بعد أن يتحقق السالك بآداب السلوك العامة, يستطيع أن يصحح مقامات سلوكه وأحواله المختلفة, ويترقى فيها دون أن يخشى الانقطاع عن الوصول إلى الله ، والترقي في المقامات والأحوال عند مشايخ الشاذلية يمثل المرحلة الرابعة والأخيرة من مراحل مجاهدة النفس, وهي المرحلة التي ينتهي السالك منها إلى المعرفة بالله معرفة يقينية ذوقية، والمقامات هي مراحل الطريق إلى الله التى يقطعها السالك فى رحلته نتيجة مجاهدته لنفسه، أما الأحوال, فهي ما يعرض للسالك دون كسب منه من المعانى الإلهية والأحوال الربانية التى ترد على القلب من غير تعمد من السالك ولا اجتلاب ولا اكتساب , كالطرب والحزن والقبض والبسط والشوق والانزعاج والهيبة, ومقامات السلوك وأحواله عند الصوفية متداخل بعضها مع بعض, بمعنى أن المتحقق بالمقامات قد ترد عليه الأحوال , كما أن صاحب الأحوال قد يترقى منها إلى المقامات، ومقامات السلوك عند السادة الشاذلية تسعة هي: التوبة والزهد والصبر والشكر والخوف والرجاء والرضا والتوكل والمحبة([1]). وهى تختلف عن تصنيف الطوسي مثلا لها, إذ يجعل الطوسي المقامات سبعة: التوبة والورع والزهد والفقر والصبر والتوكل والرضا ([2]), كما يختلف عن تصنيف الغزالي لها إذ يجعلها الغزالي عشرة هي: التوبة والصبر والشكر والرجاء والخوف والفقر والزهد والتوحيد والتوكل والمحبة([3]).
وسنجد فى عبارة للشيخ أبى الحسن الشاذلى ينصح بها مريده إشارة إلى مقامات الطريق فيقول رضى الله عنه : «لتكن همتك فى ثلاث : التقوى والتوبة والحذر. وقوامها بثلاثة : الذكر والاستغفار والصمت عبودية لله تعالى. وحصن هذه الست بأربع : الحب، والرضا، والزهد، والتوكل»([4]).
ويؤكد ابن عطاء الله السكندرى على أساس إسقاط الإرادة والتدبير كأساس من أسس المدرسة الشاذلية فى الترقى وقطع هذه المقامات , وفي هذا يقول للسالك: "فاعلم أن مقامات اليقين تسعة وهي التوبة والزهد والصبر والشكر والخوف والرجاء والرضا والتوكل والمحبة, ولا يصح كل واحد من هذه المقامات إلا بإسقاط التدبير مع الله والاختيار"([5]).
وفى ضوء هذا ينبغى أن نفهم قولة الشيخ أبى الحسن : "لا ترقي قبل أن يرقي بك فتزل قدمك"([6])، فمن أراد أن يترقى بنفسه فقد دبر واختار، وهنا يأتى الزلل.
(1) د/ أبو الوفا التفتازانى ، ابن عطاء الله السكندرى وتصوفه، ص (229 - 231) ، وللتوسع بخصوص المقامات والأحوال عند السادة الشاذلية وخاصة ابن عطاء الله ، راجع : المصدر السابق نفسه، (ص 231 - 263) .
(2) اللمع , ص 42 وما بعدها.إحياء علوم الدين, ج 4 , ص 258 وما بعدها.
(3) إحياء علوم الدين, ج 4 , ص 258 وما بعدها.
(4) ابن عياد ، المفاخر العلية ص 58 (الحلبى) .