نسخة تجريبيـــــــة
(2) معروف بن فيروز الكَرْخِيُّ

 

معروف بن فيروز الكَرْخِيُّ

كنيته ونسبته:

هو أبو محفوظ ، والكَرْخِيُّ نسبةً إلى كرخ قرية ببغداد.وهو من موالي الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم عليهم السلام والرضا.

بيان فضله وخصوصيته:

لم يكن في العراق في وقته من يربي المريدين مثله، وجميع المشايخ يعرفون في ذلك فضله، قال الغزالي: «كان أحمد بن حنبل وابن معين يختلفان إليه ويسألانه، ولم يكن في علم الظاهر مثلهما».

كان من المشايخ الكبار، مُجَابَ الدعوة،قال خليل الصياد: غاب ولدي فتألمت فجئت إلى معروف، فقلت: غاب ولدي. قال: وما تريد؟ قلت: رجوعه، فقال: اللهم إن السماء سماؤك والأرض أرضك وما بينهما لك؛ ائت بمحمد. فأتيت باب الشام فإذا هو واقف فقلت: أين كنت؟ قال: كنت الساعة بالأنبار، ولا أعلم ما صار.

وكان يُسْتَشْفَى بقبره. يقول البغداديون: قبرُ معروفٍ ترياقٌ مُجَرَّبٌ.

وكان أستاذ السَّرِيِّ السَّقَطِيِّ، وقد قال له يومًا: إذا كانت لك حاجة إلى الله فأقسم عليه بي.

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا بكر الحربي يقول: سمعت سريًّا السَّقَطِيَّ يقول: رأيت معروفًا الكَرْخِيّفي النوم كأنه تحت العرش، فيقول الله عز وجل لملائكته: من هذا؟ فيقولون: أنت أعلم يا رب. فيقول: هذا معروف الكرخي، سَكِرَ من حبي، فلا يفيق إلا بلقائي.

بدء أمره:

سمعت الأستاذ أبا علي الدَّقَّاقَ -رحمه الله تعالى- يقول: كان معروف الكَرْخِيُّ أبواه نصرانيان، فَسَلَّموا معروفًا إلى مؤدبهم، وهو صبي، فكان المؤدب يقول له: قل: ثالث ثلاثة. فيقول: بل هو واحد، فضربه المعلم يومًا ضربًا مبرحًا، فهرب معروف، فكان أبواه يقولان: ليته يرجع إلينا على أي دين يشاء، فنوافقه عليه. ثم إنه أسلم على يَدَيْ علي بن موسى الرضا عليه السلام ورضي الله عنه وعنا به آمين، ورجع إلى منزله، ودق الباب. فقيل: من بالباب؟ فقال: معروف. فقالوا: على أي دين جئت؟ فقال: على الدين الحَنِيفِيِّ. فأسلم أبواه.

هذا من جملة حفظِ الله تعالى لأوليائه أن يكرَه لهم الشرَّ في صغرهم ويحب لهم الخير، وكان من بركةِ إسلام معروف وفرارِه إلى ربِّه، تأثيرُ ذلك في أبويه حتى لم يجمع الله بينه وبينهما إلا على أحسنِ الأحوالِ، وهذا شأنُ مَن فرَّ إِلَيه من محلِّ سخطِه أن يَرُدَّهُ إليه مكرمًا.

وقال معروف : قال لي بعض أصحاب داود الطائي: إياك أن تترك العمل؛ فإن ذلك الذي يقربك إلى رضا مولاك. فقلت: وما ذلك العمل؟ فقال: دوامُ طاعة ربك، وخدمة(وفي بعض النسخ: وحرمة) المسلمين. أي: احترامالمسلمين، والنصيحة لهم.أو هو: معرفة منزلتِهم في الدين، والشفقةُ عليهم.

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سمعت علي بن محمد الدّلال يقول: سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبي يقول: رأيت معروفًا الكَرْخِيَّ في النوم بعد موته، فقلت له: ماذا فعل الله بك؟ فقال: غفر لى. فقلت: بزهدك وورعك ؟ فقال: لا، بقبولي موعظة ابن السَّمَّاك، ولزوم الفقر، ومحبتي للفقراء.

وموعظة ابن السماك ما قاله معروف: كنت مارًّا بالكوفة، فوقفت على رجل يقال له: ابن السمَّاك، وهو يعظ الناس، فقال في خلال كلامه: من أعرض عن الله بكُلِّيَّتِه أعرض الله عنه جملة، ومن أقبل على الله بقلبه أقبل الله برحمته إليه، وأقبل بجميع وجوه الخلق إليه، ومن كان مرةً ومرةً فالله يرحمه وقتًا ما. فوقع كلامه في قلبي، فأقبلتُ على الله تعالى، وتركت جميع ما كنت عليه، إلا خدمة مولاي علي بن موسى الرضا. وذكرت هذا الكلام لمولاي، فقال: يكفيك بهذا موعظة إن اتعظت.

  قال محمد بن منصور الطوسي : كنت يومًا عند معروف فدعا لي ، ثم عدت إليه من الغد فرأيت في وجهه أثرَ شَجَّةٍ ، فهممتُ أن أسأله عنها ، وكان عنده رجلٌ أجرأ عليه مني فسأله عنها ، فقال له : سل عما يعنيك . فقال : بمعبودك إلا عَرَّفْتَني. فتغيَّر، وقال : لم أعلم أنك تحلفني بالله! ، صليت البارحة هنا ، واشتهيت أن أطوف فطفت ، ثم ملتُ إلى زمزم لأشرب من مائها فزلقت على الباب ،فأصاب وجهي ما تراه.

أخبرني بهذه الحكاية محمد بن الحسين قال: سمعت عبد الرحيم بن علي الحافظ ببغداد يقول: سمعت محمد بن عمر بن الفضل يقول: سمعت علي بن عيسى يقول: سمعت سريًّا السَّقَطِيَّ يقول: سمعت معروفًا يقول ذلك.

ومر معروف بسَقَّاءٍ يقول: رحم الله من يشرب، وكان صائمًا نفلاً، فتقدم فشرب، فقيل له: ألم تكن صائمًا؟ فقال: بلى، ولكني رجوت دعاءه.

رأى رَحِمَه الله أن دعاء هذا السقَّاء له إذا شرب أفضل من استمراره على صومه؛ لما رأى عليه من علامات الصلاح ورجائه من استجابة دعائه.

 من كلامه:

 الدنيا أربعةُ أشياء: المالُ والكلامُ والمنامُ والطعامُ؛ المال يطغي، والكلام يلهي، والمنام ينسي، والطعام يُقصي.

 وقال:طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب، ورجاء رحمة من لا يُطَاعُ جهل وحُمْقٌ.

 وقال: التصوف الأخذ بالحقائق، واليأس مما بأيدي الخلائق.

 وقال: طول الأمل يمنع خير العمل.

 وقال: ما أكثر الصالحين، وأقل الصادقين منهم!.

 وقال: إذا عمل العالِم بعلمه استوت له قلوب المؤمنين، فلا يكرهه إلا من بقلبه مرض.

 وقال: احفظ لسانك من المدح كما تحفظه من الذم.

 وقال: حقيقة الوفاء إفاقة السر من رقدة الغفلات، وفراغ الهَمِّ عن فضول الآفات.

وصيته ووفاته رضي الله تعالى عنه:

وقيل لمعروف في مرض موته: أوصِ. فقال: إذا مِتُّ فتصدقوا بقميصي؛ فإني أريد أن أخرج من الدنيا عريانًا كما دخلتها عريانًا.(ظاهره أنه لم يبق له ما يُكَفَّن فيه، وكأنه أوصى بذلك حينئذٍ؛ لما علم من إخوانه وأحبابه أنهم لا يتركون تجهيزه بل يرغبون فيه).  

 مات سنة مائتين، وقيل: سنة إحدى ومائتين، رضي الله عنه ونفعنا به، آمين.


التقييم الحالي
بناء على 44 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث