نسخة تجريبيـــــــة
(6) أبو محمد سهل بن عبد الله التُّسْتَرِيُّ (تـ283هـ)

 

أحد أئمة القوم، لم يكن له في وقته نظير في المعاملات والورع، حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وكان يُسْأَلُ عن دقائق الزهد والورع وفِقْهِ العبارة وهو ابن عشرٍ فيُحْسِنُ الإجابة.

وكان صاحب كرامات، لقي ذا النون المصريَّ بمكة سنة خروجه إلى الحج.

وقال سهل: كنت ابن ثلاث سنين، وكنت أقوم بالليل أنظر إلى صلاة خالي محمد بن سَوَّارٍ، وكان يقوم بالليل، فربما كان يقول لي: يا سهل، اذهب فَنَمْ؛ فقد شَغَلْتَ قلبي.

عن سهل قال: قال لي خالي يومًا: ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فقلت: كيف أذكره؟ فقال لي: قل بقلبك عند تقلُّبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تُحَرِّك به لسانك: الله معي، الله ناظرٌ إليَّ، الله شاهد عليَّ. فقلت ذلك ثلاث ليالٍ، ثم أعلمتُه، فقال لي: قل في كل ليلة سبع مرات. فقلت ذلك ثم أعلمتُه، فقال: قل في كل ليلة إحدى عشرة مرة، فقلت ذلك، فوقع في قلبي له حلاوة، فلما كان بعد سنة قال لي خالي: احفظ ما علمتك، ودُمْ عليه إلى أن تدخل القبر؛ فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة. فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت لها حلاوة في سِرِّي.

ثم قال لي خالي يومًا: يا سهل، من كان الله معه، وهو ناظر إليه، وشاهده، أيعصيه؟ إياك والمعصية. فكنت أخلو، فبعثونيإلى الكُتَّابِ، فقلت: إني لأخشى أن يتفرق عليَّ همي، ولكن شَارِطُوا المُعَلِّم أني أذهب إليه ساعة، فأَتعلم، ثم أرجع. فمضيت إلى الكُتَّابِ، وحفظت القرآن، وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين، وكنت أصوم الدهر، وقوتي خبز الشعير، إلى أن بلغت اثنتي عشْرة سنة، فوقعت لي مسألة وأنا ابن ثلاث عشْرة سنة، فسألت أهلي أن يبعثوني إلى البصرة أسأل عنها، فجئت البصرة وسألت علماءها فلم يَشْفِ أحد منهم عني شيئًا، فخرجت إلى عَبَّادَانَ، إلى رجل يُعْرَفُ بأبي حبيبٍ حمزةَ بن عبد الله العَبَّادَانِيِّ، فسألته عنها فأجابني، وأقمت عنده مدة أنتفع بكلامه وأتأدب بآدابه، ثم رجعت إلى تُسْتَرَ، فجعلت قوتي اقتصارًا على أن يشترى لي بدرهم من الشعير (قليل من الشعير)، فيُطْحَن ويخبز لي، فأفطر عند السحر كل ليلة على أُوقِيَّةٍ واحدة بحْتًا، بغير مِلح ولا إدامٍ، فكان يكفيني ذلك الدرهم سنة، ثم عزمت على أن أطوي ثلاث ليالٍ، ثم أفطر ليلةً، ثم خمسًا، ثم سبعًا، ثم خمسًا وعشرين ليلةً، وكنت عليه عشرين سنة، ثم خرجتُ أسيح في الأرض سنين، ثم رجعت إلى تُسْتَرَ، وكنت أقوم الليل كله.

من أقواله رضي الله عنه:

كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء -طاعةً كان أو معصيةً- فهو عيش النفس، وكل فعل يفعله بالاقتداء فهو عذابٌ على النفس.

ما أعطي أحد شيئًا أفضل من علم يستزيد به افتقارًا إلى الله.

ما عُبِدَ اللهُ بشيء أفضل من مخالفة الهوى.

حياة القلب الذي يموت بذكر الحي الذي لا يموت.

كل عالِم خاض في الدنيا فلا تُصْغِ لكلامه، بل يتهم فيما يقول؛ لأن كل إنسان يدفع ما لا يُوافق محبوبه. 


التقييم الحالي
بناء على 50 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث