مواقف جهادية مشرقة لأعلام الصوفية
فى
صفحات مضيئة من تاريخ الجهاد الصوفى
الصفحة الأولى
( 1) الشيخ أبو الحسن الشاذلى"رضى الله تعالى عنه"
صفحة مشرقة من الجهاد الصوفى ضد الغزو الصليبى
الشيخ الشاذلى : أستاذ العلماء، وقطب الاولياء
اسمه ولقبه :
اتفقت المصادر التى أرخت وترجمت للشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه، على أن : اسمه على، ولقبه تقى الدين، وكنيته أبو الحسن، وشهرته الشاذلى. كما أن اسم والده عبد الله، واسم جده عبد الجبار، وقد أجمعت المصادر أيضا على أنه شريف ؛ أى من أهل البيت النبوى الشريف، وأنه حسنى ينتهى نسبه من جهة أبيه إلى الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما [1].
نسبه :
أجمع مؤرخو الشيخ أبى الحسن الشاذلى على أن نسبه الصحيح هو : على بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصى ابن يوشع بن ورد بن بطال بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن الحسن بن على بن أبى طالب كرم الله وجهه[2].
مولده :
اتفق جميع الرواة، وأصحاب التراجم والطبقات، على أن الشيخ أبا الحسن الشاذلى قد وُلِدَ فى المغرب الأقصى[3]، وبالتحديد فى قرية غُمَارة[4]وهى قريبة من مدينة سبتة بالمملكة المغربية الآن، ولقد ولد الشيخ الشاذلى فى عام ثلاث وتسعين وخمسمائة من الهجرة[5].
صفته وحليته :
كان الشيخ أبو الحسن آدم اللون، نحيف الجسم، طويل القامة، خفيف العارضين، طويل أصابع اليدين كأهل الحجاز[6]. وتلك الصفات الجسمية، هى صفات العرب العاربة ؛ لذا فهى تؤكد أنه ينحدر من أصول عربية. أما عن حليته، فقد كان يلبس أفخر الثياب، ويركب الخيل الجياد، وكان لا يرى ثمة علاقة بين التصوف ولبس المرقعات وقديم الثياب. فى إشارة منه إلى أن التصوف فى حقيقته صلة بين العبد وربه، ولا دخل للزى واللباس فى هذه الصلة.
علمه :
ذكرنا آنفا أن الشيخ أبا الحسن الشاذلى، ولد سنة 593هـ بقرية غمارة بالمغرب، وقد نشأ فيها وأتم علومة الدينية من تفسير وحديث، وفقه وأصول، ونحو وبيان، على مذهب الإمام مالك، وهو المذهب الفقهى السائد وقتذاك فى شمال إفريقيا. وقد أقبل الشيخ الشاذلى على تحصيل تلك العلوم بشغف بالغ[7].
ثم انتقل الشيخ أبو الحسن بعد ذلك من غمارة إلى زرويلة موطن بنى زرويل بالخماس قرب شفشاون، وكانت هذه الرحلة سنة 6.2هـ، وسنه إذ ذاك عشر سنوات، وكانت هذه الرحلة بهدف الاستزادة من العلوم والمعارف الشرعية [8].
ثم ما لبث أن واصل الشيخ الشاذلى رحلته العلمية، فرحل إلى مدينة تونس طلبا للعلم، وكان ما يزال صغيرا[9]. وبعد أن اتقن علوم الشريعة واللغة، تاقت نفسه للتصوف، الذى كانت بلاد المغرب بيئة خصبة له، ومن ثم أخذ يلزم نفسه بقواعد السلوك الصوفى. واستقر الأمر بالشيخ أبى الحسن إلى أن يصحب علماء الصوفية ؛ ليسلك طريق القوم على علم وبينة، فأخذ يتوسم أستاذا فى مدينة تونس ؛ ليأخذ عنه الطريق، وجَدَّ الشاذلى فى البحث والاستقصاء، وقصد شيوخ التصوف فى تونس، وكان يعرض حاله على هؤلاء الشيوخ، فلم يجد فيهم من يشرح له حاله، حتى التقى بالشيخ أبى سعيد الباجى[10]، فأخبره بحاله قبل أن يبديه[11].
وبالرغم من مكانة الشيخ الباجى الرفيعة، عند الشيخ أبى الحسن، وشهادته له بعلو المقام، إلا أن الشيخ الشاذلى كان طلبه على القطب[12]. ولم يدخر جهدا فى سبيل ذلك، ولو كان الثمن هو السفر إلى أقصى الأرض فى بلاد المشرق، فارتحل إلى العراق بحثا عن القطب.
وفى العراق طاف على العارفين ملتمسا بينهم القطب، ويبدو أن الشيخ أبا الحسن لم يجد ضالته. إلا أنه حين التقى بالشيخ أبى الفتح الواسطى[13]، الذى قال عنه ما رأيت بالعراق مثله. أخبره الشيخ الواسطى أن القطب ليس بأرض العراق، بل فى بلاد المغرب، وقال له ارجع إلى بلدك تجده[14].
كان على الشيخ الشاذلى، بعد نصيحة الشيخ الواسطى، أن يعود إلى المغرب ليلتقى القطب، وعندما دخل المغرب، التقى بشيخه القطب ابن بشيش[15]رضى الله تعالى عنه، أحد تلاميذ الشيخ أبى مدين الغوث[16]رضى الله تعالى عنه.
ولما التقى الشيخ أبو الحسن مع شيخه ابن بشيش، خرج عن علمه وعمله مما اكتسبه من قبل، فقال له شيخه : يا على، طلعت إلينا فقيرا من علمك وعملك، فأخذت منا علمى الدنيا والآخرة[17]. من خلال ذلك اللقاء تتجلى لنا آداب المريد مع شيخه ؛ ومن أهم هذه الآداب أن يتجرد المريد من علومه على سبيل الأدب مع أستاذه، ولكى يستفيد المريد فى طريق القوم بصحبة شيخه وعلومه، عليه أن يرى علمه دون علم أستاذه. وفى هذا الصدد، قال الشيخ أبوالحسن الشاذلى فيما بعد : أنه لا يتم للعالم طريق القوم، إلا بصحبة شيخ ناصح[18]. وكان ينصح تلاميذه بآداب المجالسة مع الأكابر فيقول : إذا جالست الصديقين، ففارق ما تعلم، ولا تنسب لما تعمل ؛ تظفر بالعلم المكنون، وبفوائد أجرها غير ممنون[19].وعلى هذا النحو تتم الفائدة للمريد بصحبة شيخه.
هكذا، مكث الشيخ أبو الحسن الشاذلى، عند أستاذه القطب ابن بشيش، ينهل ويشرب من بحر علومه، وظل على هذا الحال، حتى فتح الله على بصيرته، وأصبح من أكابر العارفين، ورأسا من رؤوس الصديقين.
وعن علوم ومعارف الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه، قال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله السكندرى لسان حال الطريقة الشاذلية رضى الله تعالى عنه : " له السياحات الكثيرة، والمنازلات الجليلة، والعلوم الكثيرة، لم يدخل في طريق الله حتى كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة، ذوعلوم جمة " وقال أيضا : "لم يختلف في قطبانيته؛ ذو قلب مستنير، ولا عارف بصيرجاء في هذا الطريق بالعجب العجاب، وشرح من علم الحقيقة الأطناب، ووسع للسالكين الرحاب "[20].
مكانته وثناء العلماء عليه :
تبوأ الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه مكانة مرموقة بين أساطين وأعلام التصوف، وشهد له بعلو المقام وطول الباع كبار علماء الشريعة والحقيقة على السواء.
فمن علماء الشريعة نجد الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد، الذى كان شيخا للإسلام، وقاضيا للقضاة، ورئيسا لدار الحديث المعروفة باسم المدرسة الكاملية[21] شهد للشيخ أبى الحسن الشاذلى بعلو القدر والمكانة فقال : " ما رأيت أعرف بالله من الشيخ أبى الحسن"[22].
ومنهم أيضا الشيخ عز الدين ابن عبد السلام شيخ الإسلام، وسلطان العلماء، وصاحب الفتاوى المشهورة، عندما كان يحضر ميعاد الشيخ أبى الحسن، ويسمع تقريره فى الحقائق، ويشاهد حسن إفصاحه عن العلم اللدنى كان يصيح قائلا : " تأملوا هذا التقرير فإنه قريب العهد من ربه "[23].ولما حصل لسلطان العلماء الالتقاء بالشيخ أبى الحسن الشاذلى قدس الله سره، وتيقن أن التصوف هو روح الكتاب والسنة.صرح قائلا :" ما عرفت الإسلام الكامل، إلا بعد اجتماعى على الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه "[24]
وقد كان هذان العالمان الجليلان، يحضران دروس الشيخ الشاذلى بالمدرسة الكاملية، حيث يقرأ عليهما التفسير لابن عطية الأندلسى، والشفا للقاضى عياض، وكانا فى حضرته لازمين الأدب له، متتلمذين بين يديه[25].
ومما لاشك فيه، أن شهادة العالمين السابقين لها وزنها وأهميتها، خاصة إذا عرفنا أنهما من سلاطين علماء الدين شرقا وغربا فى عصرهما.
ومن العلماء أيضا، قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة، أثنى على الشيخ الشاذلى وقال عنه : " إن بركة الشيخ حلت بالديار المصرية منذ أقام فيها "[26]. وكان يفتخر بين أكابر العلماء بأنه حضر جنازة الشاذلى والصلاة عليه.
وممن ذكره أيضا من الأولياء والعلماء فى زمانه ومن بعده: الشيخ صفى الدين بن أبى المنصور فى رسالته، وأثنى عليه الثناء العظيم على حسب معرفته؛ وذكره الشيخ قطب الدين بن القسطلانى فى جملة من لقيه من المشايخ وأثنى عليه، وذكرهالشيخ أبو عبد الله بن النعمان، وشهد له بالقطبانية، وذكره الشيخ عبد الغفار بن نوح فى (كتاب التوحيد) وأثنى عليه،وذكرهالشيخ سراج الدين بن الملقن فى (طبقات الأولياء).وممن ذكره أيضا من العلماء الأئمة : الإمام جلال الدين السيوطى فى (حسن المحاضرة) والإمام المناوى فى (الكواكب الدرية) وذكره غير هؤلاء من المشايخ، كل واحد منهم يثنى عليه ويصفه بما عرف من قدر ه، وما نازعه أحد من أولياء عصره وعلماء زمانه[27].
هذا وقد أثنى عليه المترجمون وأصحاب الطبقات، كل منهم يثنى عليه ويصفه بما عرف من قدره ؛ فمن هؤلاء ابن العماد الحنبلى الذى قال عنه : " ظهر صلاحه وخيره، وطار فى فضاء الفضل خيره، وحمد فى طريق القوم سراه وسيره، نظم فرقق ولطف وتكلم عن الناس فقرط الأسماع وشنف "[28]. وشهد له الإمام الشعرانى رضى الله تعالى عنة بعلو المقام فقال : " كان كبير المقدار عالى المنزلة "[29]. وذكره شهاب الدين القرشى فى ترجمة أستاذه واحد الزمان فقال عنه : " نال مقام الفردانية الذى لا تجوز فيه المشاركة بين اثنين، وأجمع على ذلك من عاصره من العلماء العارفين، والأولياء المقربين، وخواص الصديقين"[30]. هذا بعض من شهادات أصحاب الطبقات والمترجمين.
أما الصوفية فقد كانوا جميعهم يعرفون قدره ومنزلته، ولنترك كبار العارفين يتكلمون عن مكانة الشيخ الشاذلى وعلو مقامه، فهذا هو الشيخ مكين الدين الأسمر يثنى عليه فيقول : " مكثت أربعين سنة يشكل على الأمر فى طريق القوم، فلا أجدمن يتكلم عليه، ويزيل عنى إشكاله حتى ورد الشيخ أبو الحسن ؛ فأزال عنى كل شىء أشكل على "[31]. وهذا يدلنا على تمكن الشاذلى من علوم الحقائق التى لم تكن معهودة لأهل الطريق من قبله ؛ لذلك قال عنه ابن عطاء الله السكندرى : " جاء فى هذا الطريق بالعجب العجاب "[32]وقال عنه تلميذه أبو العباس المرسى : " إنى صحبت رأسا من رؤوس الصديقين وأخذت منه سرا لا يكون إلا لواحد بعد واحد[33]. يعنى بذلك سر القطبانية الذى ورثه عن شيخه الشاذلى. هذا بعض من كل عن مكانة الشاذلى، وثناء العلماء عليه، قلما نجد فى التراث الصوفى شخصية صوفية، حظيت بمثل هذا الثناء كشخصية الشيخ أبى الحسن الشاذلى.
(أ) الخطر الذى أحاط بالعروبة والإسلام
"بين يدى الحدث"
تُعد فترة الحروب الصليبية من المراحل التاريخية الهامة التي مرت بها بلاد الشام ومصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامي، حيث جرت بين المسلمين والصليبين معارك دامية،دامت أجيالا وتكررت. فعندما أحس أعداء الإسلام، بالضعف الذى أصاب العالم الإسلامى ؛ نظرا لتشرذمه شيعا وأحزابا وتشرذم دياره، وجدوا الفرصة سانحة للانقضاض على أرضه واستئصال شأفة أتباعه، والاستيلاء على الأماكن المقدسة وهدمها، فبدأ العدوالصليبى زحفه على فترات زمنية متقاربة فى حملات عسكرية متعددة، كان للعصر الأيوبى نصيب الأسد منها ؛ إذ ابتدأ الأيوبيون حكمهم بالتصدى للحملة الصليبية الثانية، التى مُنِى الصليبيون فيها بهزيمة منكرة فى موقعة حطين عام (583هـ – 1187م) على يد القائد المسلم صلاح الدين الأيوبى، وانتهى العصر الأيوبى بنهاية الحملة الصليبية السابعة عام(647هـ - 1249م).والتى مُني الصليبيون فيها بهزيمة مخزية ساحقة، فى معركة المنصورة، أحد أهم المعارك التى التقى فيها الطرفان. وتجدر الإشارة إلى أن الحملة الصليبية السابعة لا تقل فى أهميتها وخطورتها عن الحملة الصليبية الثانية. بل تعد من أخطر الحملات الصليبية التى تعرض لها العالم الإسلامى نظرا للآثار السيئة، التى كان من المتوقع أن تنتج عنها[34].
ومن العصر الأيوبى يبرز عصر الصالح أيوب[35] باعتباره من أهم عصور المنطقة العربية العربية الإسلامية آنذاك، حيث شهد توغل المغول فى الأراضى الإسلامية من الشرق، والهجمات الصليبية من الغرب، وزوال الدولة الخوارزمية، كما شهد صراعات داخلية خطيرة بين ملوك بنى أيوب،فبينما كانت الأمة الإسلامية تعاني من وطأة الحروب الصليبية، وبينما كان أمراء أوروبا يتحدون في سبيل نهب بلاد المسلمين، كان ملوك المسلمين من أبناء صلاح الدين الدين الأيوبي يتنازعون الملك فيما بينهم، ولو أدى الأمر بأحدهم إلى الاستعانة بعدوه على أخيه، مقابل تسليمه حصنًا أو ثغرًا أو مدينة، غنيمة باردة.وقد اشتعلت الحروب الداخلية بين ملوك الأيوبيين، بالشكل الذى أغرى القوى الفرنجية الصليبية والغرب الأوروبى المتربص بالعالم العربى، بالتدخل لصالح فريق ضد فريق. وتجمعت القوى الأيوبية المتناثرة فى بلاد الشام فى حلف يائس مع الصليبين ضد السلطان الصالح نجم الدين أيوب سلطان مصر وكبير الأيوبيين[36]. ففى سنة 1244م تحالف الملك الصالح إسماعيل حاكم دمشق، والملك الناصر داود حاكم الكرك، والملك المنصور إبراهيم حاكم حمص مع الصليبيين، ضد الصالح نجم الدين أيوب سلطان مصر، وتنازل الثلاثة للصليبيين عن منطقة المسجد الأقصى وقبة الصخرة كما وعدوا الصليبيين بمنحهم جزء من مصر، إن تمكنوا من هزيمة الصالح أيوب. إلا أن مصر بمواردها الهائلة كفلت للصالح جيشا يفوق إمكانيات الحلف الصليبى – الشامى، وتمكن جيش الصالح بالتعاون مع الخوارزمية فى الاستيلاء على دمشق وبيت المقدس ونابلس وضُمت إلى سلطانه، ودُمر جيش التحالف الصليبى الشامى فى بضعة ساعات على حدود مصر، فى سنة 1244م فى "معركة غزة"[37]
على صعيد آخر نجد لويس التاسع، ملك فرنسا، يقود الجيوش الجرارة من الصليبين يريد أن ينازل الإسلام والعروبة فى معركة فاصلة[38]، فيما عُرف بالحملة الصليبية السابعة،التى جرى الاستعداد لها، على قدم وساق فى الغرب الأوروبى بالتنسيق بين البابا إنوسنت الرابع والملك الفرنسى لويس التاسع، منذ استرداد المسلمين لمدينة بيت المقدس سنة 1245م.و لم يكن هدف هذه الحملة إعادة الاستيلاء على بيت المقدس فقط، وإنما كانت تهدف أيضا إلى تكوين حلف مسيحى وثنى بين الصليبين والمغول ؛ لهدم الدولة الأيوبية فى مصر والشام، ووضع المنطقة العربية الإسلامية بين شقى الرحى. وقد يؤدى هذا - على نحو ما تصورت البابوية والقوى الأوربية - إلى القضاء على الإسلام ونشر المسيحية من ناحية، والاستيلاء على ثروات العالم الإسلامى والسيطرة على طرق التجارة الدولية من ناحية أخرى[39].
والواقع أن فكرة الحملة الصليبية بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا جاءت مصاحبة للفكرة الداعية إلى تطويق العالم الإسلامى بحلف مغولى صليبى على نحو ما يشير المؤرخ الفرنسى جوانفيل كاتب سيرة لويس التاسع والذى أرخ لحوادث الحملة الصليبية السابعة، فقد ذكر هذا الرجل الذى كان من ضباط الحملة الصليبية أنه بينما كان لويس التاسع فى قبرص يستكمل استعداداته لغزو مصر أرسل له " ملك التتر " رسلا يحملون رسائل ودية... توضح أنه على استعداد لمساعدته فى غزو مصر وتخليص بيت المقدس من أيدى المسلمين...ولكن مشروع التحالف المغولى الصليبى فشل، لأن المغول كانت لهم أحلامهم الخاصة بالسيادة على العالم، ولم تفِ السفارات المتبادلة والرسائل الكثيرة التى تبادلوها – بفضل الله تعالى -عن شىء حقيقى[40].
إذاً، لميكن هدف تلك الحملة إعادة الاستيلاء على بيت المقدس، أو ضرب مصر باعتبارها قاعدةحربية هامة فحسب، وإنما استهدفت أيضا هدفا بعيد المنال، يتمثل في تكوين حلف مسيحيوثني بين الصليبيين والمغول، ويطوقالعالم الإسلامي ويحيط به من الشرق والغرب.
وكانت الخطةالبابوية تقوم على أساس أن تهاجم الحملة الصليبية المنطقة العربية من سواحل البحرالمتوسط، وأن تبدأ برنامجها العسكري باحتلال دمياط أهم موانئ الحوض الشرقي للبحرالمتوسط آنذاك، وفي الوقت نفسه تتقدم القوات المغولية من ناحية الشرق لتشن هجومهاعلى المنطقة، وكانت القوات المغولية البربرية قد نجحت في اجتياح الجانب الشرقي منالعالم الإسلامى.
وفى سبيل تحقيق هذاالغرض، أرسل البابا أنوسنت الرابع سفارتين إلى المغول، غير أنهما -بلطف الله تعالى - لم يكللا بالنجاح، فقد كان لخان المغول الأعظم رأي آخر، إذ أرسلإلى البابا يطلب منه أن يعترف له بالسيادة، ويعلن خضوعه له هو وملوك أوروبا، بلطالبه بأن يأتي إلى بلاطه جميع ملوك أوروبا لتقديم الجزية باعتباره الخان الأعظمللتتر وسيد العالم بأسره.
ولعل أحسن ما يصور لنا تلك الأخطار التى أحاطت بالعروبة والإسلام إبان العصر الأيوبى، ما ذكره ابن الأثير في حوادث سنة 617هـ، حيث يقول : "لم ينل المسلمين أذى وشدة مذ جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إلى هذا الوقت، مثل ما دفعوا إليه إلى الآن، هذا العدو الكافر (التتر) وقد وطئوا بلاد ما وراء النهر وملكوها وخربوها، والعدو الآخر (الفرنج) قد ظهر في بلادهم في أقصى بلاد الروم بين الغرب والشمال، ووصلوا إلى مصر فملكوا مثل دمياط وأقاموا فيها،ولم يقدر المسلمون على إزعاجهم عنها، ولا إخراجهم منها، وباقي ديار مصر على خطر، فإنَّا للَّه وإنَّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم"[41].
المتأمل فى هذا النص القصير، يتجلى له فى جلاء ووضوح شدة الخطر الذى هدد العروبة والإسلام ؛ لدرجة أنابن الأثير يقول : إنَّا للَّه وإنَّا إليه راجعون، فلم تكن مصر وحدها التي تعاني هذا الخطر، وإنَّما العالم العربي الإسلامى وخلافته في بغداد[42].
(ب)الخطر الذى أحاط بمصر قلعة العروبة والإسلام
"قلب الحدث"
ابتليت مصر في العصور الوسطى بحروب طاحنة، لم تكن مصر وحدها هي الهدف الأول فيها، بل كان هدفها الأول والأخير العروبة والإسلام وبلادهما، والذين أوقدوا نار هذه الحروب كانوا يتظاهرون بالدين، ويلبسون ملابس القديسين، وما كانوا إلا طليعة المستعمرين والغاصبين الذين ظهروا في القرن التاسع عشر بوجه سافر لا حياء فيه، وبأطماع بعيدة عن أية فكرة يمكن أن تجد لها أثرًا في باب الحق والعدالة، ولو كانت هذه الحروب دينية صرفة لوقفت عند حد "بيت المقدس" الذي كانوا يتنازعون الأمر فيه، ولا يزال التنازع قائمًا عليه حتى الآن[43]!!
فلقد رسخ فى الوعى الأوروبىمنذ أواسط القرن الثانى عشر الميلادى، أن مصر ما دامت على قوتها وبأسها فلا سبيل إلى نجاح الحملات الصليبية، فكان الصليبيون يدركون أن مصر التى صارت تمثل قلعة الإسلام و ترسانته العسكرية ومصدر القوة البشرية الرئيسى للمسلمين، هى العائق الرئيسى الذى يعترض طموحاتهم، لاسترجاع بيت المقدس، الذى نجح المسلمونفي استعادته من الصليبين مرة ثانية سنة (642هـ - 1244م)على يد الملك الصالح نجم الدين أيوب، وأنهم لن يتمكنوا من احتلال كل الشام وبيت المقدس دون الإجهاز على مصر أولا.
ففى أوخر عهد الملك العادل أبى بكر الأيوبى،أصاب الحروب الصليبية انقلاب جديد خطير ؛ فقد لاحظ الصليبيون أن مصر هى حصن الإسلام القوى وضيعته الغنية، وأنها مصدر الأمداد القوية الوفيرة من الرجال والميرة والسلاح، وبفضل هذا كله استطاع صلاح الدين أن ينتصر عليهم انتصاراته الحاسمة، ويستعيد منهم بيت المقدس والكرك والشوبك وغيرها من عشرات المدن والقرى ؛ لهذا كله قرروا أن يبدأوا بمصر، فإذا استولواعليها فقد سهل عليهم كل شىء، واستطاعوا فى يسر أن يستعيدوا بيت المقدس، بل ويملكوا الشام كله[44].
و رغم أن الحملة الصليبيةالخامسة على دمياط بقيادة (جان دى بريين) ملك بيت المقدس باءت بالفشل، إبان حكم الملك الكامل ابن الملك العادل أبى بكر الأيوبى، إلاأن الصليبين لم يغفلوا عن مشروعهم الاستعمارى الذى كان يهدف إلى الاستيلاء على مصر؛ ليسهل عليهم تحقيق أملهم، وهو امتلاك بيت المقدس وأراضى الشام جميعا [45].
لهذا لم يكد يمضى على الحملة السابقة ثلاثون عاما حتى أعدوا العدة للانقضاض على دمياط مرة ثالثة. ولم تأت الحملة هذه المرة من سواحل الشام،وإنما أتت من فرنسا، ففى 25أغسطس سنة 1248 (4جمادى الأولى سنة646ه) خرج "لويس" يحمل فى قلبه أحقادا على الشرق عامة، وعلى مصر – قلب العروبة والإسلام– خاصة ؛ فأبحر من مياة فرنسا بأسطول ضخم يزيد على 18.. سفينة تحمل ثمانين ألف مقاتل ومعهم عدتهم وسلاحهم ومؤونتهم وخيولهم[46]. قاصدا مصر أولا ؛ لعلمه أنها بوابة العالم الإسلامى، وقلبه النابض، وعقله المدبر، وذراعه القوى الطويل، فلا سبيل إلى بلد إسلامى إلا بمصر أولا[47]وكانت مصر إذ ذاك هدفا للحملات الصليبية المتتابعة، فقد حاول الصليبيون جهدهم أن يمتلكوها ففشلوا مرة بعد مرة، وصدهم عنها الناصر صلاح الدين الأيوبى مرارا، وكان الغرب الصليبى كله يعلم، أن من ملكها فقد ملك الشرق ؛وهذا هو السبب الذي أدى إلى اختيار مصر هدفا استراتيجيا للحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع، باعتبار مصر قوة تعوق طموحات الصليبين ؛ وكان هدف الصليبيين ثغر دمياط من دون ثغورها الأخرى، باعتباره مفتاح الاستيلاء على مصر [48].
و تعد مصر من البلاد التى نعمت بالنور الإلهى، وأيضا من البلاد التى قدر الإسلام لها مكانها ومكانتها، كيف لا وقد أشاد القرآن بها فى أكثر من موضع، حتى لقد ورد ذكرها فى القرآن صراحة وكناية، كما ذكرالإمام السيوطى رضوان الله تعالى عليه، أكثر من ثلاثين مرة[49].
ولمصرمكانتها الرفيعة فى الهدى النبوى الشريف، فعن أمير المؤمنين أبى حفص عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيرا، فذلك الجند خير أجناد الأرض "، فقال له أبو بكر رضى الله تعالى عنه : ولم يا رسول الله قال : "لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة[50] "
من هنا كان أهل مصر فى حالة تأهب دائم واستعداد لرد أى هجوم عدوانى على البلاد ؛ لأنهم فى "رباط" حيث الجد والنشاط والترقب وعدم التراخى، إذ مصر بأهلها وأرضها موضع طمع الأعداء. وعلى هذا الأساس صار لمصر بالإسلام وبالجهاد فى سبيل الله، أمن وأمان، وميزة وفضل على غيرها [51].
ولقد حازت مصرأهمية تاريخية قصوى فى القرن السابع الهجرى من الناحيتين السياسية و العسكرية، حيث كانت مصر ميدانا لأحداث كبيرة وهامة في تاريخ الإسلام والمسلمين، الأمر الذى يؤكد لنا بجلاء ووضوح تامّين أن القرن السابع الهجرى في مصر كان من القرون المثيرة التي لم تؤثر في تاريخ مصر فحسب، بل أثرت فى تاريخ العالم بأسره ؛ ففي هذا القرن، أنقذت مصرالعروبة و الإسلام من خطر الصليبيين، ومنعت حدوث ردة أخرى ونكسة أندلسية ثانية ؛ كما حدث في هذا القرن هزيمة التتار في موقعة عين جالوت 658 هجرية 126.م في عهد سيف الدين قطز، وبهذا وهبت مصر الحياة للدنيا كلها خصوصًا أوربا، التي أنقذتها مصر من إعصار مغولي عنيف[52].
(ج) الاحتلال الصليبى لدمياط
"خطورة الحدث"
كان الصليبيون يركزون هجومهم على مدينة دمياط، لما لها من أثر بالغ فى غزو مصر كلها ؛ إذ كان موقعها على مصب الفرع الشرقى للنيل، مغريا لهؤلاء الغزاة على قصدها ؛ ليركبوا النيل منها إلى القاهرة، فلا يعترض سبيلهم شىء – فيما يزعمون – دون امتلاك البلاد المصرية. على أن دمياط كانت من المناعة وعظم الاستعداد بحيث لا يسهل على العدو أن يقتحمها دون أن يتعرض للهلاك، وبعد حصار طويل يستنفذ قوته وجهده [53]
من هذا المنطلق، وصل الأسطول الصليبي إلى المياه المصرية أمام دمياط[54]في (اليوم العشرين من شهر صفر عام 647هـ4 = الموافق الرابع من يونية 1249م) وبدأت أولى جهود الصليبيين موجهة إلى مدينة دمياط للسيطرة عليها، وفي اليوم التالي ( 5 يونية )[55] نزل الصليبيون إلى البر الغربي للنيل، وكان الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ، قدأرسل على رأس جيش كبير ليعسكر في البر الغربي لدمياط حتى يواجه الفرنج إذا قدموا فاصطدمت قوات الفرنج الغازية بالمسلمين على البر، ووقعت بينهموبين المسلمين مناوشات وفي النهاية اضطر المسلمون للتراجع، وفي المساء انسحب الأمير فخر الدين وقواته المكلفة بحماية المدينةإلى المعسكر السلطاني في "أشموم طناح"، تاركاً دمياط بكل مافيها من سلاح ومؤونة وأقوات، بعد أن ظن أن السلطان الصالح أيوب قد توفى، ولما رأى أهالي دمياط انسحاب الحاميةفروا خائفين مذعورين، وفر معهم العربان الذين كانوا قد وكلوا بالدفاع عن المدينة، تاركين الجسر الذي يصل بين البر الغربي ودمياط قائما، فعبرعليه الصليبيون واحتلوا المدينة بسهولة.. ومن ثمّ تيسردخول الصليبيين دمياط دون التعرض لمقاومة تذكر فاحتلوها وحصنوا أسوارها.
اغتبط الفرنج بالاستيلاء على دمياط بتلك السهولة، وتحولت دمياط إلى مستعمرة صليبية، وعاصمة لمملكة ماوراء البحار، وأنشأت الأسواق الأوروبية، وأمسك تجار جنوة وبيزا بزمام التجارة فيها.فالثغر الدمياطى، يعتبر من أهم ثغور مصر بعد الإسكندرية فى الحركة التجارية، وميزته فى أنه لا تهب عليه نوات شديدة مثل نوات اللإسكندرية، ولا تنال منه الأمواج العالية والمد والجزر. وقد اشتهر على الخصوص بتجارة التوابل، أو ما سماه العرب تجارة العبور بين الشرق والغرب [56].
كما استقبل لويس فى دمياط صديقه بالدوين الثاني (Baldwin II) إمبراطور القسطنطينية وحضرت زوجته من عكا للإقامة معه، وقد كانت قد توجهت من قبرص إلى عكا عند إبحاره إلى مصر[57].
وعمل الصليبيون على تدعيم مركزهم في دمياط،فأخذوا يعملون بسرعة على تحويلها إلى مدينة ذات طابع نصراني، فحوَّلوا المسجد إلى كنيسة باسم نوتردام، أى مريم العذراء، وعيّنوا عليها أسقفاً كاثوليكيا .وهذا ما لم يفعله المسلمون بالكنائس مطلقا،فى فتوحاتهم الإسلامية، ولعل التاريخ يذكر للفاروق عمر رضى الله تعالى عنه موقفه،عندما فتح الله عزوجل علية بيت المقدس،و عرض عليةالبطريرك "صفرنيوس"الصلاة فى كنيسة القيامةلما حان وقت الصلاة، ولكن الخليفةعمر رضي اللهتعالىعنه رفض ذلك وصلى خارج الكنيسة، خشية أن تتحول بعد ذلك إلى مسجد!!!
وتأتى شهادة "جوانفيل" مؤرخ الحملة الصليبية السابعة، والتى سجلها فى كتابه (حياة القديسلويس) دليلا قاطعا - لا مجال لأدنى شك فيه – على التعصب الغربى الصليبى البغيض آنذاك، فى هذه الشهادة يقول"جوانفيل" دون أن تعتريه حمرة الخجل:" وبدأت المسيرة الأولى من محلات القاصد الرسولى،وتوجهت إلى كنيسة سيدتنا فى المدينة، وكان هذا المكان مسجدا إسلاميا من قبل !!! لكن القاصد الرسولى كرسه الآن كنيسة على شرف أم ربنا !!! وقام القاصد الرسولى خلال سبتين متواليين بقيادة القداس، وكان ذلك بحضور الملك وأعيان الرجال فى الجيش، الذين منحهم توبة كاملة "[58]
ورغم ما قام به الأيوبيون من تحصين سابق للمدينة،إلا أن دمياط سقطت فى يد الصليبيين، فى الثانى و العشرين من صفرعام 647هـ، الموافق السادس من يونية 1249م، وقد كانت سهولة سيطرة الصليبيين عليها مثار استغراب عند الصليبيين والمسلمين ؛ خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار، ما قرره "جوانفيل" عن مدى الرعب والفزع الذى انتاب الصليبين،عندما وقعت أبصارهم لأول وهلة على جيش المسلمين،يصف"جوانفيل" هذه اللحظة، فيقول : " وفى يوم الخميس التالى وصل الملك - لويس التاسع - إلى أمام دمياط، حيث وجدنا صفا كاملا من قوات السلطان - الصالح نجم الدين - متمركزا على الساحل، وكان منظرا يريح العين ؛ لأن أسلحة السلطان كانت كلها مذهبة، وكانت إذا ما وقعت عليها آشعة الشمس يصدر عنها بريق يخطف الأبصار، وكانت الأصوات الصادرة من طبول هذا الجيش وعن أبواق المسلمين مرعبة لسامعيها " [59].
وقد وصف المقريزى دخول الصليبين دمياط وما حدث فيها فقال:"فدخلوا المدينة بغير كلفة ولا مؤنة حصار، واستولوا على ما فيها من الآلات الحربية، والأسلحة العظيمة والعدد الكثيرة، والأقوات والأزواد والذخائر، والأموال والأمتعة وغير ذلك، صفواً عفواً.فلما رأى أهل دمياط رحيل العسكر، خرجوا كأنما يسحبون على وجوههم طول الليل، ولم يبق بالمدينة أحد البتة، وصارت دمياط فارغة من الناس جملة، وفروا إلى أشموم مع العسكر، وهم حفاة عراة جياع فقراء، حيارى بمن معهم من الأطفال والنساء وساروا إلى القاهرة، فُعدَّت هذه الفعلة من الأمير فخر الدين من أقبح ما يشنع به، وقد كانت دمياط في أيام الملك الكامل، لما نازلها الفرنج، أقل ذخائر وعدداً منها في هذه النوبة، ومع ذلك لم يقدر الفرنج على أخذها إلا بعد سنة، عندما فنى أهلها بالوباء والجوع، وكان فيها هذه المرة أيضاً جماعة من شجعان بنى كنانة فلم يغنى ذلك شيئا[60]".
وذكر هذه الفاجعة أبو الفداء، فقال :"ولما وصلت الفرنج،عبر فخر الدين ابن الشيخ من البر الغربى إلى البر الشرقى، ووصل الفرنج إلى البر الغربى لتسع بقين من صفر هذه السنة، ولما جرى ذلك هربت بنو كنانة وأهل دمياط منها، وأخلوا دمياط وتركوا أبوابها مفتحة،فتملكها الفرنج بغير قتال، واستولوا على ما بها من الذخائر والسلاحات، وكان هذا من أعظم المصائب[61] ".
وأشار إليها ابن كثير،فقال: "هجمت الفرنج على دمياط، فهرب من كان فيها من الجند والعامة،واستحوذ الفرنج على الثغر، وقتلوا خلقا كثيرا من المسلمين[62]"
وذكرها ابن تغرى بردى فقال : "فلما أصبحت الفرنج ملكوها صفواً بما حوت من العدد والأسلحة والذخائر والغلال والمجانيق، وهذه مصيبة لم يجر مثلها! [63]".
(د)حزن المسلمين على احتلال دمياط
"مرارة الحدث"
وقعت أنباء سقوط دمياط في أيدي الصليبيين كالصاعقة على المسلمين،وبلغ ذلك أهل القاهرة ومصر، فأنزعج الناس انزعاجاً عظيماً، وأشفقوا على بقاء كلمة الإسلام بديار مصر ؛ لتملك الفرنج مدينة دمياط، وهزيمة العساكر، وتصاعد قوة الفرنج بما صار إليهم واستولوا عليه من الأموال والأزواد والآلات الحربية والذخائر والأسلحة العظيمة، والحصن الجليل الذي لا يقدر على أخذه إلا بقوة [64].
ومن جانبه استقبل الصالح أيوب أنباء سقوط دمياط بمزيج منالألم والغضب،وعظم عليه ذلك،وحزن حزناً شديداً، فعندما وصلت العساكر إلى أشموم طناح ومعهم أهل دمياط اشتّدغضب الملك الصالح على الأميرفخر الدين بن شيخ الشيوخ،وأنّبه علىتهاونه وضعفه،.وقال له:"أما قدرتم تقفون ساعة بين يدى الفرنج، وما قتل منكم إلا هذا الضيف الشيخ نجم الدين" وكاد يقتله لولا أن الموقف لم يحتمل حدوث انقسام فى الجبهة الإسلامية. وكان الوقت لا يسع إلا الصبر والتغاضي، وقامت الشناعة من كل أحد على الأمير فخر الدين.
وعنَّف الصالح أيوب مماليكه، ووبخَّهم لإهمالهم في الدفاع عنها،ولامهم على ترك المصابرة قليلا ليرهبوا عدو الله وعدوهم. وأمر بقتل عدد من الفرسان الهاربين،كما اشتد غضبه علىالكنانيين، وأمر بشنق أمرائهم الذينتهاونواو تركوا مواقعهم الدفاعية وهربواوغادروا دمياط بغير إذن، حتى تسلمها الفرنج،،بعد أن استفتى الفقهاء وأفتوا بقتلهم، والواقع أن فخر الدين يوسف يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية[65].
وقد عبر المؤرخون المسلمون عن مرارة ذلك الحدث، فقال أبو الفداء:"فتملكها الفرنج بغير قتال،واستولوا على ما بها من الذخائر والسلاحات،وكان هذا من أعظم المصائب" [66].
وقال المقريزي:" أصبح الفرنج يوم الأحد لسبع بقين من صفر سائرين إلى مدينة دمياط، فعندما رأوا أبوابها مفتحة، ولا أحد يحميها خشوا أن تكون مكيدة، فتمهلوا حتى ظهر أن الناس قد فروا وتركوها، فدخلوا المدينة بغير كلفة ولا مؤنة حصار"[67].
وقال اليافعي:" وملكها الفرنج بلا ضربة ولا طعنة "[68].
و قال الذهبي: "وملكتها الفرنج صفواً عفواً،بلا قتال ولا كلفة، بل مجرد خذلان نزل، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا من أغرب ما تم في الوجود، حتى إن الفرنج اعتقدوا أن المسلمين فعلوا هذا مكيدةً"[69].
(ه) رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
"نفذت المشيئة وهيأ القدر"
لما اقتضت مشيئة الله عز وجل، ولا راد لمشيئته، أن يكون دين الإسلام، دين الحق والهدى، مهيمنا و ظاهرا على الدين كله، هيأت القدرة الإلهية لحفظه والزود عن بيضته رجالا من أعظم رجالات العلم والدين،أخلصوا لله عز وجل، وعاهدوه على نصرته، ونصرة رسولهصلى الله عليه وآله وسلم، ونصردينه ؛ فباعوا نفوسهم لله تعالى بيع السماح فى ميدان الشرف والجهاد، لا سيما عند مواطن الخطر، عند اجتماع قوى الشركللقضاء على الإسلام، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. ومن طلاقة القدرة الإلهية وعجائب حكمتها، أن هؤلاء الرجال جاءوا إلى مواطن الخطر على قدر، من أوطان شتى، فاجتمعوا على أمر قد قدر: إسلام عزيز منتصر ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) نذكر من هؤلاء العلماء الأجلاء الشيخ أبا الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه،ودوره العظيم،وكفاحه المجيد، فى صد ودحر الغزو الصليبى الغاشم على مصر، كنانة الله فى أرضه، وقلعة العروبة و الإسلام، فيما يعرف بالحملة الصليبية السابعة.
مجىء الشيخ أبى الحسن الشاذلي رضى الله تعالى عنه إلى الديار المصرية
فى ذات ليلة، جاء الأذن للشيخ أبى الحسن الشاذلى بالانتقال من تونس إلى مصر، فقد رأى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى المنام يقول له : " يا على، انتقل إلى الديار المصرية،فإنك تربى بها أربعين صديقا " وعلى الفور أمر الشيخ أبو الحسن الشاذلى أتباعه بأن يأخذوا أهبتهم للرحيل إلى الديار المصرية، تنفيذا لأمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [70].
ومما يؤكد صدق الرؤيا، وأنها من مبشرات النبوة، أن المتدبر بعين النظر فى آيات القرآن الكريم، يلاحظ أن وصف الصديقية، يرتبط بالديار المصرية ارتباطا وثيقا، فمن العجب العجاب أن أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الذين شرفت بمقدمهم الديار المصرية، جاء وصفهم فى آيات الذكر الحكيم بالصديقية ؛ نجد ذلك فى قول الله تعالى : (يوسف أيها الصديق أفتنا فى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون) يوسف : 46، وقوله تعالى: (واذكر فى الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا) مريم :41، وقوله تعالى: (واذكر فى الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا) مريم :56. كما ورد وصف السيدة مريم البتول بالصِّديقة،والتى شرفت مصر بمقدمها،قال عز شأنه: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) المائدة : 75.
ولن يتسنى لنا فهم مغزى الإذن النبوى، وإدراك دلالة المكان (مصر) فى هذه الرؤيا، إلا إذا علمنا أن مشيئة العلى القدير قد اقتضت أن تحمل مصر لواء الجهاد الإسلامى، فى هذه الحقبة الزمنية العصيبة، فتدافع عن العروبة والإسلام ضد الاجتياح الغاشم من مغول الشرق وصليبى الغرب، لتحمى وتصون تراث الإسلام المجيد بيومين من أيامها عظيمين كلاهما له ما بعده : يوم الصليبيين فى المنصورة ، ويوم التتار فى عين جالوت ؛ وسوف نرى كيف ستقهر مصر المحروسة المغول وترد كيدهم إلى نحورهم، وتطردهم إلى غير رجعة من بلاد الشام وغيرها من ديار المسلمين. وكيف ستتصدى بصبر وثبات للعدوان الصليبى عليها وعلى بلاد الشام، إلى أن تطردهم وتقذف بهم إلى البحر، يجرون أذيال الخيبة والهزيمة والعار، وذللك بفضل الله عزوجل ثم بفضل جيشها وشعبها القوى الصامد. وهنا يحق لنا أن نقول : إن تربة بلادنا قد جبلت بدماءالشهداء من أجدادنا، ومعها دماء الغزاة على مدى الأحقاب[71].
وفد الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه مع أصحابه للإقامة بمصرسنة 642ه، واتخذ ثغر الإسكندرية دارا لإقامته، ومنذ أن قدم الشيخ أبو الحسن الشاذلى من تونس إلى الإسكندرية، صار يلازم ثغرها مرابطا فى سبيل الله عز وجل من الفجر إلى المغرب[72].
وعندما جاء الشيخ الشاذلى رضى الله تعالى عنه إلى الديار المصرية، واستقر بمدينة الإسكندرية، أسس الطريقة الشاذلية، التى كُتب لها أن تكون من أهم وأشهر الطرق الصوفية فى العالم الإسلامى [73].
ولقد شيد الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه طريقته على معرفة أحكام الشريعة أولا وقبل كل شىء، فكان مبنى العمل بها على الكتاب والسنة ؛ لذلك أصبحت القاعدة عند الشيخ أبى الحسن، والشيخ أبى العباس المرسى، والشيخ تاج الدين ابن عطاء الله، والشيخ ياقوت العرشى – فى قبول الطلاب – كما قال الشيخ على الخواص، أن لا يدخل أحد الطريق، إلا بعد تبحره فى علوم الشريعة وآلاتها، بحيث يقطع العلماء فى مجالس المناظرة بالحجج الواضحة، فإذا لم يتبحر كذلك، لا يأخذون عليه العهد أبدا [74]. ومن ثم كانت أصولهم وفروعهم راجعة لإتباع الكتاب والسنة [75].
جهاد الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنهفى معركة المنصورة
"رجال الله فى عين الحدث"
تحرص الطريقة الشاذلية دائما على أن تربط أتباعها بمجتمعهم وواقعهم، وذلك انطلاقا من البعد الاجتماعى، الذى كان راسخا فى شخصية مؤسسها منذ حداثة سنه ؛ حيث كان الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه قدوة لأتباعه فى تفاعله مع مجتمعه الذى يعيش فيه[76].
فعندما حضر الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه إلى الديار المصرية، تفاعل مع أهم مشكلة فى مصر، وهى وقتذاك مشكلة الغزو الصليبى لمصر، كان المصريون جميعا فى ذلك الوقت فى هم عظيم يترقبون نتائج الحرب بنفوس ملؤها الهلع والخوف، وكانت الأنظار كلها تتجه إلى مدينة المنصورة مقر الدفاع، ووجد علماء البلد أن من واجبهم أن لا يتخلفوا عن موضع الخطر، فسارعوا جميعا إلى مدينة المنصورة يثبتون من جأش الشعب، ويبعثون الحمية فى نفوس الجند المحاربين. ويثيرون فيهم روح الجهاد للذود عن الوطن وحريته، وكان فى مقدمة هؤلاء العلماءالاجلاء الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه[77].
الذى فزع إلى المنصورة مع علماء الإسلام للجهاد مع أهل المنصورة ضد الحملة الصليبية بقيادة لويس التاسع سنة 648ه، تلك الحملة التى انتصر فيها المسلمون، وأسروا لويس التاسع فى دار ابن لقمان (الصوفى)[78]. وليس هناك أدل على عناية واهتمام الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه بفريضة الجهاد فى سبيل الله عز وجل، من ذلك الموقف الجليل الصارم، الذى اتخذه تجاه قاضى الإسكندريةالفقيهناصر الدين بن المنير[79]؛ بسبب تخلف ابن المنير عن الخروج معه للجهاد فى المنصورة، وترتب على ذلك حصول جفوة بين الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه، وبين ابن المنير، وقد استمرت هذه الجفوة، إلى أن انتقل الشيخ الشاذلى رضى الله تعالى عنه إلى الرفيق الأعلى، ثم سافر ابن المنير إلى ضريح الشيخ الشاذلى رضى الله تعالى عنه واعتذر عنده[80].
وسنرى كيف شارك الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه، الشعب المصرى فى جهاده للغزاة والمستعمرين، ووقوفه مع المجاهدين، بل ذهابه مع نفر من العلماء والفقهاء لميدان الوغى ليبث فى الأبطال روح الجهاد وحلاوة الإيمان [81].
ومن الشواهد والأدلة التاريخية التى تؤكد لنا تواجد الشيخ أبى الحسن الشاذلى فى ساحة معركة المنصورة ما قرره الشيخ تقى الدين ابن دقيق العيد حيث قال : "حضرت بالمنصورة مع الشيخ أبى الحسن وما رأيت أعرف بالله منه"[82]
ويؤكد هذه الواقعة ما ذهب إليه الشيخ ابن عطاء الله السكندرى فى لطائف المنن، قال : أخبرنى الشيخ مكين الدين الأسمر قال : "حضرت فى المنصورة فى خيمة – فى معسكر القتال – فيها : سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام، والشيخ تقى الدين بن دقيق العيد، والشيخ مجد الدين على بن وهب، والشيخ محى الدين بن سراقة، والشيخ مجد الدين الأخميمى، والشيخ أبو الحسن الشاذلى، ورسالة القشيرى تقرأعليهم"[83]
ومما تجدر الإشارة إليه فى هذه المناسبة، أن الشيخ أبا الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه، قد حضر المعركة الفاصلة بين المسلمين والصليبين فى المنصورة سنة 648ه، حيث كانت مدينة المنصورة قاعدة لإدارة حركات الجيوش الإسلامية التى وقفت هناك لتمنع جيوش الصليبين، الذين احتلوا ثغر دمياط من قبل، عن التغلغل إلى داخل البلاد المصرية، وكان يقود جيوش المسلمين فى هذه المعركة الظاهر بيبرس البندقدارى وفارس الدين أقطاى، فى عهد الملك توران شاة ابن الملك الصالح أيوب، وكان يقود جيوش الصليبين فيها لويس التاسع ملك فرنسا، الذى قاد بعد ذلك الحملة الصليبية على تونس سنة 668ه[84].
ولما وصلت أخبار نزول الفرنج بفارسكور إلى معسكر المنصورة، سارع الأمير فخر الدين ابن شيخ الشيوخ بإبلاغ القاهرة بتلك الأخبار، فى رسالة من إنشاء الكاتب الشاعر بهاء الدين زهير، يحض فيها الناس جميعا على الجهاد، افتتحها بالآية القرآنية الكريمة : (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا فى سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون) وقرئت هذه على الناس فى صلاة الجمعة بالجامع الأزهر الشريف. وكان لهذه الرسالة أثرها ؛ إذ أوضحت للناس ضرورة تقديم كل المساعدات الممكنة للقوات المصرية المدافعة عن المنصورة، حتى تستطيع هذه القوات المقاومة والثبات ضد الزحف الصليبى الغاشم [85].
و حينئذ، كان للشيخ أبى الحسن الشاذلى الدور البارز والأثر الكبير، فى تعبئة المجاهدين للجهاد فى معركة المنصورة ؛فلا غرابة إذاَ، ولا عجب، إذا مارأينا الإمام الصوفي العظيم «الشيخ أبا الحسن الشاذلي» رضى الله تعالى عنه، قد هب داعيا الناس إلى الجهاد والنفير العام، ودقت طبول الحرب بين يديه، وسار إلى موكبه كبار أئمة الدين في عصره، ومنهم سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام، وإمام المحدثين الشيخ زكي الدين المنذرى «صاحب الترغيب والترهيب»، ومكين الدين، وابن دقيق العيد، ورجاله من الصعيد، وابن الصلاح إمام علماء الأصول رضوان الله تعالى عليهم، وغيرهم من الخاصة، فضلًا عن الجماهير الهائلة.
و قد أثار خروج الشيخ أبى الحسن الشاذلى لساحة الجهاد حماس المسلمين وغيرتهم،من أهل مصر فتابعه الآلاف يخرجون إلى كفاح الصليبين بأموالهم وأنفسهم، وقد اتخذت كل بلدة أو أسرة راية لها، تعرف بها، ويتجمع تحتها رجالها.[86]
فها هم أولئك العلماء الصوفية، أو الصوفية العلماء، بسمتهم الملائكى، وبإيمانهم الذى لا يتزعزع، يسيرون وسط الجند، يحثون ويشجعون، ويرشدون ويذكرون بالله، ويبشرون – كما وعد الله – بإحدى الحسنيين : النصر أو الجنة. وإذا لزم الأمر عملوا بأيديهم مع العاملين. لقد كان مجرد سيرهم فى الحوارى والشوارع، تذكيرا بالنصر أو الجنة، وكان حفزا للهمم، وتثبيتا للإيمان، وتأكيدا لصورة الجهاد الإسلامية التى قادها فى عصور الإسلام الأولى، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخلفاؤه الراشدون، رضوان الله تعالى عليهم [87].
وأعلن النفير العام في البلاد وراحت المساجد تحرض الناس على الجهاد مرددة " انفروا خفافا وثقالا، وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون" [88]فهرول المسلمون أفواجاً من كافة أنحاء مصر إلى المنصورة لأجل الجهاد ضد الغزاة[89]ضد الجيش الصليبي المتحصن خلف الأسوار والخنادق،[90].
وقد لبى داعى الجهاد، عدد كبير من العربان وعامة المسلمين،وجاءت الغزاة والرجال من عوام الناس الذين يريدون الجهاد، من كل النواحي، وتوافد على مدينة المنصورة أفواج من المجاهدين، الذين نزحوا من بلاد الشام والمغرب الإسلامي، استعداداً لملاقاة الصليبيين،وقد وصف ابن تغري بردي نفرة الجهاد التى أعلنها الشيخ أبو الحسن الشاذلى وعلماء الأمة، فقال : " ووقع النفير العام في المسلمين، فاجتمع بالمنصورة أمم لا يحصون من المطوعة والعربان؛ وشرعوا في الإغارة على الفرنج ومناوشتهم وتخطفهم، واستمر ذلك أشهراً " [91].
وقد أثمرتواجد سادات الوقت وكبرائه من المتصوفة وعلماء الدين، جنبا لجنب مع جند المسلمين ورجال المقاومة،عن شد أزر المجاهدين، وإذكاء روح التضحية و الفداء، بل كان لوقوفهم بجوار القواد، يديرون رحى المعركة، بالغ الأثر الطيب فى تقوية عزيمة الأمة، وثقتها فى قادتها، وتأييد الله تعالى لهم، حتى حدثت فى المعركة الخوارق، وذلك فضل الله يمد به جنده المخلصين له [92].
وعلى هذا الأساس، كثرت الغارات التي يشنها الفدائيونالمسلمون على معسكر الصليبيين، واختطاف كل من تصل إليه أيديهم، وقدأبدعت أذهان المجاهدين ضروبا من الحيل دفاعا عن العقيدة والأرض، فابتكروا لذلك وسائلتثير الدهشة والإعجاب، من ذلك أن مجاهدا من المسلمين قوّر بطيخة خضراء، وأدخل رأسهفيها، ثم غطس في الماء إلى أن اقترب من معسكر الصليبيين، فظنه بعضهم بطيخة عائمة فيالماء، فلما نزل لأخذها خطفه الفدائي المسلم، وأتى به أسيرا. إلى غير ذلك من صور الجهاد والاستبسال، التى تبين أن الشعوب حين تقاد باسم الاسلام، وحين يكون بينها وبين أئمتها و رعاتها حب ووئام، يكون البذل وتظهر التضحية بأجلى صورها ويكون النصر والتقدم [93].
وشن المجاهدون غارات و هجمات على معسكرات الصليبيين،يأسرون مقاتليهم وينقلونهم إلى القاهرة، فأصابوهم بخسائر فادحة [94]. ويروي المؤرخ الصليبي "جوانفيل" (joinvill)"الذي رافق الحملة، أن المسلمين كانوا يتسللون أثناء الليل إلي المعسكر الصليبي ويقتلون الجنود وهم نيام ويهربون بروؤسهم [95]. ويذكر المؤرخ ابن أيبك الدوادارى أن الصليبيين كانوا يخافون من العوام المتطوعين أكثر منالجنود [96].
وعبر العمليات الفدائية، نجح المجاهدون المسلمون في أسر العديد من الفرنج، ويصف لنا المقريزى ذلك قائلا :"فلما كان يوم الاثنين سلخ شهر ربيع الأول: وصل إلى القاهرة من أسرى الفرنج الذين تخطفهم العرب ستة وثلاثون أسيراً، منهم فارسان، وفى خامس شهر ربيع الآخر، وصل سبعة وثلاثون أسيراً، وفى سابعه وصل اثنان وعشرون أسيراً، وفى سادس عشر، وصل خمسة وأربعون أسيراً، منهم ثلاثة من الخيالة، ووصل في ثامن عشر جمادى الأولى خمسون أسيراً،وفى ثالث عشر شهر رجب، وصل إلى القاهرة سبعة وأربعون أميراً من الفرنج، وأحد عشر فارساً منهم " [97] وتعددت مواكب أسرىالصليبيين في شوارع القاهرة على نحو زاد من حماسة الناس، ورفع معنويات المقاتلينإلى السماء.
وهكذا رأينا كيف حارب أئمة التصوف و العلماء جنبا لجنب مع الأهالى والجنود فى ساحة الجهاد، لم يستقر هؤلاء العلماء فى دورهم البعيدة عن الخطر، وإنما هبوا جميعا للجهاد فى سبيل الله، لقد هاجروا إلى المنصورة ليكونوا بين المجاهدين، وبرغم أن العارف بالله الشيخ أبا الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه كان فى آخر حياته، وكان قد كُف بصره، إلاأنه كان فى مقدمة الذاهبين إلى المنصورة![98] يلهب حماس المجاهدين، ويحرك قلوبهم، وينادى بالشهادة، وينادى ببيع النفوس لله تعالى، الذى اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ؛ فأبدى المجاهدون ضروبا من الشجاعة والاستبسال منقطعة النظير فى جهاد الأعداء. وهذا يبين لنا مكانة العلماء العاملين عند الله تعالى، وأثرهم فى استدرار رحمة الله تعالى، ونصره للأمة وإعلاء شأنها. ويكشف لنا عن مكانة علماء الأمة العاملين فى قلوب الأمة، تلك المكانة التى عرفها و قدرها الملوك والسلاطين لهم، فاحترموهم وجعلوا لهم الصدارة فى الناس، وأفسحوا لهم المجال فى التوجيه والإرشاد [99].
وثمة ملمح آخر، يتجلى لنا من خلاله، حرص واهتمام الإمام الكبير، والصوفى المجاهد، الشيخ أبى الحسن الشاذلى، بأمر الإسلام والمسلمين ؛ فمن أداب الصوفية وأخلاقهم الاهتمامالبالغ بأمر المسلمين، وقد استقى الصوفية هذا الأدب العظيم، وهذا الخلق الكريم من القبس النبوى الشريف،الذى رواهحذيفة رضى الله تعالى عنه، عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :"من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " [100].
وتأسيسا على هذا القبس النبوى الشريف، يقول الإمام الصوفى الكبير الشيخ عبدالوهاب الشعرانى رضى الله تعالى عنه : " من لبس جديدا، وأكل هنيئا، وأضحك فى نفسه، أوسعد فى بيته، والأمة الاسلامية فى كرب وشدة، فقد برئ منه الاسلام "[101]
و يقول فى السياق نفسه : "سمعت الشيخ عليا الخواص رضى الله تبارك وتعالى عنه مرات يقول : من ضحك, أو جامع زوجته, أو لبس ثوبًا مبخرًا أو ذهب إلى مواضع التنزهات أيام نزول البلاء على المسلمين, فهو والبهائم سواء"[102]
ويقول أيضا : " وممن روينا عنه أنه كان إذا نزل بالمسلمين هم أو بلاء يمرض له أيامًا أميرا المؤمنين عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنهما, والشعبى[103] رضى الله تعالى عنه, فكانوا يمرضون ويعادون كما تعاد المرضى, فإذا ارتفع ذلك الهم أو البلاء عن المسلمين خلصوا من المرض لوقتهم, حتى كأنه لم يكن بهم مرض " [104].
وإذا علمنا أن السنة النبوية المطهرة، تحظى بمكانة رفيعة، و تعظيم بالغ، عند المدرسة الشاذلية،وشيخها أبو الحسن الشاذلى ؛ الذى كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم، هو مثله الأعلى، وأسوته الحسنة، فى أوامره وأفعاله وأخلاقه، وكان النبراس الذى يهتدى به فى حياته الروحية، ويسير على ضوئه فى سلوكه الإنسانى[105].
إذا علمنا ذلك، فلا غرابة ولا عجب، إذا ما رأينا الشيخ أبا الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه، وهويروى لنا، عن مدى ما أصابه من هم وحزن إزاء الغزو الصليبى لمصر، وقد شُغِلَ بأمر المسلمين، فكان ليله ونهاره مشغولا بالله فى أمرهم، بل كان يقضى وقته كله فى المنصورة – مستيقظا ونائما – ولا تشغل باله وفكره، إلا هذه الملمة التى توشك أن تنزل بمصر والإسلام، ولا يشغل فكره إلا هذه الحرب الطاحنة، الدائرة رحاها بين عدو وافد من الخارج، وجيش مجاهد باسل يدافع عن الوطن والإسلام، فكان الشيخ رضى الله تعالى عنه إذا نام تكاثرت عليه الأحلام، يرى فيها ما يشغله فى اليقظة، ويلتمس فى عالم الروح مخرجا من هذه الأزمة [106]، حتى إذا ما أخذته سِنَةٌ من النوم فى ليلة من الليالى، رأى فيما يراه النائم، رؤيا تتعلق بحالة المسلمين فى المنصورة،، يقول صاحب كتاب درة الأسرار : " قال الشيخ أبو الحسن : كنت بالمنصورة، فلما كانت ليلة الثامن من ذى الحجة، بت مشغولا بأمر المسلمين وبأمر الثغر، وقد كنت أدعو الله وأضرع إليه فى أمر السلطان[107] والمسلمين[108] . فلما كان آخر الليل، رأيت فسطاطا واسع الأرجاء، عاليا فى السماء، يعلوه نور ويزدحم عليه خلق من أهل السماء، وأهل الأرض عنه مشغولون، فقلت : لمن هذا الفسطاط ؟
فقالوا : لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فبادرت إليه بالفرح، ولقيت على بابه عصابة من العلماء والصالحين نحوا من السبعين، أعرف منهم الفقيه عز الدين بن عبد السلام، والفقيه مجد الدين مدرس قوص، والفقيه الكمال بن القاضى صدر الدين، والفقيه المحدث محى الدين ابن سراقة، والفقيه عبد الحكيم بن أبى الحوافز، ومعهم رجلان لم أعرف أجمل منهما، غير أنى وقع لى ظن فى حالة الرؤيا : أنهما الفقيه زكى الدين عبد العظيم المنذرى المحدث، والشيخ مجد الدين الأخميمى !!
وأردت أن أتقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فألزمت نفسى التواضع والأدب مع الفقيه ابن عبد السلام، وقلت : لا يصح لك التقدم قبل عالم الأمة فى هذا الزمان، فلما تقدم وتقدم الجميع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إليهم يمينا وشمالا : أن اجلسوا وتقدمت، وأنا أبكى بالهم وبالفرح. أما بالفرح : فمن أجل قربى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وأما الهم فمن أجل المسلمين والثغر- دمياط -، وهَم طلبى إليه صلى الله عليه وسلم، فمد يده حتى قبض على يدى، وقاتم كل هذا الهم من أجل "الثغر" وعليك بالنصيحة لرأس الأمر – يعنى السلطان – فإن ولى عليهم ظالم فما عسى ؟ وجمع أصابع يده الخمسة فى يده اليسرى كأنه يقلل المدة.
وإن ولى عليهم تقى ف " الله ولى المتقين " وبسط يده اليمنى واليسرى.
وأما "المسلمون" فحسبك الله ورسوله وهؤلاء المؤمنون – أى العلماء والفقهاء والصالحون الذين بالمجلس – وقال :
( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون )
وأما السلطان فيد الله مبسوطة عليه برحمته ما والى أهل ولايته ونصح المؤمنين من عباده، فانصحه واكتب له وقل فى الظالم عدو الله قولا بليغا.
( واصبر إن وعد الله حق، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ).
فقلت : نصرنا ورب الكعبة. وانتبهت [109].
هذه الرؤيا تدل على أن الشيخ أبا الحسن كان يؤرق مضجعه هذا الخطر الجاثم على ثغر دمياط والزاحف نحو الجنوب، يدعو الله مخلصا فى يقظته وفى منامه، أن يكشف الغمة ويغيث الأمة. ولم تنقض أيام قليلة حتى تحققت بشرى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ونصر الله عز وجل المسلمين نصرا مؤزرا، وهزم المصريون الفرنجة وأسروا ملكهم لويس التاسع كما أسروا الكثير من قواده، ثم جلوا جميعا عن مصر بعد قليل.
وتكشف لنا هذه الرؤيا أيضا عن أدب جم من أداب الصوفية ، وخلُق رفيع من أخلاقهم : أما الخُلق الرفيع، فهو نصحهمللسلطان و اهتمامهم لهمه، فيما يتعلق بأمر المسلمين من جهاد ودفع للأعداء ؛ فقد كانوا على الدوام مراجع المشورة للملوك والسلاطين في القضايا المصيرية للأمة،ومما يدل على تحلى الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه بهذا الخلق الرفيع ما ورد فى الرؤيا من قوله : " وقد كنت أدعو الله وأضرع إليه فى أمر السلطان "وما جاء فيها من توجيه النبى صلى الله عليه وآله وسلم له :"عليك بالنصيحة لرأس الأمر – السلطان – .....وأما السلطان فيد الله مبسوطة عليه برحمته ما والى أهل ولايته ونصح المؤمنين من عباده، فانصحه واكتب له وقل فى الظالم عدو الله قولا بليغا "[110].
ويعد هذا الخلق الكريم عند السادة الصوفية رضوان الله تعالى عليهم من النعم الجسام،ولنستمع إلى الصوفى الكبير الإمام عبد الوهاب الشعرانى يصف لنا هذه النعمة العظيمة، فيقول : " ومما أنعم الله تبارك وتعالى به علي: مرضي لمرض السلطان، واهتمامي به إذا كان في هم من جهاد، أو قتال بغاة، فلا أكل إلا لضرورة، ولا أنا م إلا عن غلبة، ولا أضحك إلا لأمر مشروع، ولا أجامع، ولا ألبس ثوبًا نظيفًا إلا بنية صالحة، وذلك لأرتباطي بإمامي إتباعًا للشرع في ذلك، فاعلم أن من خالف ماذكرناه فهو ناقص الإيمان، قليل الأدب مع السلطان، فافهم يا أخي ذلك ترشد، والحمد لله رب العالمين" [111].
وأما الأدب الجم فهو أدبهم وتواضعهم مع العلماء والفقهاء، رغم أنهم شاركوا العلماء والفقهاء فى علمهم ولم يشاركهم العلماء والفقهاء فى أذواقهم ومعارفهم !!!ومما يدل على تحقق الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه بهذا الأدب العالى الرفيع ما ورد فى الرؤيا من قوله : "وأردت أن أتقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فألزمت نفسى التواضع والأدب مع الفقيه ابن عبد السلام، وقلت : لا يصح لك التقدم قبل عالم الأمة فى هذا الزمان"[112].
وتظل الفهوم عاجزة عن إدراك فحوى أدب وتواضع القطب الربانى الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه، حتى تدركأن الشيخ عز الدين بن عبد السلام، الذى كان شيخا للإسلام وقاضيا للقضاة، وكان من كبار علماء الشريعة والفقه فى القرن السابع الهجرى[113] وكان يلقب بشيخ العلماء وبسلطان العلماء،و انتهت إليه الإمامة، وبلغ منزلة الاجتهاد مع الزهد والورع، وأخذ التصوف عن شهاب الدين السهروردى رضى الله تعالى عنه، ثم سلك على يد الشيخ أبى الحسن الشاذلى، يقول : ما عرفت الإسلام الكامل إلا بعد اجتماعى على الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه وأرضاه[114].
كما لاتزال الأفهام مترددة فى ريبها حتى، تنصت إلى شهادة سلطان العلماء بعلو مكانة الشيخ الشاذلى رضى الله تعالى عنه، وذلك حين استمع لتقريره فى الحقائق، وشاهد حسن إفصاحه عن العلم اللدنى، فصاح قائلا : " تأملوا هذا الكلام القريب العهد من الله "[115].
لم تنقض أيام قليلة حتى تحققت بشرى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ونصر الله عز وجل المسلمين نصرا مؤزرا، وهزم المصريون الفرنجة وأسروا ملكهم لويس التاسع كما أسروا الكثير من قواده، ثم جلوا جميعا عن مصر بعد قليل.
وكان الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه أشد الناس فرحا بهزيمة الصليبيين ورحيلهم عن مصر، وقد عاد بعد هذا إلى الإسكندرية، وتابع فيها سيرته الأولى فى الحياة، يدرس ويعظ ويتعهد أرواح تابعيه ومريديه بالتهذيب.
وأصبحت للشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه، مكانة مرموقة فى المجتمع المصرى، بناء على جهاده المشرف، ودوره القيادى البارز فى حشد المجاهدين لمعركة المنصورة، فصار يقصده رجال الدولة والعلماء والعامة، يقصده رجال الدولة، يلتمسون المشورةفي قضايا الأمة المصيرية، و يقصده العلماء يستزيدون من علمه وتعاليمه، ويقصده العامة يلتمسون منه نصرة المظلوم، ويستشفعون به لدى رجال الدولة ؛ لقضاء حوائجهم و مطالبهم[116]
لقد كان الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه مكافحا بمعنى الكلمة، وبنضاله المجيد الذى يذكره له التاريخ، هدم الفكرة السيئة التى أشيعت عن الصوفية من جانب خصومهم، بأنهم سلبيون فى الحياة، وأن تصوفهم ضعف وانعزال[117]. وأثبت أن التصوف الحق عموده الجهاد الذى هو: ذروة سنام الإسلام، وليس في دين الإسلام سلبية ولا تواكل؛ وأنه لايمكن تحقيق خلافة الله تعالى على الأرض بالسلبية والتواكل والاستسلام [118].
وحينما نتحدث عن كفاح الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه - برغم أنه كان يعتذر له عن التخلف لكبر سنه، ولأنه قد كُف بصره - يتلاشى على الفور، ما يتوهمه بعض الناس من أن الصوفية قوم كسالى، وأن التصوف مظهر من مظاهر الضعف [119]، فما كان للشيخ أبى الحسن الشاذلى أن يتخلف عن فرض، وما كان يتأتى له أن يتخلف عن مؤزارة المسلمين. والواقع أن الشخصية الجهاديةللشيخ أبى الحسن الشاذلى حين يتأملها الإنسان، تظهر وكأنها معول يهدم فكرة السلبية عن الصوفية والتصوف، كمايهدم ما يبنيه أعداء التصوف من شبهات حوله ؛ فالتصوف حليف للكفاح ( وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم فى الدين من حرج ) هذه الصورة المشرفة، نضعها أما أنظار علماء المسلمين فى العصر الحاضر، وأمام رجال التصوف الإسلامى، لعل فيها لهؤلاء وأولئك ذكرى كريمة ومثلا يحتذى![120]
وإلى الذين ينقدون الصوفية فيما يتعلق بالجهاد، نسوق هذه الصفحة من تاريخ الصوفى المجاهد الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه بإزاء الجهاد ؛ ليعلموا أن التصوف الحق لا يمنع من أداء الواجب الوطنى والدينى، كما نسوق هذه الواقعة لنبرهن أن الصوفية لا يتخلفون أبدا عن الميدان، فها هو ذا شيخهم وقدوتهم نراه بين صفوف المجاهدين فى ميدان المعركة، متأسيا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحابه رضوان الله عليهم، باعتبارهم القدوة الحسنة والمثل العليا للصوفية، ما تخلف أحدهم عن الجهاد فى سبيل الله عز وجل[121].
ولا يتأتى أن نختم الحديث عن الجهاد، دون أن نشيرإلى مبدأ الشاذلية فى الجهاد وهو: "الأولياء لايكرهون الموت" فالولى على الحقيقة لا يكره الموت إن عرض عليه، وفى هذا المعنى يقول الشيخ أبوالحسن الشاذلى : " من ثبتت ولايته من الله لا يكره الموت، ويُعلم ذلك من قوله تعالى : ( قل يأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين )[122]
أوجه الشبه بينغزوة الأحزاب ومعركة المنصورة
1 - الريح سبب لنصر المؤمنينفى الموقعتين
"ولله جنود السماوات والأرض "
( أ )الريح من أسباب نصر المؤمنينفى غزوة الأحزاب.
الريح آية ظاهرة من آيات الله تعالى، وجند من جنوده عز وجل، أيد بها جنده المؤمنين فى غزوة الأحزاب،فعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما، قال : أَنزل اللّه عز وجل في شأْنِ الْخَندَقِ، يذكر نعْمَتَه على المؤمنين وكفايته عَدُوّهُمْ ،فقال تعالى ذكره : (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها، وكان الله بما تعملون بصيرا).[123] (الأحزاب : 25 )
روى البيهقى عن مجاهد رضى الله تعالى عنهما فى قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحا) قال: هى ريح الصَّبا أرسلَها اللّه تعالَى على الأحزاب يوم الخندق،فضرب بها وُجوه أعدائه، حتى كفأت[124] قدورهم على أفواهها، ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم، فما يكاد أَحَدُهم يهتدى لموضع رَحْلِهِ، فهزمهم الله بالريح فَارتحلوا ووَلوا مُنهزمين[125].
وروى ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة رضى الله تعالى عنهم، قال :لَمّا كانت لَيلَة السّبْتبعث الله تعالى عليهم الريح فَقَلَعَتْ وَتَرَكَتْ [126]، كلما بنوا قطع الله أطنابه، وكلما ربطوا دابة قطع الله رباطها، وكلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله .قال البلاذرى: إن الله تعالى نصر المسلمين على الأحزاب بالريح، وكانت ريحا صفراء ملأت عيونهم، فداخلهم الفشل والوهن، وانهزم المشركون، وانصرفوا إلى معسكرهم، ودامت عليهم الريح، وغشيتهم الملائكة تطمس أبصارهم، حتى انصرفوا[127] قال الله عز وجل : (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال)بالريح والملائكة (وكان الله قويا) على إيجاد ما يريده (عزيزا) غالبا على أمره. [ الاحزاب 25 ].[128]
وروى ابن سعد، عن سعيد بن جبير قال: لما كان يوم الخندق أتى جبريل عليه السلام ومعه الريح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى جبريل عليه السلام: " ألا أبشروا ! " ثلاثا، فأرسل الله تعالى عليهم الريح، فهتكت القباب، وكفأت القدور، ودفنت الرجال، وقطعت الاوتاد، فانطلقوا لا يلوى أحد على أحد، وأنزل الله تعالى: (إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها) [ الاحزاب 9 ].[129]
وكان رسول الله صلى الله علَيه وآله وسلم، قد شاهد من قبل،الأمين جبريل عليه السلام يوم بدر يسوق الريح، فقال : " هذا جبْريلُ يَسُوقُ الرّيحَ كأَنه دِحْيَةُ الْكَلْبِى، إنّى نُصِرْتُ بِالصّبَا[130]، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدّبُور[131] "[132]
و شاهد آية الريح فى جنديتها- عمليا وبنفسه - الصحابى الجليل حذيفة بن اليمان رضى الله تعالى عنه، حين بعثه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فى مهمة استخبارية داخل معسكر الأعداء يوم الأحزاب، فقال :دعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن لى بدّ من القيام حين دعانى، فقال: "يا حُذيْفَةُ اذْهَبْ فادْخُلْ فِى القَوْمِ فانْظُرْ، وَلا تُحْدِثَنَّ شَيْئا حتى تَأْتينَا". قال: فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقرّ لهم قدرا ولا نارا ولا بناء[133]
ولنستمع إلى بعض ما قيل من أشعار المسلمين، تصف نصر وتأييد الله عز وجل المؤمنين بالريح، قال كعب بن مالك رضى الله تعالى عنه، يجيب ضرار بن الخطاب عن قصيدة قالها:
وسائلة تسائل ما لقينا * ولو شهدت رأتنا صابرينا
صـبرنا لا نرى لله عدلا * على ما نابنا متوكلينـــا
وكان لنا النبى وزير صدق * به نعلو البرية أجمعينا
ويعلم أهل مكة حين ساروا * وأحزاب أتوا متحزبينا
لننصر أحمد والله حتى * نكون عباد صدق مخلصينا
بــأن الله ليـس له شريك * وأن الله مـولى المـؤمنينـا
... إلى أن قال:
كـما قد ردكم فلا شريدا * بغيظـكم خزايـا خائبيـنا
خـــزايا لم تنالوا ثَمَّ خيرا *وكدتم أن تكونوا دامرينا[134]
بريح عاصف[135] هبت عليكم * وكنتم تحتـها متكمهيـنـا[136].[137]
وقال حسان بن ثابت رضى الله تعالى عنه، يجيب عبد الله بن الزبعرى عن قصيدة قالها :
واشـك الهموم إلى الإله وما ترى * من معشر ظلموا الرسول غضاب
ســاروا بجمعهم إليه وألبوا * أهل الـقرى وبـوادى الأعراب
جـيش عيينة وابن حرب فيهم * مـتخـمطين بحلبة الأ حزاب
حـتى إذا وردوا المدينة وارتجوا * قتل الرسول ومغنم الأسـلاب
وغــــدوا علــينا قادرين بأيدهـم * ردوا بغيـظـهم على الأعقـاب
بهبـوب معصفة تفـرق جمعهم * وجنود ربـك سيـد الأربـاب
فكفى الإله المؤمـنين قتالهـم * وأثـابهم فى الأجر خـير ثواب
من بعـد ما قنطوا ففرق جمعهم * تنـزيل نصر مليكنا الوهاب
وأقــر عــين محـمـد وصـحـابه * وأذل كــل مكـذب مرتــاب[138]
( ب )الريح من أسباب نصر المؤمنينعلى حملة لويس الصليبية.
فى الرابع من جمادى الأولى سنة 646 ه، الموافق الخامس والعشرين من شهر أغسطس سنة 1248م،أبحر لويس التاسع من ميناء مرسيليا فى فرنسا، بأسطول ضخم، بلغ عدد سفنه التى أقلعت بالحملة ألف وثمانمائة سفينة، ما بين كبيرة وصغيرة ومتوسطة، قد اجتمعت له من بيزا وجنوة والبندقية وغيرها من بلاد الساحل، تحمل ثمانين الف مقاتل ومعهم عدتهم وسلاحهم ومؤونتهم وخيولهم، عدا المشاة والبحارة والتابعين والملحقين بالجيش من غير الجند أى قرابة الخمسين ألفا. و مرت هذه الحملة – فى طريقها إلى مصر – بجزيرة قبرص، فقضت بها بعض الوقت، و فى شهر صفر سنة 647ه، الموافق لشهر مايو عام 1249م، ركب لويس سفينته " لو مونتجوى " وأمر باروناته باتباعه بسفنهم إلى مصر، فأبحرت السفن من ميناء ليماسول القبرصى، ودمياط قبلتها، و أثناء التوجه إلى مصر،اعترضتهافى طريقها ريحابحرية عاصفة شديدة،وهى فى أول يوم لها فى عرض البحر، فشتتت شملها،وتسببت فى انفصالوجنوح نحو 7.. سفينة من سفن الحملة إلى عكا وسواحل الشام، وكان ضمن المقاتلين على متن السفن الجانحة، نحو 21.. من فرسان لويس التاسع - ثلثا عدد فرسانه -الذين كان مجموعهم نحو 28..فارس [139].
وثمَّة وثيقة تاريخية، تثبت وتؤكد الدورالبارز للريح فى هزيمة حملة لويس التاسع، تشكل دليلا دامغا، وشهادة تاريخية لها وزنها العلمى وخطورتها الدلالية ؛ لأنها تأتى على لسان مؤرخ الحملة الصليبية "جوانفيل" صاحب كتاب "حياة لويس" والذى يقول فيها : " وألقى الملك – لويس التاسع - مرساة سفينته، عند هضبة صغيرة تدعى باسم رأس ليماسول – ميناء بقبرص- وتوقفت جميع السفن من حوله، وكان قد ذهب إلى الشاطىء فى يوم أحد الشعانين، وبعدما سمع قداسا،هبت ريح عاصفة شديدة، جاءت عبر البحر من اتجاه مصر، وبدأت بالهبوب بشكل بلغ من العنف أن سبعمائة من الألفين وثمانمائة فارس، الذين كان الملك يصحبهم معه فى هذه الحملة بقوا فقط، ولم تفصلهم الريح عن جماعته، ولم تحملهم إلى عكا وإلى مراسى أجنبية أخرى، ولم يستطع هؤلاء - ثلثا القوات - الالتحاق بالملك إلا بعد مضى وقت طويل، وسكنت الريح فى يوم الاثنين التالى لأحد الشعانين "[140].
ويمضى " جوانفيل " فى الكشف عن الأثر المدمر الذى خلفته الريح على قوات الحملة ؛ لدرجة أن قواد الحملة باتوا يخططون للمعركة، واضعين فى اعتبارهم مخاطر الريح، يحسبون لها ألف حساب، وفى هذا الصدد يقول : " واستدعى الملك - لويس - بارونته ؛ ليسمع آراءهم حول ما يرون أن عليه القيام به، وقد نصحه عدد كبير منهم بالبقاء حتى يلتحق به بقية أتباعه ؛ لأنه لم يكن بقى معه فى تلك الساعة أكثر من ثلث قواته... والأكثر أهمية من ذلك، أنه لم يكن فى دمياط مرسى يمكنه أن ينتظر فيه رجاله،دون التعرض لمخاطر ريح أخرى، تهب فتجرف المتبقى من سفنه، وتدفعها إلى بلدان أخرى، كما حدث لبقية السفن يوم أحد الشعانين "[141]
وظلت الريح تلاحق قوات الصليبين الغاشمة،بعد وصولهم إلى دمياط ؛ حيث دمرت مائة وعشرين سفينة، وأغرقت من كانواعلى ظهورها، ولنستمع إلى "جوانفيل" وهو يصف هول ذلك الدمار، فيقول: " وقدم كونت بواتييه قبل السبت الثالث، وفى الحقيقة لم يكن قدومه ذا فائدة أعظم كثير، لو أنه حاول الوصول أبكر ؛ لأن عاصفة هوجاء قد ثارت بين الأسابيع الثلاثة، وكان هيجانها فى البحر خارج دمياط مباشرة، حيث جرى تحطيم ما لايقل عن مائة وعشرين سفينة ما بين صغيرة و كبيرة، وصارت مزقا وفقدت كليا،وغرق جميع الناس الذين كانوا على ظهورها، ولذلك لو وصل كونت بواتييه فى وقت أبكر، لهلك هو ورجاله فى البحر"[142]
ولعل خير ما يؤكد صدق ما ذهبنا إليه، من أن الريح باعتبارها من جنود الله عز وجل، كان لها الدور البارز والحاسم فى انتصار المسلمين على الصليبين فى معركة المنصورة، تلك الواقعة المحققة والموثقة، التى ساقها فى طبقات الشافعية الكبرى، الإمام الحجة الثقة عبد الوهاب السبكى رضى الله تعالى عنه، عند ترجمته لسلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام، والتى قرر فيها أنه : لماوصل الفِرنج إلى المنصورة في المراكب واستظهروا على المسلمين وكان في عسكر المسلمين الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وكانت النصرة أولا للفرنج، وقويت الريح على المسلمين،فلما رأى الشيخ العز حال المسلمين نادى بأعلى صوته،مشيرا بيده إلى الريح : يا ريح خذيهم، عدة مرات، فعادت الريح على مراكب الفرنج فكسرتها، وكان الفتح، وغرق أكثر الفرنج، وصرخ من المسلمين صارخ : الحمد لله الذى أرانا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم رجلاً سخر له الريح، وكان ذلك في يوم الأربعاء ثالث المحرم "[143].
[1]انظر ابن عطاء الله السكندرى: لطائف المنن فى مناقب الشيخ أبى العباس المرسى وشيخه الشاذلى أبى الحسن، مكتبة القاهرة عام 1399 ه – 1979 م، ص 71 ؛ ابن الصباغ: درة الأسرار وتحفة الأبرار، القاهرة، مطبعة السعادة عام 14.9 ه – 1989 م تحقيق عبد القادر عطا، ص 28 ؛ ابن عياد الشافعى: المفاخر العلية فى المآثر الشاذلية، مكتبة القاهرة، 1384 ه 1964 م، ص ^ ؛ وأيضا: الأذكار العلية والأسرار الشاذلية، مصر، مطبعة الواثق 1278 ه، ص 3 ؛ أبو الصلاح على الصعيدى الشاذلى: تعطير الأنفاس بمناقب سيدى أبى الحسن الشاذلى وسيدى أبى العباس، نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم 388 تاريخ، ورقة 99 – 1.. ؛ نور الدين على بن الحسن الشاذلى: الزهرة المضية فى سماء طرق السادة الشاذلية، نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم 826 تصوف، ورقة 52 ب ؛ جلال الدين السيوطى: حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة، مصر، 1321 ه، ج2، ص247 ؛ عبد الرؤوف المناوى: الكواكب الدرية فى تراجم السادة الصوفية، نسخة خطية بدار الكتب المصرية، رقم 259 تاريخ ج2، ورقة 245 ؛ عبد الوهاب الشعرانى: الطبقات الكبرى، القاهرة 1343 ه، ج2، ص4 ؛ عبد الرازق بن حسن البيطار: دلالة السائر إلى منازل الأكابر، نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم 3383 تصوف، ورقة 5أ ؛ الشيخ= =عمر الشبراوى الخلوتى: تنوير الصدر على حزب البر، المطبعة العامرة الشرفية، القاهرة 132. ه، ص4 ؛ ابن العماد: شذرات الذهب فى أخبار من ذهب، القاهرة، مكتبة القدس 1351 ه، ج5، ص278.
[2]انظر بن عطاء الله السكندرى: لطائف المنن، ص71 ؛ ابن الصباغ: درة الأسرار، ص28 ؛ داود بن باخلا: اللطيفة المرضية بشرح حزب الشاذلية، جمعية النشر والتأليف الأزهرية، الطبعة الأولى 1354ه – 1935م، ص4، 5 ؛ ابن عياد الشافعى: الأذكار العلية والأسرار الشاذلية، ص9.
[3]ابن عطاء الله السكندرى: لطائف المنن، ص96 ؛ ابن الصباغ: درة الأسرار، ص28 ؛ابن عياد الشافعى: المفاخر العلية، ص12 ؛ السيوطى: حسن المحاضرة، ج2، ص247 ؛ عبد الرازق بن حسن البيطار: دلالة السائر إلى منازل الأكابر، نسخة خطية، ورقة رقم 5أ ؛ وأيضا: القاوقجى: خلاصة الزهر، ص3.
[4]غمارة بضم الغين وتخفيف الميم، قرية من قرى المغرب، وهى تشتمل على تسع قبائل منها قبيلة "بنى منصور" التى ولد بها الشيخ أبوالحسن الشاذلى. انظر: على سالم عمار: أبو الحسن الشاذلى، ج1، ص33
[5]عبد الرازق بن حسن البيطار: دلالة السائر إلى منازل الأكابر، نسخة خطية، ورقة 5 أ ؛ وأيضا:ابن عياد الشافعى: المفاخر العلية، ص12.
[6]ابن الصباغ: درة الأسرار، 235.
[7]كور: تعليق على مادة "الشاذلى" دائرة المعارف الإسلامية، ج13، ص56.
[8]على سالم عمار: أبو الحسن الشاذلى، ج1، ص5..
[9]ابن عياد الشافعى: المفاخر العلية، ص15.
[10]الشيخ أبو سعيد الباجى هو خلف بن يحيى التميمى، من أهل باجة وأوحد زمانه بتونس، وأشهر أولياء عصره، وكان من تلاميذ أبى مدين الغوث[10]، توفى سنة 628هـ - 1229 م، ودفن بزاويته المعروفة باسمه إلى الآن، ولأهمية الشيخ أبى سعيد الباجى عند أهل تونس، نجد أن ابن الوردى قد أرَّخ بعض الأحداث الهامة بسنة وفاته، فقال عن السلطان أبى زكريا الحفصى، أنه استقل بتونس، سنة وفاة ولى الله أبى سعيد الباجى. انظر: ابن الوردى: تنمية المختصر فى أخبار البشر، القاهرة عام 1285ه-1868م، ج1، ص19..
[11]ابن الصباغ: درة الأسرار، ص31.
[12]القطب: وقد يسمى غوثا، باعتبار التجاء الملهوف إليه، وهو عبارة عن رجل عظيم، وسيد كريم، تحتاج إليه الناس، عند الاضطرار فى تبيين ما خفى من العلوم المهمة والأسرار، يتبع علمه علم الحق، ولو أقسم على الله لأبر قسمه، مثل أويس القرنى فى زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.انظر: ابن عياد الشافعى: المفاخر العلية، ص2.، 21 ؛ وقارن: الجرجانى الشريف على بن محمد: التعريفات مكتبة مصطفى البابى الحلبى، عام 1357ه-1938م، مادة قطب، ص155، 156 ؛ وأيضا: ابن عربى: اصطلاحات الصوفية بذيل التعريفات، مادة قطب، ص235.
[13]الشيخ الواسطى رضى الله تعالى عنه، هو نجم الدين محمد أبو الغنايم الواسطى، وكنيته التى اشتهر بها أبو الفتح، وهو من أبناء واسط، وكان من أصحاب الشيخ الرفاعى الكبير، وكانت له مكانة كبرى بين أتباع الشيخ الرفاعى، لذا أرسلوه إلى مصر ليبشر بطريقتهم، فوصل إلى الإسكندرية سنة 62.هـ، وكان يلقى دروسه فى مسجد العطارين، وتوفى سنة 632هـ، ودفن بالإسكندرية.[13]الشعرانى: الطبقات الكبرى، ج1، ص224
[14]ابن الصباغ، درة السرار، ص28.
[15]هو الشيخ أبو محمد، وأبو عبد الله، عبد السلام ابن مشيش بالميم أو بشيش بالباء، كان رضى الله تعالى عنه من أكابر شيوخ التصوف فى المغرب، وهو الشريف الحسنى الذى لم يختلف فى غوثيته اثنان، وكان الشيخ ابن بشيش معظما للشريعة متحمسا للدين، ومن علو مقامه عند أهل المغرب، أصبح مقامه كمقام الشافعى بمصر، وقد توفى شهيدا مدافعا عن الإسلام سنة 625هـ، ودفن بجبل العلم ببنى عروس بجوار تازروت. انظر: ابن عياد الشافعى: المفاخر العلية، ص144 ؛ وأيضا: حسن بن الحاج محمد الكوهن: جامع الكرامات العلية فى طبقات السادات الشاذلية، القاهرة 1347هـ، ص45.
[16]الشيخ أبو مدين شعيب التلمسانى بن حسن الأندلسى الإشبيلى رضى الله تعالى عنه، اشتهر بأبى مدين الغوث، أخذ التصوف عن الشيخ الشاشى رضى الله تعالى عنه، وكانت شهرته تملأ آفاق المغرب والأندلس، وكان حريصا على تعاليم وتصوف الإمام الغزالى رضى الله تعالى عنه، وقد تخرج على يديه نخبة من أكابر الصوفية، أمثال الشيخ محى الدين ابن العربى، والشيخ الدكالى، والشيخ الباجى، والشيخ عبد الرحمن المدنى رضى الله تعالى عنهم. انظر: ابن فرحون: الديباج المذهب، ص45.
[17]ابن الصباغ: درة الأسرار، ص28، 29.
[18][18]الشعرانى: الطبقات الكبرى، ج2، ص6.
[19]ابن عياد الشافعى: المفاخر العلية، ص83.
[20]انظر فى ذلك : ابن عطاء الله السكندرى: لطائف المنن، ص48،49 ؛ وأيضا: السيوطي: حسن المحاضرة في أخبار مصر و القاهرة، ج1 ص173.
[21]السيوطى: حسن المحاضرة، ج2، ص189.
[22]المصدر نفسه، ج2، ص247.
[23]ابن عياد الشافعى: المفاخر العلية، ص47.
[24]انظر: الشعرانى: لطائف المنن والأخلاق، ج1، ص5. ؛ وأيضا:طه عبد الباقى سرور: الشعرانى والتصوف الإسلامى، مكتبة العلوم مصر، ص25، 28.
[25]ابن عقبة الميرغنى: تفضيل الطريقة الشاذلية، مخطوطة رقم 3383 تصوف، ورقة 2ب.
[26]المصدر السابق، ص47.
[27]انظر فى ذلك:ابن عياد الشافعى: المفاخر العلية فى المآثر الشاذلية، ص 7، 8،9.
[28]ابن العماد: شذرات الذهب، ج5، ص278، 279.
[29]الشعرانى: الطبقات الكبرى، ج2، ص12.
[30]ابن عياد الشافعى: المفاخر العلية، ص8.
[31]ابن عطاء الله السكندرى: لطائف المنن، ص9..
[32]المصدر نفسه، ص72.
[33]ابن عطاء الله السكندرى: لطائف المنن، ص25.
[34]انظر فى ذلك: د/ فرج محمد الوصيف: مصر بين حملتى لويس ونابليون، دار الكلمة للنشر والتوزيع- مصر- المنصورة،الطبعة الأولى 1419ه-1998م،ص12،.13
[35]الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب لقب ب أبى الفتوح (ولد بالقاهرة 12.5م = 6.3هـ - توفى بالمنصورةمجاهدا صابرا 22 نوفمبر 1249م = 647هـ سابع سلاطين بنى =أيوب بمصر، حكم من 124. إلى 1249م.من كبار الملوك الأيوبيين بمصر، تولَّى الحكم سنة 637 هـ / 124.م فضبط الدولة بحزم، وكان شجاعا مهيبا عفيفا صموتا، عمَّر فى مصر ما لم يعمره أحد من الأيوبيين، أنشأ المماليك البحرية بمصر، ودخل فى صراعات مع الملوك الأيوبيين فى الشام، وفى أخر سنة من حكمه تعرضت مصر لحملة صليبية ضخمة عرفت بالحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا. توفى الصالح أيوب أثناء احتلال الفرنج لدمياط وخلفته أرملته شجرة الدر التى تحملت بجسارة عبء الدفاع عن مصر.انظر: الصفدى ( صلاح الدين خليل بن أيبك ): الوافي بالوفيات، تحقيق أحمد الأرناؤوط، دار إحياء التراث العربى، بيروت – لبنان،ج3، ص35..
[36]د/ قاسم عبده قاسم: عصر سلاطين المماليك التاريخ السياسى والاجتماعى، عين للدراسات والبحوث الاجتماعية، الطبعة الأولى 1998، ص12.
[37]المصدر نفسه، ص12.
[38]د/عبد الحليم محمود: قضية التصوف المدرسة الشاذلية، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثالثة،ص 55، 56.
[39]د/قاسم عبده قاسم:عصر سلاطين المماليك التاريخالسياسى والاجتماعى،ص 13.
[40]المصدر نفسه،ص 13.
[41]ابن الأثير ( عز الدين أبو الحسن على بن محمد بن عبد الكريم الجزرى ): الكامل في التاريخ، تحقيق عمر عبد السلام تدمرى، دار الكتاب العربى، طبعة أولى، د ت، ج5 ص311.
[42]انظر فى ذلك: د/ عامر النجار: الطرق الصوفية فى مصر، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، د ط، د ت، ص129،128.
[43]انظر فى ذلك: د/ إبراهيم سلامة: مختارات الإذاعة "الإسلام والجهاد"،ص1.1.
[44]د/ جمال الدين الشيال:مجمل تاريخ دميلط، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية،الطبعة الأولى142.ه-2... م، ص2..
[45]المصدر نفسه،ص27.
[46]د/ جمال الدين الشيال:مجمل تاريخ دميلط،ص 27.
[47]د/ فرج محمد الوصيف: مصر بين حملتى لويس ونابليون. ص 13،14 ؛ وأيضا: محمود شلبى: حياة شجرة الدر، ص12، 13.
[48]د/ عبد المنعم ماجد: الدولة الأيوبية فى تاريخ مصر الإسلامية، دار الفكر العربى، القاهرة، ط2، 1418ه – 1997م، ص122 ؛ وأيضا: محمود شلبى: حياة شجرة الدر، ص12، 13.
[49]د/ فرج محمد الوصيف: مصر بين حملتى لويس ونابليون، ص1..
[50]أخرجه(ابن عبد الحكم فى فتوح مصر، وابن عساكر، وفيه لهيعة عن الأسود بن مالك الحميرى عن بحر بن داخر المعافرى ولم أر للأسود ترجمة إلا أن ابن حبان ذكر فى الثقات أنه يروى عن بحر بن داخر ووثق بحرا)انظر فى ذلك:جلال الدين= =السيوطي: جامع الأحاديث،ج27ص336؛ وأيضا:علاء الدين علي المتقى بن حسام الدين الهندي:كنز العمال في سنن الاقوال والافعال مؤسسة الرسالة - بيروت 14.9 ه - 1989 م، ج14، ص168.
[51]د/ فرج محمد الوصيف: مصر بين حملتى لويس ونابليون، ص11.
[53].محمود شلبى: حياة شجرة الدر، ص12، 13.
[54] دمياطُ: مدينة قديمة على زاوية بين بحر الروم الملح والنيل مخصوصة بالهواء الطيب وعمل ثياب الشرب الفائق وهي ثغر من ثغور الإسلام. ومن شمالي دمياط يصب ماءُ النيل إلى البحر الملح في موضع يقال له الأشتُوُم عرض النيل هناك نحو مائة ذراع وعليه من جانبيه بُرجان بينهما سلسلة حديد عليها حَرس لا يخرج مركب إلى البحر الملح ولا يدخل إلا بإذن،وعلى سورها محارس ورباطات. ياقوت الحموي: معجم البلدان ج2ص.24.وأيضا: دمياط مدينة عريقة فى القدم،ذكرت فى التوراة باسم (تامياتس tamiatis ) وفى العصر القبطى باسم(تاميات tamiat ) ويقال إن معنى هذا اللفظ فى اللغة المصرية القديمة:الأرض الشمالية أو الأرض التى تنبت الكتان. انظر:د/ جمال الدين الشيال:مجمل تاريخ دميلط،القاهرة، ص 8.
[55]فى مثل هذا التاريخ (5 يونية 1967 م ) تعرضت مصر لعدوان صهيونى غاشم بدعم أمريكى وأروبى، هدف إلى ضرب العروبة و الإسلام فى قلبها. فهل قصد أعداء الإسلام هذا التوقيت، أم كان محض صدفة ؟ !!
[56]د/ عبد المنعم ماجد: الدولة الأيوبية فى تاريخ مصر الإسلامية،ص121
[57]انظر: نور الدين خليل:شجرة الدر،حورس للنشر والتوزيع، الإسكندرية 2..5 م،ص39.
[58]د/ سهيل زكار: الموسوعة الشاملة فى تاريخ الحروب الصليبية،الحملة الصليبية السابعة، تأليف وتحقيق وترجمة د/ سهيل زكار، ص 76.
[59]د/ سهيل زكار: الموسوعة الشاملة فى تاريخ الحروب الصليبية،الحملة الصليبية السابعة، ج 35، ص64،65.
[60]المقريزى ( تقى الدين أحمد بن على ): السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق د/ محمد مصطفى زيادة، دار الكتب، القاهرة،1996 م، ج 1،ص1.9.
[61]أبو الفداء( الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل ا بن على ): المختصر فى أخبار البشر، تحقيق د/ محمد زينهم محمد عزب، الأستاذ/ يحي سيد حسين، دار المعارف، القاهرة، ج3ص216.
[62]ابن كثير( أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقى ):البداية والنهاية، تحقيق على شيرى، دار إحياء التراث العربى، الطبعة الأولى، 14.8 ه – 1988 م، ج13ص177.
[63]ابن تغرى بردى ( جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغرى بردى الأتابكى ): النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، دار الكتب والوثائق القومية،مركز تحقيق الترلث، القاهرة، 2..5 م،ج2ص227.
[64]المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك،ج1ص11..
[65]انظر فى ذلك: ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ج2ص227 ؛ المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1ص11. ؛ أبو الفداء: المختصر فى أخبار البشر، ج2ص49.؛ابن كثير: البداية والنهاية، ج13ص177 ؛ وأيضا: د/ حمدى عبد المنعم محمد حسين: دراسات فى تاريخ الأيوبيين والمماليك، دار المعرفة الجامعية، 2...م ص132.
[66]أبو الفداء: المختصر فى أخبار البشر،ج2، ص49..
[67]المقريزى: السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1، ص1.9.
[68]اليافعي (أبو محمد عبد الله بن أسعد ): مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1417ه – 1997م ج2، ص183.
[69]الذهبى (شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان ): تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق د /عمر عبد السلام تدمرى، دار الكتاب العربى، لبنان – بيروت، الطبعة الأولى 14.7ه - 1987م، ج1.، ص292.
[70]ابن الصباغ: درة الأسرار، ص 31، 32.
[71]انظر فى ذلك: د/ محمد فتحى الشاعر: مصر قاهرة المغول فى عين جالوت، ص3 ؛ وأيضا: على أحمد باكثير: واإسلاماه، ص3، 6.
[72]أسعد الخطيب: البطولة والفداء عند الصوفية، ص 123 ؛ ابن الوردى: تنمية المختصر فى أخبار البشر، ج2، ص 2.. ؛ وأيضا: كور: تعليق على مادة الشاذلى، بدائرة المعارف الإسلامية،ج13، ص57.
[73]د/ محمد حسين عوض الله: النفس و المعرفة عند الشاذلى، ص 19.
[74]أبو العباس المرسى: حسن السندوبى، ص47.
[75]الشيخ زروق: قواعد التصوف، ص37.
[76]د/ محمد حسين عوض الله: النفس والمعرفة عند الشاذلى، رسالة ماجستير، كلية الأداب- جامعة القاهرة، ص 52.
[77]د/ جمال الدين الشيال: أعلام الإسكندرية فى العصر الإسلامى، ص182.
[78]«لا زالت دار ابن لقمان موجودة بالمنصورة، وقد حولت إلى متحف معروف». انظر:محمد زكي إبراهيم: أبجدية التصوف الإسلامي، القاهرة. مؤسسة إحياء التراث الصوفي،الطبعة الخامسة،د ت، ص61.
[79]كان بمدينة الإسكندرية مدرسة فقهية مالكية معروفة أسسها الشيخ أبو الحسن الإبيارى من أكبر علماء المالكية في عصره المتوفى سنة 618هـ، وتلميذاه الشيخ عبد الكريم بن عطاء الله أبو محمد الإسكندراني، جد ابن عطاء الله السكندرى لوالده، المتوفى سنة 612هـ، والشيخ أبو عمرو ابن الحاجب المتوفى سنة 646هـ. ثم حمل لواء المدرسة بعد هؤلاء الفقيه ناصر الدين بن المنير الذي كان علامة الإسكندرية في عصره، ومعدودا من أكابر الفقهاء في مصر، حتى أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان يقول: ديار مصر تفتخر برجلين في طرفيها، ابن المنير بالإسكندرية، وابن دقيق العيد في قوص، وقد توفى ابن المنير سنة 683هـ. انظر فى ذلك: د/ أبوالوفا التفتازانى: ابن عطاء الله السكندرى وتصوفه، ص3.، 31.
[80]ابن عطاء الله السكندرى: لطائف المنن، ص33 ؛ وأيضا:د/ محمد حسين عوض الله:النفس والمعرفة عند الشاذلى، رسالة ماجستير، كلية الأداب- جامعة القاهرة، ص 51،52.
[81]انظر: د/ عامر النجار: الطرق الصوفية فى مصر، ص74.
[82]السيوطى: تأييد الحقيقة العلية وتشييد الطريقة الشاذلية، ص31.
[83]انظر فى ذلك: ابن عياد الشافعى: المفاخر العلية فى المآثر الشاذلية، ص
[84]على سالم عمار: أبو الحسن الشاذلى، ج1، ص68.
[85]د/ حمدى عبد المنعم محمد حسين: دراسات فى تاريخ الأيوبيين والمماليك، ص.136
[86]انظر فى ذلك:محمد زكي إبراهيم: أبجدية التصوف الإسلامي القاهرة. مؤسسة إحياء التراث الصوفي،الطبعة.الخامسة،د ت.ص 6.، 61.
[87]انظر: د/ عبد الحليم محمود: قضية التصوف المدرسة الشاذلية، ص 57.
[88]المقريزى: السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1، ص 451.
[89]ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة،ج2، ص227 ؛ وأيضا: ابن إياس: بدائع الزهور فى وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1982م، ج1، ص 277،278.
[90]المقريزى: السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1، ص 455.
[91]ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة،ج2، ص227 .
[92]انظر: د/ فرج محمد الوصيف: مصر بين حملتى لويس ونابليون،ص 19، 2..
[93]انظر: المصدر نفسه، ص 2.،21.
[94]انظر: المقريزى: السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1، ص 438،44. .
[95]انظر فى ذلك: د/ قاسم عبده قاسم: عصر سلاطين المماليك، ص 16 ؛ وأيضا: ماهية الحروب الصليبية، ص 13.، 146.
[96]ابن أيبك الدوادارى (أبوبكر بن عبدالله): كنز الدرر وجامع الغرر،المعهد الألمانى للأثار الإسلامية، القاهرة 1971م، ج7، ص376.
[97]المقريزى: السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1، ص 11..
[98]د/ عبد الحليم محمود: قضية التصوف المدرسة الشاذلية، ص 57.
[99]د/ فرج محمد الوصيف: مصر بين حملتى لويس ونابليون،ص 19، 2.، 29 ؛ وأيضا: د/ إبراهيم سلامة: مختارات الإذاعة "الإسلام والجهاد"،ص1.1.
[100]الطبراني: المعجم الأوسط، ج16، ص262.
[101]الإمام الشعرانى ( عبد الوهاب): لطائف المنن والاخلاق،ص174.
[102]المصدر نفسه،ص 174.
[103]عامر بن شراحبيل الحميري الشعبي أبو عمرو الكوفي, إمام العلم, ولد لست سنين خلت من خلافة عمر بن الخطاب قال بعضهم: ما رأيت أفقه من الشعبي وقال آخر: كانت الناس تقول: ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه. كان قاضيًا لعمر بن عبد العزيز, مات سنة ثلاث ومائة.
[104]المصدر السابق، ص 174.
[105]انظر: على سالم عمار: أبو الحسن الشاذلى، ج3، مقدمة الكتاب للدكتور عبد الحليم محمود، ص7.
[106]انظر: د/ جمال الدين الشيال: أعلام الإسكندرية فى العصر الأسلامى،مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الأولى 1421 ه- 2..1م، ص183.
[107]هو السلطان توران شاة ابن الملك الصالح، كان سىء الخلق فاسد يعاقر الخمر، السيوطى: حسن المحاضرة، ج2، ص46.
[108]ابن الصباغ: درة الأسرار، ص168.
[109]ابن الصباغ: درة الأسرار، ص126، 127 ؛ وأيضا: د/ عبد الحليم محمود: قضية التصوف المدرسة الشاذلية، ص 58، 59
[110]ابن الصباغ: درة الأسرار، ص127.
[111]الشعرانى (عبد الوهاب ): لطائف المنن والأخلاق، ص .4.5
[112]ابن الصباغ: درة الأسرار، ص127.
[113]السيوطى: حسن المحاضرة، ج2، ص189.
[114]انظر: الشعرانى: لطائف المنن والأخلاق، ج1 ص5..
[115]ابن عياد الشافعى: المفاخر العلية، فى المآثر الشاذلية، ص47.
[116]انظر: د/جمال الدين الشيال: أعلام الإسكندرية فى العصر الإسلامى، ص185.
[117]د/عامر النجار: الطرق الصوفية فى مصر، ص191، 192.
[118]انظر: محمد زكي إبراهيم: أبجدية التصوف الإسلامي،6..
[119]د/ عامر النجار: الطرق الصوفية فى مصر، ص 192.
[120]انظر فى ذلك: د/ عبد الحليم محمود: قضية التصوف المدرسة الشاذلية، ص 54،55.
[121]انظر: على سالم عمار: أبو الحسن الشاذلى، ج1، ص71.
[122]د/ عبد الحليم محمود: قضية التصوف المدرسة الشاذلية، ص 59،6..
[123]د/ فرج محمد الوصيف: مصر بين حملتى لويس ونابليون، ص 2. ؛ وأيضا: الواقدى: مغازى الواقدى، ج1، ص494.
[124]تكفأ القدور: تميلها وتقلبها.محمد بن يوسف الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، ج4، ص414،412
[125]الطبرى: جامع البيان في تأويل القرآن، ج2.، ص216 ؛ وأيضا: الواقدى: مغازى الواقدى، ج1ص486.
[126].الواقدى: مغازى الواقدى، ج1ص489.
[127]محمد بن يوسف الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد، ج4، ص387
[128]محمد بن يوسف الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، ج4، ص392،391.
[129]محمد بن يوسف الصالحى الشامى: سبل الهدى والرشاد، فى سيرة خير العباد، ج4 ص386
[130]الصَبَا - وهي الريح الشرقية، ويقال لها: القبول.محمد بن يوسف الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، ج4، ص.414،412
[131] الدَبور: الريح القريبة. ومن لطيف المناسبة كون القبول نصرت أهل القبول، وكون الدبور أهلكت أهل الادبار.محمد بن يوسف الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، ج4، ص414،412.
[132]أخرجه البخارى فى كتاب المغازى،انظر: الواقدى: مغازى الواقدى، ج1، ص 78.
[133]انظر فى ذلك: الطبرى: جامع البيان في تأويل القرآن، ج2.، ص215 ؛ وأ يضا:د/ فرج محمد الوصيف: مصر بين حملتى لويس ونابليون، ص.2.
[134]دامرين: هالكين، من الدمار، وهو الهلاك.انظر: محمد بن يوسف الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، ج4، ص392،391.
[135]العاصف: الريح الشديدة. المصدر نفسه،ج4، ص392،391.
[136]المتكمه: الذي يولد أعمى. المصدر نفسه،ج4، ص392،391
[137]انظر: محمد بن يوسف الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، ج4، ص392،391
[138]محمد بن يوسف الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، ج4، ص393.
[139]انظر فى ذلك: جمال الدين الشيال:مجمل تاريخ دمياط،ص27 ؛وأيضا: د/حمدى عبد المنعم محمد حسين: دراسات فى تاريخ الأيوبيين والمماليك،ص 129.
[140]د/ سهيل زكار: الموسوعة الشاملة فى تاريخ الحروب الصليبية،الحملة الصليبية السابعة، ج 35، ص64،65.
[141]د/ سهيل زكار: الموسوعة الشاملة فى تاريخ الحروب الصليبية،الحملة الصليبية السابعة، ج 35، ص64،65
[142]سهيل زكار: الموسوعة الشاملة فى تاريخ الحروب الصليبية،الحملة الصليبية السابعة، ج 35، ص 76
[143]انظر فى ذلك:السبكى (عبد الوهاب بن على بن عبد الكافى): طبقات الشافعية الكبرى ج8 ص1.9 ؛ واليافعى:مرآة الجنان ج4 ص153؛ و أيضا: جامع كرامات الأولياء ج2 ص171.