نسخة تجريبيـــــــة
الدعوة عند الصوفية وأثرها في انتشار الإسلام - 1

إذا نظرنا إلى الإسلام ودعوة العالمين إليه لوجدنا أن الشرع الحنيف حث أفراد الأمة على أن يكونوا دعاة لهذا الدين،  قال ابن كثير-رحمه اللّه- في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ}أي دعا عباد الله إليه {وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[فصلت: 33]، أي وهو في نفسه مهتد بما يقول فنفعه لنفسه ولغيره، لازم ومتعدٍّ، وليس هو من الّذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، وينهون عن المنكر ويأتونه، بل يأتمر بالخير ويترك الشرَّ ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى، وهذه عامة في كل من دعا إلى خير وهو في نفسه مهتد، ورسوله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك.

ولما كانت الدعوة إلى الإسلام لا تقوم بها جهة أو هيئة منظمة، بل تعتمد على جهود الأفراد التطوعية، كان للصوفية العبء الأكبر في هذا المجال، حيث كان للطرق الصوفية دور كبير وبارز فـي نشر الإسلام وتعاليمه في العديد من الدول، ولقد تحدث في هذا الأمر الإمام محمد أبو زهرة في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" فقال: الدعاية الصوفية كانت تقوم على أمرين:

أحدهما: القدوة والاختلاط، والأخلاق الإسلامية والتسامح والرفق في المعاملة، والمثل الطيبة الواضحة في المعاملة الحسنة؛ وذلك أن أئمة الصوفية كالقطب عبد القادر الجيلاني، وأبي الحسن الشاذلي، والمرسي أبي العباس، وابن عطاء الله السكندري، كانوا على أخلاق إسلامية طيبة، وكانوا على سماحة تُدْني البعيد، وتثبت القريب، وبهذه الأخلاق التي سرت إلى بعض مريديهم وأتباعهم كانوا يجذبون إلى الإسلام طوائف من غير المسلمين الذين يختلطون بهم، فإن المعاملة الحسنة والاختلاط الذي يكون بعشرة طيبة يجذب النفوس، وتسري به العقائد الفاضلة، فتسري العقيدة العالية إلى ما دونها كما يسري الماء العذب من المكان المرتفع إلى المكان المنحدر.

وقد كان هؤلاء الآحاد من المتصوفة الذين لا يشعبذون بل يتعبدون ويختلطون بأهل إفريقيا الوثنيين، والمجوس والوثنيين في آسيا، فيؤثرون بمعاملتهم، وبسعة صدورهم، وعقولهم أكثر مما يؤثر القول، وقد كانت تقترن بهذه الأخلاق دعوات أحادية أحيانًا.

الثاني من الأمور التي كانت تقوم بها الدعاية الصوفية: مجالس الوعظ التي كان يعقدها الأئمة من الأقطاب، فقد كانت مجالس عامة يحضرها المسلمون، ويحضر فيها غير المسلمين فيتبعون الشيخ في مواعظه، ثم يعلو الاتباع حتى يتبعوه في عقيدة الوحدانية.

ثم تحدث عن الشيخ عبد القادر الجيلاني وكيف كان يحضر مجالس وعظه اليهودي والنصراني والمجوسي والوثني، وما كان  المجلس ينفض إلا على إسلام كثيرين.

ومما يذكر في هذا المجال ما قام به شيخ الإسلام الدكتور عبد الحليم محمود من التزامه بواجب الصوفي إلى جانب واجبه الآخر كشيخ للإسلام؛ مما كان له أثره في أن أعلن على يديه أربعة آلاف ماليزي وعشرة آلاف ياباني، وما لا يحصى من الإندونيسيين الإسلام أثناء زيارته لهذه البلاد سنة 1974م، وقد ذكرت ذلك الصحف في حينه، وتراه مسجلاً في مجلة الأزهر عدد شوال 1397هـــ.

إن الصوفي الذي خرج من كل شيء في الوجود لسيده، حيث عرف أنه وجد في الكون ليكون خليفة عن ربه في كونه قام في كون الله بأمر الله فأصبح لا يخشى في الله لومة لائم، وجاهد في الله حق جهاده ووقف في وجه الظالمين، حيث كلت ألسن الضعفاء عن الجهر بالحق، كما عمل على نشر دين الله غير عابئ بما أعده له أعداؤه.

نعم، لقد استطاع الصوفية أن يحملوا الرسالة الإسلامية ويمشوا بنورها إلى آفاق لم يمتد إليها نفوذ الإسلام، ولم تبلغها دعوته، ففتحها الصوفية وهيمنوا عليها بنجاح ساحق، حتى إن قبائل وشعوبًا في آسيا وإفريقيا أسلمت كلها بفضل إخلاص رجال الطرق الصوفية ودعوتهم.

ويشير إلى هذه الحقيقة أيضًا الدكتور محيي الدين الألوائي في مقال له بعنوان "الدعوة الإسلامية وتطوراتها في شبه القارة الهندية" بمجلة الأزهر ذو القعدة 1397هـ قائلاً: ولم نر في تاريخ الدعوة الإسلامية الطويل في شبه القارة الهندية جماعة أو هيئة رسمية أو غير رسمية أنشئت لغرض الدعوة والتبليغ حسب منهج تبليغي منظم، وكل ما رأيناه في مجال الدعوة هو الجهود الفردية من الدعاة المخلصين من العلماء والوعاظ الصوفية الذين اتخذوا من مجالسهم العلمية إما في منزلهم أو في التكايا أو في المساجد مراكز لبيان محاسن الإسلام، وإبرازها ناصعة واضحة أمام الناس، كما كانوا يقومون برحلات وجولات في سبيل نشر دعوة الحق بطريق الموعظة والإرشاد، وفي جميع الأحوال كانوا قدوة حسنة وحية في حياتهم الخاصة والعامة للتحلي بالأخلاق الفاضلة وحسن المعاملة والإخلاص والوفاء، كما كانوا يهتمون بتربية الناس على الطباع المستقيمة التي يدعو إليها الدين الحنيف.

يتبع              


التقييم الحالي
بناء على 103 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث