ترى المدرسة الشاذلية أن جميع أسماء الله تعالى للتخلق إلا اسمه (الله) فإنه للتعلق ، ومعنى ذلك أنك إذا ناديته يا حليم خاطبك من اسمه الحليم أنا الحليم، فكن عبدا حليما ، وإذا ناديته باسمه الكريم ، ناداك من اسمه الكريم : أنا الكريم فكن عبدا كريما ، وكذلك فى سائر أسمائه إلا اسمه الله، فإنه للتعلق فحسب ؛ إذ مضمونه الإلهية، والإلهية لا يتخلق بها أصلا([1]).
يقول ابن عطاء الله السكندرى : "يجوز للعبد السالك أن يتخلق بسائر الأسماء والصفات غير هذا الاسم المفرد (يعنى اسم الله) ، فإنه للتعلق لا للاتصاف والتخلق ... والتخلق بالأسماء جائز وتصير أوصافا للسالك فى حال سلوكه ورياضته، على وجه التخلق والتشبه، لا هى هى عينها وذاتها، ولكن العبد يتصف بصفة سيده، كالغفور والصبور والستار والرحيم والجواد والفاضل والكريم ... وما أشبه هذه الأسماء، إلا أن خاصية الألوهية فى كمال الصفات، وتنزيه الذات عن التغييرات ليست إلا لله تعالى وحده، ولا مشابهة بين القديم والمحدث إذا تخلق بأخلاقه، فإن صفاته الحق تعالى قديمة أزلية منزهة لا تصير للعبد حقيقة؛ لأن الإله {ليس كمثله شىء وهو السميع البصير} ... وإنما يحصل له ما يناسب تلك الأوصاف ويشاركها من حيث الاسم فى عموم الصفات، دون خواص المعانى، ولا انتقال لعين الصفات ..."([2]).
والذكر بأسماء الله الحسنى عند المدرسة الشاذلية هو أدوية لأمراض القلوب ، وعلل السالكين، ولا يستعمل دواء إلا فى الأمراض التى يكون ذلك الاسم نافعا فيها ، فحيث يكون مثلا الاسم المعطى نافعا لمرض قلب مخصوص، فالاسم النافع ليس بمطلوب فيه ، وقس على هذا؛ إذ القاعدة أنه من ذكر ذكرا وكان لذلك الذكر معن معقول تعلق أثر المعنى بقلبه ، وتبعته لواحقه حتى يتصف الذاكر بتلك المعانى، إلا إذا كانت اسما من أسماء الانتقام لم يكن كذلك ، بل يعلق بقلب الذاكر الخوف، فإن حصل له تجل كان من عالم الجلال([3]).
وقد أخذ ابن عطاء الله يعدد أسماء الله تعالى الحسنى وكيف تكون أدوية لأمراض القلوب وعلل السالكين ، فمثلا "اسمه تعالى الصادق ذكره يعطى المحجوب صدق اللسان، والصفى صدق القلب ، والعارف التحقيق، واسمه تعالى الهادى نافع فى الخلوة ، ينفع من وجود التفرقة والسلوة ويرفعهما، ومن استغاث بالله ولم ير ظاهر صورة الغوث فليعلم أن استمراره فى الاستغاثة هو المطلوب منه، واسمه تعالى الباعث يذكره أهل الغفلة ، ولا يذكره أهل طلب الفناء، واسمه تعالى العفو يليق بأذكار العوام ، لأنه يصلحهم، وليس من شأن السالكين إلى الله ذكره؛ لأن فيه ذكر الذنب، وذكر القوم لا يكون فيه ذكر الذنب ، بل ولا ذكر الحسنة، فإذا ذكرته العامة حسن حالهم... " وهكذا حيث العديد من أسماء الله الحسنى ، وكيفية الاشتغال بها فى المداواة([4]).
ويحذر الشيخ أبو الحسن الشاذلى السالك من أن يستخدم الذكر بالأسماء الحسنى لجلب نعمة أو دفع نقمة ، فإن الذكر بهذه الصورة يصير حجابا عن الذات، فيقول : "كل اسم تستدعى به نعمة أو تستكفي به نقمة فهو حجاب عن الذات"([5]).
وتقدم لنا المدرسة الشاذلية نظريتها عن الأسماء الإلهية الحسنى تقوم على أساس أن جميع الأسماء والصفات الإلهية لا يدخلها "الترتيب بقبل ولا بعد ، ولا بأول ولا بآخر، ولا يتوقف بحد ولا زمان ، ولا يوصف بالتعقيب ولا بالتقديم ولا بالتأخير، فقوته كنه قدرته، وقدرته دوام بقائه، ومشيئته إرادته، ونظره سعة علمه ، وعلمه مدى نظره وكلامه مطلق لا على الترتيب، فيعلم بنظره، وينظر بعلمه، خزائنه فى كلامه، وقدرته فى مشيئته، يخلق بيده إذا شاء، وبكلمته إذا شاء، وبإرادته متى شاء، وبمعنى صفاته كيف شاء ..."([6]).
أما بخصوص علاقة الأسماء الإلهية بالوجود فتقوم نظرية المدرسة الشاذلية لهذه العلاقة على فكرة السريان فى الوجود ، وفى ذلك يقول ابن عطاء الله السكندرى : "... وإن تعددت الأسماء فالمقصود منها واحد، وهو الله ، وكل الأسماء هى صفته ونعته، وهو أولها وأصلها ، والأسماء كلها سرت فى العالم سريان الأرواح فى الأجسام، وحلت منه محل الأمر من الخلق، ولزمته لزوم الأعراض للجواهر، فإنه ما من موجود دق أو جل، علا أو سفل ، كثف أو لطف، كثر أو قل ، إلا وأسماء الله جل وعز ذكره محيطة به عينا ومعنى، ومقتضى اسم الألوهية جامع لجميعها، كالأسماء المحيطة بالعوالم، المنقسمة إلى أمر وخلق، وكان لها مقام الروح من الجسد"([7]).
وكان الشيخ أبو الحسن الشاذلى يقول: "أخذت ميراثي من رسول اللَّه ×فمكنت من خزائن الأسماء؛ فلو أن الجن والإنس يكتبون عني إلى يوم القيامة؛ لكلوا وملوا"([8]).
(1) ابن عطاء الله السكندرى ، لطائف المنن (ص 206) .
(2) ابن عطاء الله السكندرى ، القصد المجرد فى معرفة الاسم المفرد (ص 21 - 22) .
(3) ابن عطاء الله السكندرى ، مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح (ص 34) .
(4) ابن عطاء الله السكندرى ، مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح (ص 35-40) حيث ذكر نحو (50) اسما.
(5) الشعرانى ، الطبقات الكبرى ، 2/7 .
(6) ابن عطاء الله السكندرى ، القصد المجرد فى معرفة الاسم المفرد (ص 39) .
(7) ابن عطاء الله السكندرى ، القصد المجرد فى معرفة الاسم المفرد (ص 32) .
(8) أحمد بن محمد بن عياد الشافعي، المفاخر العلية في المآثر الشاذلية، القاهرة، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، 1381هـ/1961م، ص 12.