إنَّ الخلافات التي كانت ولاتزال بين الطرق هي في الرسوم العملية فقط، كالزي والأوراد والأحزاب التي يرددها الأتباع وما إلى ذلك، فهي أشبه شيء بمدارس تتحد غايتها في التعليم الروحي، وتختلف وسائلها العملية فيه باختلاف المعلم، الذي يجتهد في أن يضع لتلاميذه قواعد ورسومًا خاصة، يرى أنَّها أفعل في تعليمهم، والحقيقة أنَّ الغاية القصوى من الطريق الصوفي عندهم جميعًا كانت ولا تزال تتمثل في غاية خلقية هي إنكار الذات والصدق في القول والعمل(1).
وأهم ما يميز كل طريقة عن الأخرى، هو حزبها أو وردها الخاص بها، ويقول في ذلك الأستاذ الدكتور توفيق الطويل: والظاهر أنَّ أكبر ما يميز الطوائف وردها فلكل طائفة ورد أو حزب أنشأه شيخها، وحرص عليه أتباعه في حياته وبعد مماته، يرددونه في الأوقات التي حددها لهم، ويتلونه جماعة دون أن يتغيب عن تلاوته أحد منهم(2).
ويرى بعض الصوفية(3) أنَّ الفوارق التي تميز الفرق بعضها عن بعض غير واضحة المعالم عندهم، فهم يرون أنَّ الطرق كلها واحدة، وأنَّ أعظم الفوارق بينها قائم في أشخاص شيوخها.
والحق أنَّ في اختلاف المسالك راحة للسالك على ما يقول الشيخ زروق في كتابه (قواعد التصوف)، الذي يقول فيه أنَّ في هذا الاختلاف "إعانة له -أي للمريد- على ما أراد من بلوغ الأرب والتوصل بالمراد؛ فلذلك اختلفت طرق القوم ووجوه سلوكهم، فمن ناسك يؤثر الفضائل بكل حال، ومن عابد يتنسك بصحيح الأعمال، ومن زاهد يفر من الخلائق، ومن عارف يتعلق بالحقائق، ومن وارع يحقق المقام بالاحتياط، ومن متمسك يتعلق بالقوم في كل مناط، ومن مريد يقوم بمعاملة البساط، والكل في دائرة الحق بإقامة حق الشريعة، والفرار من كل ذميمة وشنيعة"(4).
وقد يكون في تعدد الطرق وتنوعها واختلافها فائدة للمريد حيث يكون أمامه فرصة عريضة لاختيار الطريقة، التي توافقه وتوائم طبعه وحين الاختيار يكون الالتزام بنهج الطريقة التي اختارها.
المرجع : الطرق الصوفية في مصر، نشأتها ونظمها، أ/د عامر النجار، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، د ت، (ص 87 - 88) .