نسخة تجريبيـــــــة
أرباب السجاجيد - مدخل عام

كان اصطلاح شيخ السجادة، ينطبق على قادة العنانية والخضرية والوفائية، الذين يرجعون أنفسهم إلى عمر بن الخطاب ، والزبير بن العوام ، وعلي بن أبي طالب على التوالي.

يمكن القول بأن أشهر أرباب السجاجيد هو شيخ السادة البكرية ، وشيخها هو الشيخ البكرى هذا بإطلاق، والذى لا بد أن يكون من سلالة السادة البكرية بطبيعة الحال، والذى كان أول من تولى شيخ مشايخ الطرق الصوفية بمصر وقت إنشائها، وكان للشيخ السادة البكرية دور لا ينكر فى تاريخ مصر المعاصر.

وهذه المجموعات من الأشراف -شأنهم شأن المنحدرين عن سلالة أبي بكر الصديق والمعروفين بالسادة البكرية - قد حولوا أنفسهم من جماعات أسرية عائلية إلى طرق صوفية، وكان مركز ووضع قادة هذه السجاجيد متشابهًا للغاية مع مركز ووضع شيخ السجادة البكرية؛ إذ أصبحت قانونية امتلاكهم للأراضي، تتوقف على اعتراف القاضي، وعلى التسجيل القانوني في سجلات المحكمة، ولقد امتلكوا أيضًا ممتلكات هائلة، ولعبوا دورًا مهمًّا في إدارة شئون الدولة؛ بل وكانت لهم حقوق غير متبلورة في المجالات القضائية والتشريعية، وكان قادة هذه السجاجيد الأربعة يعرفون باسم أرباب السجاجيد، وأيضًا كان سليل عبد الوهاب الشعراني (973: 1565) -والذي كان يشرف على ضريح الشيخ بالقرب من باب الشعرية يعرف باسم شيخ السجادة الشعرانية، كما أن الشيخ الأعلى لجميع الطرق الأحمدية كان يعرف أحيانا باسم شيخ السجادة الأحمدية.

ونجد أن أرباب السجاجيد؛ مثل: رؤساء البكرية والوفائية والعنانية والخضيرية، قد احتفظوا باستقلالهم الذاتي التقليدي؛ وبذلك لم ينجم عن فرمان تنظيم الطرق الصوفية أو الاتفاق مع الأزهر أي تغيير بالنسبة لهم (راجع: الطرق الصوفيةمشيخة الطرق الصوفية)؛ إذ ظلت سجاجيدهم شأنها شأن بعض الطرق التي ظلت ليست لها روابط رسمية مع شيخ السجادة البكرية.

لذلك نجد أن تواجد أرباب السجاجيد ، وتواجد نظائرهم ممن لهم هذه الروابط الرسمية، قد أدى إلى ظهور انقسام في عالم الطرق في مصر؛ فظل هذا الانقسام هو الطابع الرئيسي المميز للبناء الأساسي للطرق في مصر.

وكان وضع الطريقة الوفائية فريدًا من نوعه بين الطرق في مصر حيث لم يرد ذكرها في قائمة الطرق الصوفية 1265 هـ/ 1849 م ، ولا فى قائمة عام 1279 هـ/ 1864 م . وقائد هذه الطريقة التي كان لها طابع تكافؤى منذ أن كانت مجموعة من الناس المنحدرين من سلالة الإمام علي بن أبي طالب أي منذ أن كانت على شكل جماعة عائلية منتظمة على شكل طريقة في نفس الوقت-لم تتخذ إجراءات إخضاعه لسلطة البكري عن طريق فرمان سنة 1812م . فلقد كان شيخ هذه الطريقة -شأنه شأن البكري وليس على غرار أي رئيس طريقة آخر- مستمرًا في الحصول على الشرعية من خلال التعيين بقرار من الخديوي وعندما تطورت وتقدمت إدارة البكري استمر هو في الاحتفاظ باستقلال الذاتي التقليدي. بل ولقد عين بنفسه النواب، والخلفاء التابعين له بدون الرجوع للبكري بأي حال من الأحوال. وبالإضافة إلى كل هذا فإن حق القدم الخاص بهذه الطريقة في مناطق معينة كان معترفًا به.

والمجموعات الأخرى التي كانت تقع خارج نطاق السلطان القضائي للبكري ووفقًا لما جاء في فرمان 1812 وفي الاتفاق مع الأزهر في عام 1847 هي: العنانية والخضرية التي لم تمنحا مركزًا مماثلًا للوفائية.

ولذلك فإن التفسير المقبول لظاهرة التنظيم الاستثنائي على النحو الوارد في حالة الوفائية هو أنه أمكن الحصول عليه والحفاظ عليه بسبب الدور البارز الذي لعبه شيخ السجادة الوفائية في المجتمع المصري وهو دور يتساوى في كثير من جوانبه مع دور البكري.

وكلا صاحبي المقام الرفيع (شيخ السادة البكرية ، وشيخ السادة الوفائية ) كانا أيضًا من بين أعضاء مجالس المشورة التي أنشأها محمد علي في عام 1829 م، ومن بين أعضاء المجلس الخصوصي الذي أنشأه الخديوي عباس في 11 ربيع الثاني 1265 «فبراير 1849» كما كانا من بين أعضاء الهيئات الأخرى الاستشارية والقضائية والنيابية التي أنشأها الحكام المصريون مثل مجالس الأحكام.

وفى قائمة مشايخ الأضرحة التى كانوا يقعون تحت سلطة الشيخ البكرى نجد أن ضمنها مقامى العنانية والخضيرى، فقد ورد فيها ما يلى :

عبد الواحد العناني

مقام السادة العنانية

محمد محمد الخضيرى

مقام الأستاذ سليمان الخضيرى

 

وكان الإشراف على هذه الأضرحة في أيدي رؤساء العنانية والخضيرية ، إلا أن أهمية رئاستهم للطرق الخاصة بهم قد تضاءلت نتيجة للتدهور والهبوط في عضوية هذه الطرق.

أما التدهور الذي أصاب العنانية والخضيرية اللتين فقدتا الأعضاء المنتمين إليهما من خارج القاهرة فقد حدثت بطريقة مختلفة. فرئيسا هاتين الطريقتين كانا من بين أرباب السجاجيد الذين لم يمارس البكري أية سلطة عليهم وفقًا لما جاء بالفرمان. فظلا بعيدين عن سلطته وإدارته حتى بعد أن تم إبرام الاتفاق مع الأزهر فى عام 1847 م، ولكن مع ظهور وتعاظم مبدأ حق القدم ومع تزايد كفاءة سلطة البكري أصبح أعضاء هاتين الطريقتين محرومين من أي فرصة للدخول في طريقة أخرى أو الظهور علنًا بالمناطق الريفية. وبوقوفهم خارج نطاق الجهاز الصوفي لم يتمكنوا من الحصول لأنفسهم على الاعتراف بحق القدم أو حمايته مما أدى بالتالي إلى حرمانهم من القيام بأي دور كأعضاء في الطريقة. فتركوا الطريقة التي ينتمون إليها وانضموا إلى طرق أخرى يعترف رؤساؤها بسلطة البكري وبالتالي أمكنهم المطالبة بحق القدم. ولذلك عندما صدر قرار الخديوي عام 1276 هـ «1859/ 1860» الذي ينص على تعيينهم مشايخ أضرحة ووضعهم في هذا القرار تحت سلطة البكري فإنه لم يتبق سوى عدد ضئيل من الأعضاء النشيطين خارج المراكز الحضرية حيث لا ينطبق حق القدم.

ورغم أن هذه السجاجيد لم تتوقف عن العمل كطريقة صوفية إلا أن قوتها العددية قد تضاءلت كثيرًا حتى أنها لم تعد تعتبر طريقة في نطاق إدارة البكري. إلا أن رؤساء هذه السجاجيد كانوا يعملون في الإشراف على أضرحة تعتبر من أهم الأضرحة بالقاهرة. ولذلك فإنه على الرغم من تدهور الطرق التي يرأسونها إلا أنهم قد استمروا في القيام بدور له أهمية إدارية واحتفالية في نطاق إدارة البكري من حيث هم مشايخ أضرحة.

المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 13-16 ، 35، 73 - 74، 85-86.


التقييم الحالي
بناء على 123 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث