نسخة تجريبيـــــــة
مدخل عام

كان اصطلاح شيخ السجادة، ينطبق على شيوخ السادة البكرية والعنانية والخضرية والوفائية، الذين يرجعون أنفسهم إلى أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب والزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب على التوالي.

وقد تكلمنا على ذلك بشىء من التفصيل فى موضوع (@السجاجيد الشريفة - أرباب السجاجيد - مدخل عام)

ومن هنا فإن السادة العنانية - شأنهم شأن المنحدرين عن سلالة أبي بكر الصديق- قد حولوا أنفسهم من جماعات أسرية عائلية إلى طرق صوفية، وكان مركز ووضع قادة هذه الطرق متشابهًا للغاية مع مركز ووضع شيخ السجادة البكرية؛ إذ أصبحت قانونية امتلاكهم للأراضي، تتوقف على اعتراف القاضي، وعلى التسجيل القانوني في سجلات المحكمة، ولقد امتلكوا أيضًا ممتلكات هائلة، ولعبوا دورًا مهمًّا في إدارة شئون الدولة؛ بل وكانت لهم حقوق غير متبلورة في المجالات القضائية والتشريعية، مثلهم ذلك مثل سائر أرباب السجاجيد.

وقد احتفظ السادة العنانية - مثلهم مثل أرباب السجاجيد - باستقلالهم الذاتي التقليدي؛ وبذلك لم ينجم عن الفرمان أو الاتفاق مع الأزهر أي تغيير بالنسبة لهم؛ إذ ظلت طرقهم من بين الطرق التي ليست لها روابط رسمية مع شيخ السجادة البكرية.

لذلك نجد أن تواجد أرباب السجاجيد ، وتواجد نظائرهم ممن لهم هذه الروابط الرسمية، قد أدى إلى ظهور انقسام في عالم الطرق في مصر؛ فظل هذا الانقسام هو الطابع الرئيسي المميز للبناء الأساسي للطرق في مصر.

والمجموعات الأخرى التي كانت تقع خارج نطاق السلطان القضائي للبكري ووفقًا لما جاء في فرمان 1812 وفي الاتفاق مع الأزهر في عام 1847 هي: الوفائية والعنانية والخضرية ، وإن كانت الأخيرتان لم تمنحا مركزًا مماثلًا للوفائية ، نظرا للدور التاريخى الذى لعبه الشيخ السادات ، شيخ السادة الوفائية ، راجع: (السجاجيد الشريفة - الوفائية - مدخل عام).

وفى قائمة مشايخ الأضرحة التى كانوا يقعون تحت سلطة الشيخ البكرى نجد أن ضمنها مقامى العنانية والخضيرى، فقد ورد فيها ما يلى :

عبد الواحد العناني

مقام السادة العنانية

محمد محمد الخضيرى

مقام الأستاذ سليمان الخضيرى

 

وكان الإشراف على هذه الأضرحة في أيدي رؤساء العنانية والخضيرية ، إلا أن أهمية رئاستهم للطرق الخاصة بهم قد تضاءلت نتيجة للتدهور والهبوط في عضوية هذه الطرق.

أما التدهور الذي أصاب العنانية والخضيرية اللتان فقدتا الأعضاء المنتمين إليهما من خارج القاهرة فقد حدثت بطريقة مختلفة. فرئيسا هاتين الطريقتين كانا من بين أرباب السجاجيد الذين لم يمارس البكري أية سلطة عليهم وفقًا لما جاء بالفرمان. فظلا بعيدين عن سلطته وإدارته حتى بعد أن تم إبرام الاتفاق مع الأزهر فى عام 1847 ، ولكن مع ظهور وتعاظم مبدأ حق القدم ومع تزايد كفاءة سلطة البكري أصبح أعضاء هاتين الطريقتين محرومين من أي فرصة للدخول في طريقة أخرى أو الظهور علنًا بالمناطق الريفية. وبوقوفهم خارج نطاق الجهاز الصوفي لم يتمكنوا من الحصول لأنفسهم على الاعتراف بحق القدم أو حمايته مما أدى بالتالي إلى حرمانهم من القيام بأي دور كأعضاء في الطريقة. فتركوا الطريقة التي ينتمون إليها وانضموا إلى طرق أخرى يعترف رؤساؤها بسلطة البكري وبالتالي أمكنهم المطالبة بحق القدم. ولذلك عندما صدر قرار الخديوي عام 1276 «1859/ 1860» الذي ينص على تعيينهم مشايخ أضرحة ووضعهم في هذا القرار تحت سلطة البكري فإنه لم يتبق سوى عدد ضئيل من الأعضاء النشيطين خارج المراكز الحضرية حيث لا ينطبق حق القدم.

ورغم أن هذه المجموعات لم تتوقف عن العمل كطريقة صوفية إلا أن قوتها العددية قد تضاءلت كثيرًا حتى أنها لم تعد تعتبر طريقة في نطاق إدارة البكري. إلا أن رؤساء هذه الطرق كانوا يعملون في الإشراف على أضرحة تعتبر من أهم الأضرحة بالقاهرة. ولذلك فإنه على الرغم من تدهور الطرق التي يرأسونها إلا أنهم قد استمروا في القيام بدور له أهمية إدارية واحتفالية في نطاق إدارة البكري من حيث هم مشايخ أضرحة.

ولقد ظهرت العنانية من جديد في محافظة الدقهلية وفي محافظة الشرقية. وهنا نجد أن مجموعات من العنانية- وهى طريقة كانت قد ظلت خارج نطاق إدارة البكري نظرًا لأن رئيسها كان واحدًا من أرباب السجاجيد الأربعة الذين كانوا غير خاضعين لشيخ السجادة البكرية- كانوا يعملون رسميًا كجزء من الرفاعية مما كان يسمح لخلفائهم بالمطالبة بحق القدم وكل ما يترتب على ذلك الحق إلا أن بعض هذه الجماعات بدأت تعلن عن نفسها مرة أخرى من حيث هم منتمون للعنانية ، بينما كان خلفاؤهم منهمكين في تجنيد أعضاء جدد للانضمام لصالح هذه الطريقة. فأدى هذا إلى ظهور الاعتراض الشديد من جانب أعضاء في الطريقة الرفاعية على المستوى المحلي كما اعترض رئيس الطريقة الرفاعية ، ورأى أن العنانية لا يمكن أن تعتبر طريقة صوفية. وأعلن أن أولئك المنضمين إلى هذه المجموعة لا تربطهم رابطة صوفية بالعهود وإنما تربطهم روابط الدماء فقط بالجدود ، وأن هذه المجموعة العائلية كانت جزءا من الرفاعية وخاضعة لسلطانه القضائي والدليل على ذلك أن أعضاءها كانوا يشاركون في المواكب بأعلام سوداء اللون وهو اللون المقصور على الرفاعية. وذهب في تحليلاته إلى أن العنانية كطريقة ينبغي النظر إليها على أنها حركة انفصالية وينبغي اتخاذ الإجراءات اللازمة ضدها نظرًا لأنها تعدت على حقوق القدم الخاصة بالرفاعية.

إلا أن المطالبة بالسيادة على العنانية لم يتقبلها شيخ السجادة العنانية محمد عبد الواحد الحريري الذي كان مشرفًا على أضرحة أولاد العنان كما كان إمامًا للخديوي توفيق.

وفي نهاية عام 1885 قام الحريري الذي أراد أن يتخطى البكرى ويتجاهله حتى يحول دون أن تعامل العنانية الجديدة على أساس أنها خرق عادي لحقوق القدم بعرض قضيته هذه على وزير الداخلية. فأمر الوزير بعقد مجلس لفحص مدى قانونية الادعاءات التي ينادي بها الحريري وخصمه شيخ السجادة الرفاعية. وضم هذا المجلس عددًا من رؤساء الطرق والتكايا والأضرحة كما طلب من عبد الباقي البكرى وعبد الخالق السادات المشاركة في هذا المجلس الذي يرأسه شيخ الأزهر ومفتي مصر محمد المهدي العباسي. وقام الطرفان المتنازعان بعرض آرائهما التي نوقشت في عدد من الجلسات.

وأخيرًا وفى مارس 1886 م أصدر المجلس قراره الذى نص على أن العنانية هى طريقة تختلف عن الرفاعية وليست لها علاقة بالرفاعية على الإطلاق، وأن العنانية لها سلسلة خاصة بها تعود إلى عمر بن الخطاب. بل والأكثر من ذلك أنه تقرر أن يكون للعنانية الحق في استخدام اللون الأسود كلون مميز لها- شأنها في ذلك شأن الرفاعية- نظرًا لأنها قد استخدمت دائمًا اللون الأسود منذ أن تم انشاؤها.

وقد أكد هذا القرار بشكل واضح أن منصب شيخ السجادة العنانية ومنصب رئيس الطريقة العنانية متطابقين ومتماثلين كما أعطى هذا القرار الصفة الشرعية والقانونية للعنانية كطريقة تتساوى في جميع النواحي مع الطرق الأخرى.

ورغم أن هذا القرار قد تم التوصل إليه بإجماع الآراء من خلال الاستشارات المتبادلة بين أعضاء المجلس إلا أنه قد اكتسب الصلاحية القانونية بالدرجة الأولى لأنه تم التصديق عليه من جانب شيخ الأزهر الذي فوضته وزارة الداخلية للنظر في هذه القضية والفصل فيها. ومنذ ذلك التاريخ أصبح من الضروري أن يقوم شيخ الأزهر بالموافقة على أي مرشح من جانب الخديوي لشغل منصب شيخ السجادة العنانية ابتداء من الخليفة الذي جاء بعد محمد عبد الواحد فصاعدا.

وكان تدخل شيخ الأزهر في هذه القضية وكذلك في قضية الشاذلية تحت قيادة الحصافى قبل ذلك بعامين تقريبًا (راجع: الشاذلية - فروعها - الحصافية الشاذلية - مدخل عام) بمثابة خرق لاتفاقية عام 1847 التي تمت بين شيخ الأزهر وشيخ السجادة البكرية (راجع: مشيخة الطرق الصوفية - محضر بتحديد مجالات شيخ مشايخ الطرق الصوفية وشيخ الأزهر 1263  هـ) . وهذا يوحي لنا بأن هذه الاتفاقية قد أصبحت من الناحية الواقعية ملغاة كما يدل هذا على العلاقة المتغيرة التي حدثت بين إدارة الطرق وبين الوكالة الحكومية بالدولة. وهذا التغير يرجع أساسًا إلى إعادة تنظيم الإدارة الحكومية في الدولة في مطلع الاحتلال البريطاني لمصر في عام 1882 مما أعطى للإدارة الحكومية كفاءة عالية للغاية فأدى ذلك بدوره إلى تضاؤل أهمية إدارة الطرق الصوفية في مواجهة الدولة ووكالاتها ومن المؤكد أن الوكالات الحكومية قد توقفت تمامًا عن تدعيم إدارة الطرق حتى عندما كان هذا- كما هو في الحالات سالفة الذكر- التدعيم وثيق الصلة بالحفاظ على حقوق القدم.

 

المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 13-16 ، 35، 73 - 74، 85-86، 102 - 104.

 


التقييم الحالي
بناء على 37 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث