نسخة تجريبيـــــــة
تتمة تحقيق الكتب الإسفار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.

 

تحقيق كتاب الإسفار

 

كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار، اسم كتاب من الكتب الثابت نسبتها إلى الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي فقد ورد ذكر اسم هذا الكتاب في الفتوحات المكية ج2ص155، 383، وفي ج3ص37، ولا يعلم تاريخ كتابة الشيخ لهذا الكتاب، فإما أن يكون قد كتبه قبل عام 598 هـ، أي قبل كتابة الفتوحات المكية، أو كتبه في زمان كتابته الفتوحات المكية، وحينئذ يجب أن لا يوجد في الكتاب ما يعارض ما جاء في الفتوحات المكية.

والإسفار عن نتائج الأسفار هو من علوم منزل محمد صلى الله عليه وسلم مع بعض العالم، وهو من الحضرة الموسوية، كما ورد في الفتوحات المكية الجزء الثالث ص146، وأقدم نسخة خطية لهذا الكتاب توجد في مكتبةprülü öKتحت رقم 713/2 تاريخها 633هـ، أي قبل وفاة الشيخ بخمس سنوات، وأما نسخة يني في مكتبة يوسف آغا ذات رقم 4859 فعليها سماع لا تاريخ له، ويقال إنها تشكل جزءاً من مكتبة الصدر القونوي.

 

ولما لم توجد نسخة بخط يد المؤلف رضي الله عنه، وثابت إدخال كثير من التزوير والتحريف فيما هو ثابت من كتب الشيخ المخطوطة، رأينا عدم الاعتماد على تاريخ كتابة أية مخطوطة تنسب إلى الشيخ الأكبر، ولا تدوين سماع عليها إلا بعد مقارنة نصوص الكتاب بما جاء في كتاب يعتبر أساساً لعلوم الشيخ الأكبر، وثابت وجود نسخة بخط يده، وهذا الأساس هو كتاب الفتوحات المكية، الذي بدأ الشيخ بتأليفه عام 598هـ واستمر في كتابته حتى عام 636هـ، وعليه سبعة وخمسون سماعاً للشيخ. فأي كتاب ينسب إلى الشيخ الأكبر يوافق ما جاء فيه ما جاء في الفتوحات المكية، أو لا يتعارض مع ما جاء فيها وفي الكتب الأخرى الثابتة نسبتها إلى الشيخ كان مقبولاً نسبته إلى الشيخ رضي الله عنه، وما جاء في مخطوطة يتعارض تعارضاَ كلياً مع ما جاء في هذه الكتب، ولا يمكن الجمع بين النصـّين بوجه من الوجوه، رفضت المخطوطة وردت نسبتها إلى الشيخ، ولو كانت من الكتب الثابتة نسبتها إلى الشيخ مهما كان عليها من سماع أو سماعات، فإن كل ذلك قابل للتزوير والتحريف.

 

من هذا المنطلق نبدأ في تحقيق كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار:

 

 

v          جاء في الصفحة الأولى من هذا الكتاب ما هذا نصه:

الحمد لله الكائن في العماء . . . إلى أن قال: وأنزل القرآن في ليلة القدر وهي الليلة المباركة إلى السماء الدنيا جملة، بسوره وآياته أهـ. يؤكد ذلك بما جاء في الصفحة 15 في سفر القرآن العزيز حيث يقول: قال الله عزّ وجلّ: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" السورة بكمالها، وهو قوله "إنا أنزلناه في ليلة مباركة"، هذا إنزال إنذار. قوله "إنا أنزلناه" يعنى القرآن العزيز في ليلة القدر، قال أهل التفسير نقلاً نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم نزل منها على قلب محمد صلى الله عليه وسلم نجوماً، وهذا سفر لا يزال أبداً مادام متلواً بالألسنة، سراً وعلانية، وليلة القدر الباقية على الحقيقة في حق العبد، هي نفسه إذا صفت وزكت، ولهذا قال "فيها يفرق كل أمر حكيم". أهـ.

·   قوله هنا: قال أهل التفسير نقلاً، يتعارض كلياً مع مذهب الشيخ، حيث يقول: لسنا ممن يحكي أقوال الحكماء في أمر ولا أقوال غيرهم، فلسنا من أهل التقليد بحمد الله، بل الأمر كما آمنا به من عند ربنا شهدناه عياناً، وإنما نورد في كتابنا (يعني الفتوحات المكية) وجميع كتبنا ما يعطيه الكشف ويمليه الحق، بالإخبار الإلهي المنفوث في الروع من الوجه الخاص (ف.ج2ص432، ج3ص352). للزيادة يراجع كتابنا ترجمة حياة الشيخ ص185– طريقة الشيخ في التأليف.

أما قوله إن ليلة القدر هي الليلة المباركة، فهو يتعارض مع ما نص عليه حيث يقول عن الليلة المباركة: اعلم أن الله أنزل الكتاب فرقاناً في ليلة القدر ليلة النصف من شعبان، وأنزله قرآناً في شهر رمضان، كل ذلك إلى السماء الدنيا، ومن هناك نزل في ثلاث وعشرين سنة فرقاناً نجوماً ذا آيات وسور، لتعلم المنازل وتتبين المراتب، فمن نزوله إلى الأرض في شعبان يتلى فرقاناً، ومن نزوله في شهر رمضان يتلى قرآناً، والليلة المباركة هي ليلة القدر الموافقة ليلة النصف من شعبان المخصوصة بالآجال. (ف.ج1ص64 - ج3ص94 – ج2ص419).

هنا ينص الشيخ على أن ليلة القدر وافقت  ليلة النصف من شعبان عند إنزال القرآن إلى السماء الدنيا، وليس كما جاء في هذا الكتاب أن ليلة القدر هي الليلة المباركة، فإن مذهب الشيخ أن ليلة القدر تدور في السنة كلها حيث يقول:

اختلف الناس في ليلة القدر أعني في زمانها، فهي عندنا تدور في السنة كلها، وقد جعلها الله دائرة متنقلة في الشهور وفي أيام الأسبوع حتى يأخذ كل شهر من الشهور قسطه منها، وكذلك كل يوم من أيام الأسبوع (ف.ج1ص658)، وكانت الليلة المنزل فيها القرآن هي ليلة القدر موافقة ليلة النصف من شعبان، فإنها ليلة تدور في السنة كلها (ف.ج1ص159).

فهذه النصوص تعارض كلياً ما نسب إلى الشيخ من أنه يقول إن ليلة القدر هي الليلة المباركة.

v  أما ما جاء في كتاب الإسفار من أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا ثم نزل منها على قلب محمد صلى الله عليه وسلم نجوماً، فهو يتعارض مع ما نص عليه الشيخ حيث يقول: الوحي وحيان، وحي قرآن ووحي فرقان، ووحي القرآن هو الأول، فإن القرآن حصل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مجملاً غير مفصل الآيات والسور، فلما أوحى الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم كان يعجل بالقرآن حين كان ينزل عليه جبريل عليه السلام بالفرقان قبل أن يقضى إليه وحيه، ليـُعلِمَ بالحال أن الله تولى تعليمه من الوجه الخاص الذي لا يشعر به الملك، وجعل الله الملك النازل بالوحي صورة حجابية، فقيل له "لا تعجل بالقرآن" الذي عندك فتلقيه مجملاً فلا يفهم عنك "من قبل أن يقضى إليك وحيه" فرقاناً مفصلاً (ف.ج1ص83 – ج4ص400)

·        أين هذا المعنى مما جاء في كتاب الإسفار الصفحة 16:

وما كون النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه جبريل بالقرآن بادر بقراءته قبل أن يقضى إليه وحيه، وذلك لقوة كشفه، فإنه كان يكشف على ما جاء به جبريل عليه السلام فيتلوه ويعجل به لسانه قبل أن يقضى إليه وحيه، كما يكشف المكاشف عندما يخطر لك في قلبك ويتكلم على خاطرك!!.

·   أما ما جاء في الصفحة 16 من كتاب الإسفار عن نزول القرآن على قلوب بعض العباد، بقوله: إنما قلنا نزل إلى قلبك دفعة واحدة فلسنا نعني أنك حفظته ووعيته . . . وإنما أعني أنه عندك ولا تعلم، . . . ثم إنه ينزل عليك نجوماً منك، بكشف غطاءك عنك، وقد رأيت ذلك من نفسي في بدء أمري. أهـ.

ويأتي على ذلك بشاهد أن أبا يزيد البسطامي ما مات حتى استظهر القرآن من غير تلقين ملقن معتاد.

·        فلننظر ما قاله الشيخ وثبت عنه في نزول القرآن على القلب واستظهاره، يقول:

إن القرآن إذا نزل على قلب عبد وظهر فيه حكمه واستوى عليه بجميع ما هو عليه مطلقاً، كان خـُلـُقاً لهذا القلب، فما من آية في القرآن إلا ولها حكم في قلب هذا العبد، لأن القرآن لهذا نزل، ليـَحكم لا ليـُحكم عليه (ف.ج3ص128).

ويقول في الفتوحات ج3ص414: إن أبا يزيد كان يقرآ القرآن منزلاً عليه، يجد لذة الإنزال ذوقاً على قلبه عند قراءته، فإن للقرآن عند قراءة كل قارئ في نفسه أو بلسانه تنزلاً إلهياً لا بد منه، فهو محدث التنزل والإتيان، عند قراءة كل قارئ، أي قارئ كان، غير أن الوارث بالحال يحس بالإنزال ويلتذ به إلتذاذاً خاصاً لا يجده إلا أمثاله، فذلك صاحب ميراث الحال، وهو الذي قال فيه أبو يزيد: لم أمت حتى استظهرت القرآن، وهو وجود لذة الإنزال من الغيب على القلوب . . .، فلا يقرأ القرآن من قلبه إلا صاحب التنزل، وهو الذوق الميراثي، فمن وجد ذلك فهو صاحبه، يعرف ذلك عند وجوده إياه، فلا يحتاج فيه إلى معرف، فإنه يفرق عند ذلك بين قراءته من خياله وبين قراءته عند تنزيل ربه مشاهدة ً.

·        ويقول في الفتوحات ج3ص94: من أدرجت النبوة بين جنبيه وجاءه القرآن فاستقر في صدره عن ظهر غيب، أعطي الرؤية من خلفه كما أعطيها من أمامه، إذ كان القرآن لا ينزل إلا مواجهة، فهو للنبي صلى الله عليه وسلم من وجهين: وجه معتاد ووجه غير معتاد، وهو للوارث من وجه غير معتاد، فسمي ظهراً بحكم الأصل، وهو وجه بحكم الفرع، ولما ذقنا ذلك لم نر لأنفسنا تمييز جهة من غيرها، وجاءنا بغتة فما عرفنا الأمر كيف هو إلا بعد ذلك. فمن وقف مع القرآن من حيث هو قرآن كان ذا عين واحدة أحدية الجمع ومن وقف معه من حيث ما هو مجموع كان في حقه فرقاناً، فشاهد الظهر والبطن والحد والمطلع، فقال: لكل آية ظهر وبطن وحد ومطلع، وذلك الآخر لا يقول بهذا، والذوق مختلف. ولما ذقنا هذا الأمر الآخر كان التنزل فرقانياً فقلنا: هذا حلال وهذا حرام وهذا مباح وتنوعت المشارب، واختلفت المذاهب وتميزت المراتب وظهرت الأسماء الإلهية والآثار الكونية. أهـ، راجع أيضاً ج2ص486.

ويقول في الفتوحات ج2ص194: وقد نزل علينا من القرآن ذوقاً، عرفنا من ذلك صورة نزوله على نبيه صلى الله عليه وسلم، فوجدنا له ما لم نجد لحفظ حروفه ولا لتدبر معانيه.

·   أين ما جاء في هذه النصوص ومن ذوق الشيخ في نزول القرآن، والفرق بينه وبين ذوق نزوله فرقاناً، مما جاء في كتاب الإسفار، من أن نزول القرآن على العبد هو أن يكون عنده وهو لا يعلم، وأن الشيخ رأى ذلك من نفسه؟! وكيف لا يعلم من نزل عليه القرآن قرآناً (وهو المقصود بدفعة واحدة) وهو يجد في نفسه أنه عين واحدة، وأنه يرى من خلفه كما يرى من أمامه؟!!.

أما ما جاء في كتاب الإسفار فهو لبس بين نزول القرآن على قلب العبد من الظهر، وبين كون جميع العلوم باطنة في الإنسان، بل في العالم كله، وهو لا يعلم ما فيه حتى يكشف له مع الآنات، ولايصح فيه الكشف دفعة واحدة!!. راجع ف.ج2ص686، وكتابنا: ترجمة حياة الشيخ.

 

v    جاء في ص11 من هذا الكتاب في: سفر الخلق والأمر، وهو سفر الإبداع، ما هذا نصه:

جاء بكلمة "ثم" بعد خلق الأرض، تؤذن غالباً بأن الثاني بعد الأول بمهلة، وهو زمان خلق الأرض وتقدير أقواتها في أربعة أيام من أيام الشأن، يومان لشأنها في عينها وذاتها، ويوم لظهورها وشهادتها، ويوم لبطونها وغيبتها. أهـ.

·   هذا النص يفيد بأن خلق الأرض وتقدير أقواتها كان في أربعة أيام من أيام الشأن التي تقيد بالزمان الذي يحد وينقسم، واستدل على ذلك بكلمة "ثم"، "ثم استوى إلى السماء"، وهذا يعارض ويخالف ما نص عليه الشيخ في تعريفه يوم الشأن حيث يقول: "كل يوم هو في شأن" اليوم هنا قدر المتنفس في الزمان الفرد، فإن الأيام كثيرة، ومنها كبير وصغير، وأصغر الأيام الزمن الفرد الذي لا يقبل القسمة، وعليه يخرج قوله تعالى: "كل يوم هو في شأن" فسمى الزمان الفرد يوماً لأن الشأن يحدث فيه، فهو أصغر الأزمان وأدقها . . . فاليوم في هذه الآية هو الزمن الفرد في كل شيء، الذي لا ينقسم (ف.ج2ص171، 431، 206، 384، 520 – ج4ص425).

·        يؤكد هذا المعنى ما جاء في كتاب أيام الشأن صفحة2، وهو كتاب ثابتة نسبته إلى الشيخ حيث يقول فيه:

أما بعد، فهذا كتاب سميته كتاب "أيام الشأن"، وهو ما يحدث في أصغر يوم في العالم من الآثار الإلهية والانفعالات، من تركيب وتحليل وتصعيد وتنزيل وإيجاد وشهادة، وكنى عزّ وجلّ عن هذا اليوم الصغير باليوم المعروف في العامة، فوسع في العبارة من أجل فهم المخاطبين، فقال تعالى "يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن".

·   أما عن خلق الأرض فيقول الشيخ في كتابه عقلة المستوفز، الثابت نسبته إلى الشيخ الأكبر في ص73: "وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام" يقول أي في أربعة آلاف سنة، كل يوم من الأيام ألف سنة عنده، ويقول في كتاب الأزل ص2، وهو كتاب ثابت للشيخ، عن خلق السماوات والأرض في ستة أيام، يقول: قال بعض المفسرين إن السماوات والأرض وما بينهما خلقها الله في ستة أيام مقدرة لا موجودة، على تقدير لو كانت ثمّ أيام كان هذا المقدار وهذا كله خطأ، فإن السماوات والأرض وما بينهما إنما خلقهم الله في هذه الستة الأيام الموجودة المعلومة عندنا، وأنها كانت موجودة قبل خلق السماء والأرض، فإن السماوات السبع والأرضين ليست الأيام لها، وإنما الأيام لفلك النجوم الثوابت، وقد كان قبل السماوات دائراً، فاليوم دورته، غير أن النهار والليل أمر آخرمعلوم في اليوم، لا نفس اليوم، فحدث النهار والليل بحدوث السماوات والأرض لا الأيام. أهـ.

يؤكد ذلك ما جاء في كتاب الشأن صفحة 6 وهو كتاب ثابت للشيخ الأكبر: قال تعالى "ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب" مع قدرته على خلقه إياها دفعة واحدة من غير تدريج . . . واليوم عندنا عبارة عن دورة واحدة من دورات فلك الكواكب الثابتة الذي السماوات والأرض في جوفه وتحت حيطته.

·   هذا هو الثابت في ثلاثة كتب للشيخ رضي الله تعالى عنه، تخالف ما جاء في كتاب الإسفار، من أن الأربعة أيام كانت من أيام الشأن، بل هي من أيام فلك الكواكب الثابتة.

 

 

v    وفي ص 28، ص 33:

جاء في ص 28 عند ذكر مخالفة آدم عليه السلام (ربما وقعت بتأويل منه)، وجاء في ص 33 في سفر النجاة وهو سفر نوح عليه السلام: لم تكن آيته (نوح صلى الله عليه وسلم) في القرآن ولا في الطوفان، فإنه ربما أدرك علم ذلك بعض أصحابه من العلماء فشورك فيه، فجعل آيته التنور، ولو قال بالقرآن لكان علماً لا علامة ولا آية، ولهذا سخر به قومه، وربما سخر به أصحاب علم التعاليم من أهل عصره، حتى كان من أمره ما كان. أهـ.

قوله هنا: "ربما"، "ربما"، يخالف ما نص عليه من طريقته في التأليف والكتابة التي سبق أن أشرنا إليها.

راجع طريقة الشيخ في التأليف . . كتابنا "ترجمة حياة الشيخ" ص185.

 

v  ص 25: ما جاء في كتاب الإسفار: والمرأة أنسى من الرجل ولهذا قامت المرأتان في الشهادة مقام الرجل الواحد، لأن الله تعالى يقول: "فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" وذلك لأن المرأة شق من الرجل، فامرأتان شقان، وشقان نشأة كاملة، فامرأتان رجل واحد، فهي ناقصة الخلق معوجة في النشء لأنها ضلع. أهـ.

·        هذا يخالف تماماً ما ذكره الشيخ في الجزء الثالث من الفتوحات المكية ص 89 حيث يقول رضي الله تعالى عنه:

قال صلى الله عليه وسلم نسي آدم فنسيت ذريته، فنسيان بني آدم ذرية عن نسيان آدم، . . . على أن الحق ما وصف إحدى المرأتين إلا بالحيرة فيما شهدت فيه "أن تضل إحداهما" ما وصفها بالنسيان، والحيرة نصف النسيان لا كله، ونسب النسيان على الكمال للرجل فقال "فنسي ولم نجد له عزماً"، فقد يمكن أن ينسى الرجل الشهادة رأساً ولا يتذكرها، ولا يمكن أن تنسى إحدى المرأتين وهي المذكرة، لا على التعيين، فتذكر التي ضلت عما شهدت فيه، فإن خبر الله صدق بلا شك، وهو قد أخبر في هذه الآية أن إحداهما تذكر الأخرى، فلا بد أن تكون الواحدة لا تضل عن الشهادة ولا تنسى، . . . جبراً لقلب المرأة الذي يكسره من لا علم له من الرجال بالأمر، . . .، ومن لحوق النساء بالرجال، بل تقوم المرأة في بعض المواطن مقام رجلين، إذ لا يقطع الحاكم بالحكم إلا بشهادة رجلين، فقامت المرأة في بعض المواطن مقامهما، وهو قبول الحاكم قولها في حيض العدة، وقبول الزوج قولها في أن هذا ولده مع الاحتمال المتطرق إلى ذلك، وقبول قولها أنها حائض، فقد تنزلت ها هنا منزلة شاهدين عدلين، كما تنزل الرجل في شهادة الدين منزلة امرأتين، فتداخلا في الحكم. أهـ. أين هذا المعنى مما جاء في كتاب الإسفار؟!!.

v    وفي الصفحة نفسها يقول عن آدم وحواء: "تناولا من الشجرة المنهي عنها" يخالف ما جاء به الشيخ الأكبر في التحقيق بأن آدم أخذ بالتأويل وهو عدم القرب، ولم يكن النهي عن الأكل، الفتوحات ج3ص381، ج2ص565.

 

v    ص38: جاء في سفر الهداية وهو سفر إبراهيم الخليل عليه السلام ما هذا نصه:

لو عبر الخليل عليه السلام من ابنه إلى الكبش لرأى الفداء قبل حصوله، وكان يمتثل الأمر فارغ القلب لمعرفته بالمآل، ولكن ظلمة الطلب، والسؤال من ربه غير ربه منعه من العبور، لأن الظلمة يتعذر العبور فيها، لأنه لا يدري أين يضع قدمه . . . وكان الفداء بالحمل . . . فكان بدلاً من جسده لا من روحه لاشتراكهما في النسبة، فإن الذبح لا يقع إلا في الجسم، والهدم والخراب لا يقع إلا في البيوت. أهـ.

·   هذا يخالف ويناقض ما نص عليه الشيخ من عدم الكلام عن ذوق الأنبياء كما جاء في ف.ج2ص24: "وما توقفنا عن الكلام في مقام الرسول والنبي صاحب الشرع إلا أن شرط أهل الطريق فيما يخبرون عنه من المقامات والأحوال أن يكون عن ذوق، ولا ذوق لنا ولا لغيرنا ولا لمن ليس بنبي صاحب شريعة في نبوة التشريع ولا في الرسالة، فكيف نتكلم في مقام لم نصل إليه، وعلى حال لم نذقه لا أنا ولا غيري ممن ليس بنبي ذي شريعة من الله ولا رسول، حرام علينا الكلام فيه، فما نتكلم إلا فيما لنا فيه ذوق"، وراجع نفس المعنى في ج2ص51، 84، 85 – ج4ص38، 75، 686 - راجع كتابنا: الرد على ابن تيمية – كلام الشيخ عن علوم الأنبياء وأذواقهم ص25.

وهل يعقل أن من يقول ما جاء في هذه الصفحات المشار إليها يقول ما جاء عن إبراهيم عليه السلام؟!.

ويناقض ما جاء عن الشيخ في الفتوحات الجزء الرابع ص240 حيث يقول:

اعلم أن رؤيا الأنبياء وحي . . . قال إبراهيم لابنه وقد رأى أنه يذبح ابنه، فأخذ بالظاهر على أن الأمر كما رآه، وما كان إلا الكبش، وهو الذبح العظيم ظهر في صورة ابنه، فرأى أنه يذبح ابنه، فذبح الكبش، فهو تأويل رؤياه.

يؤكد ذلك ما جاء في كتاب النجاة في رفع حجب الاشتباه، حيث يقول: الأنبياء يعطون العلم في نفس الرؤيا فيستغنون عن التأويل لوجود النص في الخطاب البرزخي، ولذلك لم يحتج إبراهيم إلى تأويل، بل قال "إني أرى في المنام أني أذبحك".

وأما ما جاء في هذا السفر من أن الذبح كان بدلاً من جسده فإنه يخالف ما نص عليه الشيخ في الفتوحات الجزء الأول ص564 حيث يقول: "وفديناه بذبح عظيم" وهو الكبش، فجعل الله الكبش قيمة روح نبي مكرم وعظـّمـّه وجعله فداء ولد إبراهيم، نبي ابن نبي. أ هـ.

 

v    وجاء في ص59 من كتاب الإسفار:

والله يقول في حق من قال (نفقاً في الأرض)، وهذا ليس من قول أحد بل هو قول الحق تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم (سورة الأنعام آية 35).

 

v    أما فصل الخطاب في هذا التحقيق فهو ما جاء في ص47 من كتاب الإسفار حيث جاء:

ولذلك قال: 

إذا ما تجلى لي فكلي نواظر           وإن هو ناداني فكلي مسامع

·   هذا البيت لم يرد ذكره في أي من كتب الشيخ الأخرى الثابتة، ولا استشهد به الشيخ عند تكلمه عن الحب والمحبة ولوازمها في الفتوحات المكية، وورد هذا البيت في كتاب التجليات ص34 وهو كتاب لم يذكره الشيخ، ويثبت بالتحقيق العلمي أن فيه أقوالاً مدسوسة على الشيخ كما سنورده في تحقيق ذلك الكتاب، وجاء هذا البيت في تجلي التوحيد بالنص التالي:

لا كمن قال:

إذا ما تجلى لي فكلي نواظر           وإن هو ناجاني فكلي مسامع

فلم ينسب الشيخ هذا البيت إلى نفسه بل نسبه إلى شعر سابق ولم يذكر الشيخ صاحبه، ولا يعلم أحد في محفوظاته صاحب هذا البيت. وقد يظن البعض أن هذا البيت للعارف عمر بن الفارض من قصيدته العينية التي مطلعها:

أبرق بدا من جانب الغور لامع                 أم ارتفعت عن وجه ليلى البراقع

وذلك أن ابن الفارض كان معاصراً للشيخ حيث أن ابن الفارض ولد عام 576هـ وتوفي عام 632هـ أي قبل وفاة الشيخ الأكبر بست سنوات، ولكن هذا البيت ليس من قصيدة ابن الفارض العينية.

وإذا كان كتاب الإسفار قد ألف قبل عام 589هـ فلا يعقل أن ابن الفارض قد قرض الشعر وهو ابن اثني عشر عاماً، لكن هذا البيت هو بيت مصحف من بيت ورد في عينية الشيخ علي سبط ابن الفارض، ومطلع قصيدته هو نفس مطلع قصيدة جده ابن الفارض، والبيت هو الثاني والثلاثون من القصيدة البالغ عدد أبياتها ستون بيتاً، وهو:

إذا ما بدت ليلى فكلي أعين            وإن هي ناجتني فكلي مسامع

وقد كتب الشيخ علي قصيدته العينية في شهر ربيع الأول عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة، أي بعد وفاة جده بمائة عام، وبعد وفاة الشيخ الأكبر بخمسة وتسعين عاماً، فإذا لم يصح وجود هذا البيت في محفوظات الشعراء قبل سبط ابن الفارض أو في مدونات سابقة فلا شك أن البيت الوارد في كتاب الإسفار وكتاب التجليات مصحف عن بيت سبط ابن الفارض، ويدل على أن من كتب كتاب الإسفار وحرّف نصه كما أوضحناه قد وضع هذا البيت في كتاب الإسفار وزوّر تاريخ النسخ وتاريخ السماع، ويكون هو نفس الشخص الذي زوّر كتاب التجليات ونسبه إلى الشيخ الأكبر.

 

v  كل ما أوردناه من تعارض بين ما جاء في كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار وبين الثابت عن الشيخ في الفتوحات المكية وكتبه الأخرى، يؤكد لنا أن النسخة المطبوعة، والنسخ المخطوطة ليست هي النسخة الأصلية التي كتبها الشيخ وأنه قد دخلها التحريف والتزوير، وخصوصاً إذا ثبت أن بيت الشعر الذي أوردناه لا يوجد في كتب أو محفوظات الشعراء قبل الشيخ الأكبر.

 

والحمد لله رب العالمين

 

محمود محمود الغراب

ص.ب /333/

دمشق - سوريا


التقييم الحالي
بناء على 28 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث