أما عن مفهوم الوجود عند المدرسة الشاذلية ، فترى هذه المدرسة - كما يقول ابن عطاء الله - أن هناك فرقا "بين الوجود المطلق والوجود المقيد ، فالمقيد لا يخلو من الصفات العرضية كالحركة والسكون ، والموت والحياة، والجهات والحدود، والاجتماع والافتراق ... وما لا يخلو من الحوادث ولم يسبقها فهو حادث مثلها ... والموجود المطلق هو المنزه عن التغييرات العرضة السلبية، الموصوف بالصفات الثبوتية الدائمة الأزلية"([1])، وأن "الكائنات لا يثبت لها رتبة الوجود المطلق ، لأن الوجود الحق إنما هو لله ، وله الأحدية فيه، وإنما للعوالم الوجود من حيث ما أثبت لها ، فمن الوجود له من غيره ، فالعدم وصفه فى نفسه" ، ومن ثم يقول الشيخ أبو الحسن :"الصوفى من يرى الخلق لا موجودين ولا معدومين حسب ما هم فى علم رب العالمين"، ويقول أيضا : "إنا لا نرى أحدا من الخلق، هل فى الوجود أحد سوى الملك الحق، وإن كان لا بد فكالهباء فى الهواء إن فتشته لم تجده شيئا" ، وقال الشيخ أبو الحسن أيضا : "كان لى صاحب كثيرا ما يأتينى بالتوحيد، فقلت له : إن أردت التى لا لوم فيها فليكن الفرق على لسانك موجودا ، والجمع فى باطنك مشهودا، وأشبه شىء بوجود الكائنات إذا نظرت إليها بعين البصيرة وجود الظلال، والظل لا موجود باعتبار جميع مراتب الوجود، ولا معدوم باعتبار جميع مراتب العدم، وإذا ثبتت ظلية الآثار لم تنسخ أحدية المؤثر، إذ الشىء إنما يشبه بمثله، ويضم إلى شكله، كذلك أيضا من شهد ظلية الآثار لم تعوقه عن الله ، فإن ظلال الأشجار فى الأنهار لا تعوق السفن عن التسيار..."، ويقول الشيخ أبو العباس المرسى:" كان الإنسان بعد إن لم يكن، وسيفنى بعد أن كان، ومن كلا طرفيه عدم ، فهو عدم"([2]).
ومقتضى هذا المفهوم للوجود إنما يعنى نفى وجود العوالم لذاتها ، وإثباتها بالله فحسب، ولهذا يقول الشيخ أبو الحسن : "أثبت أفعال العباد بإثبات الله تعالى، ولا يضرك ذلك، وإنما يضرك الإثبات بهم، ومنهم"([3])، ويقول ابن عطاء الله : "العوالم ثابتة بإثباته ، ممحوة لأحدية ذاته"([4]).
ويتفرع من مفهوم الوجود عند المدرسة الشاذلية أن الحجاب (الذى يكون بين العبد وربه) ليس أمرا وجوديا بينك وبين الله ، ولو كان بينك وبينه حجاب وجودى للزم أن يكون أقرب إليك منه ، ولا شىء أقرب من الله ، فرجعت حقيقة الحجاب إلى توهم الحجاب، فما حجبك عن الله وجود موجود معه، إذ لا موجود معه ، وإنما حجبك عنه توهم وجود معه([5]).
(1) ابن عطاء الله السكندرى ، القصد المجرد فى معرفة الاسم المفرد (ص 37) .
(2) ابن عطاء الله السكندرى، لطائف المنن ، ص 199-200، بتصرف يسير.
(3) الشعرانى ، الطبقات الكبرى ، 2/9 .
(4) انظر لهذه الأقوال : ابن عطاء الله السكندرى ، لطائف المنن ص 199-200 . والشعرانى ، الطبقات الكبرى ، 2/8 .
(5) ابن عطاء الله السكندرى ، لطائف المنن ص 200).