يقوم منهج المدرسة الشاذلية على اعتبار أن التصوف هو مذهب فى الحياة، فالتصوف مذهب إيجابى ، وليس مذهبا سلبيا انسحابيا ، وهو ما جلاه لنا الشيخ ابن عطاء الله السكندرى بوضوح ، فقد «كان ابن عطاء الله السكندري من شيوخ التربية الذين استطاعوا أن يجعلوا من التصوف «مذهبا في الحياة» محببًا إلى النفس، ولم يجعلوا منه مذهبًا مغلقًا يصرفك عن واقع الحياة إلى متاهات فكرية لا سبيل إلى الخروج منها. وتتميز آراؤه بإيجابية واضحة تنفي ما يذهب إليه بعض الذين لم يدرسوا التصوف الإسلامي دراسة متعمقة من أنه - أي التصوف- فلسفة سلبية انهزامية»([1]).
ولهذا فمن سمات المدرسة الشاذلية العمل والكفاح من أجل الدعوة، وعدم الركون إلى الراحة والدعة ، من أظهر السمات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سمة الكفاح والعمل، وما من شك في أنه صلى الله عليه وسلم كان يتجه إلى الله بكل أعماله، فكانت كلها -من أجل ذلك- عبادة.
ولقد كافح رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته في جميع الميادين التي تقربه إلى الله تعالى، والتي ترقى به كفرد، وترقى بالمجتمع في دوائره التي تتسع متدرجة، مبتدئة من الأسرة حتى تشمل الإنسانية كلها، وما كان هذا الكفاح إلا من أجل الله، وفي الله، فالعمل والكفاح، وإرادة وجه الله بالعمل والكفاح من سمات الإسلام، ومن سمات رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولقد ترسم كبار الصوفية هذه الخطوات المباركة فكانت حياتهم عملًا وكفاحًا يريدون به وجه الله تعالى. وسار على هذا النسق مشايخ المدرسة الشاذلية كالشيخ أبى الحسن وأبى العباس وابن عطاء الله بالنسبة لأنفسهم، وبالنسبة لكل من يتبعهم، ويرون أن الرجوع إلى الأسباب أتم من إسقاطها، من ثم يقول الشيخ أبو العباس : «نحن إذا صحبنا تاجرًا، ما نقول له اترك تجارتك وتعال؟ أو صاحب صنعة. ما نقول له اترك صنعتك وتعال؟ أو طالب علم، ما نقول له اترك طلبك وتعال؟ ولكن نقر كل أحد فيما أقامه الله فيه، وما قسم له على أيدينا فهو واصل إليه. وقد صحب الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما قال لتاجر: اترك تجارتك. ولا لذي صنعة: اترك صنعتك. بل أقرهم على أسبابهم وأمرهم بتقوى الله فيها» ، ولا يتنافى التصوف مع الكفاح، والعمل، والغنى، والثراء، فلقد كان أبو الحسن الشاذلي من كبار المزارعين ، ومن المعروف عن أبي العباس أنه كان لا يحب المريد الذي لا سبب له؛ وأنه كان يقتني الخيل، ويعني بشأنها؛ فيسأل عن طعامها وشرابها متفقدًا أحوالها([2]).