تؤكد المدرسة الشاذلية على أهمية الشيخ تربية وصحبة ، وفى ذلك يقول ابن عطاء الله السكندرى : "واعلم أن العلماء والحكماء يعرفونك كيف تدخل إلى الله تعالى ، هل رأيت مملوكا أول ما يشترى يصلح للخدمة ، بل يعطى لمن يربيه ، ويعلمه الأدب، فإن صلح وعرف الأدب قدمه للملك، كذلك الأولياء رضى الله عنهم يصحبهم المريدون حتى يزجوا بهم إلى الحضرة ، كالعوّام إذا أراد أن يعلم الصبى العوم يحاذيه إلى أن يصلح للعوم وحده ، فإذا صلح زجه فى اللجة وتركه"([1]).
فالمدرسة الشاذلية ترى -متفقة فى ذلك مع عامة المدارس العلمية والصوفية الأخرى- أن "أخذ العلم والعمل عن المشايخ أتم من أخذ دونهم {بل هو آيات فى صدور الذين أوتوا العلم} ، {واتبع سبيل من أناب إلى}، فلزمت المشيخة ؛ سيما والصحابة أخذوا عنه عليه الصلاة والسلام وقد أخذ هو عن جبريل ، واتبع إشارته فى أن يكون عبدا نبيا ، وأخذ التابعون عن الصحابة ، فكان لكل أتباع يختصون به كابن سيرين وابن المسيب والأعرج لأبى هريرة ، وطاوس ووهب ومجاهد لابن عباس إلى غير ذلك . فأما العلم والعمل فأخذه جلى فيما ذكروا وكما ذكروا ، وأما الإفادة بالهمة والحال فقد أشار إليها أنس بقوله : ((ما نفضنا التراب عن أيدينا من دفنه عليه الصلاة والسلام حتى أنكرنا قلوبنا ))فأبان أن رؤية شخصه الكريم كان نافعا لهم فى قلوبهم إذا من تحقق بحالة لم يخل حاضروه منها ، فلذلك أمر بصحبه الصالحين ونهى عن صحبة الفاسقين"([2]).
ويدلنا الشيخ أبو الحسن الشاذلى على ما ينبغى أن يكون عليه الشيخ فيقول:«ليس الرجل من دلك على تعبك، إنما الرجل من دلك على راحتك»([3])، ويقول أيضا : «الشيخ من دلك على راحتك لا على تعبك»، وقال الشيخ ابن مشيش لما سأله الشيخ أبو الحسن عن قوله صلى الله عليه وسلم : «يسروا ولا تعسروا»، «يعنى دلوهم على الله ولا تدلوهم على غيره، فإن من دلك على الدنيا فقد غشك، ومن دلك على العمل فقد أتعبك، ومن دلك على الله فقد نصحك»([4]).
وقد قرر الشيخ زروق فى قواعده عدة قواعد تتعلق بالاقتداء واتخاذ الشيه ، ومن يجوز للسالك أن يتبعه ويتخذه قدوة، وعلامات القدوة المتبَع، وحاصلها استقامة الظاهر على الشريعة، فإنه يعرف باطن العبد من ظاهر حاله، لأن الأسرة تدل على السريرة، وما خامر القلوب فعلى الوجوه أثره يلوح([5]).
ومن أهم آداب صحبة الشيخ عندهم : أن يخلف المريد حظوظ نفسه وراءه، ولا تكون همته مصروفة إلا لامتثال أوامر شيخه، والاجتهاد فى حصول مراضيه، فإن قلوب المشايخ ترياق الطريق([6]).
ويؤكد أعلام المدرسة الشاذلية على وجود الشيخ المربى القدوة دائما ، وأن عدم العثور عليه إنما هو دليل على عدم صدق المريد ، وفى ذلك يقول الشيخ مكين الدين الأسمر : "... كما أن للدنيا أبناء من استند إليهم كفوه ، فكذلك إن للآخرة أبناء من استند إليهم أغنوه، ولا تقل طلبنا فلم نجد، فلو طلبت بصدق لوجدت ، وسبب عدم وجدانك عدم استعدادك، فإن العروس لا تجلى على فاجر، فلو طلبت رؤية العروس لتركت الفجور ، ولو تركت الفجور لرأيت الأولياء، والأولياء كثيرون لا ينقص عددهم ولا مددهم ..."([7]).
ويؤكد ابن عطاء الله على أنه ليس كل من صحب الأكابر اهتدى بصحبتهم، كما يقول الجاهل : صحبت سيدى فلان ، ورأيت سيدى فلانا ، ويدعون دعاوى كلها كاذبة باطلة، بل كان ينبغى لهم أن يزيدهم صحبة المشايخ خوفا ووجلا ، وليس اغترارا بالله ومعصية، فقد صحبت الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا أكثر وجلا ومخافة([8]).
ومن سمات المدرسة الشاذلية المهمة : التعظيم لمشايخ الطريقة والتأدب معهم ، فيصف ابن عطاء الله السكندرى شيخه الشيخ أبو العباس المرسى بأنه "كان شديد التعظيم لشيخه أبى الحسن ، حتى إنك كنت تشهد منه أنه لا إثبات لنفسه معه ، وكان إذا ذكر الشيخ رضى الله عنه ينشد شعرا :
لى سادة من عزهم |
أقدامهم فوق الجباه |
إن لم أكن منهم فلى |
فى ذكرهم عز وجاه |
وكان من شأن أبى العباس المرسى "ذكر الشيخ أبى الحسن والدلالة عليه ، والإعراض عن ذكر خصائصه هو نفسه ، حتى قال له إنسان: يا سيدى نراك تقول قال الشيخ قال الشيخ ، وقل أن تسند لنفسك شيئا ، فقال له الشيخ : لو أردت على عدد الأنفاس أن أقول قال الله ، ولو أردت على عدد الأنفاس أن أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو شئت على عدد الأنفاس أن أقول قلت أنا قلت أنا ، ولكن أقول قال الشيخ وأترك ذكر نفسى أدبا"([9]).
(1) ابن عطاء الله السكندرى ، تاج العروس الحاوى لتهذيب النفوس (ص 14- 15) .
(2) الشيخ زروق، قواعد التصوف (ط خيالى) ، ص 54 .
(3) ابن عطاء الله ، لطائف المنن، ص 145.
(4) الشيخ زروق، قواعد التصوف (ط خيالى) ، ص 58.
(5) الشيخ زروق، قواعد التصوف (ط خيالى) ، ص 94-101.
(6) ابن عطاء الله السكندرى ، شرح قصيدة أبى مدين (ما لذة العيش) ، (ص 95، 109) .
(7) ابن عطاء الله السكندرى ، تاج العروس الحاوى لتهذيب النفوس (ص 17) .
(8) ابن عطاء الله السكندرى ، تاج العروس الحاوى لتهذيب النفوس (ص 32) .
(9) ابن عطاء الله السكندرى ، لطائف المنن (ص 93 ، 145) .