نسخة تجريبيـــــــة
بناء القصيدة في ترجمان الأشواق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد

المبعوث رحمة للعالمين.

 

التعليق على رسالة ماجستير للباحثة أنوار مصطفى أحمد عبد الفضيل بدرجة الامتياز

 

"بناء القصيدة في ترجمان الأشواق لابن عربي"

(والصحيح ابن العربي)

 

جامعة القاهرة- كلية الآداب - قسم اللغة العربية - الشهر الثامن 2009 م

بإشراف الدكتور

أحمد عبد العزيز والدكتور سليمان العطار

وإجازة المشرفين مع كل من

الدكتور سامي سليمان أحمد والدكتور طاهر أحمد مكي

 

نقول وبالله التوفيق:

          اعتمدت الباحثة على نسختين من ترجمان الأشواق الأولى تحقيق محمد علم الدين طبعة 1995م والثانية تحقيق عبد الرحمن المصطاوي طبعة 2005م.

يوجد من كتاب "الترجمان" ست وثلاثون نسخة خطية في مكتبات العالم، منها نسخة في دار الكتب المصرية تحت رقم 633 تصوف، وأقدم نسخة خطية تحمل تاريخ 835هـ، وأحدث نسخة خطية تحمل تاريخ 1298هـ، وأول طبعة في بيروت عام 1312هـ، ولا يعلم على أي نسخة خطية ضبطت النسخة المطبوعة.

          ولما كان هذا الديوان بدأ بكتابته بمكة حوالي عام 598هـ واستمر فيه حتى حوالي عام 611هـ، وأن ذخائر الأعلاق الذي هو شرح "ترجمان الأشواق" كتب بعد عام 611هـ، وقد تجاوز الشيخ الخمسين من عمره، وما وصلنا الديوان إلا مع  شرحه وهي النسخ التي أشرنا إليها في المكتبات العالمية،  بينما أقدم نسخة خطية موجودة كتبت عام 835هـ أي بعد حوالي 225 عاماً، ومع فقد النسخة الخطية الأصلية، كان على الباحثة أن ترجع إلى النسخ القديمة والحديثة الصحيحة مثل أول طبعة عام 1312هـ - 1894م، وطبعة 1968م.

          اتخذت الباحثة منهجاً في دراستها لهذا الديوان وفق منهج مدرسة لم تأخذ ولم تصدق صاحب الديوان في ما قصده بشعره، وهذا يخالف عقلا ً ونقلا ً الأصول في اعتماد شرح صاحب الشعر لشعره، وعدم الذهاب إلى معنى يخالف ما يقصده القائل - أياً كان القائل - بعد بيان قصده في الشرح، والذي ذهبت إليه الباحثة جائز في أي شعر لم يبيـّن الشاعر قصده به، فلكل قارئ أن يذهب إلى ما يفهم منه، وأضربت عما نبه إليه ابن العربي في مقدمة ديوانه من قوله: "والله يعصم قارئ هذا الديوان من سبق خاطره إلى ما لا يليق بالنفوس الأبية والهمم العلية المتعلقة بالأمور السماوية آمين بعزة من لا رب غيره"، ولذا أثبت سبب شرحه للديوان أنه أنكر عليه في زمانه من بعض الفقهاء بمدينة حلب أنه عاشق للنظام بنت الشيخ مكين الدين أبي شجاع زاهر بن رستم الأصفهاني، الذي قرأ عليه كتاب أبي عيسى الترمذي في الحديث، لأنه يتستر لكونه منسوباً إلى الصلاح والدين، فلما شرحه ابن العربي وسمعه المنكِرُ تاب إلى الله سبحانه وتعالى . . . إلخ

وما جاء على تنبيهه على المقصد في شعره بأبيات آخرها:

فاصرف الخاطر عن ظاهرها                       واطلب الباطن حتى تعلما

نقول:

          جعلت الباحثة كتاب "ترجمة حياة الشيخ من كلامه" مرجعاً من مراجع بحثها، والواضح مما ذهبت إليه في دراستها أنها لم تقرأه، لا ولا حتى المقدمة، ولو قرأته ما وقعت في خطأها الذي سنشير إليه في موضعه، وما جاء في الفقرة الثالثة من مقدمة رسالتها التي أشارت في هامش الصفحة ب من رسالتها أنه مأخوذ من كتاب "ترجمة حياة الشيخ من كلامه" لمؤلفه محمود محمود الغراب في الصفحة 15 و16، وهذه الفقرة لا توجد في هذه الترجمة، بل موجودة في مقدمة كتاب "شرح فصوص الحكم" ص6 للمؤلف، وهي لم تذكره في مراجعها.

          ومع وجود أخطاء مطبعية كثيرة في هذه الرسالة نتجاوز عن ذكرها، ولكنا نذكر ما وقع فيه التحريف والتزوير في النص:

 

1)    صفحة 8 وصفحة 109 من الرسالة الشطر الأول من البيت كما جاءت به الباحثة:

                    أحاطت به الأشواق شوقاً وأرصدت . . . ترجمان صفحة 26

والصواب:       أحاطت به الأشواق صوناً وأرصدت.

 

2)    صفحة 9، 18، 85، 149   ترجمان صفحة 30:

                   بان العزاء وبان الصبر إذ بانوا            بانوا وهم في سواد القلب سكان

والصواب:       بان العزاء وبان الصبر إذ بانوا            بانوا وهم في سويدا القلب سكان

3)    ص9، 87، 140، 161، 271 ترجمان ص145

                   عند الكثيب لدى جبال زرود

والصواب:       عند الجبال من كثيب زرود

 

4)    ص10، 33، 192، 296، 304، ترجمان 123

                   بأبي الغصون المايسات عواطفاً

والصواب:       بأبي الغصون المائلات عواطفاً

 

5)    ص16، وص275، وص284، وص292، ترجمان ص44

أدين بدين الحب أنـّى توجهت                       ركائبه فالحب ديني وإيماني

تثبت الباحثة في هامش ص 16 أن النسخة المحققة لـ علم الدين الشقيري: "فالدين ديني"، وهو الثابت الصحيح في النسخ القديمة، ثم تعتمد الباحثة "الحب ديني" لأنه في نظرها: (لاتساق المعنى)، والثابت في شرح ابن العربي قوله: "فالدين ديني وإيماني: أي ما ثم دين أعلى من دين قام على المحبة والشوق لمن أدين له به (أي الله) وأمر به على غيب"، ولعل هذا السبب هو ما دعاها لتزوير البيت:

6)         شهد الخلائق في الإله عقائداً                         وأنا شهدت جميع ما اعتقدوا

الوارد في رسالتها ص 308، والذي ورد في الفتوحات المكية جزء3 ص132 على الشكل التالي: عقد الخلائق في الإله عقائداً                              وأنا شهدت جميع ما اعتقدوه

والتزوير في هذين البيتين جعلها تذهب إلى ما ذهبت إليه في الصفحة 275 من بحثها: "ولعل هذا ما جعل ابن عربي يسعى في ديوانه إلى توحيد كل الأديان في دين واحد بإعلانه أن دينه صار دين الحب"، وهو ما أشرنا إليه في هذه المقدمة إلى المدرسة التي تنتمي إليها الباحثة من أن ابن العربي يدعو إلى توحيد الأديان.

 

7)    ص 19 من الرسالة، ترجمان ص 69

                   ما يصنع الصنع النحرير في شغل                  آلته أذنت فيه بإفساد

والصواب:       ما يفعل الصنع النحرير في شغل                             آلاته أذنت فيه بإفساد

 

8)    ص 77 من الرسالة، ترجمان صفحة 20:

                   خليليّ عوجا على الكثيب وعرجا                  

والصواب:       خليليّ عوجا بالكثيب وعرجا

9)    ص 77 وص159، ترجمان ص45، والفتوحات المكية جزء3 ص129

                   بذي سلم والدير من جانب الحمى

والصواب:       بذي سلم والدير من حاضر الحمى

 

10)           ص 79، وص 82، وص151، وص152، وص286، ترجمان ص148

                   فإذا ما جئتما وادي منى                     فالذي قلبي به قد جئتما

والصواب:       فإذا ما جئتما وادي منى                     فالذي قلبي به قد خيما

ولعل ذلك من الباحثة لاتساق المعنى!

 

11)           ص86، ترجمان ص82

                   عرفاني إذا بكيت عليها

والصواب:       عرفاني إذا بكيت لديها

 

12)           ص87، ص218، ترجمان ص18

                   عبيت أجناد صبري يوم بينهم             على الطريق كراديساً كراديسا

والصواب:       عبيت أجياد صبري يوم بينهم             على الطريق كراديساً كراديسا

واعتمدت الباحثة كلمة أجناد فقالت في ص218: "فكلمة (الأجناد) تستدعي عالم الحرب ومافيه من قتل وصراع . . ."، وكم من فارق بين (أجناد) و(أجياد) في المعنى.

 

13)           ص118 وص143 ترجمان ص23:

                   وناد بدعد والرباب وفرتنا

والصواب:       وناد بدعد والرباب وزينبٍ

 

14)           ص121، ص139، ترجمان ص191

                   تعاليت من بدر على القلب طالع

والصواب:       تعاليت من بدر على القطب طالع

 

15)           ص196، ترجمان ص101

                   قف بالديار ونادها

والصواب:       قف بالديار وناجها

 

16)           ص196، ترجمان ص101

                   عهدي بمثلي عند بانك قاطعاً               ثمر القدود وورد روض أينع

والصواب:       عهدي بمثلي عند بانك قاطفاً               ثمر الخدود وورد روض أينع

 

17)           ص197، ترجمان ص103

                   فعذرتها لما سمعت جوابها

والصواب:       فعذرتها لما سمعت كلامها

 

18)           ص227، وص228، ترجمان ص133

                   وإذا ما واعدوكم ما ترى                    برقه إلا بريقاً خلباً

والصواب:       وإذا ما وعدوكم ما ترى                              برقه إلا بريقاً خلباً

وكم من فارق بين "واعدوكم" و"وعدوكم".

 

19)           ص127، ص231، ترجمان ص138

                   لهف نفسي لهف نفسي لفتىً                كلما غنى الحمام غيـّبا

والصواب:       لهف نفسي لهف نفسي لفتىً                كلما غنى حمام غيـّبا

 

20)           ص329، البيت في الرسائل ص 134

                   يا طالباً لطريق السر يقصده                ارجع وراءك فيك السر والسنن

والصواب:       يا طالباً لطريق السر يقصده                ارجع وراك ففيك السر أجمعه

 

أين إشراف المشرفين على هذه الأخطاء، وما ترتب عليها مع حصول أحدهما على درجة الدكتوراة في "ترجمان الأشواق"؟!

 

          وتورد الباحثة في ص310 الحديث عن عبد الله بن عمر وفيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "والذي يد محمد بيده" إلى آخر الحديث، ونسبته إلى ابن ماجة وهو خطأ لا يوجد في أي نص من الأحاديث النبوية، والصحيح: "والذي نفس محمد بيده" فلزم الباحثة تصحيح النص.

 

          نعود إلى ما وصلت إليه الباحثة من قولها إن الشيخ يقول بوحدة الأديان مع كونها قد جعلت الفتوحات المكية مرجعاً من مراجعها، ولو قرأت رسالة الشيخ ابن العربي إلى السلطان عز الدين كيكاوس، سلطان بلاد الروم، الواردة في الجزء الرابع، الصفحة 547 والتي يحثه فيها على الالتزام بالعهد العمري، والتي لا يقول أي عاقل على أي ملة كانت أن هذه الرسالة تصدر من قائل بوحدة الأديان، ومما يدل على أنها لم تقرأ الفتوحات ما جاء من ذكر ابن العربي للجهاد في الفتوحات جزء1 ص255، ص474، وجزء4 ص470، وقوله في الغنائم جزء 3 ص476، ص477، ص481.

          ولو قرأت ما جاء في الفتوحات في ج2ص392 عن تحقيق ابن العربي لشعر بعضهم في الحب حيث يقول: "لتحقيق الفرق بين المغنى والمعنى وبين الإيقاع وذوق السماع نقدم هذا التحليل على ميزان الحب، قال بعضهم:

                   ناشـــدتـك الله نســـيـم الصـبـــا            من أين هذا النفـَس الطيب

                   هل أودعت برداك عند الضحى           مكــان ألقـت عقدها زينب

                   أو ناسـمت رياك روض الحمـى           وزيلهـا من فوقها تســحب

                   فهــات أتحـفـنــي بأخـــبـارهـــا           فعهـدك اليـوم بهـا أقـــرب

هذه الأبيات على لطافتها ورقتها من أكثف ما قيل في عشق الأرواح، . . ."، إلى أن يقول: "وسألني بعض أصحابي أن أشرح هذه الأبيات لو قالها عارف من المحبين الإلهيين فأجبته إلى ذلك . . ."، إلى أن يقول بعد شرحها: "فهذا شعر لطيف اللفظ مليح، وهو بالمعنى ليس بشيء، لأن جمال الشعر والكلام إنما يجمع بين اللفظ الرائق والمعنى الفائق، فيحار الناظر والسامع فلا يدري اللفظ أحسن أم المعنى أم هما على السواء، فإنه إذا نظر إلى كل واحد منهما أذهله الآخر من حسنه، وإذا نظر فيهما معاً حيراه، فما يستحسن مثل هذا الشعر إلا ذو قلب كثيف، فإن اللفظ لطيف والمعنى كثيف، وإذا كان المعنى قبيحاً عند الصحيح النظر لم يحجبه حسن اللفظ عن قبيح المعنى، فإن مثاله عندي مثال من يحب صورة في غاية الحسن منقوشة في جدار مزينة بأنواع الأصبغة تامة الخلق لا روح لها، فإن المعنى للفظ كالروح للصورة هو جمالها على الحقيقة" اهـ، فهل بلغت الباحثة أو المشرفان إلى مقام التفرقة بين اللفظ الرائق والمعنى الفائق؟ وهذا في شعر غزلي بسيط لا رمز فيه!

 

          قول الباحثة في ص307 من رسالتها: "ويعمد ابن عربي إلى إقرار حقيقة، هذه الحقيقة هي أن المحل الذي تحل به الذات الإلهية . . . فالقلب هو المحل الذي يحويها دائماً . . . يؤكد تلك الدلالة رب العزة فيما يرويه عن نفسه: ما وسعني أرض ولا سماء ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن"، ما ذهبت إليه الباحثة يخالف ما جاء به ابن العربي في ترجمان الأشواق ص170 عند ذكر الحديث حيث يقول عن وسعني قلب عبدي المؤمن: "فهو محل المعرفة بالله ومجلى التجلي الإلهي" اهـ، لا ما ذهبت إليه الباحثة من أنه محل للذات الإلهية يحويها دائماً، هذا في الذخائر، ولو قرأت ما جاء في هذا الحديث في الفتوحات المكية التي جعلتها مرجعاً لها، في الجزء1 ص50 ،216، 264، 331، 358،604، الجزء 2 ص136، ص541، الجزء3 ص250، الجزء 4، ص5، 83، ما ذهبت إلى ماذهبت إليه من كفر صريح نسبته إلى ابن العربي وهو القول بالحلول.

 

          وقد ذكر كتاب "ترجمان الأشواق" في الفتوحات المكية التي جعلتها الباحثة مرجعاً لها، ذكر مرتان في الجزء الثالث ص129، ص562 فنجد ابن العربي يقول في الباب الثامن والتسعين وثلاثمائة في منازلة "من وعظ الناس لم يعرفني ومن ذكـّرهم عرفني فكن أي الرجلين شئت" يقول في ص562: "كل ما كان قربة إلى الله شرعاً فهو مما ذكر اسم الله عليه، وأهلّ به لله، وإن كان بلفظ التغزل وذكر الأماكن والبساتين والجواري وكان القصد بها كلها ما يناسبها من الاعتبار في المعارف الإلهية والعلوم الربانية، فلا بأس به وإن أنكر ذلك المنكر . . ." إلخ، إلى أن يقول: "كما نذكر نحن في أشعارنا فإنها كلها معارف إلهية، في صور مختلفة من تشبيب ومديح وأسماء نساء، وصفاتهن وأنهار وأماكن ونجوم، وقد شرحنا من ذلك نظماً لنا بمكة، سميناه (ترجمان الأشواق) وشرحناه في كتاب سميناه (ذخائر الأعلاق) فإن بعض فقهاء حلب اعترض علينا في كوننا ذكرنا أن جميع ما نظمناه في هذا الترجمان إنما المراد به معارف إلهية وأمثالها، فقال: (إنما فعل ذلك لكونه منسوباً إلى الدين فما أراد أن ينسب إليه مثل هذا الغزل والنسيب)، فجزاه الله خيراً لهذه المقالة، فإنها حركت دواعينا إلى هذا الشرح، فانتفع به الناس، فأبدينا له ولأمثاله صدق ما نويناه، وما ادعيناه، فلما وقف على شرحه تاب إلى الله من ذلك ورجع . . ."إلخ، في بحث الموعظة.

          من المعلوم أنه ليس كل من فهم الكلام فهم عن المتكلم، وأن كل من فهم عن المتكلم فقد فهم الكلام، فليس غريباً أن تذهب الباحثة إلى ما ذهب إليه الفقية الحلبي ولكن الفارق بينهما أنه وقف مع الكلام ثم لما ظهر له قصد ابن العربي صدقه وتاب إلى الله ورجع فاستبرأ لدينه فإنه حريص عليه، ولكن الباحثة وقفت مع ظاهر الكلام مع بيان ابن العربي عن قصده ونيته ولم تصدقه فأداها ذلك إلى الحيرة بين الظاهر والباطن، وحكمت على ابن العربي بما قررته في بحثها مما سيأتي بعد.

 

          ونجد ابن العربي في ص129 في الجزء الثالث من الفتوحات المكية، عندما يتكلم عن مرتبة العدد ثلاثة في الباب الرابع والثلاثين وثلاثمائة يقول: "فعظم العرش القلبي ومجد وكرم لعظم القرآن وكرمه ومجده فجاء بثلاثة نعوت للقرآن لما هو عليه الأمر في نفسه من التثليث . . . إلى أن يقول: وقد تقدم لنا شعر في التثليث في بعض منظومنا نشير به إلى هذا المعنى، وهو في ترجمان الأشواق لنا، وأول المقطوعة:

بذي سلم والدير من حاضر الحمى                  ظباء تريك الشمس في صورة الدمى"

إلى آخر المقطوعة . . .

وهو تجلي الاسم الإلهي "الفرد" الذي هو أول مراتب الثلاث، ذهبت الباحثة في الاستدلال في هذا البيت على تقديم الجار والمجرور في الشعر عند ابن العربي وبحثها اللغوي المتخصص في هذا البحث واعتمدت في شرحها للبيت ما قاله ابن العربي من أنه في مقامات وتجليات الصوفية في حين أنها متحيرة بين ما جاء به في ديوانه بين الظاهر والباطن، وهي تقر هنا ما شرح ابن العربي قصده الباطن، فأين الحيرة؟ وأين النظام المحبوبة المعشوقة في هذا الشعر؟.

 

          لا شك أن الشعر الغزلي قد يكون صفة أدبية من شاعر أديب، وقد يكون عن أثر الحب ولوازمه من محب مع اختلاف تعلق هذا الحب، ولا شك أن "ترجمان الأشواق" الذي كتبه ابن العربي صادر عن محب يترجم عن ذوقه الذي لا يعلمه إلا من ذاق الحب وعانى ما يعانية المحب، ولذلك نراه يقول في الفتوحات المكية الجزء الأول صفحة 31 (التي من المفروض أن الباحثة قد قرأتها) عن مراتب العلم والمعلوم وهي ثلاث: علم العقل، وعلم الأحوال، وعلم الأسرار، يقول عن علم الأحوال: "ولا سبيل إليها إلا بالذوق فلا يقدر عاقل على أن يحدها ولا يقيم على معرفتها دليلاً، كالعلم بحلاوة العسل ومرارة الصبر ولذة الجماع والعشق والوجد والشوق، وما شاكل هذا النوع من العلوم، فهذه علوم من المحال أن يعلمها أحد إلا بأن يتصف بها ويذوقها، وبالذوق تتميز الأشياء عند العارفين والكلام على الأحوال لا يحتمل البسط وتكفي فيه الإشارة إلى المقصود ومهما بسط القول فيه أفسدته، فعلوم الأذواق لا تنقال ولا تنحكي، ولا يعرفها إلا من ذاقها، وليس في الإمكان أن يبلغها من ذاقها إلى من لم يذقها" اهـ، فهل قرأت الباحثة ما كتبه ابن العربي في الفتوحات عن الحب حتى تلحق ديوان "ترجمان الأشواق" بمرتبته في الحب؟، فابن العربي يقول في الفتوحات ج2ص320:            "أحببت ذاتي حب الواحد الثاني                     والحب منه طبيعي وروحاني

          فغاية الحب في الإنسان وصلته            روحاً بروح وجثماناً بجثمان

وغاية الوصل بالرحمن زندقـة             فإن إحســانه جـزء إحســان"

ويوضح في الفتوحات المكية (التي لم تقرأها الباحثة قطعاً)، الجزء الثاني صفحة 111، ومن صفحة 324 إلى صفحة 334 أن مراتب الحب ثلاث: حب طبيعي وهو طبيعي وعنصري، والحب الطبيعي هو حب العوام وغايته الإتحاد في الروح الحيواني فتكون روح كل واحد منهما روحاً لصاحبه بطريق الإلتذاذ وإثارة الشهوة، ونهايته في الفعل النكاح . . . إلخ، والمرتبة الثانية هو الحب الروحاني النفسي، هو الحب الجامع في المحب أن يحب محبوبه لمحبوبه ولنفسه، وغايته التشبه بالمحبوب مع القيام بحق المحبوب ومعرفة قدره، وكما أن الحب الطبيعي خاضع للحد والمقدار والشكل فإن الحب الروحاني خارج عن الحد وبعيد عن المقدار والشكل، وأما المرتبة الثالثة فهو الحب الإلهي وهو حب الله العبد وحب العبد ربه، ونهايته من الطرفين أن يشاهد العبد كونه مظهراً للحق . . . إلخ، ففي أي مرتبة جعلت الباحثة شعر "ترجمان الأشواق"؟، وابن العربي يصرح في شرحه أنه في التجليات الإلهية والمعارف الإلهية، فكل من وقف مع "ترجمان الأشواق" معرىً عن "ذخائر الأعلاق" فله العذر فيما ذهب إليه، ولكن لم يصل إلينا "ترجمان الأشواق" إلا مع "ذخائر الأعلاق" الذي ينص فيه ابن العربي أن النظام كانت مجلى، ولم يقل أبداً أنها كانت محبوبة ملهمة له بالترجمان، وكم فارق بين المجلى الذي تظهر فيه الأرواح والمعاني المجردة في صور حسية وبين حب المحبوب لذاته الذي هو الحب الطبيعي.

 

          في ص112 تعلق الباحثة على قصيدة ابن العربي التي مطلعها:

(ألا يا حمام الأراك قليلاً) فتقول: "والشاعر هنا نظراً لكثرة ما أصاب قلبه من حب وشوق لمحبوب لا يثبت على حال، محبوب متعدد التجليات ومتنوعها، فلا يتجلى في صورة واحدة مرتين" اهـ، أين النظام هنا التي "هام فيها حباً"؟ والذي لا يتجلى في صورة واحدة مرتين هو الله.

وفي الصفحة 150 تقول الباحثة: "فالمعنى في البيت هو يفنى (المحب) إذا ما صدحت قمرية بذكر الله (المحبوب) الذي يهوى (المحب) فيه طرباً فالفناء هنا من شدة الطرب والسعادة" اهـ، من المحبوب هنا على ما تقرره الباحثة هل هي النظام؟ أم الله؟ مع ما تكرره في بحثها أنه محب وهائم وعاشق للنظام.

 

          ما ذهبت إليه الباحثة في نهاية بحثها في تقسيم المقدمة إلى قسمين: مقدمة لترجمان الأشواق "يشير فيها إلى عشقه للنظام، وأن كل اسم ذكره فهو إشارة إليها، ثم لا ينسى أن يشير إلى ما يحدو تلك التجربة من بعد إلهي حيث أن الروح الإلهي حاضرة دائماً في كل شيء" اهـ ، و القسم الثاني من المقدمة يوضح فيه سبب شرحه للديوان فتقول: "وهو يورد بعض الأبيات يشير بها فيمسار مناقض لما ذكره في الجزء الأول من تقديمه لديوانه وإهدائه لفتاة بعينها حيث يقول . . ." وتذكر شعراً مع ما فيه من خلل عن الأصل، ثم تقول: "فهو هنا يشير إلى أن كل ما يذكره من طلل أو ربوع أو أي إشارة إلى اسم إنما يعني بها الله على عكس ما ذكره في بداية مقدمته من أن كل ما يذكره من طل أو دار يندبها إنما يقصد بها النظام" اهـ،

التناقض إنما حدث عند الباحثة لا عند ابن العربي لأنها لم تصدق ابن العربي فيما ذكرته في الجزء الأول من المقدمة من قول ابن العربي: "ولم أزل فيما نظمته في هذا الجزء عن الإيماء إلى الواردات الإلهية والتنزلات الروحانية والمناسبات العلوية جرياً على طريقتنا المثلى فإن الآخرة خير لنا من الأولى"، فجاء الشعر الذي ذكره في القسم الثاني من المقدمة (في تقسيم الباحثة) مؤكداً لما ذكره في القسم الأول من المقدمة فلا تناقض، وغاب عن الباحثة أن مقدمة "ترجمان الأشواق وذخائر الأعلاق" مقدمة واحدة متكاملة كتبت بعد إحدى عشرة سنة من كتابة "ترجمان الأشواق" عند شرح الشيخ له في "ذخائر الأعلاق"، وكان يمكن لابن العربي أن لا يذكر النظام أصلاً في مقدمته لما يتطرق إليه الاحتمال والشك من نفوس غير أبية خصوصاً بعد ما بلغه من اعتراض البعض عليه صوناً لعرضه وعرض شيخه وعرض النظام، ولكن صدق ابن العربي وثقته فيمن ينتفع بكلامه من أهل طريق الله  جعله يذكر النظام وما وصفها به في مقدمة الأعلاق فإن المعتبر عنده هو المصدق لا المنكر، فإن الله تعالى يقول في أول كتابه العزيز: (۝ ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين ۝) فإنهم المعتبرون والمقصودون بالكتاب، ولم يقل (هدىً للضالين) فإنهم غير معتبرين ولا مقصودين، وكذلك ابن العربي لم يقم وزناً ولا خاطب المنكر ولا غير المصدق من أهل النفوس غير الأبية، ولكان "ترجمان الأشواق" يبقى ديواناً شعرياً غزلياً من باب الصناعة الشعرية لأهل أدب اللغة العربية يتناوله أهل الاختصاص بالنقد والدراسة والتحليل.

 

          لقد بذلت الباحثة جهداً رائعاً في دراستها لو اقتصرت على بناء القصيدة في "ترجمان الأشواق" بما فيها من البنية الإيقاعية، والبنية التركيبية، والقافية، وفنون الكتابة الأدبية، مثل الأسلوب الإنشائي، والاستفهام، والأمر، والنداء، والشرط، وتقديم الجار والمجرور على المبتدأ، والصور البيانية من تشبيه واستعارة وكناية، وبحور الشعر، ولكنها عندما تعرضت إلى قصد القائل في شعره وتوصلت إلى أنه يقوله غزلاً ونسيباً في ذات النظام التي "هام بها حباً" والتي "ألهمته هذا الديوان" (صفحة ب المقدمة)، وقولها في ص322 "فحبه للنظام كان الحافز والمحرك على الخلق" اهـ، أين التجلي والمعارف الربانية التي تشير إليها في رسالتها؟ وتوصلت في دراستها إلى أن ابن العربي يقول بوحدة الوجود كما جاء في بحثها صفحة 10، والإتحاد صفحة 192، وبالحلول في صفحة 307، ووحدة الأديان صفحة 275، كلها أشياء بريء منها ابن العربي، وقولها في صفحة 305 أنه يعمد إلى محاكاة النمط القرآني المعجز في مقدمات السور، . . . وكأنه يحاول أن يصنع نصاً موازياً للقرآن، وقولها في صفحة 326 أنه يحاول إعادة قراءة النص القرآني وخروجه عبر اللغة إلى دلالات جديدة تختلف عما هو متعارف عليه، ومتناسباً مع رؤية الصوفية، اهـ، وهو علم تفسير الإشارة المتعارف عليه عند أهل التفاسير وهو علم تجهله الباحثة ومن أشرف على رسالتها، فتحول جهدها الرائع إلى جهد ضائع، أثبتت أنها، وكل من أشرف على رسالتها وأجازها، لا يعلم شيئاً عن ابن العربي، فقد جانبت الصواب ووقعت في الخطأ بامتياز.

 

محمود محمود الغراب

دمشـق: 14-12-2009


التقييم الحالي
بناء على 35 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث