نسخة تجريبيـــــــة
هل تعود الحياة السياسية إلى المدارس بعد أن أسسها مصطفى كامل وأجهضها جهاز أمن الدولة؟

بتاريخ:29-09-2011

-  طلاب مدرسة دار حراء  تظاهروا للإفراج عن أحمد عبد الكريم.. وطلاب زهرة المدائن تضامنوا مع معلميهم فى مطالبهم

تحقيق: أحمد جمال

 منذ عهد مصطفى كامل وحتى الآن مرت الحركة الطلابية المصرية في المدارس بالعديد من الأحداث التاريخية التي مارس فيها الطلاب الحياة السياسية، إلا أن نظام مبارك ألغى فكرة ممارسة طلاب المدارس للسياسة وذلك عن طريق إضعاف التعليم حتى وصل إلى تدخل أمن الدولة في انتخابات اتحادات الطلاب داخل المدارس، ومع نهاية عصر مبارك بدأ طلاب المدارس في العودة إلى السياسة مرة أخرى وظهر ذلك واضحا في تظاهر طلاب مدرسة دار حراء بأسيوط للإفراج عن الناشط السياسي أحمد عبد الكريم أحد المحتجزين على ذمة أحداث السفارة الإسرائيلية الأخيرة وهو أحد خريجي المدرسة.

 كمال مغيث الخبير التربوي والقيادي بحزب التجمع أكد أن الحركة الطلابية المصرية لعبت دورا كبيرا في الحركة الوطنية الرامية إلى تحقيق الاستقلال التام ومقاومة الملك الفاسد وهو ماجعل المؤرخ الفرنسي والتر لاكير يقول "لم يلعب الطلاب دورا في الحركة الوطنية مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر".

وأرجع مغيث الفضل في تنظيم الطلبة كقوة فعالة في مجال العمل الوطني إلى الزعيم مصطفى كامل الذي اهتم بتنظيم صفوف طلبة المدارس العليا لدعم الحركة الوطنية بتأسيس (نادي المدارس العليا) عام 1905 بهدف تنمية الوعي السياسي للطلبة وتعبئتهم ضد الاحتلال البريطاني وكانت شعارات وخطب ومقالات مصطفى كامل يغلب عليها الطابع الرومانسي وتلهب مشاعر الجماهير لكنها لا توحي بعمل شئ محدد أو القيام بتمرد يشعل ثورة، وذلك لأن الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل كان حزبا ليبراليا ملكيا ينادي بالاستقلال عن الإنجليز والاحتفاظ "بالتبعية" للدولة العثمانية، وبعد وفاة الزعيم مصطفى كامل جاء الزعيم محمد فريد ليرعى هذه النواة للحركة الطلابية ويطور دور الطلاب في الحركة الوطنية من خلال تنظيم الإضرابات وحركات الاحتجاج وتنظيم المظاهرات وتوزيع المنشورات أو العمل السري الموجه ضد الإنجليز والمتعاونين معهم مما أدى إلى نفيه وأدى ذلك إلى ضعف الحزب الوطني واتجاه أفراده إلى العمل السري الذي اتخذ طابع العنف،وسيطرت على الأوساط الطلابية المتمردة في هذه الفترة أيديولوجيتان: الأولى  برجوازية ليبرالية نشرها الحزب الوطني وكانت الأكثر شيوعا، والثانية أيديولوجية ماركسية وجدت طريقها إلى الأوساط الطلابية من خلال تحركاتهم في الخارج و احتكاكهم باليسار الأوروبي ومن خلال وعي فكري متقدم بالقضايا الوطنية والاجتماعية في مصر.

 ومن جانبه يرى "فاروق القاضي" مؤلف كتاب فرسان الأمل والذي يروي تاريخ الحركة الطلابية في مصر أن الحركة الطلابية كان لها تأثير في كل الثورات التي مرت بها مصر ابتداء من ثورة 19 حينما قرر سعد زغلول وكيل الجمعية التشريعية المنتخب حضور المؤتمر للمطالبة بحق مصر في الاستقلال, ورفض المندوب السامي البريطاني السماح لسعد بالسفر بدعوى أنه لا يعبر عن الشعب وإنما يعبر عن الباشاوات, فقرر سعد زغلول جمع توقيعات من أعضاء الهيئات النيابية والعمد والأعيان وأعضاء المجالس المحلية بدعوى أنهم يمثلون الأمة، إلا أن الطلاب كان لهم رأي آخر حيث قرروا توزيع أنفسهم إلى لجان عمل تجوب المحافظات لتجمع توقيعات من كافة أبناء الشعب المصري عمال وفلاحين وموظفين.

وذكر القاضي في كتابه أن المندوب السامي  رفض مرة أخرى السماح لسعد بالسفر فنشط سعد في سلسلة من الاجتماعات والخطب والمؤتمرات, وكان الطلاب يتحركون معه في كل مكان فتحول سعد من وكيل الجمعية التشريعية إلى زعيم للأمة، فأصدرت القوات البريطانية قرارا باعتقاله يوم 8 مارس، وفي صباح اليوم التالي انطلق صوت الطلبة "الاستقلال التام أو الموت الزؤام " ... " سعد سعد يحيا سعد ", وبادر طلاب الحقوق بالتحرك وتبعهم في هذا طلاب مدرسة المهندسخانة و مدرسة التجارة التي ألقى فيها الأستاذ أحمد ماهر خطابا قال فيه "مكان الطلبة اليوم في الشارع لا على مقاعد الدراسة" وكذلك تحرك طلاب مدرسة الزراعة والطب ودار العلوم وطلبة مدرسة الإلهامية الثانوية والتجارة المتوسطة والقضاء الشرعي .. ثم حاصرت القوات البريطانية الطلبة في ميدان السيدة زينب وقابلوهم بعنف شديد لدرجة جعلت الأهالي يتضامنون مع الطلاب في مواجهة القوات البريطانية وألحقوا خسائر بهذه القوات أجبرتها على طلب تعزيزات أخرى من الجيش فأمكن تشتيت المتظاهرين ونقل الجرحى إلى المستشفيات واعتقل 300 طالب، ليكون هذا اليوم بمثابة البداية الحقيقية لاستقلال الحركة الطلابية.

وخلال الحرب العالمية الثانية حالت الأحكام العرفية دون قيام الطلاب بنشاط سياسي معارض بصورة علنية ومن ثم بدأ النشاط السري يتخذ مواقعه بين طلاب الجامعة وأصبحت المنشورات هي أداة النشاط للتعبير عن المواقف السياسية للطلبة الذين فقدوا روح الاتحاد غير أنهم عادوا في نهاية الحرب يفرضون وجودهم على الساحة السياسية مطالبين بالاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية معا من خلال صيغة تنظيمية جديدة طرحت كبديل للقيادات السياسية التقليدية، فقد كانت مصر تعاني أزمة اقتصادية خانقة كنتيجة طبيعية لظروف الحرب التي حملت مصر أعباء فوق طاقتها وبسبب التضخم الذي أدى إلى زيادة تكاليف المعيشة زيادة كبيرة وتفاقمت أزمة البطالة بين خريجي الجامعة وبين العمال على السواء وأثبتت الحرب أن ((معاهدة الشرف والاستقلال)) التي أبرمت مع بريطانيا عام 1936 كانت قيدا ثقيلا على حركة مصر وأنقصت من السيادة الوطنية لذلك كان المصريون جميعا يرون ضرورة إلغاء المعاهدة والجلاء التام عن مصر والسودان وحل المعضلة الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

أما عن دور الطلاب في الفترة الناصرية فقد أكد الدكتور "محمد أبو الغار" مؤسس حركة 9 مارس أن هذا الدور نشط وبصورة كبيرة في أعقاب هزيمة يونيو 1967م خاصة بعد الأحكام الهزيلة التي حكم بها على الضباط المتسببين في النكسة، حيث أخذ السخط يتراكم في صدور الجماهير وخاصة العمال وطلاب الجامعة الذين رأوا أن العقوبات التي جاءت بالأحكام لا تتناسب مع كارثة الهزيمة فانفجرت براكين الغضب الشعبي، وكانت المطالب محصورة في أمر النكسة والاحتجاج على الأحكام ثم أخذت تتسع لتشمل الحريات العامة، وتم إلقاء القبض على بعض أعضاء اللجنة التي شكلها الطلاب فانفجرت المظاهرات واجتمع طلاب المدارس مع طلبة جامعة القاهرة،  حيث خرج طلبة الهندسة من كليتهم وبعض طلاب المدارس القريبة من جامعة القاهرة واتجهوا في مظاهرة كبيرة إلى كوبري الجامعة مطالبين بالإفراج عن الطلبة المعتقلين.

وحينما تولي السادات السلطة في أوائل السبعينات اتسمت مصر بالانفتاح الاقتصادي والتعامل مع الكيان الصهيوني والأمريكي، وكانت هذه السياسة الجديدة بعيدة كل البعد عن طموحات وآمال فرسان الحركة الطلابية المصرية الذين تصدوا للسادات من بداية عهده مطالبين بالثأر وخاصة حين أعلن أن عام 1971 هو عام الحسم  وبعدها أعلن أن عام 1972 هو عام " الضباب " و لهذا لن يستطيع الدخول في معركة مما أشعل نيران الغضب في صدور الطلاب وعمت مظاهراتهم جميع أنحاء مصر حتى بدأ السادات يشعر تجاهها بالقلق خوفا من أن يتضامن بقية طوائف الشعب مع الطلبة, ولذا قرر السادات التعجيل في قرار العبور في السادس من أكتوبر 1973م.

أما عن عصر مبارك فقد أكد أبو الغار أنه نجح بشكل كبير في تحجيم دور الحركات الطلابية عن طريق أمن الدولة والذي انتشر في الجامعات والمدارس بصورة كبيرة إلا أن ذلك لم يمنع جموع الطلبة من جميع جامعات الجمهورية و مدارسها الثانوية والإعدادية وحتى الابتدائية في الخروج يوم 29 سبتمبر عام 2000  للاحتجاج على اقتحام شارون للمسجد الأقصى في اليوم السابق.

وعلقت الدكتورة مي شهاب الدين - الخبيرة التربوية بمركز البحوث التربوية – على خروج بعض المظاهرات الطلابية في بداية العام الدراسي الحالي بأنه يمثل عودة الروح للحياة السياسية داخل المدارس مرة أخرى معتبرة إياه بالأمر الصحي في مرحلة التحول الديمقراطي التي تعيشها مصر في الفترة الحالية، موضحة أن الاتحادات الطلابية في المدارس هي الوسيلة الشرعية لممارسة النشاط الطلابي داخل أسوار المدارس المصرية، وفسرت أن اختيار اتحاد طلاب المدرسة يتم من خلال اختيار أمناء الفصول والأمناء المساعدين ثم أمين وأمين مساعد للمدرسة وذلك عن طريق الاقتراع السري المباشر كانتخابات، ويكون جميع أمناء الفصول والأمناء المساعدين اتحاد طلاب المدرسة.

وكان مئات الطلاب من مدرسة دار حراء بأسيوط قد خرجوا الأسبوع الماضي للمطالبة بالإفراج عن أحمد عبد الكريم أحد الطلاب المحتجزين على ذمة أحداث السفارة الإسرائيلية في 9 سبتمبر الماضي، وهو أحد خريجي المدرسة، كما قام طلاب مدرسة زهرة المدائن بالنزهة الجديدة بالتظاهر تضامنا مع مطالب معلميهم الذين طالبوا بزيادة رواتبهم وبعض المطالب الأخرى المتعلقة بتطوير العملية التعليمية.


التقييم الحالي
بناء على 30 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث