نسخة تجريبيـــــــة
العلامة القاضي الشيخ أحمد سُكيرج

الاسم والنسب:

هو الشيخ أحمد بن العياشي بن سيدي عبد الرحمن سكيرج، ينحدر نسبه من شعبة الخزرج إحدى شعبتي الأنصار، ويتنهي نسبه -رحمه الله- إلى الصحابي الجليل سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه.

 المولد والنشأة:

ولد العلامة الحاج أحمد سكيرج في شهر ربيع الثاني عام 1295هـ - 1877م في مقابلة وجه الداخل بـ«درب سيدي يدير»، بـ«حومة رأس التيالين» من «مدينة فاس» بدار الشرفاء الطاهرين.

نشأ الإمام في بيت علم وصلاح وتقوى، فأبوه: هو الفقيه الفاضل الحاج العياشي بن سيدي عبد الرحمن سكيرج، وهو رجل قد ألمَّ بالعديد من العلوم والفنون، منها: التوحيد، والفقه، والميراث، وفن الألغاز، والبلاغة، والعروض، كما كان يجيد قرض الشعر.

أما أمه: فهي السيدة الفاضلة، والعابدة الناسكة الذاكرة، ذات الكرامات الواضحة، والمساعي الناجحة، السيدة فروح بنت البركة المقدس الحاج عبد الوهاب بن محمد التازي -رحمه الله- ورضي عنه.

 المسيرة العلمية:

- بدأ حياته العلمية على يد الفقيه الجليل سيدي محمد بن الهاشمي الكتامي، وهو عمدته في استظهار كتاب الله وتجويده، وعلى يديه ختم «السلكة» أكثر من مرة، فخلص له بذلك نفع عظيم، وتوالت عليه بركات الذكر الحكيم، وبعد ذلك أخذ -رحمه الله- الفاتحة بالقراءات السبع، وكان ذلك عن سبعين شيخًا من خيرة أساتذة هذا العلم الجليل، منهم العلامة محمد بن عبد الله، الفاسي موطنًا، الشاوني أصلًا، وهو عمدته في هذه القراءة، وقد أجازه فيها بسنده المبارك العالي.

- التحق بالقرويين سنة 1309هـ، حيث بث والده في روحه حب العلم وطلبه، غير أن الشيخ كانت لديه نفرة عن العلم وطلبه، وذلك لما كان يستشعره من ضعف الحفظ، والكسل في طلب العلم، وكان ذلك مما يشعره بالضيق تجاه نفسه ووالديه، إلى أن يسر الله له الاجتماع بالشيخ العلَّامة الحبيب بن الحاج الداودي التلمساني، وشكى إليه ما أصابه من الكسل وسوء الفهم، فأجابه الشيخ: لأنك لم تهتد إلى الطريقة الصحيحة للعلم والتعلم.

ثم لازم الشيخ أحمد العلامةَ الحبيب فترة طويلة –ليلًا ونهارًا- حتى إن الناس كانوا يظنون أن الشيخ أحمد هو ابن الحبيب الوحيد، ثم إن الشيخ أحمد كان يقرأ عليه الكثير من العلوم والفنون حتى سهلت عليه الصعاب.

كما أن الشيخ -رحمه الله تعالى- واظب على بعض الدروس العلمية، وبخاصة مجلس الشيخ العارف بالله نقيب الأشراف بفاس: السيد عبد الله بن إدریس البكراوي، في سرده لـ«صحيح الإمام البخاري» في الثلاثة أشهر من رجب إلى متمم شهر رمضان، وقلما انقطع عن الحضور؛ لما حصل له من شغف التحصيل على اختلاف أنواعه.

شيوخه:

شيوخه في القرآن الكريم:

* الفقيه الجليل محمد بن الهاشمي الكتامي.

* الشيخ محمد بن عبد الله الفاسي.

* الفقيه محمد بن الجيلاني السجداني.

* الفقيه الطيبي بن الحاج بن الطيبي.

* الفقيه علي بن المعلم محمد الفاتحي الدكالي.

* الفقيه محمد التهامي بن المقدم علي الودراسي.

* الفقيه عبد الكريم بن محمد العلوي.

* الفقيه الحاج محمد بن التباع الشرقاوي.

* الفقيه محمد بن المهدي الزفري.

* الفقيه الحاج أحمد بن الطيب الودراسي.

* الفقيه قاسم بن العربي الهلالي.

* الفقيه محمد بن دحمان الدكالي البوعزاوي.

* الفقيه العربي بن عبد الله البوعزاوي.

* الفقيه أحمد بن بو بكر العوني.

* الفقيه محمد بن هاشم المسكيني السالمي الشيخاوي.

*الفقيه محمد بن عبد الرحمن الزيراوي الشيلحي.

* الفقيه محمد بن أحمد الجبلي المرني.

شيوخه في علوم: الفقه، والحديث، والسيرة، والأدب، والتصوف، والطريقة التجانية:

* العلامة الحبيب الداود التلمساني.

* العلامة محمد بن أبي النصر البكراوي.

* العلامة عبد السلام بن عمر العلوي.

* العلامة مولاي عبد المالك الضرير العلوي.

* العلامة محمد بن محمد بن عبد السلام كنون.

* الشريف البركة أحمد العبدلاوي.

* العلامة محمد بن جعفر الكتاني.

* العلامة الشيخ ماء العينين.

* العلامة الشيخ أحمد بن الشمس.

* العلامة إبراهيم بن محمد بن عمر اليزيدي.

* العلامة محمد بن أحمد بن العربي الصقلي.

* العلامة إدريس عمور.

* العلامة عبد الله بن إدريس البكراوي.

* العلامة المأمون بن رشيد العراقي.

* العلامة المهدي بن رشيد العراقي.

* العلامة محمد بن رشيد العراقي.

* العلامة حميد بن محمد بناني.

* العلامة العباس بن أحمد التازي.

* العلامة أحمد بن محمد الزكاي بن الخياط.

* العلامة أبو العباس أحمد بن الجيلالي الأمغاري.

* العلامة المكي بن علي البيطاوري الحسني.

* العلامة عبد الكبير الكتاني.

* العلامة عبد الحي الكتاني.

* العلامة محمد بن العياشي سكيرج.

* العلامة عبد الحفيظ الفاسي.

* العلامة أحمد بن عبد السلام الغماري السميحي الطنجي.

* العلامة محمد بن الطيب بن الحسين الوجدي.

* العلامة الفاطمي الشرادي.

* العلامة أحمد بن المأمون البلغيثي.

* العلامة محمد بدر الدين الدمشقي.

* العلامة محمد بن قاسم القادري.

* العلامة محمد بن محمد الجباص الغرباوي السفياني.

* المهندس السيد الزبير سكيرج.

* العلامة محمد بن عبد القادر بن سودة.

* العلامة أحمد بن العباس البوعزاوي.

* العلامة الشيخ عبد الله بن خضراء السلاوي.

* العلامة القاضي عبد العزيز بناني.

* العلامة عبد السلام بن الحسن بناني.

* العلامة المهدي الوزاني.

* الشريف البركة الملامتي الطاهر بن محمد بن أبي النصر العلوي.

* العلامة الشيخ شعيب الدكالي.

* العلامة أحمد الرهوني.

* العلامة عبد الله بن إدريس السنوسي.

* العلامة عبد السلام بن محمد بناني.

* العلامة أبو بكر بناني.

* العلامة الحيسوبي محمد بن علي الأغزاوي.

* المقدم الطيب السفياني.

* العلامة الشيخ عثمان بن المكي التونسي.

* العلامة الشيخ بخيت المصري.

* العلامة الشيخ سليم البشري.

* الشريف البركة محمود التجاني.

* الشريف البركة محمد الكبير التجاني.

* العلامة محمد الجودي القيرواني.

* العلامة الشيخ محمد بن يوسف الحنفي التونسي.

* العلامة الشيخ أحمد جمال الدين التونسي.

* العلامة الشيخ سالم بو حاجب.

* العلامة الشيخ صادق بن الطاهر الرياحي.

* العلامة عبد الرحمن القرشي.

* العلامة محمد الطاهر بن عاشور التونسي.

* العلامة محمد البيضاوي الشنقيطي.

* العلامة محمد بن الحاج محمد بن الحسن الفاسي.

 المسيرة العملية:

توجه -رحمه الله- إلى مدينة «طنجة» عام 1327هـ - 1909م، فاشتغل بها مستخدمًا بدار النيابة، وكان أول يوم بدأ فيه العمل هو يوم الأربعاء فاتح ذي الحجة الحرام من السنة المذكورة، وذكر -رحمه الله- أنه وجد بمدينة «طنجة» أجواء مخالفة للأجواء التي كان يعيشها بـ«فاس»؛ وذلك لاختلاف بعض العادات والتقاليد من جهة، ولغلبة الطابع الأوروبي على بعض أهلها من جهة ثانية. والسبب في استيطانه بمدينة «طنجة» في هذه الفترة، هو كثرة الفتن التي كانت تعيشها مدينة «فاس» ونواحيها وقتذاك.

وبعد أشهر قليلة من حلوله بمدينة «طنجة» تخلى العلامة سكيرج عن العمل بدار النيابة، وانتقل للعمل بجانب أخيه سيدي حماد بإدارة المراقبة بنفس المدينة، فاشتغل بها كاتبًا ثانيًا، وبقي في منصبه هذا مدة قصيرة ثم تخلى عنه.

وفي عام 1325هـ - 1907م استدعاه إلى «مكناسة الزيتون» العلامةُ سيدي عبد الرحمن بن زيدان نقيب الشرفاء العلويين بالمدينة المذكورة، فأقام عنده أيامًا اجتمع فيها بالكثير من الأدباء والأفاضل، فألف في ذلك رحلته المسماة : «الرحلة الزيدانية».

وفي سنة 1329هـ - 1911م سافر العلَّامة سكيرج صوب «وهران»؛ تلبية لاستدعاء صديقه الفقيه العلامة سيدي الحبيب بن عبد المالك، وكان سفره إليها على متن الباخرة من مدينة «طنجة» بتاريخ 15 جمادى الثانية من السنة المذكورة، وبهذه المدينة اجتمع -رحمه الله- بالعديد من رجال العلم والمعرفة والدين، ولكي لا تضيع أحداث هذه الرحلة العجيبة عمل -رحمه الله- على جمعها في كتاب سماه : «الرحلة الحبيبية الوهرانية».

وصادفت عودته من بلاد «الجزائر» قدوم الشريف سيدي محمود حفيد الشيخ أبي العباس التجاني رضي الله عنه، حيث وفد على المغرب لأول مرة قادمًا إليه من مقر أهله وأسلافه بقرية «عين ماضي» بالصحراء الشرقية، فطلب من العلامة سكيرج أن يرافقه في رحلة منتظمة لبعض مدن المملكة المغربية، فوافق العلامة سكيرج على طلب الشريف المذكور بشروط وضحها له داخل ضريح جده بالزاوية الكبرى بـ«فاس»، واستغرقت هذه الرحلة بالنسبة للعلامة سكيرج أربعة أشهر كاملة، إلا أنه لم يستطع إتمامها فيما وراء رباط الفتح، وذلك نظرًا لبعض العوائق الوقتية القاهرة، ومنها رجع -رحمه الله- إلى «فاس» حيث دوَّن هذه الرحلة في كتاب قيم سماه: «غاية المقصود بالرحلة مع سيدي محمود».

ثم انتقل -رحمه الله- لمدينة «طنجة» حيث اشتغل كاتبًا لدى باشا المدينة الحاج محمد الزكاي، وفي عام 1332هـ - 1914م عُين ناظرًا لأحباس «فاس» الجديدة، وبقي في هذا المنصب مدة أربع سنوات.

وفي عام 1334هـ - 1916م توجه العلامة سكيرج للحج، بعدما اختارته الحكومة الشريفة للنيابة عنها في تهنئة الملك حسين باستقلال الحجاز؛ فألف في هذه الرحلة كتابه: «الرحلة الحجازية»، ذكر فيه جميع الأحداث والمستجدات التي عاشها على رأس تلك البعثة الشريفة.

ثم تولى -رحمه الله- مناصب قضائية مختلفة، منها ثلاث سنوات عمل قاضيًا لمدينة «وجدة» ابتداء من سنة 1337هـ - 1919م، لكنه لم يجد بهذه المدينة وقتذاك معينًا ومساعدًا على الحق والفضيلة التي يتوخاها، فطلب الاستعفاء منها من الحضرة السلطانية الشريفة، وأرسل بصدد ذلك قصيدة لوزير العدلية الشيخ أبي شعيب الدكالي، فأعفي من القضاء بـ«وجدة».

وفي شهر ذي الحجة الحرام من سنة 1340هـ - 1922م عُين بمدينة «الرباط» عضوًا ثانيًا بالمحكمة العليا بالأعتاب الشريفة، فأقام بالعاصمة سنة ونصف، إلى حدود أوائل شهر شعبان عام 1342هـ - 1924م حيث جاء تعيينه على رأس القضاء بمدينة «الجديدة» ونواحيها، وبقي -رحمه الله- في هذا المنصب خمس سنوات كاملة.

وفي شهر ذي القعدة الحرام سنة 1347هـ - 1928م تولى القضاء بمدينة «سطات» إلى غاية وفاته بمراكش عام 1363هـ - 1944م.

 مؤلفاته

للشيخ كثير من المؤلفات في فنون شتى نكتفي بذكر بعض هذه الفنون وبعض المؤلفات فيها:

 الحديث:

1. «شفاء الأحزان في حديث: الراحمون يرحمهم الرحمن».

2. «ينبوع السلسل في بعض ما ورد في الحديث المسلسل».

السيرة النبوية:

1. «الذهب الخالص في محاذاة كبرى الخصائص».

2. «كمال الفرح والسرور بمولد مظهر النور».

 3. «مورد الصفاء في محاذاة الشفاء».

الفقه:

1. «الفتح المبين في ختم المرشد المعين».

2. «مجموع النوازل الفقهية».

التصوف:

1. «تنوير الأفق في الطرق».

2. «العبرة بطول العبرة».

3. «العهود».

4. «مفتاح الفتوحات المكية».

كتب الطريقة التجانية

1. «تنبيه الإخوان على أن الطريقة التجانية لا يلقنها إلا من له إذن صحيح طول الزمان ولا يصح تلقينها عمن يلقن غيرها من الطرق كيف كان».

2. «تيجان الغواني في شرح جواهر المعاني».

3. «رفع النقاب»

4- «كشف الحجاب».

5. «الشمائل التجانية».

6. «النور الواضح في شرح صلاة الفاتح».

المجال التربوي:

1. «أسنى المطالب فيما يعتني به الطالب».

2. «الأنباء بنصح الأبناء».

التاريخ والتراجم:

1. «الإمداد برجال الإسناد».

2. «جنة الجاني بتراجم بعض أصحاب الشيخ التجاني».

3. «الغنيمة الباردة بترجمة سيدنا الوالد مع سيدتنا الوالدة».

النحو واللغة:

1. «الأجوبة المرضية عن الألغاز النحوية».

2. «الجوهر المنظوم في ختم مقدمة ابن آجروم».

الأدب:

1. «أمثال العامة».

2. «نيل الأرب في أدب العرب».

قالوا عنه:

أَثنى على العلامة سكيرج وأدلى برأيه فيه مجموعةٌ من معاصريه من العلماء والأدباء والمفكرين الكبار، فنوَّهوا بقدره الجليل، وأحاطوا ترجمته السامية بما يشفي الغليل، وسنذكر بعض مقالاتهم فيه على سبيل الاختصار والإيجاز.

- قول العلامة الكبير سيدي محمد الحجوجي -رحمه الله- ورضي عنه في كتابه «فتح الملك العلام بتراجم بعض علماء الطريقة التجانية الأعلام»:

قال ما نصه: «القاضي العلامة الجليل، المشارك النزيه النبيه الحفيل، سيدي أحمد بن سيدي الحاج العياشي سكيرج الأنصاري، هذا السيد شهرته بالعلم والأدب، وعدة فنون كالحساب، وليس عندنا من يتقن الجذور فيه مثله، كنار على علم، وأما مؤلفاته فحدث عن البحر ولا حرج، وإن شئت أن تقول لكثرتها هو سيوطي زمانه لما كنت مبالغًا، ومن أَنْفَس مؤلفاته: نظمه لشفا القاضي عياض، و«كشف الحجاب»، و«الكوكب الوهاج».

 - قول تلميذه العلامة الشهير سيدي محمد الحافظ التجاني المصري -رحمه الله- ضمن ترجمته له بعد كلام في الموضوع:

«وما رأيت من بارك الله له في حياته وزمنه كسيدي الحاج أحمد سكيرج، فإنه كان يرعى أموره الدنيوية والزراعية بنفسه، مع قيامه بالقضاء والاجتماعات الدينية، وإلقاء العظات التي يلين لها الصخر، والإصلاح بين الناس، والرد على الاستفتاءات التي كانت ترد عليه من أقطار العالم الإسلامي برسائل، كل واحدة منها تصلح أن تكون مؤلفًا مستقلًّا كافيًا في موضوعه».

 - قول ولده الفنان الأديب سيدي عبد الكريم سكيرج:

«إن والدي العزيز مادح المصطفى، وحامل راية الدفاع عمن لمنهجه اقتفى، المؤلف النفَّاعة، طائر الصيت في الشرق والغرب، ولي نعمتي، سيدي الحاج أحمد سكيرج الأنصاري الخزرجي، رحمه الله».

   تصوفه: 

ابتدأت علاقة العلامة سكيرج بالتصوف عامة وبالطريقة الأحمدية التجانية خاصة منذ العقد الأول من عمره، حيث كان يصحب جده البركة سيدي عبد الرحمن سكيرج لصلاة المغرب وتأدية ذكر الوظيفة (مجلس الذكر الجماعي) بعدها بالزاوية الكبرى بـ«فاس»، ورغم وفاة جده المذكور مبكرًا عام 1311هـ، ظل العلامة سكيرج يتردد على الزاوية مرة بعد مرة، وبخاصة مع والده الفقيه المحب الذاكر الحاج العياشي.

وهكذا نشأ العلامة سكيرج في وسط صوفي محض، فكان ذلك دافعًا قويًّا له للتمسك بالطريقة الأحمدية التجانية عام 1315هـ - 1898م، على يد العلامة المقدم سيدي محمد فتحا بن محمد بن عبد السلام كنون الإدريسي الحسني، وكان عمره عند تمسكه بها 20 سنة.

وفي نفس السنة المذكورة جدد الإذن في الطريقة تبركًا على أستاذيه: العلامة مولاي عبد المالك الضرير العلوي، والعلامة مولاي عبد الله بن إدريس البدراوي، وعند حلول عام 1316هـ اجتمع بالعارف الكبير الشريف البركة مولاي أحمد العبدلاوي، فأجازه إجازة مطلقة بسنده العالي، ولقنه علومًا وأسرارًا وحكمًا وفهومًا يَكلُّ عن وصفها اللسان، كما آخى بينه وبين ولده سيدي محمد، فازدادت الروابط بينهما صلة ووثوقًا، فكان كل منهما يُكن للآخر بالغ المحبة والمودة والوئام.

 دفاعه عن التصوف:

كانت حياة العلامة سكيرج -رحمه الله- حافلةً بالدفاع عن الإسلام والعروبة من جهة، وعن التصوف والطريقة الأحمدية التجانية من جهة ثانية. فناظر وجادل حيثما حل وارتحل، بعزيمة قوية وإيمان وشجاعة وإخلاص.

فكم مرة ناظر المنكرين للطرق الصوفية في حلقات مساجد مدينة «فاس»، فأفحمهم وانتصر عليهم، ولا زالت الفتوى بها إلى يومنا هذا تدور على أقواله الراجحة وأجوبته النيرة.

ويضاف إلى هذه المناظرات والمحاورات، ماألقاه في صميم الموضوع من الندوات والمسامرات، وكما اهتم بالجانب الشفوي في هذا الشأن كان للجانب المكتوب فيه حظ وافر وحديث متواتر؛ حيث طرقت ردوده المخطوطة منها والمطبوعة كل باب، وتناقل أخبارها المنيفة ذوو العقول والألباب، ولا زالت إلى يومنا هذا موضع إقبال وتقدير لدى المهتمين والباحثين، ومثار اهتمام بالغ عند جميع المختصين.

وله -رحمه الله- في هذا المضمار قصائد شعريةكثيرة، أدت بإتقان كبير ما كان يتوخى منها من الصدع بالحق وإظهار الصواب، مع دفع الترهات والأباطيل التي يركبها ويحوم حولها أهل البغض والإنكار.

ولقد أدت هذه الأشعار مع غيرها من المصنفات السابقة دورًا مميزًا في توجيه الناشئة لما فيه رضا الله ورسوله، وتجنيبها خطر عواقب أذى سادتنا أولياء الله تعالى ومعاداتهم.

 وفاته:

كان العلامة سكيرج -رحمه الله- مصابًا بداء السكري، وكان يعاني منه كثيرًا في بعض الأحيان، وغالبًا ما كان يتابع مراحل علاجه بإحدى المصحات المختصة بـ«الدار البيضاء».

ولم يكن يخطر ببال أحد أن العلامة سكيرج سيتوفى ويدفن بـ«مراكش»، لكن المشيئة الإلهية فوق كل تقدير وحساب.

وقبل وفاته -رحمه الله- بثلاثة أيام، عاوده المرض واشتد عليه، فحمل فورًا إلى «مراكش» من أجل العلاج في إحدى المصحات هناك، فأُجريت له عملية جراحية توفي بعدها بقليل، وذلك يوم السبت 23 شعبان عام 1363هـ الموافق سنة 1944م.

وكان يوم جنازته يومًا رهيبًا، اهتزت فيه المدينة المذكورة، وحضر تشييع جنازته جم غفير من العلماء والفقهاء والأفاضل من كل ناحية وصوب، ودفن -رحمه الله- بضريح الولي الصالح العلامة القاضي أبي الفيض عياض بن موسى اليحصبي.


التقييم الحالي
بناء على 100 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث