نسخة تجريبيـــــــة
الوصول إلى الله

يقول الشيخ أبو الحسن الشاذلى : "اعلم أيدك الله أنك إذا أردت الوصول إلى الله تعالى فاستعن بالله واجلس على بساط الصدق مشاهدًا ذاكرًا له بالحق، ورابط قلبك بالعبودية المحضة على سبيل المعرفة، ولازم الشكر والمراقبة والتوبة والاستغفار. فأنا أشرح لك هذه الجملة؛ لئلا يقع الغلط فيها على سبيل الوصلة، وهو أن تقول: الله الله مثلًا أو ما شاء الله من الذكر مراقبًا لقلبك بالتقوى بترك الدفع عن نفسك والجلب لها وتجد ذلك في آيتين من كتاب الله تعالى: قوله عز وجل: ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ﴾ [الملك: 20]. فهذه الآية من الدفع. وفي الجلب قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ﴾ [الملك: 21].  

ووصف الذكر أن تذكر بلسانك وتراقب قلبك فما ورد عليك من الله من خير قبلته، وما ورد عليك من ضد كرهته رجوعًا إلى الله تعالى في الدفع والجلب كما وصفت لك، واحذر أن تدفع أو تجلب لنفسك شيئًا إلا بالله، فإن خامر سرك شيء من ذنب أو عيب أو نظر إلى عمل صالح أو حال جميل فبادر إلى التوبة والاستغفار من الجميع إما من الذنب أو العيب فواجب شرعًا، وإما من العمل الصالح أو الحالة الجميلة فلعلة واعتبر باستغفار النبي صلى الله عليه وسلمبعد البشارة واليقين بمغفرة ما تقدم من ذنبه وما تأخر، هذا من معصوم لم يقترف ذنبًا قط، فما ظنك بمن لا يخلو من ذنب أو عيب في وقت من الأوقات.

وأما الجلوس على بساط الصدق فتحقق أوصافك من الفقر والضعف والعجز والذلة واجلس عليها ناظرًا لأوصافه من الغنى والقدرة والقوة والعزة فتلك من أوصاف العبودية، وهذه من أوصاف الربوبية، وصدق ملازمة أوصافك ولا تنتقل عنها إلى ما ليس لك فتكون من الخائبين بقلب الحقائق، وقل: يا غني يا قوي يا قدير يا عزيز من للفقير غير الغني، من للضعيف غير القوي، من للعاجز غير القادر، من للذليل غير العزيز، فأجلسني على بساط الصدق واكسني لباس التقوى الذي هو خير وهو من آياتك، واحجبني بعظمتك عن كل شيء هو لك، واملأ قلبي بمحبتك حتى لا يكون فيه متسع لغيرك، إنك على كل شيء قدير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم."([1]).

لكن الوصول إلى الله لن يكون إلا بعد قطع شهوة الوصول إليه، وفى ذلك يوجه أبو العباس ملاحظة لتلاميذه قائلًا: "لن يصل الولي إلى الله تعالى، حتى تنقطع عنه شهوة الوصول إلى الله تعالى"، وأبو العباس المرسى يتابع في ذلك شيخه أبا الحسن الذي يقول: "لن يصل الولي إلى الله، ومعه شهوة من شهواته، أو تدبير من تدبيراته، أو اختيار من اختياراته"، ويفسر ذلك الإمام ابن عطاء الله فيقول: "ومعنى كلام الشيخ أنه لن يصل الولى إلى الله حتى تنقطع عنه شهوة الوصول إلى الله أي انقطاع أدب، لا انقطاع ملل؛ فيغلب عليه التفويض إلى الله ، وشهود حسن الاختيار منه، فيلقى القياد إليه ويترك نفسه سلما بين يديه، فلا يختار مع مولاه شيئا لعلمه بما فى الاختيار مع الله من الآفات"([2]).

 


(1) ابن الصباغ ، درة الأسرار، ص 71- 72.

(2) ابن عطاء الله السكندرى ، لطائف المنن (ص 202) ، ود/ عبد الحليم محمود ، قضية التصوف - المدرسة الشاذلية، (ص 190 - 191) .


التقييم الحالي
بناء على 48 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث