تقدم المدرسة الشاذلية مفهوما عميقا متسعا للصحبة، ليس فقط صحبة المشايخ ورجال الطريق، ولكن صحبة الله تعالى وصحبة الشريعة ، وصحبة الكون كله بعد ذلك ، فللصحبة عند المدرسة الشاذلية مفهوما رحبا، يقول ابن عطاء الله السكندرى: " والعجب كل العجب من عبد يقبل على صحبة نفسه والتودد إليها ولا يأتيه الشر إلا منها ، ويترك صحبة الله والتودد إليها ولا يأتيه الخير إلا منه، فإن قيل لك: كيف صحبتك لله؟ فاعلم أن صحبة كلِّ شيء على حسبه، فصحبة لله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتوكل عليه فى جميع الشئون، وصحبة الملكين بأن يمْليّهما الحسنات، وصحبة الكتاب والسنة أن تعمل بهما، وصحبة السماء تكون بالتفكر فيها، وصحبة الأرض بالاعتبار بما فيها ، وليس من واجب الصحبة هذه وجود الرؤية والمشاهدة ، فالمعنى في صحبة الله صحبة أياديه ونعمه، فمن صحب النعم بالشكر ، وصحب البلاء بالصبر، وصحب الأوامر بالتعظيم والامتثال، وصحب النواهي بالبعد والانزجار، وصحب الطاعة بالإخلاص فيها، وصحب القرآن الكريم بالتفكر فيه؛ من صحب ذلك فقد صحب الله عز وجل، فإذا تمكنت الصحبة كانت خلة"([1]).
(1) ابن عطاء الله السكندرى ، التحفة فى التصوف (بترتيب د/ العريض ) ، ص 36-37.