ونحن بصدد الحديث عن الطريقة الشاذلية ، والتى يرجع فضل تأسيسها إلى الإمام الشيخ العارف سيدى أبى الحسن الشاذلى ، لا بد من الوقوف على معنى التصوف والصوفى والطريق عند الشيخ أبى الحسن الشاذلى، ومن كلامه فى هذا الصدد سيلوح لنا فى شىء من الوضوح منهجه الصوفى.
يأتى تعريف «الصوفي» في رأي الشيخ أبي الحسن متساوقًا لتعريفه للتصوف فهو يقول عنه: "الصوفي فيه أربعة أوصاف:
أ- التخلق بأخلاق الله عز وجل.
ب_ المجاورة لأوامر الله.
جـ- ترك الإنتصار للنفس حياء من الله.
د- ملازمة البساط بصدق البقاء مع الله"([1]).
وما من شك في أن هذه الأحاديث عن التصوف، وبعبارة أدق عن الطريق الصوفي، تتساوى وتتكامل مع ما يتحدث به أبو الحسن عن الصديقين، وعن قربهم من الحق سبحانه ومشاهداته في الملأ الأعلى، وبذلك تكمل الصورة عن التصوف عند الشيخ أبى الحسن وهي:
1- تصفية للنفس كوسيلة.
2- وقرب ومشاهدته كغاية.
والتصوف يتضمن الوسيلة والغاية، أو الطريقة والحقيقة([2]).
أما الطريق عند الشيخ أبى الحسن فإنه يقوم على عدة مقومات أساسية ، هى :
أ- الإخلاص ، وفى ذلك يقول الشاذلى: «نور من نور الله استودعه قلب عبده المؤمن فقطعه به عن غيره، فذلك هو الإخلاص الذي لا يطلع عليه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله». وإلى ذلك الإشارة بقوله، عز وجل، فيما يحكي عنه جبريل عليه السلام لرسول اللهصلى الله عليه وسلم:«الإخلاص سر من سرى استودعته قلب من أحببت من عبادي».
ب- التوبة: وأول ما يبدأ به المريد السالك إلى الله الذي يريد إسلام وجهه إليه إنما هو التوبة، وتبدأ التوبة الاستغفار، وحقيقة الاستغفار ألا يكون لك مع غير الله قرار، وهو بهذا الوضع أمان للمستغفر من عذاب الله، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال:33]، والاستغفار من أساس الطريق عند الشاذلى ، وفى ذلك يقول: "عليك بالاستغفار وإن لم يكن هناك ذنب، واعتبر باستغفار النبي صلى الله عليه وسلم بعد البشارة واليقين بمغفرة ما تقدم من ذنبه، وما تأخر هذا في معصوم لم يقترف ذنباً قط وتقدس عن ذلك فما ظنك بمن لا يخلو عن العيب، والذنب في وقت من الأوقات"([3]).
ويؤكد على أهمية الاستغفار فى عبارة أخرى له فيقول رضى الله عنه: "من أحصن الحصون من وقوع البلاء على المعاصي : الاستغفار قال الله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}"([4])[الأنفال: 33].
ج- النية: ولابد في كل عمل يأتيه الإنسان- بل كل أمر يتركه- من النية، ومن الإخلاص في النية، وذلك لكي يترتب الأجر والثوب من الله على العمل، ويقولصلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، وحسن النية - عند الشيخ أبى الحسن الشاذلى - فيما بينك وبين الله بتوجيه القلب بالتعظيم لله، والتعظيم لأمر الله والتعظيم لما به أمر، وفيما بينك وبين العباد توجيه النفوس بالنصيحة لهم، والقيام بالحقوق، وترك الحظوظ ونبذ العوارض مع الصبر لله والتوكل على الله([5]).
د - الطريق القصد إلى الله تعالى: وعند الشيخ الشاذلى فإن الطريق القصد إلى الله تعالى أربعة أشياء، من حازها فهو من الصديقين المحققين، ومن حاز منها ثلاثًا فهو من الأولياء المقربين، ومن حاز منها اثنتين فهو من الشهداء الموقنين، ومن حاز منها واحدة فهو من عباد الله الصالحين.
أولها: الذكر وبساطه العمل الصالح، وثمرته النور.
وثانيها: التفكير، وبساطه الصبر، وثمرته العلم.
وثالثها: الفقر وبساطه الشكر وثمرته المزيد منه.
ورابعها: الحب، وبساطه بغض الدنيا وأهلها، وثمرته الوصل بالمحبوب.
وهناك العديد من الأشياء الأخرى التى تمثل مقومات الطريق الصوفى عند الشيخ أبى الحسن الشاذلى : كالخلوة ، والجهاد ، ومفهوم الزهد فى الدنيا، والعبودية ، ولزوم الطاعات، والذكر، والورع، والتوكل، والرضا ، والمحبة([6]).
(1) ابن الصباغ ، درة الأسرار، ص 70 .
(2) د/ عبد الحليم محمود ، قضية التصوف - المدرسة الشاذلية، (ص 96) .
(3) الشعرانى ، الطبقات الكبرى ، 2/4. وللتوسع بخصوص الاستغفار عند الشاذلية راجع: ابن عياد الشافعى ، المفاخر العلية فى المآثر الشاذلية، ص 59 (ط الحلبى) .
(4) الشعرانى ، الطبقات الكبرى ، 2/ .
(5) ابن الصباغ ، درة الأسرار، ص 121.
(6) ابن الصباغ ، درة الأسرار، ص 71. وللتوسع بخصوص ذلك راجع: د/ عبد الحليم محمود ، قضية التصوف - المدرسة الشاذلية، (ص 96-115) .