معنى التصوف وأركانه وشروطه
تعبير (التصوف) هو اصطلاح أطلق على:
سلوك الطريق المطهرة للنفس من كدوراتها وأغيارها، المرقية الروح إلى خالقها وباريها، عن طريق اتباع الشريعة وآدابها، على نفس آثار أهلها وأقطابها.
كما أطلق نفس الاصطلاح على شعائر ومظاهر هذا الطريق وعلى أهل هذا الطريق.
وهناك حوالي ألفي تعريف للتصوف ذكرها القوم في كتبهم وآثارهم.
والتصوف ركن من أركان الدين يمثل ثلثه بتعريفه الذي يعبر عنه بأنه هو الإحسان الذي هو شريك الإسلام والإيمان في أركان الدين، وهذا في حديث جبريل الصحيح المعروف الذي رواه الإمام مسلم في أول صحيحه.
ولهذا التصوف شروط وأركان لابد منها لمن يريد أن يسلكه، ومنها:
أركان الطريق:
- صحة نسبة هذا الطريق لأهله من العارفين الكمل الذين تظهر فيهم ملامح القدوة الكاملة من أمثال سيدنا الشيخ عبد القادر الجيلاني وسيدنا الشيخ أحمد البدوي وسيدنا الشيخ أبي الحسن الشاذلي وغيرهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين وعنا بهم آمين.
- الشيخ المرشد: ويجب أن يكون شيخًا عالمًا عارفًا صاحب سلوك وعلم وطريق وفهم عن الله سبحانه وتعالى ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم، دائم الاتصال بحضرة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، دائم الأدب والتعظيم لهما على كل حال، ملتزما بالشريعة وآدابها في نفسه آمرا بها غيره، آخذا هذا الطريق بسند متصل عن مشايخه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والشيخ هو الركن الأهم والأوحد في الطريق والذي عليه المعول عند أهل التمكين، وليحفظ أمر شيخه بالتنفيذ الدقيق والسريع، وإذنه بالتحري والتثبت في تحقيق معناه، وكلامه بالفهم المستقيم وروايته لمن يستحق، وحرمته وأهله وإخوانه وآدابه.
- المريد المسترشد: أن يكون مريدًا بمعنى وجود إرادة قوية فيه لتطهير نفسه وتأهيلها لحضرة الحق سبحانه وتعالى، وأن يكون معتقدا جهله وعجزه وقصوره في نفسه متيقنًا علم شيخه ومعرفته واتصاله وكماله.
- مهام الطريق: من أذكار ووظائف وعبادات وأعمال وأقوال يقوم بها المريد كأسباب، بالإضافة إلى العمل الروحاني الذي يقوم به الشيخ من تطهير باطن المريد وتنويره بأنوار سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعميره بذكر الله عزوجل، وغير ذلك مما يعلمه الشيخ بباطنه.
شروطه:
- الإرادة ودوامها، لأن السالك اسمه مريد فلابد دائمًا أن يتحقق بهذه الصفة.
- الاسترشاد في كل قول وفعل واعتقاد وحركة وسكنة بإرشادات شيخه ليس غيره.
- الصدق وطلبه في كل أمر ظاهري وباطني، وهو الهيكل الأساسي للمريد في سلوكه وطلبه.
- المحبة لله ورسوله ولشيخه في المقام الأول وليكن هذا سنده الأصلي الحقيقي؛ لأن المحبة هي دفة السفينة وكلما زادت محبته كلما زاد اتباعه وأدبه وقربه، وبالعكس، وبهذه المحبة يرقى في المقامات والأحوال، وهذه المحبة هي وقود السلوك.
- الأدب مع الله ورسوله وشيخه ونفسه وإخوانه والمؤمنين والكافرين وكل عباد الله وكل مخلوقات الله عزوجل، وليكن دأبه في ذلك أدب الوقت والموقف، وبهذا الأدب يسلم في المقامات والأحوال من الدخائل التي تدخل عليه.
- صحة الاعتقاد وحسن الظن بالله عزوجل بأنه سبحانه وتعالى لا يرد طالبًا ولا يخيب سائلا، وليكن صحيح الاعتقاد في شيخه ويبتعد قدر الإمكان عن الشطحات والكرامات ونحو هذا مما قد يفتن المريد في بدايته ويعدل به عن السلوك المستقيم.
- توحيد الوجهة: لله عزوجل حيث إنه هو المقصود سبحانه وتعالى، ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث إنه هو الباب الأعظم والأوحد لدخول حضرة الحق سبحانه وتعالى، ولشيخه حيث إنه هو الذي يرشده لتعاليم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وليعلم أن الجهة واحدة متصلة غير منفكة قال الله عزوجل في كتابه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:59].
فمتى اختل شرط أو ذهب ركن بطل سلوكه وتوقف مالم تدركه العناية الربانية سريعًا.
وكثير ممن سلكوا هذا الطريق زلوا فيها لعدم توفر هذه الأركان والشروط؛ فكم وكم من حكايات ومرويات عن السابقين من الزهاد والعباد وأهل المجاهدات والأحوال نجد عليها انتقادات كبيرة لأهل الاعتراض والإنكار أعاذنا الله منهم وأبعدنا عنهم.
وللحديث تفصيل وبقية...