنفات ذكرها ابن النديم في الفهرست([84])، وأبرزها كتاب (الطواسين) -عرف بهذا الاسم لأنه يبدأ فصوله بحرفي (طس)-، وهو مكتوب باللغة العربية في نثر مسجوع، وينقسم إلى أحد عشر فصلًا قصارًا شرح فيها الحلاج نظريته الخاصة في الولاية، وصاغها صياغة فياضة بالعاطفة. وأسلوب هذا الكتاب رمزي اصطلاحي شديد الخفاء حتى إن القارئ له ليتعذر عليه فهم مقصود مؤلفه فيه([85]). وقد نشره الأستاذ ماسينيون 1913، وكتب ماسينيون عنه –أيضًا- بحثه المشهور (عذاب الحلاج الشهيد المتصوف في الإسلام)، »La passion d, Al-Halladj, martyr mystique de I’Islam«.
ونشره في باريس سنة 1922، كما نشر ديوانه سنة 1931، وكتاب (أخبار الحلاج) بالاشتراك مع بول كراوس فى باريس 1936([86]).
واختلف المستشرقون الذين درسوا الحلاج في اتجاهاته المذهبية، فذهب مولر (Muller)، ودي هربلوت (d,Herbelot) إلى القول بأنه كان مسيحيًّا في السر، ويتهمه ريسك (Reiske) بادعاء الألوهية، ويصفه ثولك (Thoulk) بالتناقض، وينسب إليه كريمر (Kremer) القول بوحدة الوجود (monism)، ويصفه كزانسكي (Kazanaki) بأنه عصابي، وينعته بروان (Brown) بأنه متآمر قدير وخطير.
ويروي ماسينيون أنه -كجدلي وصوفي في آن معًا- حاول أن يوفق بين العقيدة الإسلامية والفلسفة اليونانية على أساس من التجربة الصوفية، وهو في هذا سابق على الغزالي.
والواقع – على ما يرى الدكتور التفتازانى - أن الحلاج كالبسطامي كان ممن غلب عليهم حال الفناء؛ ولذلك صدرت عنه كما صدرت على البسطامي شطحيات مستشنعة الظاهر. إلا أن الحلاج كان بوجه عام في تعبيره عن أحواله أكثر دقة وعمقًا من البسطامي، ويبدو أنه متأثر فعلًا بثقافات أجنبية([87])كالفسلفة الهيلينية، والأفكار الفارسية، والشيعية([88])، والعقائد المسيحية([89]).
ويصف لنا الحلاج حال فنائه قائلًا: «إذا أراد الله أن يوالي عبدًا من عباده فتح عليه باب الذكر، ثم فتح عليه باب القرب، ثم أجلسه على كرسي التوحيد، ثم رفع عنه الحجب، فيريه الفردانية بالمشاهدة، ثم أدخله دار الفردانية، ثم كشف عنه الكبرياء والجمال، فإذا وقع بصره على الجمال بقي بلا هو، فحينئذ صار العبد فانيًا، وبالحق باقيًا، فوقع في حفظه سبحانه، وبرئ من دعاوى نفسه»([90]).
وفي معنى الفناء يقول الحلاج –أيضًا-([91]):
عجبت منك ومني |
* |
يا منية المتمني |
أدنيتني منك حتى |
* |
ظننت أنك أني |
وغبت في الوجد حتى |
* |
أفنيتني بك عني |
وفي حال الفناء نطق الحلاج بعبارته المشهورة: «أنا الحق»([92])، كما نطق بمثل قوله([93]):
أنا من أهوى ومن أهوى أنا |
* |
نحن روحان حللنا بدنا |
فإذا أبصرتني أبصرته |
* |
وإذا أبصرته أبصرتنا |
وقوله:
أنت بين القلب والشغاف تجري |
* |
مثل جري الدموع من أجفاني |
وتحل الضمير جوف فؤادي |
* |
كحلول الأرواح في الأبدان([94]) |
ومع أن الحلاج يصرح بلفظ الحلول، فإنه قد يُفهم من كلامه حلول الطبيعة الإلهية في الطبيعة البشرية، أو بتعبير آخر اصطلاحي عنده حلول اللاهوت في الناسوت، وقد يفهم منه المعنى الظاهر من العبارة والتى تعنى التعلق الشديد بالله، ولا بد أن نأخذ فى الاعتبار حرف (الكاف) فى قوله (كحلول) والتى تمنع إرادة الحلول الحقيقى، وتشبه تعلقه بربه وحضوره معه وقربه منه بحلول الأرواح فى الأبدان، فهو تشبيه فحسب.
وإن كان المعنى الأول قد يتبين من قوله([95]):
سبحان من أظهر ناسوته |
* |
سر سنا لاهوته الثاقب |
ثم بدا في خلقه ظاهرًا |
* |
في صورة الآكل والشارب |
حتى لقد عاينه خلقه |
* |
كلحظة الحاجب بالحاجب |
ويتضمن الحلول عند الحلاج فناء الإرادة الإنسانية تمامًا في الإرادة الإلهية، بحيث يصبح كل فعل صادر عن الإنسان صادرًا عن الله. فالإنسان عنده «كما لا يملك أصل فعله، كذلك لا يملك فعله»([96]).
ويبدو في مذهب الحلاج في الحلول تناقض واضح، فهو أحيانًا يقول بالحلول مع الامتزاج، وأحيانًا أخرى ينفي الامتزاج ويعلن التنزيه صراحة، فهو يعلن الامتزاج قائلًا([97]):
مزجت روحك في ورحي كما |
* |
تمزج الخمرة بالماء الزلال |
فإذا مسك شيء مسني |
* |
فإذا أنت أنا في كل حال |
كما يعلن نفي الامتزاج قائلًا: «ومن ظن أن الإلهية تمتزج بالبشرية، والبشرية بالإلهية فقد كفر، فإن الله تعالى تفرد بذاته وصفاته عن ذوات الخلق وصفاتهم، ولا يشبههم بوجه من الوجوه، ولا يشبهونه»([98]).
وهو يقول –أيضًا-: «...وكما أن نَاسُوتِيَتِي مستهلكة في لَاهُوتِيَتِكَ، غير ممازجة لها، فَلَاهُوتِيَتِكَ مستولية على نَاسُوتِيَتِي غير ممازجة لها»([99]).
وقد لفت مثل هذا التناقض نظر ثولك -كما أشرنا من قبل([100])-، ولكنه قد يُفَسَّرُ بأن الحلاج كان خاضعًا للفناء، فينطق عن أحواله المختلفة فيه بعبارات مختلفة، وهو لم يكن صاحب نظر منطقي، أو مذهب فلسفي متسق بمعنى الكلمة حتى يتفادى مثل هذا التناقض.
وقد يُفَسَّرُ مثل هذا التناقض –أيضًا- بأن الحلاج كان يتحاشى بعباراته التي ينزه فيها الله عن الامتزاج بالبشرية سخط الفقهاء عليه في عصره.
وأغلب الظن – فيما يرى الدكتور التفتازانى - أن الحلول عند الحلاج مجازي وغير حقيقي. ويؤيد ذلك عبارة ينقلها السلمي عنه، وهي: «ما انفصلت البشرية عنه، ولا اتصلت به»([101]). وهذا قد يعني عنده أن الإنسان –الذي خلقه الله على صورته- هو موضع التجلي الإلهي، فهو متصل بالله غير منفصل عنه بهذا المعنى، ولكن تجلي الله للعبد أو ظهوره من حيث صورته فيه ليس يعني اتصالًا بالبشرية حقيقيًّا.
والحلاج هنا يشعرنا صراحة بالفرق بين العبد والرب، فليس قوله بالحلول إذًا حقيقيًّا، وإنما هو مجرد شعور نفسي يتم حال الفناء في الله، أو على حد تعبيره مجرد استهلاك الناسوت في اللاهوت، أو بعبارة أخرى فناؤه فيه، وإلى هذا يشير بقوله: «يا أيها الناس، إنه -أي الله- يحدث الخلق تلطفًا فيتجلى لهم، ثم يستتر عنهم تربية لهم، فلولا تجليه لكفروا جملة، ولولا ستره لفتنوا جميعًا، فلا يديم عليهم إحدى الحالتين؛ لكن ليس يستتر عني لحظة فأستريح، حتى استهلكت ناسوتيتي في لاهوتيته، وتلاشى جسمي في أنوار ذاته، فلا عين لي ولا أثر، ولا وجه ولا خبر»([102]).
وعلى ذلك فقول الحلاج بالحلول ثمرة وجد صوفي لا غير، يدلنا على ذلك ما يقوله الطوسي: «سمعت عيسى القصار يقول: رأيت الحسين بن منصور –الحلاج- حين أخرج من الحبس ليقتل، فكان آخر كلامه: حسب الواجد إفراد الموحد»([103]).
وربما كان نطق الحلاج بالحلول نتيجة الفناء أمرًا لا إرادة فيه، وهذا هو العذر الذي اعتذر به البعض عنه، فالغزالي مثلًا يشرح لنا من الناحية النفسية كيف يمكن أن تصدر عبارات مثل عبارات الحلاج أو البسطامي عنهما دون أن تكون لهما إرادة قائلًا في (مشكاة الأنوار):
«العارفون بعد العروج إلى سماء الحقيقة اتفقوا على أنهم لم يَرَوْا في الوجود إلا الواحد الحق.
لكن منهم من كان له هذه الحالة عرفانًا علميًّا، ومنهم من صار له ذلك ذوقًا وحالًا. وانتفت عنهم الكثرة بالكلية، واستغرقوا بالفردانية المحضة، واستهوت فيها عقولهم فصاروا كالمبهوتين فيه، ولم يبق فيهم متسع لذكر غير الله، ولا لذكر أنفسهم أيضًا! فلم يبق عندهم إلا الله فسكروا سكرًا وقع دونه سلطان عقولهم، فقال بعضهم: «أنا الحق»-يشير إلى الحلاج-، وقال آخر: «سبحاني ما أعظم شأني»-يشير هنا إلى البسطامي-، وقال الآخر: «ما في الجبة إلا الله»-يشير إلى الحلاج-.
وكلام العشاق في حال السكر يُطْوَى ولا يُحْكَى. فلما خَفَّ عنهم سكرهم، وَرُدُّوا إلى سلطان العقل الذي هو ميزان الله في أرضه، عَرَفُوا أن ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد، بل يشبه الاتحاد، مثل قول العاشق في حال فرط العشق:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا |
* |
نحن روحان حللنا بدنا |
-يشير هنا إلى الحلاج-.
فلا يبعد أن يجفأ الإنسان مرآة فينظر فيها، ولم يَرَ المرآة قط، فيظن أن الصورة التي رآها في المرآة متحدة بها، ويرى الخمر في زجاج فيظن أن الخمرة لون الزجاج، فإذا صار ذلك مألوفًا، ورسخ فيه قدمه، استغرقه، فقال:
رق الزجاج وراقت الخمر |
* |
وتشابها فتشاكل الأمر |
فكأنما خمر ولا قدح |
* |
وكأنما قدح ولا خمر |
وفرق بين أن يقال: الخمر قدح، وبين أن يقال: كأنه القدح.
وهذه الحال إذا غلبت، سميت بالإضافة إلى صاحب الحال فناء، بل فناء الفناء؛ لأنه فني عن نفسه، وفني عن فنائه، فإنه ليس يشعر بنفسه في تلك الحال، ولا بعدم شعوره بنفسه، ولو شعر بعدم شعوره بنفسه لكان قد شعر بنفسه. وتسمى هذه الحال بالإضافة إلى المستغرق فيها بلسان المجاز اتحادًا، وبلسان الحقيقة توحيدًا، ووراء هذه الحقائق –أيضًا- أسرار لا يجوز الخوض فيها!»([104]).
ولهذا فإن حلول الحلاج الذي يتم في حال الفناء عن شهود السوى يختلف تمامًا عن مذهب وحدة الوجود -عند ابن عربي مثلًا-، وقد نبه نيكولسون إلى ذلك قائلًا: «ومن الخطأ أن نعتبر الأقوال التي صدرت عن بعض الصوفية دليلًا على اعتقادهم في وحدة الوجود، كقول أبي يزيد البسطامي: «سبحاني»، أو قول الحلاج: «أنا الحق»، أو قول ابن الفارض: «أنا هي». فإن الصوفي لا يدين بالقول بوحدة الوجود ما دام يقول بتنزيه الله، مهما صدر عنه من الأقوال المشعرة بالتشبيه. وهو إذا راعى جانب التنزيه يشاهد كل شيء في الله، ولكنه في الوقت نفسه يعتبر الله فوق كل شيء، مخالفًا لكل مخلوق، ولا يقر بأن (الكل) هو الله. فالوحدة التي يقول بها وحدة شهود لا وحدة وجود. زِدْ على ذلك أننا يجب ألَّا نخلط بين فيض العاطفة الدينية ونظريات الفلسفة الإلهية»([105]).
ويختلف الحلول عند الحلاج عن نظرية وحدة الوجود في أمرين، الأول: أن الحلاج يقول بالثنائية بين الطبيعة الإلهية أو اللاهوت، والطبيعة البشرية أو الناسوت([106]). والثاني: أنه كان حلوليًّا. يطلب محو صفاته التي يشعر أنها عائق له دون الوصول إلى الله، وحلول الصفات الإلهية محلها، وهذا معنى لا يرمي إليه أصحاب وحدة الوجود عندما يتكلمون عن الفناء، بل الفناء عندهم حال يتحقق فيها الصوفي من اتحاد موجود بالفعل، كان قد حجبه عنه اشتغاله بإنيته، فليس الأمر في زعمهم تحول في الصفات ولا صيرورة ولا حلول»([107]).
ويرتب الحلاج على قوله بالحلول قوله بقدم النور المحمدي، وقد مَهَّدَ بذلك للصوفية المتأخرين من المتفلسفة في نظريتهم في القطب أو الحقيقة المحمدية أو الإنسان الكامل.
ويجعل الحلاج لمحمد حقيقتين، إحداهما (قديمة)، وهو النور الأزلي الذي كان قبل الأكوان، ومنه استمد كل علم وعرفان. والأخرى (حادثة)، وهي محمد باعتباره نبيًّا مرسلًا وُجِدَ في زمان ومكان معينين. ومن ذلك النور القديم استمد كل الأنبياء السابقين على محمد، وكذلك جميع الأولياء اللاحقين عليه. ومن أقواله التي يشير بها إلى هذا:
«طس: سراج من نور الغيب بَدَا وعَادَ، وجاوز السراج وَسَادَ. قمر تَجَلَّى بين الأقمار. برجه في فلك الأسرار. سَمَّاهُ الحَقُّ (أُمُّيًّا)؛ لجمع همته، و(حرميا) لعظم نعمته، و(مكيا)؛ لتمكينه عند قربه»([108]).
وهو يقول –أيضًا-:«أنوار النبوة من نوره برزت، وأنوراهم من نوره ظهرت، وليس في الأنوار نور أَنْوَرَ وَأَظْهَرَ وَأَقْدَمَ من القدم سوى نور صاحب الكرم. همته سبقت الهمم، وَوُجُودُهُ سبق العدم، واسمه سبق القلم؛ لأنه كان قبل الأمم»([109]).
وهو يقول –أيضًا-:«العلوم كلها قطرة من بحره، الحكم كلها غرفة نهره، الأزمان كلها ساعة من دهره»([110]).
ويترتب على القول بقدم النور المحمدي عند الحلاج، القول بوحدة الأديان لأن مصدرها في هذه الحالة واحد. والأديان في رأيه –أيضًا- قد فرضت على الناس لا اختيارًا منهم، ولكن اختيارًا لهم.
وقد ذكر عبد الله بن طاهر الأزدي قال: «كنت أخاصم يهوديًّا في سوق بغداد، وجرى على لفظي أن قلت: يا كلب! فَمَرَّ بي الحسن بن منصور –الحلاج-، ونظر لي شَزَرًا وقال: لا تنبح كلبك! وذهب سريعًا. فلما فرغت من المخاصمة قصدته، فدخلت عليه، فأعرض عني بوجهه، فاعتذرت إليه فَرَضِيَ، ثم قال:
«يا بني، الأديان كلها لله -عز وجل- شغل بكل دين طائفة لا اختيارًا منهم بل اختيارًا عليهم. فمن لَامَ أحدًا ببطلان ما هو عليه، فقد حكم أنه اختار ذلك لنفسه. وهذا مذهب القدرية، والقدرية مجوس هذه الأمة. واعلم أن اليهودية والنصرانية والإسلام، وغير ذلك من الأديان، هي ألقاب مختلفة، وأسامي متغايرة، والمقصود منها لا يتغير ولا يختلف»([111]).
هذا هو رأى الحلاج بخصوص هذه القضية، ولا شك عندنا أن الأديان فى أصلها واحد، وأنها فى صورتها الصحيحة إنما هى دين واحد وشرائع شتى، وقد دلنا القرآن الكريم على هذا ، فقال تعالى {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}[الأنعام 90]، ولهذا يجب على المسلم وجوبا لا مناص منه أن يؤمن بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من عند الله ، فقال تعالى {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} [البقرة 285]، وقال تعالى {والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم} [النساء 152]. إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التى تؤكد على هذا المعنى، والأحاديث الصحيحة فى ذلك كثيرة أيضا كقوله صلى الله عليه وسلم "الأنبياء بنو علات".
وكل هذا يؤكد على العقيدة الإسلامية الصحيحة بالإيمان بكل الأنبياء والمرسلين، والإيمان بأن الأديان السماوية كلها أصلها واحد، ولكن وقع التحريف والتصحيف فى كثير من الكتب الإلهية ، وغيرت الأديان السماوية عن أصلها الذى نزلت به، وحدثنا القرآن الكريم عن هذا كثيرا أيضا. وهنا نجد أن ما نسب للحلاج من آراء فى هذا المجال لا تطابق العقيدة الإسلامية الصحيحة، وينبغى أن تنكر عليه آراؤه هذه ولا تسلم له.
فإيماننا بوحدة أصلها، لا ينافى إيماننا بوقوع التحريف فيها، ولا يعنى بحال وحدة الأديان على صورتها الحالية بالمفهوم الذى ربما حاول البعض الترويج له فى العصر الحالى ، مستندين فى هذا لمثل هذه الآراء المغلوطة التى تنسب للحلاج وأمثاله.
المرجع : مدخل إلى التصوف الإسلامي، د. أبوالوفا الغنيمي التفتازاني، القاهرة: مكتبة الثقافة للطباعة والنشر، ط 2، 1976م، (ص 131- 159)، مع إضافات وتصرف يسير.
)[31]( Plato. The Dialogues, translated by. Jowett, ed.
Oxford 1953, Vol. I, phaedo: 73-77, Vol. 3, Phaedrus: 249-259.
([34]) والواقع أن الصوفية يأخذون في تفسير هذه الآية برأيٍ مُؤَدَّاهُ –كما يذكر الفخر الرازي- أن الأرواح البشرية موجودة قبل الأبدان، وأن الإقرار بوجود الإله من لوازم ذواتها وحقائقها. (مفاتيح الغيب، المشتهر بــ: (التفسير الكبير)، القاهرة 1324هـ: جـ 5، ص 122 وما بعدها).
([36]) قدم له الأستاذ الدكتور علي حسن عبد القادر دراسة بالإنجليزية، ونشر رسائله بعنوان:
The life, personality and writings of Al- Junsyd, G.M S XIV, London 1962.
([38]) من تلاميذه عمرو بن عثمان المكي المتوفى سنة 291هـ، وأبو محمد الجريري المتوفى سنة 311هـ، وقد خَلِفَ الجنيد في مجلسه، وأبو العباس بن عطاء الآدامي المتوفى سنة 209هـ أو 311هـ، وبنان بن الحَمَّال الواسطي الأصل المقيم بمصر والمتوفى سنة 216هـ، وأبو بكر الواسطي المتوفى سنة 320هـ، وأبو علي الروذباري الذي سكن مصر والمتوفى سنة 322هـ، وأبو بكر الكتاني المتوفى سنة 322هـ، وأبو يعقوب النهر جودي المتوفى سنة 320هـ، وكثير غيرهم (طبقات السلمي: ص 201، 259، 265، 289، 302، 354-355، 371، 378).
([39]) شاعت هذه المصطلحات في تصوف القرنين الثالث والرابع، فالسكر عندهم: غيبة بوارد قوى، ويحدث إذا كُوُشِفَ العبد بنعت الجمال الإلهي. والصحو: رجوع إلى الإحساس بعد الغيبة. والجمع عندهم: إثبات الحق وحده. والفرق: إثبات الخلق. وقيل: الفرق أو التفرقة: شهود الأغيار لله، والجمع: شهود الأغيار بالله. (الرسالة القشيرية: ص 38، 35-36). ويصور الجنيد اختلاف أحوال الجمع، والفرق، والفناء، والبقاء عليه قائلًا: «الحقيقة تجمعني، والحق يفرقني، إذا قبضني بالخوف أفناني عني، وإذا بسطني بالرجاء ردني علي، وإذا جمعني بالحقيقة أحضرني، وإذا فرقني بالحق أشهدني غيري، فهو في ذلك كله محركي غير مسكني». (شرح الرندي على الحكم: جـ1، ص81). الفرق بين الجنيد وغيره من متأخري الصوفية من أصحاب وحدة الوجود أن الجنيد صريح في إثبات الفرق بين الله والخلق، على حين أن أصحاب وحدة الوجود يقولون: ما ثم غير، ويرون الوجود واحد لاتعدد فيه بوجه من الوجوه.
([41]) يمكن أن يندرج تحت هذا الاتجاه أبو الحسين النوري المتوفى سنة 295هـ، وأبو حمزة الصوفي المتوفى سنة 354هـ، ومحمد بن موسى الواسطي الفرغاني المتوفى بعد سنة 220هـ، وأبو بكر الشبلي المتوفى سنة 334هـ. وقد أرود الطوسي في (اللمع) كثيرًا من الأقوال المنسوبة إليهم، والتي تعد من الشطحات، وتفسيره أو تفسير الصوفية لها تفسير حسن. اللمع: ص478 وما بعدها.
([42]) طبقات السلمي: ص 67. وانظر عن أقواله وأخباره (النور من كلمات أبي طيفور) تحقيق دكتور عبد الرحمن بدوي (شطحات الصوفية)، القاهرة 1949.
([43]) ويذهب إلى ذلك –أيضًا- نيكولسون، وينقل عن الهروي قوله: «إن كثيرًا من الأكاذيب قد انتحل باسم أبي يزيد، مثل قوله: «صعدت إلى السماء وضربت قبتي بإزاء العرش». وهو القول الذي بنوا عليه قصة معراج أبي يزيد التي يقصها العطار. (في التصوف الإسلامي وتاريخه: ص 23).
([51]) انظر في أقوال أبي يزيد التالية: في التصوف الإسلامي وتاريخه: ص 24-25، وقد نقلها نيكولسون عن (تذكرة الأولياء) لفريد الدين العطار.
([63]) يرى ستيس وجه شبه بين البسطامي والصوفية ابتداء من أصحاب الأوبانيشاد حتى إيكهارت، ويرى وجه شبه أيضا بينه وبين تنيسون وآرثر كويستلر في العصر الحديث، انظر:
Mysticism and Philosophy p. 57.
([67]) انظر على سبيل المثال رد الفخر الدين الرازي على الذين يقولون بحقيقة الاتحاد المنافي للعقيدة الإسلامية في التوحيد في كتابه (المسائل الخمسون) بمجموعة الرسائل، القاهرة، 1228هـ، 357 وما بعدها. وجدير بالذكر أنه يرى «أبا يزيد عارفًا بالله، كبير الشأن، بريًّاعن الاتحاد والحلول».
([74]) طبقات السلمي: ص 307، وابن خلكان (وفيات الأعيان): جـ1، ص 183 وما بعدها، والكواكب الدرية: جـ2، ص 75-77، وانظر –أيضًا-:
Massignon: Art. »Al-Halladj«, Encyclopedia of Islam.
([88]) يرى الدكتور مصطفى كامل الشيبي أن هناك من الأدلة ما يثبت أن الحلاج كان داعيًا إسماعيليًا أو قرطميًا. انظر كتابه (الفكر الشيعي والنزعات الصوفة)، بغداد 1966: ص 72، وانظر الفهرست لابن النديم: ص 284.
([102])أخبار الحلاج: ص 18. وقارن النص الذي أورده نيكولسون عن الطواسين (في التصوف الإسلامي وتاريخه): ص 123.