بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.
تحقيق الفهـرس
لما لم نجد أن الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي قد كتب فهرساً لمؤلفاته لولديه اللذين عاشا من بعده وكانا يحضران مجالسه عند قراءة كتاب الفتوحات المكية، ولا قام واحد منهما بإحصاء ما خلفه الشيخ من كتب قد ورثاها عن أبيهما بعد وفاته، ووجدنا أن هذا الفهرس قد خصَّ به الصدر القونوي ربيب الشيخ، والذي لم يحضر مجلساً واحداً من مجالس الشيخ للفتوحات المكية، رأيت أن أقوم بتحقيق علمي عن هذا الفهرس لمعرفة مدى صحة نسبته إلى الشيخ الأكبر رضي الله عنه،
فأقول:
1- توجد إثنتا عشرة نسخة من هذا الفهرس في المكتبات العالمية، اعتمد عثمان يحيى في تحقيقه على نسخة مكتبة يحيى أفندي رقم 6355، لأن عليها سماعاً واحداً، كان القارئ والسامع الوحيد فيه والكاتب هو الصدر القونوي، ولم يعتمد عثمان يحيى نسخة مكتبة يوسف آغا رقم 5624، مع الزعم بكونها بخط يد الصدر القونوي، وهي واحدة من مجموعة مكتبة الصدر القونوي، وكان هذا من عثمان يحيى الصواب في التحقيق العلمي.
2- يوجد في النسخ الإثنتي عشرة تفاوت في عدد الكتب المذكور في الفهرس، فكان اعتماد عثمان يحيى على نسخة مكتبة يحيى أفندي هو الحل الأمثل، لأن عليها سماعاً ينسب إلى الشيخ الأكبر، أي أنها قرئت عليه وأقرها، ولكن ليس من المعقول أو المقبول أن الصدر القونوي - وهو القارئ والسامع الوحيد لهذا الفهرس - لا يراجع هذا الفهرس على الفهرس الذي كتبه بخط يده حتى يطابق النسختين فلا يكون فيهما أي خلاف، وهذا أول ما يوحي بالشك في عدم صحة هذا الفهرس، وفي نسبته إلى الشيخ الأكبر، وفي صحة كونه كتب بيد الصدر القونوي.
3- ثم إننا نجد أن سبعة وعشرين كتاباً من الكتب الثابتة للشيخ الأكبر لا توجد في هذا الفهرس، في حين يذكر ما يقرب من مائتي كتاب لا تصح ولا تثبت نسبتها إلى الشيخ، ويطلب من القارئ أو الباحث أن يقبل أن الشيخ أقرّ ذلك بسماعه.
4- يوجد خمسة وأربعون كتاباً في الفهرس لا توجد في الإجازة، ويوجد في الإجازة إثنان وأربعون كتاباً زيادة عن العدد الموجود في الفهرس، فيكون المجموع سبعة وثمانون كتاباً، أي أكثر من ثلث الكتب الموجودة في الفهرس، فهل يتصور محقق أن الشيخ الأكبر الذي عاش بعد كتابة الفهرس عام 627 هـ ثمان سنوات، لم يقرأ ولم يراجع هذا الفهرس لتصحيحه أو إضافة بعض ما سقط منه، والفهرس موجود عند ربيبه، قريب منه وفي متناول يده!!! ولقد عاش الصدر القونوي بعد تاريخ كتابة الفهرس خمساً وأربعين سنة، وهو الذي اختصه الشيخ الأكبر بالفهرس، واختصه بسماع بعض كتبه، ألم يقرأ الصدر القونوي خلال هذه السنوات هذا الفهرس مرة واحدة حتى يستدرك هذا النقص، ويستدرك ما سقط من الكتب التي سمعها على الشيخ مثل كتاب القربة وكتاب المعشرات؟!!..
هذا يأباه التحقيق العلمي والمنطق العقلي، فأي فهرس تكون هذه الوثيقة؟! وكيف يصح أن يطلق عليه لفظة "فهرس مؤلفات الشيخ الأكبر"؟!.
5- هل يصح أن يكتب إنسان فهرساً لمؤلفاته، ثم يذكر كتاباً له تحت رقمين مختلفين، مثال ذلك: كتاب "الدرة الفاخرة" هو "كتاب روح القدس"، وهو مذكور تحت الرقمين 44، 52 في الفهرس، وكتاب "ترجمان الأشواق وذخائر الأعلاق" هو كتاب واحد، وهو مذكور تحت الرقمين 184، 176 في الفهرس، وكذا كتاب "عقلة المستوفز" هو كتاب "الإنسان الكامل"، وقد ذكر تحت رقمين مختلفين في الفهرس 19، و172 (راجع عثمان يحيى)، لا يتصور أن نرى ذلك في فهرس من الفهارس.
6- كيف يصح أن يغفل الصدر القونوي وهو القارئ والسامع الوحيد للسماع الثاني على كتاب القربة عام 627هـ نسخة ولي الدين رقم 1759 - عن ذكر هذا الكتاب في الفهرس المكتوب بخط يده والفهرس الذي قرأه وسمعه على الشيخ الأكبر عام 627هـ؟!! وكذا كتاب المعشرات الذي كان هو القارئ وأحد السامعين له عام 630هـ على الشيخ الأكبر، ومع ذلك يكتب في هذا الفهرس كتباً لا تصح نسبتها إلى الشيخ.
7- إن محاولة الأستاذ ميشيل شوديوفيتش - عميد كلية الدراسات العليا في باريس - تبرير هذا الخلل في مقاله المنشور في مجلة الدراسات الإسلامية في باريس رقم 76 عام 1992، بأن الشيخ كتب هذا الفهرس من الذاكرة هو افتراض لا يقوم على أي دليل، فكيف يسقط الشيخ من ذاكرته ستة وعشرين كتاباً له ويكتب أكثر من مائة كتاب لا تصح نسبتها إليه؟! كما أن قوله عن تكرار ذكر الكتاب مرتين في الفهرس، أن الشيخ لا يذكر دائماً مؤلفاته بنفس الاسم، مغالطة لا يجوز أن تصدر من عالم محقق، فهذا مقبول إذا ذكر اسم الكتاب في كتب مختلفة، أو تكرر ذكره في نفس الكتاب الواحد، ولكن لا يصح أبداً أن يحدث هذا في فهرس يعدد الكتب، كما أن اعتذار الأستاذ شوديوفيتش عن اختلاف عدد الكتب المذكورة في الفهرس، أنه لا أحد يقدر أن يجيب على هذه الخلافات الواردة في النسخ المختلفة إلا ابن العربي وحده، منطق يفرغ الجهد العلمي والدراسات العليا من موضوعيتها، ويعطل التحقيق العلمي والمنطق العقلي.
8- وبالنظر في واحد من الكتب المذكورة في هذا الفهرس (والإجازة)، وهو كتاب "المحجة البيضاء في الأحكام الشرعية"، والذي يقال إنه بخط يد الشيخ الأكبر نفسه، وجدت عند تحقيق هذا الكتاب أن الشيخ لم يذكر لنفسه كتاباً بهذا الاسم، كما أنك تجد في الصفحة رقم 124 من هذا الكتاب أن الشيخ رضي الله عنه كتب بخط يده أنه زار قبر أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري مع جماعة من أصحابه، في مقبرة الحجون بمكة، وأنه قرئ عليه صدر رسالته على قبره، ولا يتصور أن ينسب عاقل أو محقق إلى الشيخ الأكبر - شيخ الصوفية والمرجع لأهلها في زمانه - مثل هذا القول، وأنه يكتب مثل هذا بخط يده، وينسب إلى الشيخ أنه يجهل أن أبا القاسم القشيري مدفون في نيسابور لا بمكة، هذا فضلاً عن أن أربع عشرة مسألة تخالف مذهبه الفقهي الثابت في الفتوحات المكية التي كتبها قبل هذا الكتاب، وثبت على تلك الأحكام إلى أن مات رضي الله عنه.
9- كما أن كتاب "فصوص الحكم" مذكور في الفهرس ولا يصح بالتحقيق العلمي نسبته للشيخ، ويوجد فيه أكثر من مائة مسألة مخالفة لما ورد عن الشيخ في كتبه الثابتة الأخرى وخصوصاً كتاب "الفتوحات المكية"، (راجع كتابنا شرح فصوص الحكم).
10- إذا صح رفض كتاب يقال عنه إنه بخط يد الشيخ لما أوضحناه، فكيف يقبل سماع على كتاب مثل "المؤشرات" أو "المعشرات" وهو كتاب لا ذكر له لا في الفهرس ولا في الإجازة.
هذه حقائق أقدمها حتى لا يحتج بأن الكتاب الفلاني عليه سماع للشيخ، أو أن الكتاب الفلاني بخط يد الشيخ، فهذه نماذج من مؤلفات عليها سماع ينسب إلى الشيخ، وأخرى تنسب إلى أنها بخط يده، ولا يصح ذلك أبداً بالتحقيق العلمي.
من هذا التحقيق وهذه الحقائق، لا يصح نسبة هذا الفهرس إلى الشيخ الأكبر، ولا التسليم بأنه مكتوب بخط يد الصدر القونوي، ولا يصح السماع المدون على نسخة يحيى أفندي، بل نقطع بأن هذا الفهرس مزور مدسوس على كل من الشيخ الأكبر والصدر القونوي، ولا حجة لمن اعتمد على ذكر كتاب الفصوص بهذا الفهرس.
الكتب الثابت نسبتها إلى الشيخ الأكبر ولا توجد في الفهرس:
1- كتاب المعرفة الأول
2- كتاب المعرفة بالله
3- تفسير القرآن (3، و4 قد يكونان كتاباً واحداً)
4- التفسير الكبير (3، و4 قد يكونان كتاباً واحداً)
5- كتاب المركز
6- كتاب اليقين
7- كتاب الخلوة المطلقة
8- كتاب معرفة رجال الغنى بالله
9- مختصر الفتوحات المكية
10- كتاب شرح الأسماء الحسنى
11- كتاب مراتب علوم الوهب
12- كتاب العلوم التي تعطيها أنهار الجنة لأصحاب الأذواق
13- كتاب معرفة القطب والإمامين
14- كتاب الفناء في المشاهدة
15- كتاب منزل القربة
16- كتاب الزينبيات
17- كتاب معرفة المدخل إلى الأسماء والكنايات وهو المقصود الأسمى فيما وقع في القرآن من الحقائق والإشارات والكنايات
18- كتاب الأوليات
19- كتاب الإرشاد في خرق الأدب المعتاد
20- كتاب أرض الحقيقة
21- كتاب النشأة
22- كتاب النفس وهو كتاب الزمردة الخضراء
23- كتاب الدرة البيضاء
24- كتاب الجان
25- كتاب مطالع الأنوار
26- كتاب الألف والقاف
27- كتاب الحروف
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
والحمد لله رب العالمين
محمود محمود الغراب