تقدم المدرسة الشاذلية مفهوما متميزا للورع الخاصة والذى لا يفهمه إلا قليل ، "فإن من ورعهم تورعهم من أن يسكنوا لغيره أو يميلوا بالحب لغيره، أو تمتد أطماعهم بالطمع فى غير فضله وخيره ، ومن ورعهم : ورعهم عن الوقوف مع الوسائط والأسباب وخلع الأنداد والأرباب ، ومن ورعهم : ورعهم عن الوقوف مع العادات والاعتماد على الطاعات ، والسكون إلى أنوار التجليات ، ومن ورعهم : ورعهم عن أن تفتنهم الدنيا أو توقفهم الآخرة، تورعوا عن الدنيا وفاء ، وعن الوقوف مع الآخرة صفاء"([1])، ومن هنا قال الشيخ أبو الحسن الشاذلى : "الورع نعم الطريق لمن عجل ميراثه ، وأجل ثوابه، فقد انتهى بهم الورع إلى الأخذ من الله وعن الله والقول بالله والعمل لله وبالله على البينة الواضحة والبصيرة الفائقة ، وهم في عموم أوقاتهم وسائر أحوالهم لا يدبرون ولا يختارون ولا يرتحلون ولا يتفكرون ولا ينظرون ولا ينطقون ولا يبطشون ولا يمشون ولا يتحركون إلا بالله تعالى ولله، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر ، فهم مجموعون في عين الجمع لا يفترون فيما هو أعلى ولا فيما هو أدنى، وأما أدنى الأدنى فالله يورعهم عن ذلك ثوابًا لورعهم ، مع الحفظ لمنازعات الشرع عليهم ومن لم يكن لعلمه وعمله ميراث فهو محجوب بدنيا أو مصروف بدعوى وميراثه التقوى لخلقه والاستكبار والصولة بعلمه والدلالة على الله بعمله، فهذا هو الخسران المبين والعياذ بالله العظيم من ذلك، والأكياس يتورعون عن هذا الورع ويستعيذون بالله منه ، ومن لم يزدد بعلمه وعمله افتقارًا لربه وتواضعًا لخلقه فهو هالك ، فسبحان من قطع كثيرًا من أهل الصلاح بصلاحهم عن مصلحهم كما قطع المفسدين بفسادهم عن موجدهم ، فاستعن بالله إنه هو السميع العليم"([2]).
أما ورع عامة أهل الطريق الذى هو بمعنى ترك المباحات خشية من الانزلاق إلى ما لا يباح ، فإن المدرسة الشاذلية كانت ترى أن سعة المعرفة أفضل من ضيق الورع ، وفى ذلك يقول الشيخ أبو العباس لما سئل عن بعض المشايخ الكائنين فى وقته : "ضيق عليه الورع ، ونحن وسع الله علينا بالمعرفة" ، وكان يقول فى قول بعض أهل الطريق "العارف وسعته المعرفة، والورع ضيق عليه التورع" فيقول الشيخ أبو العباس: "لا تظنن أن قوله العارف وسعته المعرفة أن يأكل حراما أو ما فيه شبهة، ولكن العارف ذو بصيرة منيرة، تكشف له ما غطى عن الورع ، فيمد يده إلى الطعام لعلمه بحله وسلامته من الشبهة على ما أشهدته بصيرته، والورع مستور ذلك عنه، فلذلك ربما مد العارف يده إلى ما قبض المتورع يده عنه"([3]).