نسخة تجريبيـــــــة
السماع

كان الشيخ أبو الحسن الشاذلي -رضي الله عنه- ليس من طريقه السماع، وقد قال الجنيد: إذا رأيت المريد يطلب السماع فاعلم أن فيه بقية من البطالة([1])،ويقول الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه : «استأذنني بعض الفقراء في الحضور والسماع، فهممت بذلك، فرأيت أستاذي ، وفي يده اليمنى كتاب فيه القرآن العظيم، وحديث رسول اللهصلى الله عليه وسلم، وفي يده اليسرى أوراق فيها مرجز وهو يقول لي كالمنتهر: تعدلون عن العلوم الزكية إلى علوم ذوي الأهواء الردية، فمن أكثر من هذا فهو عبد مرقوق هواه، وأسير لشهواته ومناه، يستفزون بها قلوب ذوي الغفلة والنسيان، وأهل الضلالة والعميان، ولا إرادة لهم في عمل الخير واكتساب الغفران، يتمايلون عند سماعها تمايل الصبيان، لئن لم ينته الظالم ليلقبن الله أرضه سماه وسماءه أرضًا. قال: فأخذني منه حال منه حال بوجد وأنا أقول له: نعم يا أستاذي، إلا أن النفس أرضية والروح سماوية. فقال لي: نعم يا علي، إذا كانت الروح بأمطار العلوم دارة، والنفس بالأعمال الصالحة ثابتة فقد حصل الخير كله، وإذا كانت النفس غالبة والروح مغلوبة، فقد حصل القحط والجدب، وانقلب الأمر جاء الشر كله. فعليك بكتاب الله الهادي، وبكلام رسوله الشافي، فلن تزال بخير ما آثرتهما وقد أصاب الشر من عدل عنهما، وأهل الحق إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، وإذا سمعوا الحق أقبلوا عليه: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا﴾ [الشُّورى:23]»([2]).

ولهذا يؤكد الشيخ زروق على أن السماع لا دلالة على ندبه عند مبيحه جملة ، وإن وقع فيه تفصيل عند قوم ، فالتحقيق أنه عند مبيحه رخصة تباح للضرورة، أو فى الجملة ، فيعتبر شرطها وإلا فالمنع([3]).

والضرورة الداعية للسماع عند المدرسة الشاذلية إحدى ثلاثة : أ- تحريك القلب ليعلم ما فيه بمثيره، وقد يستغنى عن ذلك بمطالعة وجوه الترغيب والترهيب ومفاوضة أخ أو شيخ .

ب- أو الرفق بالبدن بإرجاعه للإحساس ومثيرات الطباع حتى لا يهلك بما يرد عليه من قوى الواردات، وقد يستغنى عن ذلك بملابسة العاديات البشرية فى الجملة كالنكاح والمزاح ونحوه.

ج- التنازل للمريدين حتى تتفرغ قلوبهم لقبول الحق فى قالب الباطل، إذ ليس لهم قدرة على قبول الحق من وجهه بلا واسطة من الطبع([4]).

 


(1)  السيوطى، تأييد الحقيقة العلية، ص 80. وقد نقل الكثير من النقول عن محققى القوم بما يبين موقفهم الحقيقى والصحيح من السماع، فانظر المصدر السابق نفسه ، ص 80 - 87. ولمزيد من التوسع بخصوص موقف المدرسة الشاذلية من السماع، راجع: الشيخ زروق، قواعد التصوف (ط خيالى) ، ص 87-94.

(2) ابن الصباغ ، درة الأسرار، ص 104. -وابن عياد الشافعى ، المفاخر العلية فى المآثر الشاذلية، ص 95 (ط الحلبى) . - ود/ عبد الحليم محمود ، قضية التصوف - المدرسة الشاذلية، (ص 117-118) .

(3)  الشيخ زروق، قواعد التصوف (ط خيالى) ، ص 88.

(4)  الشيخ زروق، قواعد التصوف (ط خيالى) ، ص 90-91.


التقييم الحالي
بناء على 53 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث