نسخة تجريبيـــــــة
عمل بالشرع لا نظر وتفلسف

يغلب على التصوف عند الشاذلية الجانب العملى، وتحتل الرياضات العملية المركز الأهم فى السلوك عند المدرسة الشاذلية ، كما أن هذه الرياضات العملية هى الأساس لنشأة الأذواق والمواجيد والمعارف الإلهية ، فالرياضات العملية عند ابن عطاء الله مثلا كرياضة النفس من الناحية الأخلاقية والعزلة والخلوة وما تستتبعه من جوع وسهر وصمت، والذكر على اختلاف صوره، هي -في حقيقة الأمر- الإطار الذي تتم بداخله التفاعلات الوجدانية التي يعبر عنها الصوفي فيما بعد تعبيرًا في شكل نظريات ذوقية([1]).

من ثم فقد كان تصوف الشاذلي والمرسي وابن عطاء، وهم أركان المدرسة الشاذلية، مبتعدًا عن تيار مدرسة ابن عربي ومذهبها في وحدة الوجود، فلم يكن واحد منهم قائلا بهذا المذهب، وإن لم يشغلوا أنفسهم بالرد على هذا المذهب ، ولكن هذا لا يعني أنه لم تكن هناك صلات بين مدرسة ابن عربي والمدرسة الشاذلية، فالمدرستان قد تفرعتا عن أستاذ مغربي واحد هو أبو مدين الغوث التلمساني المتوفى سنة 594هـ، والذي يمثل مذهب الفناء في التوحيد خير تمثيل، وتتلمذ عليه ابن عربي وكثير من شيوخ الشاذلي([2]).

وعلى قدر بعد الشاذلية عن تيار أصحاب وحدة الوجود نجد قربهم من تصوف الغزالي وأبى طالب المكى المتقيد بالكتاب والسنة، فكان الشاذلي يقول لمريديه: «إذا عرضت لكم إلى الله حاجة فتوسلوا إليه بالإمام أبي حامد الغزالي([3])، ويقول أيضًا ناصحًا: «كتاب الإحياء (للغزالي) يورثك العلم، وكتاب القوت (للمكي) يورثك النور»([4]). وكان أبو العباس المرسي يقول عن الغزالي: إنا لنشهد له بالصديقية العظمى([5]).وقد ذكر ابن عطاء الله الإمام الغزالي في مواضع كثيرة من مصنفاته معظمًا له ومبجلًا اقتداء بشيخيه، كما تأثر به في بعض نواحي مذهبه الصوفي ([6]).

فمن أبرز خصائص المدرسة الشاذلية أنها غير قائلة بوحدة الوجود ولا الحلول ولا الاتحاد بين الخالق والمخلوق، وهى متقيدة إلى أبعد حد بمذهب أهل السنة وعقيدة أبي الحسن الأشعري، وهى في هذا خاضعة لمقتضى التصوف المصري أولًا، والتصوف الشاذلي المغربي ثانيًا، وكلاهما قائم على الكتاب والسنة، ولنستمع إلى السيوطي مصورًا اتجاه المدرسة الشاذلية في التقيد بالكتاب والسنة قائلًا: «... وكلام الشيخ تاج الدين (بن عطاء الله السكندري) وكتبه دائرة مع الكتاب والسنة، واقفة مع الشرع، زاجرة عن الخواطر التي لم توزن بميزان الشريعة»([7]). وقائلًا أيضًا: «وإذا تأملت كتب المعتبرين كرسالة القشيري وغيرها، وكلام الشاذلي، وكتب الشيخ تاج الدين (بن عطاء الله) لم تجد فيها لفظة من ذلك (يعني ألفاظ الوحدة المطلقة، والقول بقدم العالم، وقدم الأرواح، وإثبات الهيولي، مما هو خارج عن ملة الإسلام، ولا ما يشير إلى التصوف على مذهب الفلاسفة كتصوف ابن سينا ...) وإن وقع في كلامهم لفظ الوحدة فمرادهم به التوحيد، وانفراد الله بالوجود ولوازم الوجود، لا ذلك الذي يريد أولئك»([8]).

فتصوف  المدرسة الشاذلية تصوف إسلامي خالص عن الآراء والمعتقدات الأجنبية، فهو تصوف نشأ في بيئة إسلامية خالصة، لا أثر فيها لعناصر أجنبية، فقد نشأ تصوف المدرسة الشاذلية فى المغرب ثم انتقل إلى مصر حيث كانت السيادة لمذاهب أهل السنة وعقيدة أبي الحسن الأشعري، وحيث أبطلت وحوربت مذاهب الشيعة والإسماعيلية والإمامية وغيرها، ولذا يمكننا القول بأن تصوف المدرسة الشاذلية تصوف إسلامي سني خالص، يهدف أولًا وأخيرًا إلى التهذيب الخلقي والتربية الروحية([9]).
 


(1) راجع: د/ أبو الوفا التفتازانى ، ابن عطاء الله السكندرى وتصوفه، ص (4) .

(2) د/ أبو الوفا التفتازانى ، ابن عطاء الله السكندرى وتصوفه، ص (56 - 57 ، 58)  باختصار وتصرف يسير.

(3) ابن عطاء الله السكندرى، لطائف المنن، ص 106.

(4) ابن عطاء الله السكندرى، لطائف المنن، ص 106.

(5) ابن عطاء الله السكندرى، لطائف المنن، ص 106.

(6) د/ أبو الوفا التفتازانى ، ابن عطاء الله السكندرى وتصوفه، ص (57 - 58) .

(7) تأييد الحقيقة العلية،  ص 60.

(8) تأييد الحقيقة العلية، ص 70. وراجع : د/ أبو الوفا التفتازانى ، ابن عطاء الله السكندرى وتصوفه، ص (65-66) .

(9) د/ أبو الوفا التفتازانى ، ابن عطاء الله السكندرى وتصوفه، ص (66)


التقييم الحالي
بناء على 37 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث