نسخة تجريبيـــــــة
مفهوم الجذب والسلوك

ترى المدرسة الشاذلية أن الطريق قد يكون جذبا وقد يكون سلوكا، والذى يفهم من كلام ابن عطاء الله تفضيل الجذب على السلوك ، يقول الشيخ أبو العباس المرسى عن أقسام الناس من حيث عروجهم إلى الله: "الناس على قسمين: قوم وصلوا بكرامة الله إلى طاعة الله، وقوم وصلوا بطاعة الله إلى كرامة الله؛ قال الله سبحانه وتعالى: {اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}[الشُّورى:13]".

ويلقي ابن عطاء الله السكندري على هذه الفكرة أضواء توضحها فيقول: "معنى كلام الشيخ هذا: أن من الناس من حرك الله همته لطلب الوصول إليه، فصار يطوي مهامه نفسه، وبيداء طبعه، إلى أن وصل إلى حضرة ربه يصدق على هذا قوله سبحانه {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت:69]، ومن الناس من فاجأته عناية الله من غير طلب ولا استعداد، ويشهد لذلك قوله تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ}[البقرة:105]، فالأول: حال السالكين ، والثاني: حال المجذوبين. فمن كان مبدؤه المعاملة فنهايته المواصلة. ومن كان مبدؤه المواصلة، رد إلى وجود المعاملة. ولا تظن أن المجذوب لا طريق له، بل له طرق طوتها عناية الله له، فسلكها مسرعًا إلى الله عجلًا.

وكثيرًا ما نسمع عند مراجعات المنتسبين للطريق: أن السالك أتم من المجذوب، لأن السالك عرف الطريق، وما توصل إليه، والمجذوب ليس كذلك، وهذا بناء منهم على أن المجذوب لا طريق له. وليس الأمر كما زعموا، فإن المجذوب طويت الطريق له، ولم تطو عنه، ومن طويت له الطريق لم تفته، ولم تغب عنه، وإنما فاته متاعبها وطول أمدها، والمجذوب كمن طويت له الطريق إلى مكة، والسالك كالسائر إليها على أكوار المطايا"([1]). وقد أكد على تفضيل المجذوب أيضا فى موضع آخر حيث يقول: "مثال السالك كمن يحفر على الماء قليلا قليلا حتى يجد الثقب فينبع له الماء بعد الطلب، ومثال المجذوب كمن أراد الماء فأمطرت له سحابة فأخذ منها ما يحتاج إليه من غير تعب"([2]).
 


(1) ابن عطاء الله السكندرى ، لطائف المنن (ص 193- 194) ، د/ عبد الحليم محمود ، قضية التصوف - المدرسة الشاذلية، (ص 218) .

(2) ابن عطاء الله السكندرى ، تاج العروس الحاوى لتهذيب النفوس (ص 20) . وللتوسع بخصوص الولاية عند المدرسة الشاذلية ، راجع: على سالم عمار، "أبو الحسن الشاذلى ، عصره ..."، 1/141-143.


التقييم الحالي
بناء على 54 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث