نسخة تجريبيـــــــة
مشيخة الطرق الصوفية - الإشراف على الأضرحة

يكثر فى مصر أضرحة الأولياء ، التى كانت مجالا رحبا للممارسة الأنشطة الصوفية المتنوعة، كما كان لكثير منها أوقاف خاصة بها تنفق على مرافقها، أو يصرف لها إعانات مالية حكومية، ومن ثم كانت هذه الأضرحة بحاجة إلى إشراف، ومن هنا نشأ منصب المشرف على الأضرحة ، أو شيخ الضريح، وبالإضافة إلى ذلك، فهناك أضرحة كبرى لها وضع متميز، نتيجة لأهميتها ، كضريحى السيد البدوى والشيخ إبراهيم الدسوقى رضى الله عنهما.

ولقد كان هناك حشد كبير من الموظفين المعينين لخدمة ضريحى ومسجدي أحمد البدوي وإبراهيم الدسوقي، وجميع هؤلاء الموظفين كان لهم الحق في الحصول على نصيب من الإعانات والهبات التي تقدم لهذين الضريحين علاوة على الحصول على بعض الريع من الأوقاف المخصصة لصالح هذين الضريحين. وكان الإشراف على بعض هذا الأوقاف يقع إما على عاتق مصلحة الأوقاف وإما على عاتق النظار الخصوصيين الذين ليست لهم علاقة أخرى بضريح أو جامع. وعلاوة على ذلك فإن جزءًا من ريع الأوقاف المخصص لهذا المؤسسات بالإضافة إلى جزء من الإعانات والهبات كان يذهب إلى منتفعين ممن يقفون تمامًا خارج التصوف.

وتعقيدات الأحلاف والجماعات التي قد نجمت كنتيجة لهذا التنظيمات وما تتضمنه من مصالح متنوعة يوضح لنا الحقيقة التي مفادها أن السلطان القانوني الذي يمارسه البكري على أولئك المسئولين عن هذه الأضرحة كان ضئيلًا للغاية كما أنهم بدورهم وصلوا إلى هذه المناصب بدون اللجوء إليه في معظم الحالات.

إلا أنه كان  قد أصبح هو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يعين مشرفًا على الأضرحة العديدة الأخرى التي تتواجد في كل قرية مصرية تقريبًا. وكان يتبع في هذا التعيين أسلوبًا معينًا وهو أن المشرف ينبغي أن يكون قريبًا للشيخ الذي سيشرف على ضريحه أو يكون قريبًا للأسرة التي كانت تشرف على الضريح منذ فترة طويلة. وهو بإجرائه هذا كان يضمن الشرعية لسلطة  المشرف على الضريح وبالتالي يضمن الفاعلية لهذه السلطة. فإذا تقدم أي شخص بطلب رسمي للتعيين في وظيفة مشرف على ضريح كان البكري يقوم بالتقصي والتحري بكل دقة فكان يطلب من وكيله ومن المحافظ الإقليمي ومن القاضي المحلي بالقيام بالتحريات اللازمة كما كان يطلب من الأهالي الساكنين  في المنطقة التي يوجد بها الضريح أن يقدموا الشهادة لصالح أو ضد ادعاءات الشخص المتقدم لشغل هذا المنصب، وعلاوة على ذلك كانت تتم التحريات عن مدى ورعه وتقواه وعن شخصيته بوجه عام حيث كان ينبغي أن تكون شخصيته متلائمة مع هذا المنصب الديني الهام.

وأي تعيين لأي شخص خارج الفئات سالفة الذكر كان يعتبر انتهاكًا للأوضاع المتعارف عليها في هذا الشأن. فإذا حدث شيء من هذا القبيل فإن المجتمع العريض يقوم برد فعل تصحيحي حيث يتقدمون بالالتماسات التي يطلبون فيها إبطال هذا التعيين.

وكلما نشأ النزاع بشأن شغل منصب المشرف على ضريح يتدخل وكلاء البكري أو القاضي المحلي أو المحافظ الإقليمي ويطلبون إجراء التقصي والبحث والتحري ويعملون على إيجاد حل للصراع. وما أن يتم تعيين الشخص الذي له الحق الشرعي  في الإشراف على الضريح حتى يبادروا إلى اتخاذ الإجراءت لتمكينه من ممارسة الإشراف الفعلي على الضريح وعلى الهبات التي تقدم للضريح وعلى نظارة أوقاف الضريح في حالة وجود نظارة للضريح وفي حالة إذا كانت النظارة ينبغي أن يعهد بها للمشرف على الضريح.

والمشرفون على الأضرحة العديدة بالقاهرة يتم تعيينهم بمعرفة البكري وبنفس الإجراءات التي يتم بها تعيين المشرفين على الأضرحة بالأقاليم وطبقًا لنفس القواعد والمبادئ. وبعد أن تتم إجراءت التعيين كان البكري يقوم بإخطار مصلحة الروزنامة وديوان الأوقاف في حالة إذا ما كان المشرف على الضريح له الحق في الحصول على تبرعات مالية من هذين الموردين. وكان يتم اللجوء للضبطية بهدف العمل على ضمان حقوق أولئك الناس وتنفيذ القرارت التي تحسم الخلافات فيما يتعلق بالخلافة أو بين الموظفين المرتبطين بالضريح أو مسجد الضريح.

وكانت المنازعات بين هؤلاء الموظفين تنشأ عادة بسبب الخلاف في الرأي إزاء الطريقة التي يتم بها توزيع النذور بمعرفة شيخ الخدمة.  فقد جرت العادة أن يحتفظ الشيخ لنفسه بثلث المبلغ ثم يخصص الثلث الثاني من المبلغ لمصلحة الضريح والزائرين والثلث الأخير يقوم بتوزيعه على أولئك الذين لهم علاقة بالضريح. وكان على شيخ الخدمة إذا حصل على أي مبلغ من مصلحة الروزنامة أو من ديوان الأوقاف أن يوزع ذلك الدخل بنفس النسب سالفة الذكر.

ولكن التنوع الهائل في الأشياء العينية التي تقدم كنذور والأعداد الكبيرة لأولئك الذين لهم الحق في الاشتراك في النذور قد جعل هذا النظام في التوزيع غير ملائم، ومثيرا للصراعات، بالإضافة إلى أن هذا النظام فى التوزيع كان يشجع شيخ الخدمة على طرد الموظفين الآخرين مع محاولة تعيين نفسه في وظائفهم  لكي يتمكن من الحصول على المزيد من النذور. فإذا حدث شيء من هذا القبيل أو إذا لم يتمكن موظف مرتبط بالضريح من الحصول على المقرر له من النذور فإنه كان يتقدم بالشكوى للبكري الذي كان يبادر بإصدار أوامره للتحقق من هذا الأمر وإعطاء كل ذي حق حقه.

وفي مساجد الأضرحة التي تضم رفات أقرباء النبي وفي مساجد الأضرحة الأخرى الكبرى بالقاهرة كان الإشراف على الأضرحة بتلك المساجد يقع على عاتق النظار على هذه المساجد. ولم يكن للبكري أية سلطة تذكر على هؤلاء النظار الذين كانوا يتثبتون في هذا المنصب عن طريق القاضي وكانوا مسئولين أمام القاضي من حيث التأدية السليمة للمهام الملقاة على عاتقهم. إلا أن هذا الوضع قد انتهى في عام 1276 هـ «1859/ 1860» عندما صدر قرار من الخديوي بشأن تغيير الإشراف على الأضرحة في هذه المساجد ونقل مسئولية تخصيص النذور التي كانت من اختصاص الناظر إلى مكتب حكومي مستقل. ولذلك فإن شاغلي هذا المنصب أصبحوا واقعين تحت السلطان القضائي للبكري شأنهم في ذلك شأن المشرفين الآخرين على الأضرحة الأخرى. ولم يعد باستطاعتهم الادعاء بأنهم يشغلون هذا المنصب بصفة قانونية إلا إذا كان تعيينهم صادرًا من البكري.

وكانت غالبية هؤلاء الموظفين المعينين حديثًا من بين مجموعات متميزة من المشرفين على الأضرحة بالقاهرة الذي حصلوا في خلال ستينات القرن التاسع عشر على مركز في نطاق إدارة البكري يتشابه في بعض النواحي مع مركز رؤساء الطرق ورؤساء التكايا. وكانت هذه المجموعة تضم المشرفين على كافة الأضرحة بالقاهرة التي كانت بمثابة مراكز هامة للتبجيل والوقار ولكنها لم تكن  تحت الإشراف المباشر لشيخ الطريقة. فهؤلاء المشرفون كانوا يتمتعون بنفس المنزلة الوطيدة التي يتمتع بها مشايخ الطرق حيث كانوا يشاركون -مثل مشايخ الطرق- في مجالس القضايا التي كانت تجتمع للبحث والتقصي والتوسط لحل الصراع والخلافات. بل وكانت البلدية توجه الدعوة لهم في المناسبات الخاصة كما كان البكري يوجه الدعوة لهم ولرؤساء الطرق والتكايا لحضور الاحتفالات الدينية سالفة الذكر. وبذلك كانوا يشكلون فئة متميزة من الشخصيات الدينية تعرف باسم مشايخ الأضرحة وتشمل:

محمد المنياوي

مقام الإمام الحسين

أحمد الصفتي

مقام السيدة زينب

عبد الخالق علي حسن

مقام السيدة نفيسة

علي صالح

مقام السيدة سكينة

 إبراهيم الشبراوي

محمد العشماوي

مقام السيدة عائشة

محمد الحباني

مقام السيدة فاطمة النبوية

علي

مقام السيد علي زين العابدين

علي محسن

مقام الإمام الشافعي ومقام

محمد السنباطي

مقام السلطان العادل تومان باي

علي فرغل

مقام حسين أبو العلا

رضوان البكري

محمد المهدي

مقام السلطان محمد الحنفي

محمد نوايتو

مقام الشيخ إسماعيل الإمبابي

عبد الخالق

مقام الشيخ صالح أبو حديد

عبد الواحد العناني

مقام السادة العنانية

محمد محمد الخضيرى

مقام الأستاذ سليمان الخضيرى

عبد الحليم

مقام الشعراني

مصطفى الدمرداش

مقام محمد دمرادش المحمدي

 

 

وكان الإشراف على الأضرحة الأربعة الأخيرة سالفة الذكر في أيدي رؤساء العنانية والخضيرية والشعرانية والدمرداشية على التوالي. إلا أن أهمية رئاستهم للطرق الخاصة بهم قد تضاءلت نتيجة للتدهور والهبوط في عضوية هذه الطرق. وبالنسبة للشعرانية والدمرداشية التي كانت العضوية الفعالة بهما مقصورة على القاهرة ، بل وكانت العضوية الفعالة للشعرانية مقصورة على ربع القاهرة فقط- فإن هذا التدهور قد بدأ في وقت  واحد نتيجة للصراعات التي حدثت حول الإشراف على الضريحين.

أما التدهور الذي أصاب العنانية والخضيرية اللتين فقدتا الأعضاء المنتمين إليهما من خارج القاهرة فقد حدثت بطريقة مختلفة. فرئيسا هاتين الطريقتين كانا من بين أرباب السجاجيد الذين لم يمارس البكري أية سلطة عليهم وفقًا لما جاء بالفرمان. فظلا بعيدين عن سلطته وإدارته حتى بعد أن تم إبرام الاتفاق مع الأزهر فى عام 1847 ، ولكن مع ظهور وتعاظم مبدأ حق القدم ومع تزايد كفاءة سلطة البكري أصبح أعضاء هاتين الطريقتين محرومين من أي فرصة للدخول في طريقة أخرى أو الظهور علنًا بالمناطق الريفية. وبوقوفهم خارج نطاق الجهاز الصوفي لم يتمكنوا من الحصول لأنفسهم على الاعتراف بحق القدم أو حمايته مما أدى بالتالي إلى حرمانهم من القيام بأي دور كأعضاء في الطريقة. فتركوا الطريقة التي ينتمون إليها وانضموا إلى طرق أخرى يعترف رؤساؤها بسلطة البكري وبالتالي أمكنهم المطالبة بحق القدم. ولذلك عندما صدر قرار الخديوي عام 1276 هـ «1859/ 1860» الذي ينص على تعيينهم مشايخ أضرحة ووضعهم في هذا القرار تحت سلطة البكري فإنه لم يتبق سوى عدد ضئيل من الأعضاء النشيطين خارج المراكز الحضرية حيث لا ينطبق حق القدم.

ورغم أن هذه المجموعات لم تتوقف عن العمل كطريقة صوفية إلا أن قوتها العددية قد تضاءلت كثيرًا حتى أنها لم تعد تعتبر طريقة في نطاق إدارة البكري. إلا أن رؤساء هذه الطرق كانوا يعملون في الإشراف على أضرحة تعتبر من أهم الأضرحة بالقاهرة. ولذلك فإنه على الرغم من تدهور الطرق التي يرأسونها إلا أنهم قد استمروا في القيام بدور له أهمية إدارية واحتفالية في نطاق إدارة البكري من حيث هم مشايخ أضرحة.

ومن بين هؤلاء نجد أن المشرف على ضريح الشيخ صالح أبو حديد الذي لم تكن له أهمية قد أصبح بارزًا في عام 1280 «1863/ 1864». ففي تلك السنة تم تشييد مسجد يضم الضريح على نفقة الخديوي إسماعيل الذي شاهد هذا الشيخ متجليًا أمامه فأصبح يثق ثقة كبيرة في قواه الروحية. وييدو أن محاباة الخديوي لهذا الشيخ المدفون بالضريح هو السبب الرئيسي الذي جعل المشرف على هذا الضريح واحدًا من مشايخ الأضرحة رغم أن الضريح الذي يشرف عليه لم يكن به مميزات تجعله مختلفًا عن باقي الأضرحة الأخرى العديدة الموجودة بالقاهرة.

وكان ضريح إسماعيل الإمبابي الذي كان مؤسسًا للامبابية وهي فرع من الأهمية بمكان بمثابة حالة خاصة. فأضرحة مؤسسي الطرق إذا لم تكن تدار تحت إشراف شخص من سلالة المؤسس فإنها كانت توضع تحت إشراف رئيس الطريقة أو على الأقل تحت إشراف عضو في الطريقة. إلا أن ضريح إسماعيل  الإمبابي منذ نهاية القرن الثامن عشر كان تحت إشراف أشخاص ليست لهم علاقة على الإطلاق بالطريقة التي أسسها فأصبح بذلك فريدًا من نوعه بالقاهرة.

وباستثناء المشرفين على أضرحة: الإمام الشافعي والإمام الليث بن سعد وهما إمامان من كبار أئمة الشريعة الإسلامية والسنة النبوية الشريفة، وضريح السلطان العادل طومان باي واثنان من متصوفي القرن الخامس عشر الميلادى هما حسن أبو العلاء والسلطان الحنفي، نجد أن باقي مشايخ الأضرحة كانوا يشرفون على الأضرحة الخاصة بأهل البيت.

كان يتم تعيين شيخ مسئول عن قراءة دلائل الخيرات في عدد من هذه الأضرحة. وكانت مهمة هذا الشيخ هي تنظيم الجلسات بالقرب من هذه الأضرحة لقراءة دلائل الخيرات للجازولي والإشراف على تلك الجلسات. وأولئك الذين كانوا يشغلون هذه الوظيفة كانوا يحصلون عادة على مكافآت مالية معينة من الريع الناجم عن الأوقاف كما كانوا يحصلون على نصيب من النذور التي توهب للضريح.

وما أن تم إبرام الاتفاق مع الأزهر في عام 1847 حتى أصبح هؤلاء الموظفون خاضعين لسلطة البكري وأصبح البكري هو المسئول عن تعيينهم في هذه الوظيفة بدون الرجوع إلى شيخ الضريح الذي كانوا يعتمدون عليه تمامًا.

وكان هؤلاء الشيوخ ينظر إليهم على أنهم شخصيات دينية هامة وبالتالي كانت الدعوة توجه إليهم لحضور كافة الاحتفالات الدينية التي ينظمها البكري ويشرف عليها إلا أنهم لم يلعبوا أي دور في نطاق إدارة البكري. ومن المؤكد أن دعوتهم لحضور هذه المناسبات قد زاد من تدعيم مركزهم وهيبتهم بل وقد تدعم وضعهم الاجتماعي بعد أن أصبحوا مرتبطين بإدارة البكري إلا أن خضوعهم لسلطة البكري لم يعد عليهم بأية فوائد أو منافع خاصة.

وكان وضع رؤساء التكايا ومشايخ الأضرحة مماثلًا. فعلى الرغم من أنه قد خصص لهم مكان يشبه في بعض النواحي مكان رؤساء الطرق في نطاق إدارة البكري إلا أنه لم يكن لهؤلاء الموظفين ولا للمؤسسات التي يشرفون عليها أن يتواجدوا بطريقة مختلفة بدونها. بل إن الطريقة التي أصبحت بها هذه الإدارة مندمجة في داخل المجتمع المصري قد فرضت عليهم ضرورة قبول هذه الإدارة.

 

 

المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 59-60، 82-88.


التقييم الحالي
بناء على 43 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث