يقول أبو حفص الحداد النيسابوري (المتوفى عام نَيِّفٍ وستين ومائتين): «التصوف كله آداب: لكل وقت أدب، ولكل مقام أدب، ولكل حال أدب؛ فمن لزم آداب الأوقات بلغ مبلغ الرجال، ومن ضيع الآداب؛ فهو بعيد من حيث يظن القرب، ومردود من حيث يظن القبول»(1).
وقريب من هذا المعنى ما قاله أبو الحسن النوري: «ليس التصوف رسومًا ولا علومًا، ولكنه أخلاق»(2).
أي إنه لو كان رسومًا لحصل بالمجاهدة، ولو كان علومًا لأمكن الوصول إليه بالتعلُّم، ولكنه أخلاق؛ فما لم تطلب حكمه من نفسك، وما لم تصحح معاملته مع نفسك وتنصفه من نفسك -لا يحصل.
فالرسوم فعل يكون بالتكلف، وحين يكون ظاهرها على خلاف باطنها تكون فعلًا خاليًا من المعنى.
أما الأخلاق فهي فعل محمود بلا تكلف، وظاهره موافق لباطنه، وخالٍ من الدعوى.
وفي نفس المعنى يقول صوفي آخر اسمه «المرتعش»: «التصوف حسن الخلق».
وحقيقة الطريق الصوفى ترجع إلى ثلاث أصول:
1- أولها مع الحق: بأداء أوامره بلا رياء.
2- والثاني مع الخلق: بحفظ حرمة الكبار، والشفقة على الصغار، وإنصاف الأقران، والإعراض عن الكل، وعدم طلب الإنصاف من الخلق.
3- والثالث مع النفس: بعدم متابعة الهوى والشيطان؛ فكل من يقوم نفسه في هذه المعاني الثلاثة؛ يكون من ذوي الخلق الحسن.
وهذا متفق مع قول عائشة الصِّدِّيقة [بتشديد الصاد] رضي الله تعالى عنها، حين قيل لها: أخبرينا عن خلق النبي ×. فقالت: اقرأ من القرآن قول الله تعالى: ﴿خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف:199].
وبناء على هذا يكمل المرتعش حديثه فيقول: «هذا مذهب كله جِدٌّ؛ فلا تخلطوه بشيء من الهزل»(3).
أي إن الطريق الصوفى كله جِد؛ فلا ينبغي أن يخلط بشيء من الهزل أو المتعلق بمعاملات المترسمين أصحاب التعلق بالرسم والشكل؛ لأنهم لا علاقة لهم بمعرفة كلها ذوق.
وقد جاء أحد تلامذة ابن عربي يومًا، وقال له: إن الناس ينكرون علومنا، ويطالبوننا بالدليل عليها.
فقال له أستاذه: «إذا طالبك أحد بالدليل والبرهان على علوم الأسرار الإلهية؛ فقل له: ما الدليل على حلاوة العسل؟ فلابد أن يقول لك: هذا علم لا يحصل إلا بالذوق؛ فقل له: هذا مثل ذلك»(4).
المراجع: أ/د عبد اللطيف محمد العبد، التصوف في الإسلام وأهم الاعتراضات الواردة عليه، القاهرة: توزيع العبد سنتر، ط3، 1421هـ- 2000م، (ص 50- 52).
(1) الهُجْويري: كشف المحجوب، ص237.
(2) نفس المكان.
(3) نفس المصدر، ص237-238.
(4) ابن عربي: التدبيرات الإلهية، ص114-115، طبعه نيبرج.