تمثل التوبة فى الطريق الصوفى عامة بداية الطريق إلى الله، والمدرسة الشاذلية فى هذا الأمر مثلها مثل سائر مدرسة التصوف الإسلامى ، ترى أن البداية لا بد أن تكون من التوبة، وتقدم فى مواضع كثيرة الكلام على التوبة وموضعها فى الطريق الصوفى عند المدرسة الشاذلية، ويمكن أن نضيف هنا بعض التفصيلات العملية لكيفية التوبة، وكيفية طلبها، مما يساعد المريد على التحقق بها، ويؤكد ابن عطاء الله السكندرى على أن التوبة هى أول المقامات ، ولا يقبل ما بعدها من العبادات إلا بها ، ويقول: "أيها العبد اطلب التوبة من الله تعالى في كلِّ وقتٍ، فإن الله تعالى قد ندبك إليها قال الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، والتوبة توصلك إلى أن تكون من أحباب الله قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾ ... فإن أردت التوبة فينبغي لك أن لا تخلو من التفكر طول عمرك، فتفكَّر فيما صنعت في نهارك فإن وجدت طاعًة فاشكر الله عليها، وإن وجدت معصيًة فوبِّخ نفسك على ذلك واستغفر الله وتب فإنه لا مجلس مع الله أنفع لك من مجلسٍ توبِّخ فيه نفسك، ولا توبِّخها وأنت ضاحكٌ فَرِحٌ، بل وبِّخها وأنت مجدٌّ صادقٌ مظهرٌ للعبوس، حزين القلب منكسرٌ ذليل ، فإن فعلت ذلك أبَدلك الله بالحزن فرحًا، وبالذلِّ عزًا، وبالظلمة نورًا، وبالحجاب كشفًا ... وإذا وقع من العبد ذنب وقع منه فى القلب ظلمة، فمثال المعصية كالنار والظلمة دخانها ... كذلك يسود القلب بالمعصية ، ولا يطهر ويصقل إلا بالتوبة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للقلوب صدأ كصدأ الحديد، وجلاؤها الاستغفار"([1]).
ويعطينا ابن عطاء الله السكندرى علامة الصدق فى التوبة ، حتى يستطيع كل تائب ومريد أن يختبر توبته ومدى صدقها فيقول رحمه الله : "إذا ثقلت عليك الطاعة والعبادة، ووجدت فيهما مشقة ، ولم تجد لها حلاوة فى قلبك ، وخفّت عليك المعصية ووجدت لها حلاوة ، وأقبلت نفسك عليها وفرحت بها وملت إليها، فاعلم أنك لم تصدق فى توبتك، وأن قلبك به مرض، ولم تصل إلى درجة المخلصين التائبين، فإنه لو صح الأصل لصح الفرع والعكس بالعكس"([2]).
ومن هنا كانت علامة قبول التوبة انشراح الصدر للطاعة، يقول ابن عطاء الله : "وداوم يا أخى على التوبة، فإن قبلت وعرفت ذلك بانشراح صدرك لطاعة الله، والإقبال على الآخرة، فافرح واحمد الله على فضله، وإن لم تقبل بأن وجدت نفسك تتلذذ بالمعصية وتفرح بها فاستغث بالله، وقل كما قال آدم وحواء {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} ..."([3]).