بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.
تحقيق الإجازة
توجد أكثر من إحدى وعشرين نسخة من هذه الإجازة في المكتبات العالمية، منها ما هو باسم الملك العادل أبي بكر بن أيوب، ومنها ما هو باسم ولده شهاب الدين غازي، نقدم مثالاً لخمس عشرة إجازة منها يظهر فيها اسم الشيخ الأكبر والمجاز:
إجازة الملك غازي بن الملك العادل:
1- مكتبة كوبرلو - تركيا - تحت رقم 3/766
2- مكتبة شهيد علي باشا - تركيا - تحت رقم 1196
3- مكتبة شهيد علي باشا - تركيا - تحت رقم 2/2796
4- مكتبة شهيد علي باشا - تركيا - تحت رقم 2717
5- المكتبة الظاهرية - دمشق - تحت رقم 5924
6- المكتبة الظاهرية - دمشق - تحت رقم 4679
7- المكتبة الظاهرية - دمشق - تحت رقم 6824
8- دار الكتب المصرية - القاهرة - تحت رقم 19945 ب
9- دار الكتب المصرية - القاهرة - تحت رقم 365 مصطلح الحديث
10- دار الكتب المصرية - القاهرة - تحت رقم 158 طلعت
11- برلين تحت رقم 743/21 آ
12- برلين تحت رقم 1771
13- دار الكتب الوطنية - تونس - تحت رقم 176
إجازة الملك العادل أبي بكر بن أيوب
14- دار الكتب المصرية - القاهرة - تحت رقم 633 مجاميع طلعت
15- برلين تحت رقم 1723
من الثابت لقاء الشيخ الأكبر مع الملك العادل أبي بكر بن أيوب في ميافارقين (كتاب الفتوحات المكية ج4ص225) ومع أن الشيخ لم يحدد تاريخ هذا اللقاء، ولكن يمكن لنا أن نقدر هذا الاجتماع في عام 608هـ، حيث أن الشيخ كما يظهر من رحلته، كان في حلب عام 606هـ، ثم ببغداد عام 608هـ، ثم في حلب عام 610 هـ، أي أنه كان موجوداً في منطقة ميافارقين، متردداً بين حلب وبغداد بين عامي 606هـ - 610هـ، والملك العادل أبو بكر بن أيوب دخل الفرات، ونزل بحران وسنجار عام 606هـ إلى عام 608هـ، مع فترة قضاها في مصر عام 607هـ، وفي عام 608هـ كان ببلاد الشام، وأعطى ولده الملك المظفر شهاب الدين غازي الرها، ثم عاد إلى دمشق عام 609هـ.
1- من هذا يصح ما ذكره الشيخ عن اجتماعه بالملك العادل أبي بكر، ومع ذلك لا تصح نسبة الإجازة إلى الملك العادل لأنه توفي عام 615هـ والإجازة تاريخها 632هـ.
2- ثم إن الشيخ رضي الله عنه مر بهذه المنطقة بين عام 612هـ وعام 617هـ، وكانت في ملك الملك شهاب الدين غازي بن أبي بكر، ولم يذكر الشيخ أي اجتماع له به، ويحتمل أن يكون الشيخ قد رآه عام 608 هـ عند اجتماعه بالملك العادل، فإن الملك العادل ولـّى ابنه شهاب الدين غازي الرها وسروج عام 608هـ، ولم يملك ميافارقين إلا عام 617هـ، حين أخذ منه أخوه الملك الأشرف موسى الرها وسروج، وأعطاه بدلاً منها أخلاط وميافارقين، وكان الشيخ الأكبر بحلب من عام 617هـ إلى 620هـ، ولم يذكر الشيخ أي اجتماع له بالملك شهاب الدين غازي بن الملك أبي بكر بن أيوب.
3- نجد أن من زوّر هذه الإجازة اختار من الملوك الأيوبية أول ما اختار واحداً ممن اجتمع بهم الشيخ الأكبر، فكتب هذه الإجازة باسم الملك العادل أبي بكر وأولاده، إذ للملك العادل ثمانية عشر ولداً، فتصح الإجازة للملك وأولاده، كما هو ثابت في النسخ المذكورة، وتحوي هذه الإجازة أقل عدد من الكتب، حيث يوجد في نسخة برلين رقم /1723/ مائتان وخمسة وستون كتاباً، ولذلك كانت النسخ التي تحمل اسم الملك العادل تذكر كتباً أقل مما يذكر في النسخ التي تحمل اسم الملك غازي.
4- ظهر للمزور، أو من بعده أن الملك العادل قد توفي عام 615هـ، والإجازة المزعومة يقال إنها تحمل تاريخ 632هـ، كما أن الإجازة تذكر كتباً ألفت بعد موت الملك العادل مثل "فصوص الحكم" التي يقال إنها ألفت عام 627هـ، فاختار كاتب هذه الإجازة الملك شهاب الدين غازي من أولاد الملك العادل، فحولت الإجازة من الأب لابنه غازي دون غيره من أبناء الملك العادل لتشابهٍ بين اسمه واسم الملك غازي بن صلاح الدين الأيوبي الذي اجتمع به الشيخ في حلب وكانت له مكانة عنده، (كتاب الفتوحات المكية ج3ص472) فلا يتفطن القارئ لعدم اجتماع الشيخ بالملك غازي بن الملك العادل.
5- أخذ العدد في الكتب التي تتضمنها إجازة الملك غازي في الزيادة، فنجد نسخة المكتبة الظاهرية رقم /4679/ تحوي 272 كتاباً ثم ازداد العدد في نسخة برلين رقم /743-21 آ/ إلى 290 كتاباً، وهي النسخة التي اعتمدها عثمان يحيى، ثم ازداد هذا العدد إلى 304 كتاباً في نسخة المكتبة الظاهرية رقم /5924/، وهكذا يوجد خلاف كبير في أسماء وعدد الكتب المذكورة في هذه الإجازات جميعها وهذا سبب كاف لرفضها جميعاً.
6- لم يتفطن كاتب هذه الإجازة إلى أن الملك غازي - الذي توفي عام 645هـ - لم يعقب إلا ولدين، هما محمد وعمر، فأبقى الإجازة على ما كانت عليه للملك العادل وأولاده، ولو كان الشيخ قد كتب الإجازة للملك غازي لكتبها لولديه لا لأولاده، فلا يصح أن يقع هذا الخطأ من الشيخ، كما أننا نجد أن محمداً أكبر أولاد الملك غازي كان عمره عند كتابة الإجازة عشرين عاماً، فإنه ولد عام 612هـ، وكان أخوه عمر أصغر منه سناً، فكيف يعقل أن الشيخ يجيزهما في هذه السن في قراءة هذا الكم من الكتب، وفيها ما استعصى فهمه على علماء وعارفي زمانه، ولا يجيز واحداً من ولديه اللذين كانا يحضران معه مجلس قراءة الفتوحات المكية؟! كما لا يجيز أخص تلاميذه ممن لازمه وذكره في كتبه وهو إسماعيل بن سودكين؟!!
7- لا تصح نسبة الإجازة إلى الملك غازي بن صلاح الدين، لأنه مات عام 613هـ، ولا توجد نسخة من الإجازات باسمه في المكتبات العالمية، كما لا تصح نسبة الإجازة إلى الملك العادل أبي بكر بن أيوب لأنه مات عام 615هـ، وتاريخ الإجازة 632هـ، ولا تصح نسبة الإجازة إلى الملك غازي ابن الملك العادل لأن الشيخ لم يذكر أي اجتماع به في كتبه كما أن الإجازة للملك وأولاده، وليس لغازي إلا ولدين، عمر أكبرهما عند تاريخ الإجازة عشرون عاماً.
8- لا يوجد في النسخ التي بين أيدينا إشارة إلى النسخة التي نقلت منها النسخة المخطوطة، حتى يمكن تتبع تسلسل النسخ، والرجوع إلى الأصل إن أمكن، ولذلك نجد اختلافاً في مقدمة النسخ كالآتي، مما يوحي بعدم التزام الأمانة في النسخ مع التصحيف من الناسخ:
الإجازة رقم 1، 3، 6:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين
أقول وأنا محمد بن علي بن العربي الطائي الحاتمي، وهذا خطي.
الإجازة رقم 7:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين
أقول وأنا محمد بن علي بن محمد العربي الطائي الحاتمي، وهذا خطي.
بزيادة ابن محمد
الإجازة رقم 2، 4، 12، 13:
بسم الله الرحمن الرحيم
أقول وأنا محمد بن علي بن العربي الطائي الحاتمي، وهذا لفظي.
بإسقاط الحمد، وكلمة لفظي بدلاً من خطي
الإجازة رقم 15:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
أقول وأنا محمد بن علي بن العربي الطائي الحاتمي، وهذا لفظي.
بإسقاط الحمد، وزيادة "وبه نستعين" وكلمة لفظي بدلاً من خطي
الإجازة رقم 11:
بسم الله الرحمن الرحيم
أقول وأنا محمد بن علي بن العربي الحاتمي، وهذا لفظي.
بإسقاط الحمد، وإسقاط الطائي، وكلمة لفظي بدلاً من خطي
الإجازة رقم 8:
بسم الله الرحمن الرحيم
أقول وأنا محمد بن علي بن عربي الحاتمي، وهذا لفظي.
بإسقاط الحمد، وإسقاط الطائي، وفيها عربي بدلاً من العربي، وكلمة لفظي بدلاً من خطي
الإجازة رقم 14:
بسم الله الرحمن الرحيم
أقول وأنا محمد بن علي العربي الطائي الحاتمي الأندلسي، وهذا لفظي.
بإسقاط الحمد، وكلمة ابن، وزيادة الأندلسي، وكلمة لفظي بدلاً من خطي
الإجازة رقم 5:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين
أقول وأنا محمد بن علي بن عربي الحاتمي، وهذا خطي.
بزيادة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وكلمة عربي بدلاً من العربي، وإسقاط كلمة الطائي
الإجازة رقم 9:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين
أقول وأنا محمد بن علي بن العربي الحاتمي، وهذا لفظي.
بزيادة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وإسقاط كلمة الطائي، وكلمة لفظي بدلاً من خطي.
هذا من الناحية الشكلية، أما من الناحية الموضوعية، فإننا نجد:
9- أن سبعة وعشرين كتاباً من الكتب التي ذكرها الشيخ لنفسه - في الفتوحات المكية وكتبه الأخرى- غير موجودة في هذه الإجازة، كما نجد أن ستة عشر كتاباً من الكتب المنسوبة إلى الشيخ في الفهرس الذي يقال إنه كتب عام 627 هـ، لا توجد أيضاً في هذه الإجازة، فيكون المجموع خمسة وأربعين كتاباً، فكيف تسقط هذه الكتب من الإجازة ويذكر فيها أكثر من مائتي كتاب لا تصح نسبتها إلى الشيخ؟ كما أننا نجد أن كتاب "عقلة المستوفز" وكتاب "الإنسان الكامل" وهما كتاب واحد، قد ذكرا في الإجازة تحت رقمي 19 و183 (راجع عثمان يحيى)، هذا لا يقبله التحقيق العلمي، والدراسة التحليلية تقطع بعدم صحة هذه الإجازة.
10- لا ندري ما هو السبب الذي دعى الأستاذ ميشيل شوديوفيتش - عميد معهد الدراسات العليا بباريس - إلى رفض نسبة الإجازة إلى الملك غازي، مع وجود عدد كبير من النسخ باسمه في المكتبات العالمية، حيث يقول في مجلة الدراسات الإسلامية العدد 76 عام 1992: "إن الملك الذي كتبت له الإجازة على الحقيقة هو الملك موسى بن الملك العادل المتوفى عام 635هـ، لأنه كان بدمشق، وكان يحب العلماء والصالحين" اهـ مع عدم وجود إجازة باسم الملك موسى في المكتبات العالمية، العجب من هذه الحجة التي أتى بها الأستاذ شوديوفيتش، مع ما كان يوصف به الملك غازي صاحب الإجازة، من أنه كان من عقلاء بني أيوب وفضلائهم، وأهل الديانة منهم (البداية والنهاية ج13/186)، وليس في المعاصرة والديانة ما يوجب الإجازة بمثل هذه الكتب، فقد كان الشيخ بحلب من عام 617هـ إلى عام 620هـ مدة حكم الملك غياث الدين محمد بن الملك الظاهر غازي، وكان يوصف بأنه صاحب دين وافر، ملكاً عادلاً رحيماً مشفقاً على رعيته، متودداً إليهم، مائلاً إلى أهل الدين والخير، (مفرج الكروب ج5/116) ومع ذلك لم يكن للشيخ به أي اجتماع، ولم يجزه بقراءة شيء من كتبه، كما أن الشيخ لم يذكر له اجتماعاً بالملك موسى مدة ولايته على دمشق.
11- كيف يفوت الشيخ الأكبر أن ينعي الملك موسى - الذي أجازه وأولاده بقراءة كل كتبه - وقد توفي في حياة الشيخ عام 635هـ، كما نعى أخاه العزيز المتوفى عام 630هـ، إذا صح ذلك النعي كما جاء في الديوان ص238، أليس الملك موسى أولى بالنعي؟!!
12- أما الذي فات الأستاذ شوديوفيتش ويكفي لرد حجته، هو أن الملك موسى لم يعقب، فليس له أولاد ذكور، وأنه خلف بنتاً وحيدة هي الملكة خاتون، ولم يأت لها ذكر في أي إجازة.
13- إن أقدم المخطوطات لهذه الإجازة هي الموجودة في مكتبة الجامع الكبير بتركيا، تحت الرقم 1600 تحمل تاريخ 973هـ، وتاريخ الإجازة المزعومة هو 632هـ، أي أنها نسخت بعد 341 عاماً فكيف يعتمد صحة هذه الإجازة مع عدم وجود أصل يرجع إليه؟!.. رفض مثل هذه الوثيقة أولى عقلاً من إثبات صحتها ومطابقتها لأصل ٍ لا وجود له.
من هذا التحقيق وهذه الحقائق، نجد أن الإجازة مزورة ومدسوسة على الشيخ الأكبر، ولا تصح أن تكون دليلاً على أن للشيخ كتاباً اسمه "فصوص الحكم".
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
والحمد لله رب العالمين
محمود محمود الغراب