نسخة تجريبيـــــــة
مشيخة الطرق الصوفية - لائحة الطرق الصوفية لعام 1895 م

مشيخة الطرق الصوفية مشيخة الطرق الصوفية - لائحة الطرق الصوفية لعام 1895 م إن سلطة محمد توفيق البكرى والذى صار شيخ مشايخ الطرق الصوفية سنة 1892 م لم تتدعم تمامًا إلا في عام 1895 م عندما تم نشر لائحة الطرق الصوفية بقرار من الخديوي وهى لائحة تتضمن مجموعة من التنظيمات. فهذه التنظيمات قد شيدت من جديد سلطة البكرى وأعطتها أساسًا قانونيًا جديدًا. وإذاعة ونشر هذه التنظيمات الجديدة قد ألغى تمامًا كل ما ورد بالمنشور الدوري الذي نشره عبد الباقي البكرى في عام 1881. وأزاحت هذه التنظيمات الجديدة العقبة الرئيسية التي كانت تقف أمام استعادة البكرى لسلطته ، ولذلك فهى تعتبر بداية عهد جديد متميز للتصوف الإسلامي القائم على النظم والقوانين في مصر. ويوحي محمد توفيق البكرى في كتابه «بيت الصديق» الذى ألفه هو إلى أنه قام بنفسه بالحث على نشرها وأنه كان مسئولًا عما ورد بها من مضامين ومحتويات. ولكن يبدو أن قوله هذا لم يكن صادقًا تمامًا حيث إنه من المعروف أن اللائحة قد وضعت في صيغتها النهائية بمعروف مجلس من وزارة الداخلية كونه نوبار رئيس الوزراء في ذلك الوقت لهذا الغرض. وأغرب نص وارد في هذه التنظيمات ينبغي إرجاعه إلى هذا التدخل من جانب هذا المجلس: إذ جعل مهمة البكرى كشيخ مشايخ الطرق الصوفية مجرد وظيفة ونظرًا لأنه لم ينص صراحة على أن شاغل هذه الوظيفة ينبغي أن يكون هو شيخ السجادة البكرية على النحو الذي أملته التقاليد على مدى العقود السابقة ، وإنما ترك الأمر مفتوحًا أمام تعيين أي شخص آخر يعتبره الخديوي مناسبًا ، فإنه قد حول سلطة شاغل هذا المنصب من سلطة لها الطابع القانوني من خلال التقاليد إلى سلطة لها الطابع القانوني العقلاني. ولابد أن هذا المجلس كان أيضًا هو المسئول عن فرض قيود على سلطة البكرى من خلال مجموعة القيود الواردة في هذه التنظيمات حيث من المتوقع ألا يكون البكرى نفسه هو الذي فرض هذه القيود على نفسه أو كانت لديه مثل هذه الرغبة. ومن بين هذه القيود ما ورد بالمادة الثانية التي نصت على أن تعيين مشايخ للتكايا والزوايا والأضرحة والمرتبط بالحصول على معاشات ورواتب ومنح مالية من ديوان الأوقاف لم يعد أمرًا ممكنا بدون الحصول على تصريح من هذا الديوان. وتضمين هذه المادة مرتبط بسياسة كانت قد اتبعت وخاصة عقب الاحتلال البريطاني بهدف تخفيض سلطة النظار الخصوصيين للأوقاف الخيرية، وهى تعتبر متوافقة مع (لائحة إجراءات ديوان عموم الأوقاف) التي نشرت أيضًا في عام 1895. ألا أن غالبية المواد كان تتضمن قيودًا تتعلق كلها بشكل مباشر بالحد من سلطة البكرى بوجه عام: إذ نصت هذه التنظيمات على إنشاء مجلس يعرف باسم «المجلس الصوفي» (المادة رقم3) تكون مهمته ممارسة نوع من السلطة المشتركة على الطرق والمؤسسات المرتبطة بالطرق، وطبقًا للاشتراطات الواردة بالبند رقم 3 يتكون هذا المجلس من أربعة أعضاء دائمين وأربعة أعضاء آخرين كمندوبين فقط عن الأربعة الدائمين ويعمل هذا المجلس تحت رئاسة البكرى. وعلى أن يتم انتخاب كافة الأعضاء كل ثلاث سنوات من بين حشد يضم عشرين على الأقل من مشايخ الطرق المقيمين بالقاهرة وعلى أن تجرى الانتخابات تحت إشراف محافظ العاصمة وفي مبنى ديوان المحافظة (ديوان محافظة مصر). ومن الخطأ أن ننظر إلى تشكيل هذا المجلس على أنه بمثابة اعطاء الصفة الرسمية على المجالس التي كانت تعقد من وقت لآخر لفض المنازعات في أيام على البكرى أو أنه بمثابة استمرار لتلك المجالس. فمهمة تلك المجالس السابقة كانت مجرد التوسط لعقد الصلح بين الأطراف المتنازعة ولم يكن البكرى مرغمًا بأي حال من الأحوال على التصرف بما يتمشى مع القرارات أو التوصيات التي اتخذها الأعضاء. أما المجلس المنشأ حديثًا فكانت له طبيعة مختلفة: إذ كان عليه أن يعمل على نحو مماثل لمحكمة شرعية (المادة رقم9) بسلطات قضائية بحتة كاملة في جميع الأمور المتعلقة بالطرق (المادة 1 والمادة9) ، بما في ذلك المنازعات حول حق القدم الذي لم يكن قد ألغى بعد من الناحية الرسمية رغم أنه كان قد أصبح لا أهمية له ولا حاجة إليه. وعلاوة على ذلك فإن آراء أعضاء المجلس الجديد أصبحت لها أهميتها حيث لم يعد من سلطة البكرى أن يتغاضى عن هذه الآراء بعد أن نصت اللائحة على أن قرارات المجلس فيما يتعلق بالطرق لا تصبح صحيحة وسارية المفعول إلا إذا حصلت على موافقة غالبية الأعضاء. ولكي يتم تنفيذ قرارات هذا المجلس تجرى الاتصالات مع الوكالات الحكومية- باستثناء السلطة القضائية التي كانت قد كفت عن القيام بأي دور في الإجراءات الحكومية- بما يتمشى مع الخطوات المألوفة المقررة وكان علي البكرى أن يبدأ في اتخاذ الإجراءات التنفيذية للقرارات وذلك بصفته رئيسًا للمجلس حيث يعهد إليه مهمة تنفيذ القرارات التي تتخذ (المادة رقم10). وفرضت هذه التنظيمات القيود على الحقوق التقليدية لشيخ السجادة البكرية إلا أنها زودت محمد توفيق البكرى بأداة تعينه على استعادة سلطاته على الطرق والمؤسسات المرتبطة بالطرق وهى السلطات التي كانت قد تدهورت بشدة أثناء الفترة التي قضاها والده في هذا المنصب ، وهى السلطات التي كان يتطلع بكل تأكيد لاستعادتها. وفيما يتعلق بالتكايا والزوايا والأضرحة فإن التنظيمات وضعت سلطته تحت إشراف ديوان الأوقاف إلا أنها في نفس الوقت أكدت من جديد على شرعية سلطاته على هذه المؤسسات بما في ذلك التكايا التي كان رؤساؤها قد أكدوا استقلالهم أثناء فترة عبد الباقي البكرى. أما بالنسبة للطرق فإن سلطة البكرى قد تقيدت نظرًا لأن التنظيمات نصت على ضرورة موافقة المجلس الصوفي على القرارات المتعلقة بالطرق ولأن التنظيمات قد أعطت مشايخ الطرق بعض الاستقلال الذاتي الداخلي مرة أخرى كل في نطاق الطريقة الخاصة به (المادة رقم 12). إلا أن العودة إلى الوضع قبل عام 1881 كانت مجرد عودة جزئية نظرًا لأنه في حالة نشوب نزاع بين رئيس الطريقة وأحد تلاميذه أعطت التنظيمات (المادة 13) للتلميذ الحق في التقدم بمطالبه إلى المجلس الذي له الحق في النظر في الأمر وإجراء التسوية بين الأطراف المتنازعة وهذا معناه استمرار تقلص نفوذ واستقلال رؤساء الطرق. ولكن اللائحة نصت أيضًا على أن جميع رؤساء الطرق (المادة رقم14) عند الإعلان عن هذه التنظيمات يتعين عليهم البقاء في مناصبهم وكان هذا معناه أنه من الآن فصاعدا لا يمكن لأحد من رؤساء الطرق الذين اعترف بهم رسميًا أثناء عهد عبد الباقي البكرى المطالبة بشرعية تولى المنصب اللهم إلا إذا كانت مطالبهم ترتكز على مضامين المادة المتعلقة بهذا الشأن. ونظرًا لأن هذه المادة كانت جزءا لا يتجزأ من التنظيمات فإن قبول كل ما ورد بهذه التنظيمات قد أصبح أمرًا ضروريًا لكل رئيس طريقة يرغب في الاحتفاظ بمنصبه كرئيس شرعي على الطريقة التي اعترف بها رسميًا. ولذلك فإن سلطة شاغل منصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية ينبغي قبولها بدون أي مواربة وفقًا لما جاء بالتنظيمات ونظرًا لأن هذا المنصب كان يشغله محمد توفيق البكرى الذي كان في نفس الوقت هو شيخ السجادة البكرية فإنه يمكن القول بأن التنظيمات كانت عاملًا مساعدًا ومفيدًا من حيث إعادة تثبيت سلطة شيخ السجادة البكرية على الطرق وهى السلطة التي كانت قد أصبحت ضئيلة للغاية خلال السنوات العشر السابقة على تولي محمد توفيق البكرى للمنصب. إلا أن التنظيمات لم تحدث أي تغيير في هذا الشأن بالنسبة للطرق المعترف بها رسميًا والتي لم يكن رؤساؤها يقيمون بالقاهرة ، والتي كان معظم أعضائها يتواجدون بالمناطق الريفية بعيدًا عن العاصمة. إذ نجد أن القانون قد زاد من وضعهم الهامشى حيث نص على أن الجميعة العمومية التي يتعين عليها انتخاب أعضاء المجالس الصوفية كل ثلاث سنوات ينبغي أن تتألف من رؤساء الطرق المقيمين بالقاهرة فقط. ولابد أن هذا الترتيب قد نشأ أصلًا عن الرغبة في الفاعلية الإدارية التي قد تتعرقل في حالة مجييء أعضاء المجلس من خارج العاصمة. إلا أن هذا الوضع بالنسبة لرؤساء هذه الطرق كان معناه أنهم يقعون تحت نفوذ عدد من نظائرهم ممن أصبحوا أعضاء في مجلس لا يستطيعون تحديد تشكيله. ومن المؤكد أن هذا الوضع قد دفع بعضهم إلى الاستمرار في سياسة الابتعاد عن إدارة الطرق مما أدى بالتالي إلى فقدان أربعة طرق صوفية للاعتراف الرسمي بها وهذه الطرق هى : المسلمية- الشهاوية –البرهامية- المكية الفاسية. لائحة الطرق الصوفية لعام 1895 المادة رقم 1: إن تعيين رؤساء الطرق أو إقصائهم عن مناصبهم أو إيقافهم عن العمل لفترة محددة والتحكيم في منازعاتهم وخاصة في المنازعات المتعلقة بالطرق وإصدار الحكم فيما يتعلق بالشكاوى الموجهة نحوهم بشأن هذا التحكيم سيتم بمعرفة مجلس خاص يتكون على النحو الوارد بالمادة رقم 3. المادة رقم 2: إن عزل وتعيين مشايخ التكايا والسجاجيد والأضرحة التي لا تتبعها أية أشاير سيتم طبقًا للاشتراطات التي يشترطها «الواقف». (أي الشخص الذي يخصص أموالًا أو منحًا أو أوقافًا) ولكن بالنسبة لأولئك الذين لهم أشاير ومرتبات من ديوان الأوقاف أو من ناظر آخر، فلن يتم عزل أو تعيين بدون الحصول على موافقة من ديوان الأوقاف أو الناظر الآخر وفقًا لما يراه المجلس، وإذا لم يوافق الديوان أو الناظر على رأي المجلس، فإن الأشاير ستعطي لشخص يعينه المجلس وسيتم دفع المرتبات كالمعتاد. المادة رقم 3: المجلس المذكور سيتألف من رئيس المشايخ الذي يعينه الخديوي في منصب الرئيس وأربعة أعضاء دائمين من بين رؤساء الطرق. وهؤلاء الأربعة سيتم انتخابهم في انتخاب تشترك فيه غالبية المجموعة من خلال عقد جمعية عمومية يحضرها على الأقل عشرون شيخًا من بين رؤساء الطرق المقيمين بالقاهرة. كما سيتم انتخاب أربعة نائبين عن هؤلاء الأربعة الدائمين وفقًا لنفس القواعد. وهؤلاء النائبون سيحلون محل الأعضاء الدائمين لدى الاعتذار عن حضور جلسات المجلس. وسوف تتم الانتخابات في ديوان محافظ القاهرة تحت رئاسة السيد محافظ القاهرة. وسوف تجري الانتخابات مرة واحدة كل ثلاث سنوات، وإذا حدث أن استقال شخص أو مات شخص تجري انتخابات لمواجهة هذه الظروف الطارئة. المادة رقم 4: إذا حدثت ظروف تحول دون حضور الرئيس للاجتماع فإنه ينبغي عليه أن ينيب أحد أعضاء المجلس لكي يرأس اجتماع المجلس. المادة رقم 5: إن إجراءات المجلس وأحكامه ستكون متمشية مع القواعد والمباديء التي تلقى قبولًا عامًا من أولئك المنتمين للطرق بشرط ألا تتعدى على أحكام القانون المقدس. المادة رقم 6: يعقد اجتماع واحد للمجلس شهريًا اللهم إلا إذا لم تكن هناك حاجة لعقد الجلسة وعندئذ يجب على رئيس المجلس أن يعرض التماسًا للتأجيل على أعضاء المجلس أو يجب على ثلاثة أعضاء بالمجلس تقديم التماس للرئيس لتأجيل عقد الاجتماع. المادة رقم 7: أي عضو من أعضاء المجلس أو أي نائب من نواب الأعضاء يتغيب عن حضور أربعة جلسات سنويًا بدون إبداء الأعذار التي منعته من الحضور يعتبر مستقيلًا وعندئد يتم انتخاب عضو آخر بدلًا منه. المادة رقم 8: إذا قاضى أحد المدعين واحدًا من أعضاء المجلس فإنه ينبغي على المجلس أن يقرر ما إذا كان ذلك العضو سيبقى في منصبه أو يستبدل بأحد النواب وذلك أثناء النظر في القضية وإجراءاتها. المادة رقم 9: النظر في القضايا المعروضة على المجلس سيتم بنفس الأسلوب الذي تنظر به المحكمة الشرعية (مجالس القضاء الشرعي) في القضايا وطبقًا لتسلسل استلام القضايا ولن تعرض قضية للفحص إلا إذا تم الانتهاء من فحص القضية السابقة عليها. المادة رقم 10: بعد سماع القضية وكافة نواحيها التفصيلية يتشاور أعضاء المجلس، ويؤخذ الرأي فيها بأغلبية الأصوات، ثم يصدر القرار بشأنها. ويتكفل رئيس المجلس بتنفيذ القرار. وإذا اقتضت الضرورة يتم اللجوء إلى الموظفين الحكوميين لتنفيذ القرار على أن يوضع في الاعتبار النص الوارد بالمادة رقم 2. المادة رقم 11: على الرئيس أن ينظم الترتيبات السليمة للجلسات. المادة رقم 12: إن حسم الصراعات بين الخلفاء أو مع المريدين. أو بين «المريدين» سيظل من الحقوق التي يمارسها مشايخهم (أي رؤساء الطرق). المادة رقم 13: إن الادعاءات التي يقدمها أعضاء الطرق ضد أحد رؤساء الطرق لا يتم النظر فيها وتسويتها إلا بمعرفة المجلس وحده. المادة رقم 14: لن يتم في الوقت الحالي إجراء انتخابات تتعلق برؤساء الطرق الحاليين. فهم سيظلون في مناصبهم. المادة رقم 15: تسري مواد هذه اللائحة من تاريخ نشرها في الجريدة الحكومية (الجريدة الرسمية). المادة رقم 16: تتولى وزارة الداخلية مهمة تنفيذ هذه اللائحة. 23 ذو الحجة 1312 16 يونيو 1895 مصطفى فهمي المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م، ص 132-136، 203-207.


التقييم الحالي
بناء على 50 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث