لقد كان من أسس المدرسة الشاذلية "الإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار"([1])، وقد كتب الشيخ أبو الحسن الشاذلى فى ذلك لبعض أصحابه : "... لا تعبأن بمن ناوأك ، ولا تعتمدن على من والاك ، إنما هي ربوبية تولت عبودية قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾[الأنعام: 123]. في كل مدينة وقرية إن الأكابر مجرموها والصالحون فقراؤها ولن تجد لسنة الله تبديلًا وكفى بالله وكيلًا، ... اجلس جلوس من فقد الكل وعزاه الله بقوله عز وجل: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾[الرَّحمن: 26]، وبقوله: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾[القصص: 88]. فليس بعاقل من لم يعتز بعز الله عز وجل ..."([2]).
ولهذا لما دخل بعض كبار الدولة بالمغرب على الشيخ أبى الحسن الشاذلى وقال له: "ما أرى لك كبير عمل فأخبرني بم فُقت الناس وعظّموك؟ فقال الشيخ أبو الحسن : لي حسنة واحدة افترضها الله على نبيه صلى الله عليه وسلم تمسكت بها. فقال: وما هي؟ فقال الشيخ أبو الحسن: الإعراض عنكم وعن دنياكم قال الله تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [النَّجم: 29]([3]).
ومن أسس الطريقة الشاذلية : رفع الهمة عن الخلق، وفى ذلك يقول الشيخ أبو العباس المرسى : "والله ما رأيت العز إلا فى رفع الهمة عن الخلق"، ونودى ذات يوم : "السلامة فى الدين بترك الطمع فى المخلوقين" ، وقال يوما لأصحابه : جاءنى الطواشى بهاء الدين - وهو مشد الديوان إذ ذاك - والفقيه شمس الدين الخطيب - وهو يومئذ ناظر الأجياش - فقال لى : إن هذه القلعة تحتاج إلى حصر وزيت وقناديل وتحتاج الفقهاء فيها إلى ما يأكلون ونحن حكام الوقت نطلق لها شيئا كل شهر، فقلت لهم : حتى أشاور أصحابى ، وأنتم أصحابى، فماذا تشيرون ؟ . فلم يرجع إليه أحد جوابا فأعاد الأمر مرارا، فلم يجبه أحد ، فقال : اللهم أغننا عنهم ولا تغننا بهم إنك على كل شىء قدير، ولم يجبهم إلى ما ذكروا ، قال ابن عطاء الله : ومات الشيخ رحمه الله تعالى وليس للمكان مرتب ولا معلوم. ولهذا كان الشيخ أبو العباس يقول: للناس أسباب ، وسببنا نحن الإيمان والتقوى قال الله تعالى {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} [الأعراف 96] ([4]).
يقول ابن عطاء الله : "ورفع الهمة إنما تنشأ عن صدق الثقة بالله ، وصدق الثقة بالله إنما تنشأ عن الإيمان بالله على سبيل المعاينة والمواجهة ، فيوجب لهم إيمانهم الاعتزاز بالله ... والذى يوجب لك رفع الهمة عما سوى الله علمك بأنه لم يخرجك إلى مملكته إلا وقد كفاك ومنحك وأعطاك فلم يبق لك حاجة عند غيره"([5]).