يقرأ في السحر كمناجاة القطب أحمد بن عطاء الله السكندري.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا دائمًا جزيلًا جميلًا، كما يحب ربنا و يرضى. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم، وباركعلى محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، ونجنا من الهم والغم والكرب العظيم.
اللهمإني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على المخلوقين. وأنت رب العالمين ورب المستضعفين، مثلي إلى من تكلني، إلى عدو بعيد يتجهمني، أو إلى صديق قريب قد ملكته أمري، إن لم يكن لكغضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك وأشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتىترضى ولا حول ولا قوة إلا بك.
رب أشكو إليك تلون أحوالي، وتوقف سؤالي، وضعف قوتي وحيلتي وحالي، يا منتعلقت بلطيف كرمه عوائد آمالي، يا من لا يخفى عليه خفي حالي، يا من يعلم عاقبةأمري و مآلي، ويعلم نطقي قبل سؤالي، رب إن ناصيتي بيديك، وأموري كلها ترجع إليك، وأحوالي جميعها لا تخفى عليك، وآلامي وأحزاني وهمومي وغمومي وكروبي وشدائدي معلومة لديك، قد جل مصابي، وضاع صوابي، وعظم اكتئابي، وانصرم شبابي، وتكدر علي رائق شرابي، واجتمعت علي همومي وأوصابي، وتأخر عني تعجيل مطلبي وتنجيز أعتابي، يا من إليه مرجعي ومآبي، يا من يعلم خفي سري وعلانية خطابي، ويعلم ما علة ألمي وحقيقة ما بي، قد عجزت قدرتي، وضعفت قوتي، وقلت حيلتي، وتاهت فكرتي، واتسعت قضيتي، وساءت حالتي، وبعدت أمنيتي، وابتعدت طُلْبتي، وعظمت حسرتي، وضاقت حضيرتي، وكثرت شكوتي، وتصاعدت زفرتي، وهطلت دمعتي، وزادت مصيبتي، وفضحمكنون سري إسبال دمعتي ونوحي ولوعتي، وأنت ملجئي ووسيلتي، وذخري وعمدتي، إليك أرفع بثي وحزني وشكايتي، وأرجوك لبرء علتي ورفع غمي وبليتي، يا من يعلم مَرْقَى علانيتي، إلهي بابك مفتوح للسائل، و فضلك مبذول للنائل، وإليك منتهى الشكوى وغاية الوسائل، وإليك منتهى قول كل قائل، اللهم ارحم دمعي السائل، وجسميالناحل، وحالي الحائل، وسنادي المائل، يا من إليه ترفع الشكوى، يا عالم السر والنجوى، يا من يسمع و يرى وهو بالمنظر الأعلى، يا رب الأرض والسما، يا من له الأسماءالحسنى، يا من له الدوام والبقا، يا من قدر السعادة والشقا، عبدك قد ضاقت به الأسباب وغلقت دونه الأبواب، وتعذر عليه سلوك طريق الصواب، ودار به الهم والغم والحزن والاكتئاب، وقضى عمره ولم يفتحله باب، إلى فسيح تلك الحضرات، ومناهل الصفو والراحات، وتصرمت أيامه والنفس راتعة فيميادين الغفلة ودنيء الاكتساب، وأنت المرجو لكشف هذا المصاب، وإزالة كل حجاب، يا من إذا دعي أجاب، يا سريع الحساب، يا رب الأرباب، يا مسبب الأسباب، يا مسخر السحاب، يا رفيع الجناب، رب لا تحجب دعوتي، ولا ترد مسألتي وطلبتي، ولا تدعني بحسرتي، ولا تكلني إلى حولي وقوتي، وارحم عجزي وفقري وفاقتي؛ فقد ضاق صدري، وتاهفكري، وانصرم عمري وتحيرت في أمري، وصرت لا أدري، وأنت العالم بسري وجهري، المالك لنفعي وضري، القادر علىانشراح صدري، وتيسير عسري، وتسهيل أمري، وفكاك أسري، وتفريج كربي وضري. رب ارحم من عظم مرضه، وعز شفاؤه، وكثر داؤه وقل دواؤه، وأنت ملجؤه ورجاؤه، وغوثه وشفاؤه، يا من غمر العباد فضلهوعطاؤه، ووسع البرية جوده ونعماؤه، ها أنا ذا عبدك محتاج إلى ما عندك، فقير إلى رحمتك، منتظر إلى رفدك وجودك وكرمك وإحسانك ونعمك وعفوك ومغفرتك، فأنا مذنب أسأل منك الغفران، وجان خائف أطلب منك الصفح والأمان، ومسيء عاص أرجو منك العفو والامتنان، وفقير آمل منك الجود والإحسان؛ فعسى توبة منك تجلو بأنوارها ظلمات الإساءة والعصيان، وعسى مغفرة منك وعفو يفك أسري يا رحمن، سائل باسط يد الفاقةالكلية، يسأل منك الجود والعطية، مسجون مقيد فعسى يفك قيده ويطلق من سجنحجابه إلى فسيح حضرات الشهود والعيان، جائع عار فعسى أن يُطْعَم من ثمرات التقريب، ويسقى من شراب الحبيب، ويكسى من حلل الأمان، ظمآن ظمآن ظمآن تتأجج في أحشائه لهيب النيران، فعسىتبرد عنه نار الكرب بشربة من شراب الحب، ويكرع من كاسات القرب، ويذهب عنهالبؤس والآلام والأحزان، وينعم بعد بؤسه وألمه، ويشفى من مرضه وسقمه حتى كأنه ماكان، ناء غريب مصاب قد بعد عن الأهل والأوطان والأحباب، فعسى أن يذهب عنه صدأ القلب والشقاء،ويعود له القرب واللقاء، ويبدو له سلع والنقا، ويلوح له الأسل والبان، ويناله اللطف والظرف، ويحظى بجميل التحف، وتحل عليه الرحمة والرضوان، ويتملى بالقرب من القريب، ويتهنى بوصال الحبيب، ويغمر بالعفو والغفران.
يا رب يا رب يا رب، ارحم من ضاقت عليه الأكوان، ولم تؤنسه الثقلان، وقد أصبح مولعًا حيران، هائمًا ولهان، وأمسى غريبًا ولو كان بين الأهل والأوطان، منزعجًا لا يأويه مكان، ولا يلهيه عن بثه وحزنه وشغفه تغير الأزمان، مستوحش لا يؤانس قلبهإنس ولا جان، يا من لا يسكن قلب المحب إلا بقربه، ولا يحيى لب المشوق إلا بوده وحبه، ولا يهنى عيش الولهان إلا بلطفه، ولا يطيب وقت الكئيب الحيران إلا بإتحاف ظرفه، ولا يفوز عبد إلا باعتزازه، ولا يبقى وجود إنسان إلا بإمداده وإظهار إعزازه، يا من آنس عباده الأبرار، وأحبابه المصطفين الأخيار، وأولياءه المقربين الأطهار، بمناجاته وأسراره وإمداده وأنواره. يا من أمات وأحيى، وأقصى وأدنى، وأسعد وأشقى، وأفقر وأغنى، وأضل وهدى، وعافى وأبلى، وقدر وقضى، وأضاء وأجلى، كل ذلك بعظيم تدبيره، وخفي لطفه وسابقتقديره، رب أي باب يفتح غير بابك! وأي مولى يقصد غير جنابك! وأي رحاب فسيح يطلب غير رحابك! أنت العليم العظيم، الرءوف الحليم، الجواد الكريم، الذي لا حول ولا قوة إلا بك يا عظيم، رب لمن أقصد وأنت المقصود! وإلى من أتوجه وأنت الموجود! و من ذا الذي يعطي وأنت صاحب الكرم والجود! ومن ذا الذي أسأل وأنتالرب المعبود! وهل في الوجود رب سواك فيدعى؟! أم هل في الملك إله غيرك فيرجى وإليه يسعى؟! أم هلكريم غيرك فيطلب منه العطا؟! أم هل ثم جواد سواك فيسأل منه الرضى؟! أم هل حليم غيرك فينال منه الفضل؟! أم هل طبيب غيرك فيكشف الضر والبلوى؟! أم هل رءوف غيرك للعبد الفقير يُعْتَمَدُ والنعما؟! أم هل رحيم غيرك في الأرض والسما؟! أم هل حاكم سواك فترفع إليه الشكوى عليه؟! أمهل مليك سواك تبسط الأكف بالدعاء إليه؟! فليس إلا كرمك وجودك لقضاء الحاجات، وليس إلا فضلك ونعمك لإجابة الدعوات، يا من لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه، يا من يجير ولا يجار عليه، ألهمتنا فعرفنا، وفهمتنا ففهمنا، وعلمتنا فعلمنا، أغيرك ها هنا رب فيرجى؟! أمجواد ثَمَّ فيسأل منه العطاء وإليه يلجأ؟! قد جفاني القريب، وملني الطبيب، وشمت بي العدو والقريب، واشتد بي الكرب والنحيب، وزاد بي الوجد واللهيب، وصرت كأني غريب، وأنت الودود القريب الرءوف المجيب، المجيد الحبيب، المعافي الطبيب، رب إلى من أشتكي وأنتالعليم القادر؟ أم إلى من ألتجئ وأنت الكريم الساتر؟ أم بمن أستنصر وأنت الولي الناصر؟ أم بمن أستغيث وأنت القوي القاهر؟ أم من ذا الذي يجبر كسري وأنت للقلوب جابر؟ أممن ذا الذي يغفر عظيم ذنبي وأنت الرحيم الغافر؟ أنت العليم بما في السرائر، الخبير بما تخفيه الضمائر، المطلع على ما تحويه الخواطر، يا من هوفوق عباده قاهر، يا من هو مطلع عليهم وناظر، يا من هو قريب وحاضر، يا من هو الأول والآخر والباطن والظاهر، دُلَّ حيرة هذا العبد المكابر، وجد باللطف والهداية عليه، واسمح بالتوفيق والعناية إليه؛ فليس له منك بد، وهو إليك صائر، يا إله العباد، يا كريم يا جواد، يا صاحب الجود والكرم والإحسان، يا ذا الفضل والنعم والغفران، يا ممرضي وأنتطبيبي، يا مسقمي وأنت حبيبي، فلمن يا رب أشتكي ضعف حالتي وأنت عليم يا إلهي بعلتي؟ والذي بي حقيق علي أن لا أشتكي إلاإليك، ولا عزم لي أن أتوكل إلا عليك، يا من عليه يتوكل المتوكلون، يا من إليه يلجأالخائفون، يا من بكرمه وجميل عوائده يتعلق الراجون، يا من بسلطان قهره وعظيم قدرته يستغيث المضطرون، يا من لوسيع عطائه وسعة رحمته وجزيل فضله وجميل منته تبسط الأيدي ويسأل السائلون، رب فاجعلني ممن يتوكل عليك حق التوكل، وآمن خوفي إذا وصلت إليك فعليك المعول، ولا تخيب رجائي إذا وقفت بين يديك يا أول، واجعلني ممن تسوقه الضرورات إليك يا أزل، واعطني من فضلك العظيم، وجد علي برفدك العميم، وامنحني بكرمك الجسيم، فأنت يا رب بحالي عليم، فاجعلني بك ومنك وإليك، واجعلني دائمًا بين يديك؛ فإن حالي يا رب لا يخفى عليك، فارحم بجودك عبدًا ما له سبب يرجو سواك، ولا علم ولاعمل، يا من به ثقتي، يا من به فرجي، يا من عليه ذو الفاقـات يتكل، أدرك بقية من ذابت حشاشتهقبل الفوات؛ فقد ضاقت به الحيل يا مفرج الكروبات، وغافر الخطيئات، وقاضي الحاجات، ومستجيب الدعوات، ومجلي المهمات، ورافع الملمات، وكاشف الظلمات، ودافع البليات، وساتر العورات، ورفيع الدرجات، وإله الأرض والسموات، رب ارحم من ضاقت به الحيل، وتشابهت عليه السبل، ولم يجد لقلبه قرارًا لا في ليل ولا في نهار، وطالت عليه الأسفار، وتراكمت عليه الأكدار، وتزاحمت لديه الأفكار؛ فلا علم ولا عمل، يا من عليه المتكل، يا من إذا شاء فعل ولا يسأل عما يفعل، يا من لا يبرمه سؤال من سأل، رب استجب دعائي، واقبل تضرعي وندائي، ولا تخيب أملي ورجائي، وعجل شفاء دائي، وعافني بجودك ورحمتك من عظيم بلائي، وأنعم علي من فضلك بدوائي، يا رب يا مولاي يا ثقتي ورجائي، رب إني قد قل اصطباري، وطال تأملي وانتظاري، واشتدت علي فاقتيواضطراري، وكبرت علي ذنوبي وأوزاري، وتراكمت علي همومي وأكداري، وتزاحمت علي غمومي وأفكاري، وتطاول علي سواد ليلي، وبعدعني طلوع بياض نهاري، وأنت القادر على دفع إعساري، وتسهيل إيساري، ورفع إعصاري، وذهاب أصاري، وتفريج كربي، وتفريح قلبي، وإصلاح لبي، وغفران ذنبي، رب إني قد لاح لي بارقة من سحائب رحمتك؛ فوقفت على باب حضرتك، أنتظر عواطف جودك ولطائف منتك، وعميم فضلك وجسيم كرمك ونعمتك، وتعلقت آمالي وأطماعي بعوائد إحسانك، وفوائد إفضالك وموائد عفوك ومواهب غفرانك، وصنائع جودك وسعة رحمتك، وانبسطتأفكاري في وسيع كرمك وغزير منتك وصدق وعد ربوبيتك؛ فلا تردني بحيرة الخائب الخاسر، ولا ترجعني بحسرةالنادم الحاسر، ولا تجعلني ممن حجب عن الوصول، وبقي بين الرد والقبول مترددًاحائرًا، يا من هو على ما يشاء قادر، يا قوي يا عزيز يا ناصر، يا من هو لقلوب المنكسرين جابر، خذ بيدي، وارحم قلة صبري وضعف جلدي، رب إني اشكو إليك بثي وحزني وكمدي، يا من هو غوثي وملجئي وسندي، رب أطلقني من سجن الحجاب، ومُنَّ علي بما مننت به على الأولياء والأحباب، وطهر قلبي من الشك والشرك والارتياب، وثبتني دائمًا أن أكون قائمًا في الحياة وعند الممات، على السنة والكتاب، وفهمني وعلمني وذكرني وفكرني وعرفني، واجعلني من أولي الفهم في الخطاب، وكن لي بلطفك وعفوك ورأفتك ورحمتك وحنانك وأمانك فيما بقي من عمري، وعند حضور منتهى أجلي، ويوم يقوم الأشهاد للحساب، آمنين مأمونين آمين، وآمن خوفي واجعلني من الطيبين الطاهرين، وممن يتلقى بسلام إذا فتحت الأبواب، رب أنت الذي بقدرتك خلقتني، وبرحمتك هديتني، وبنعمتك ربيتني، وبلطفك غذيتني، وبجميل سترك سترتني، وعلى فضلك العميم تكلتني، وفي أحسن صورة ما شئت ركبتني، وفي عوالمإبداعك بدأتني، وفي خير أمة أخرجت للناس أخرجتني، وعلى سبيل النجدين ألهمتني، فأتمم علي نعمتك التي لا تحصى، وكمل لدي أياديَك التي لا تنسى، ونعماءك التي لا تستقصى، واجعلني ممن هدى واهتدى، وسمع ووعى، وقرَّب وأدنى، وممن سبقت له منك الحسنى، وممن نال أفضل ما يتمنى، واجعلني من أهلالقرب والتقى، والرتبة العليا في دار البقا، وأهل الإنس واللقا، ولا تجعلني ممن ضل وغوى، ولا ممنقسم له نصيب من الشقا، ولا ممن اشتغل بما يفنى عما يبقى، ولا ممن ضل سعيهم في الحياةالدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا. ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا، وقد علمت ماكان وما يكون منا، وتقدس علمك الأعلى، وجرى القلم بما شئت من القضا؛ فليس لنا إلاما إليه وفقتنا، ولا مفر لنا عما أردته منا؛ فداركنا بخفي لطفك، ووسيع رحمتك، وفسيح أمانك، وجميل مغفرتك، وحفنا بعفوك ورضاك، وأنلنا كل ما سألناك، رب فكما وسعت كل ما كان في علمك الأعلى، وأحطت بما كان وما يكونمني وبكل شيء رحمة وعلمًا، وأحصيت كل شيء عددًا؛ فجد علي برحمتك الواسعة العظمى، واغمسني فيبحار كرمك وعفوك وحلمك أبدًا، يا من له الأسماء الحسنى، والمقام الرفيع الأسنى، إلهي طلبتك وطلبت الخلق إليك؛ فأعني على الوصول والتوصيل إليك، واجمعني واجمع بي من تشاء عليك.
اللهم إنا نسألك حسن الأدب عند إرخاء الحجاب، واجمعنا على سيد الأعجام والأعراب، سيدنا ومولانا محمد النبي الأمين برحمتك يا أرحم الراحمين،وصلى الله وسلم على الذات المصطفوية، والقبضة الأصلية، والفيضة الرحمانية، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المصدر : مجموع أوراد العارف بالله السيد محمد عبد الرحيم النشابي المسمى (مدام الاستبشار في دوام الاستغفار)، العارف بالله السيد محمد عبد الرحيم النشابي، مصر، مكتبة نهضة مصر بطنطا حسن محمد أبو العز، د ت، ص 53-68 بالهامش.