حقوق الإنســـان في الإســـلام
مشروع مرفوع إلى منظمة المؤتمر الإســلامي
1992م
تصدير باستيعاب الدكتور إبراهيم مدكور رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة،
ورئيس إتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية،
وشرح وتعليق الدكتور عدنان الخطيب الأمين العام لمجمع اللغة العربية بدمشق
والأمين العام المساعد لاتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد
المبعوث رحمة للعالمين.
دمشق في 25/8/1992م - الموافق 26 صفر 1413هـ
السيد الدكتور المحترم / عدنان الخطيب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
تسلمت بيد الامتنان هديتك "حقوق الإنسان في الإسلام" وقد قرأته باستيعاب، وامتثالاً لطلبك في تسجيل ملاحظاتي على هذا المشروع أبدأ بقولي: إنه لمن دواعي الأسف الشديد أن يتصدر إبراهيم مدكور التقديم لهذا الموضوع شديد الحساسية، فإنه - وإن كان رئيساً لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، ورئيساً لاتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية - رجل جاهل بالشريعة الإسلامية وبأبسط الآداب الإيمانية، وإليك الدليل على ذلك:
أولاً:
ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني مرات باسمه المجرد دون أن يقرنه برسالته أو بنبوته ولا الصلاة والسلام عليه، شأنه في ذلك شأن المستشرقين الذين لا يؤمنون بالإسلام ولا برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنراه يقول في:
ص25: ومحمد في سيرته مثل حي لنصرة الإنسان . . . إلخ
ص26: وضرب محمد المثل الأول لتحرير الرقيق . . . إلخ
ص28: آخى محمد بين أصحابه . . . إلخ
ص29: كان محمد يستشير أصحابه . . . إلخ
ص29: وينزل محمد عند الفدية . . . إلخ
ص29: ويعرض محمد الأمر على أصحابه . . . إلخ
ص29: ويأبى محمد إلا أن يشترك بنفسه مع المسلمين . . . إلخ
ص29: اختلف المهاجرون والأنصار فيمن يخلف محمداً بعد موته . . . إلخ
هذا الأسلوب لا يوجد في أي كتاب من كتب المسلمين، ولا يصدر عن عالم مسلم مؤمن بالله ورسوله أصلاً، فكان الواجب رد رسالته إليه لتصحيحها قبل نشرها، أو رفضها.
ثانياً:
نراه يقول في معرض الآية القرآنية: ,ولكم في القصاص حياة-يقول "فكل ابن آدم حرام لحمه ودمه" ما هذا الفقه؟! هل هو حديث؟ أم حكمة؟ وهل أحد أحل لحم ابن آدم حتى يحرمه إبراهيم مدكور؟! -
الحديث هو: كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله - راجع ص25.
ثالثاً:
يقول في ص27: إن الحجاب ليس من طقوس الإسلام الدينية، وإنما هو عرف استمسكت به بعض الشعوب التي اعتنقت الإسلام.
هل هذا كلام عالم يعلم شيئاً عن الفقه الإسلامي ومصطلحاته؟ من قال إن في الإسلام طقوساً؟ هذه لفظة تطلق على الديانات النصرانية والبوذية والهندوكية والمجوسية، أما الإسلام فهو شريعة وأحكام، والحجاب أمر تكليفي من الله تعالى، اختلف علماء المسلمين في حده، وليس عرفاً.
رابعاً:
في ص30 تبنى إبراهيم مدكور في موضوع الإمامة رأي الخوارج، وضرب عرضاً برأي جمهور أئمة المسلمين وفقهائهم من أهل السنة والجماعة وترك ما ثبت من الأحاديث النبوية في ذلك.
خامساً:
استخدم إبراهيم مدكور تعبير "إشتراكية الإسلام" وليس في الإسلام إشتراكية ولا رأسمالية إنما هو إسلام حقوق وواجبات وشريعة، فهو استخدم لفظاً لا أساس له في الشريعة الإسلامية بل لفظاً مستحدثاً للنفاق السياسي من بعض العلماء الذين واكبوا الأحداث المعاصرة - راجع ص31.
سادساً:
يقول إبراهيم مدكور في ص34: قيل إن الإسلام أباح الرق وشجع عليه، والأمر على عكس ذلك دون نزاع.
هذا التعبير يفيد أن الرق غير مباح في الإسلام، وهو كلام جاهل بالشريعة الإسلامية، لا يحتاج نقضه أي جهد، والأدلة في القرآن والسنة أوضح لكل عاقل وضوح الشمس في وضح النهار.
سابعا:
لا أدل على جهل إبراهيم مدكور بأبسط أحكام الإسلام من عدم تمييزه بين زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وبين سراريه (ملك يمينه)، وهو ما يعلمه الطالب في المرحلة الإبتدائية، فيقول في ص35 عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "فتزوج مارية القبطية"
هذا الخبث في هذه الفقرة تحت عنوان "التسامح الديني" وما جاء ذكره بجملة "الزواج المختلط في الإسلام" يمكن لأي مغرض أن يفسره بأن للمسلمة أن تتزوج بمن ليس على دينها، فهو على زعمه من حقوق الإنسان، فلا يجوز إطلاق الألفاظ بهذه السهولة لتضليل العباد وهدم الشريعة.
ثامناً:
قول إبراهيم مدكور في ص40: لكل مسلم أهل للبحث والفتوى أن يفسر النصوص الدينية كما يرى.
هذا كلام خطير، بل هناك ضوابط للرأي، وإلا كانت جميع الفتاوى التي تصدر من علماء السوء في كل زمان من شريعة الإسلام، وكم قاست الأمة الإسلامية في الماضي وتقاسي اليوم من فتاوى لا تمت للإسلام، صدرت من علماء سوء تحت ستار الرأي والاجتهاد.
تاسعاً:
في ص42 يقول إبراهيم مدكور: إن الرسول في قضائه مجتهد يقضي بما يرى دون أن ينزل عليه وحي.
هذا كلام جاهل بالشريعة الإسلامية فإن الرسول ليس له أن يجتهد في تشريع الأحكام ولا في القضاء، بل هو مع ما يوحى إليه، فقد قال له تعالى: ,لتحكم بين الناس بما أراك الله-، ولم يقل له بما تراه، فإذا حكم الرسول صلى الله عليه وسلم، أو القاضي من بعده، بما شرع الله تعالى فهو حينئذ لم يحكم برأيه، وإنما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم الاجتهاد للمجتهدين من أمته لأنه لا أحد ينزل عليه وحي بعده، وهذا الاجتهاد من خصائص الأمة المحمدية.
هذا ما يتعلق بمقدمة المشروع التي قدمها إبراهيم مدكور.
أما عن المشروع نفسه فملاحظاتي عليه:
أولاً:
ص49 المادة الأولى الفقرة (ب): لا تمييز بين الناس بسبب اختلاف العرق أو اللغة أو الديار أو الجنس أو العقيدة. ويتكرر ذلك في ص68، 70.
هذا كلام خطر لا يقول به الإسلام، فإن الخالق سبحانه وتعالى الذي خلق الناس قد ميّز بينهم بالعقيدة والجنس، فسمى هذا مؤمناً وذاك كافراً والآخر منافقاً، وبسبب التفريق في العقيدة ترتبت أحكام كثيرة مثل النكاح والشهادة إلى غير ذلك حتى في دفن الموتى.
وبسبب اختلاف الجنس، فبين الذكر والأنثى في الإسلام تمييز في الحقوق والواجبات وحتى في العبادات وهي معلومة، وفي الأحكام مثل الميراث والسفر إلى غير ذلك.
ثانياً:
القول بأن الرق في الإسلام بسبب المعاملة بالمثل كما جاء في ص72 ، ص74، ليس بصحيح فإن الرق تشريع من أعظم الأحكام في الإسلام لحفظ كرامة الإنسان لمن عقل حكمة التشريع، وهو أي الرق، باق ما بقي الجهاد في سبيل الله، ولا يبطل حكمه وإن بطل وجوده بسبب تعطيل أحكام الشريعة، ولذلك فإن القول بأن الإسلام عمل على القضاء على الرق ص72، ليس بصحيح، بل الصحيح أن الإسلام حض على العتق لما في ذلك من الثواب والأجر عند الله تعالى الذي جعل العتق عبادة مستقلة، فلولا وجود الرق باق في الإسلام لبطلت هذه العبادة، فالفرق كبير بين القول بأن الإسلام عمل على القضاء على الرق وبين القول بأن الإسلام حض وحث على العتق.
ثالثاً:
في ص78 ما جاء من تفسير لقوله تعالى: ,لا إكراه في الدين-، يبطل ويلغي فرض الجهاد في سبيل الله على ما جاء في المشروع وشرحه، وأما الآية فهي في حق أهل الذمة عند التزامهم بالعهود والمواثيق، ولذلك فإن التعارض واضح بين ما جاء في ص78 وما جاء في ص79 من قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس . . ." الحديث.
رابعاً:
حكم الارتداد ص80 لم يراع فيه ما عليه جمهور علماء المسلمين المعتمدين.
خامساً:
المادة السادسة: التعارض واضح بين ما جاء في ص83، ص92 وفيه تسييس للإسلام بالإقرار بتعدد الدويلات في الإسلام إلى حين تحقيق الدولة الكبرى، وهذا يخالف التشريع الإسلامي.
سادساً:
في المشورة ص85 رقم 2، 3
إذا كان طلب المشورة واجباً في الإسلام، فإن التقيد بحصيلة المشورة ليس بواجب، فمسؤولية القرار تقع على الأمير وحده لا على المستشار.
سابعاً:
ص88: ما جاء من أن الإسلام يبسط أمر الزواج بإيمان الزوجين بكتاب منزل، وإيمان الزوج خاصة بوحدانية الخالق.
هذا كلام خطير للغاية، موهم، فكم من الطوائف والفرق والديانات تؤمن بوحدانية الخالق حتى في اليهودية والنصرانية، وهذا يؤيد ما سبق أن أشرت إليه في البند السابع عند الرد على إبراهيم مدكور عند تسميته "الزواج المختلط في الإسلام"، وما جاء في هذه المادة يبطل أحكام الكفاءة التي أتت بها الشريعة، فلا يجوز صياغة القوانين بألفاظ موهمة غير واضحة يمكن لأي إنسان أن يؤولها على هواه.
ثامناً:
جاء في ص96 لكل إنسان حق التنازل عن جنسيته إذا ما اكتسب جنسية دولة أخرى.
هذا يقودنا إلى موضوع الولاية والتولي، فالجنسية تولي، فهل يجوز للمسلم - إذا سلمنا في الظروف الحاضرة بتعدد الدول الإسلامية - أن يحمل جنسية إنجليزية أو أمريكية أو ما كانت، ويتخلى عن جنسيته التابعة لدولة مسلمة؟ فيصبح من أولياء دولة كافرة، خاضعاً لقوانينها وأحكامها بمقتضى الجنسية، والله تعالى يقول: ,ومن يتولهم منكم فإنه منهم-، ويقول: ,لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء . . .-الآيات.
تاسعاً:
حقوق التعليم والتربية ص98
ما معنى أن التعليم إلزامي في مراحله الأولى؟! العلم في الإسلام فرضان: فرض عين، وفرض كفاية، وفي تحديد هذا المعنى عند علماء المسلمين غنية عن كل اصطلاح.
عاشراً:
حقوق الكسب - المادة السابعة عشرة ص108
كيف يوفق بين ما جاء في البند (17) أ- أن الآلات والأدوات مشاع بين الناس، وبين القول:ضمن حدود الشريعة؟!
سيدي الدكتور / عدنان
نزولا عند رغبتك قمت بكتابة هذه الرسالة، وكم أتمنى أن أكون مخطئاً فيما ذهبت إليه، والذي لا شك فيه أن الإسلام يبقى عزيزاً سواء عزّ المسلمون بتطبيقه واتباعه، أو ذلوا بهجره وعصيانه، وفي الفقه الإسلامي ثروة تغني عن كل اصطلاح حادث، وحقوق الإنسان في الإسلام مكفولة مصونة، ومن ينظر أحكام الإسلام في الرق وحده يجد حقوقاً للإنسان لم تكفلها أي شريعة أو قانون وضعي قديماً وحديثاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمود محمود الغراب