نسخة تجريبيـــــــة
الفتوحات المكية وما وراءه من أياد خفية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين.

 

تحقيق كتاب

"الفتوحات المكية وما وراءه من أياد خفية"

تأليف الشيخ كمال أحمد عون

صادر عن دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية

الطبعة الأولى 1409هـ - 1989م

 

مؤلف هذا الكتاب شيخ أزهري ويقول عن نفسه أنه من علماء الأزهر وكان مديراً عاماً لمنطقة طنطا الأزهرية، فلننظر فيما أتى به الشيخ كمال في كتابه:

 

·   ينسب المؤلف إلى الشيخ ابن العربي في ص29 من كتابه أنه خاطب جمعاً من الناس قائلاً: معبودكم تحت قدمي، فلما ثارت ثائرتهم لقوله قال: ابحثوا واحفروا الأرض تحت أقدامي، فوجدوا مالاً مدفوناً في الأرض.

 

لم يسند المؤلف هذا الكلام إلى مصدر علمي موثوق بل هو من كلام العوام يتداوله العامة ولا يوجد في أي أثر أو كتاب تاريخي من كتب التراجم الموثوقة وقد ذكر هذه القصة الدكتور عمر فروخ وهو مؤرخ وأستاذ جامعي في كتابه "تاريخ الفكر العربي" طبعة عام 1966م في ص527 بالشكل التالي: "وشطح ابن عربي أمام العامة فقال: أنتم وما تعبدون تحت قدمي هذه، وفهم العامة جملته على ظاهرها فقتلوه، وباطن الجملة أن الناس يعبدون المال" اهـ، ثم يتضح للدكتور المؤرخ والأستاذ سقطته فلم يذكر هذه القصة في ترجمته عن الشيخ ابن العربي في كتابه "التصوف في الإسلام" المطبوع عام 1981م بل يعترف في هذا الكتاب بوفاة الشيخ ابن العربي عام 638هـ.

 

فهذا شيخ أزهري مدير عام وذاك أستاذ جامعي، كلاهما ينقل قصة لا أساس لها من الصحة دون تحقيق أو بذل جهد علمي.

 

·   وفي ص51 يقول الشيخ كمال مؤلف الكتاب: إن الشيخ ابن العربي جعل من الإله الواحد آلهة ومن الأسماء الحسنى أرباباً خالقة للعالم ومتصرفة فيه، اهـ.

 

إن دل هذا الكلام على شيء فإنه يدل على سقم فهم الشيخ المؤلف لوحدة الذات الإلهية وكثرة الأسماء الإلهية لاختلاف تعلقاتها، كالاسم الرحمن للرحمة، والاسم الخالق للخلق، والاسم الرازق للرزق، وهكذا تعلق كل اسم بمعناه ومتعلقه لا أنه إله آخر غير الذات الإلهية الواحدة، ولم ينقل المؤلف نصاً للشيخ ابن العربي يدل على ما اتهمه به بل كل ما جاء به الشيخ ابن العربي في العقيدة والتوحيد يدحض دعوى الشيخ المؤلف فليراجع في مصادره.

 

·   يتكرر سقم فهم المؤلف وقصوره عن إدراك المعنى الذي أتى به الشيخ ابن العربي مبيناً الفرق بين كفر أهل التثليث وهو الشرك الصريح وبين التثليث في الأسماء الإلهية وخاصة في البسملة "بسم الله الرحمن الرحيم" فلا يفرق الشيخ كمال المؤلف بين التثليث في الذوات وبين التثليث في الصفات والأسماء فيشوه جميل المعنى الذي أتى به الشيخ ابن العربي ويأتي المؤلف بفهم لم يأت به أحد من الأولين الذين أنكروا على الشيخ ابن العربي فيتضح بذلك جهله بمقاصد وصريح اللفظ حيث أنه يشرح كلام الشيخ ابن العربي الذي أتى به معبراً عن أحوال المحبين لله وهو كلام من باب الإشارة التي يقرها جميع علماء الشريعة حتى الإمام ابن تيمية، فيجعل المؤلف الشيخ كمال ما أتى به الشيخ ابن العربي تفسيراً للقرآن وهو مالم يقله أحد من أعداء الشيخ الذين قرأوا كلامه.

 

·   في ص66 يقرر الشيخ المؤلف ويقطع أن كلمة الكفر الواردة في خمسمائة آية ما عدا آية واحدة في القرآن تأتي بمعنى الجحود بالله وآياته وأنعمه وعدم الإيمان برسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر، وأما ما جاء في الآية الواحدة وهي قوله تعالى: "أعجب الكفار نباته" فيقول: يحتمل معناها ما يستلزم معنى الستر احتمالاً غير راجح. اهـ، هذا يدل على ضحالة علم الشيخ المدير عام سابقاً، فقوله تعالى في سورة البقرة آية 256 (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله)، وقوله في سورة النساء (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به)، فهل مادة "كفر" في هاتين الآيتين وأمثالهما من القرآن تأتي بالمعنى الذي قرره وحدده الشيخ المؤلف؟!!

 

·   في ص68 - 69 يقدم الشيخ المؤلف لفهمه الخاطئ بكلام يقول فيه: فالمغفرة للمعصوم صلى الله عليه وسلم يقصد بها المغفرة لجميع الأمم من تقدم منها ومن تأخر فليفعلوا ماشاؤوا. اهـ، ينسب هذا الفهم الذي أتى به إلى الشيخ ابن العربي، وهذا كلام لم يقله الشيخ ابن العربي أبداً بل هو فهم المؤلف القاصر وتدليس متعمد من الشيخ الذي يدعي الدفاع عن الإسلام، ويقول: إن الشيخ ابن العربي يعني أن الكل مغفور له ولا أثر لإيمان أو كفر.اهـ وفهم الشيخ المؤلف يريد أن يخضع رحمة الله تعالى ومغفرته لحدود يتصورها ولا تقوم إلا في ذهنه وفهمه القاصر، فينكر على من فهم المعاني القرآنية وردها إلى أصلها وظاهر نصها من سعة الرحمة الإلهية وإطلاق المشيئة الإلهية، وواضح من كلام المؤلف أنه لايفرق بين شمول الرحمة للخلق بعد انقضاء فترة العذاب وهو مذهب الشيخ ابن العربي وبين أن الكل مغفور له ولا أثر لإيمان أو كفر وليفعل الكل ما شاء، وهذا فهم المؤلف الذي لم يقل به الشيخ ابن العربي ويعجز المؤلف أن يأتي بدليل عليه.

 

·   في ص75 يخاطب المؤلف الشيخ ابن العربي بقوله: اعتبرت القول بأن الله ثالث ثلاثة توحيداً مركباً. اهـ، هذا افتراء صريح يعجز المؤلف أن يؤيده بنص من كلام الشيخ ابن العربي بل هو التزوير والبهتان الصريح أو الفهم السقيم في شرح الشيخ ابن العربي للبسملة.

 

·   في ص76 ينكر المؤلف الشيخ كمال على الشيخ ابن العربي نقله عن الجنيد قوله: ما يبلغ أحد درجة الحقيقة حتى يشهد فيه ألف صديق بأنه زنديق، ويقول المؤلف إن الجنيد فيما يعلم أجلّ من أن ينطق بمثل هذا.

 

لم يكلف الشيخ كمال نفسه الرجوع إلى المراجع العلمية الموثوقة التي نقلت هذا الكلام عن الجنيد وهي مصادر مدونة قبل الشيخ ابن العربي، وهو قول مشهور للجنيد قام الشيخ ابن العربي بتوضيح معناه وجميل مبناه، فإن دل إنكار المؤلف على شيء فإنما يدل على مرض قلبه وسوء ظنه.

 

·   ص76 - 77 ينكر المؤلف على الشيخ ابن العربي ما يسمية بالاعتبار الباطن، ويعرب المؤلف عن تدليسه وتضليله للقارئ عندما يذكر كلام الشيخ ابن العربي في الوضوء وذكره لأقوال العلماء في ترتيب وعدم ترتيب أفعال الوضوء، فيغفل المؤلف أقوال العلماء ثم ينقل كلاماً مبتوراً من كلام الشيخ ابن العربي فيقول: فإذا جاء ما يسميه حكم الباطن قال: لا ترتيب في أفعال الوضوء، اهـ، ثم يتساءل المؤلف: كيف يتم إذاً وضوء؟ وكيف ينهض المسلم لعبادته الموقوتة؟!!

 

لا أعرف كيف أصف هذه النتيجة التي وصل إليها هذا الشيخ الأزهري؟ هل هي الجهل أم قصد التضليل؟ وهل يجهل الشيخ المؤلف أن المقصود بالوضوء الباطن هو مكارم الأخلاق التي يتطهر بها من سفساف الأخلاق، وهل يكون في تلك المكارم ترتيب؟ أم هي كما قال الشيخ ابن العربي: إنما تفعل بحسب ما تعين عليك في الوقت.

 

وفي نفس الصفحة يكتب المؤلف تحت عنوان: تهوين أمر الجمعة، ينقل المؤلف عن الشيخ ابن العربي الخلاف في وجوبها وهل هي فرض عين أو فرض كفاية أو سنة؟ ثم يقول المؤلف: على حد عبارته أي الشيخ ابن العربي، فهل يجهل الشيخ المدير عام أن هذه الأقوال هي أقوال العلماء والفقهاء في الجمعة؟ وهل ذكر أقوالهم تهوين أمر الجمعة؟ أم هو الحقد وتضليل القارئ؟

 

·   في ص79 تحت عنوان: الخطبة في الجمعة، وعنوان: يشرع مالم يأذن به الله، ينقل المؤلف عن الشيخ الأكبر ابن العربي من الفتوحات فيذكر، يقول: ذهب الأكثرون إلى أنها شرط وركن، وفي النفس من ذلك شيء، وقال قوم إنها ليست بفرض وبه أقول، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نص على وجوبها، ولا ينبغي أن نـُشـَرِّع ما لم يأذن به الله - اهـ، ثم يبتر كلام الشيخ ابن العربي ويشرح ذلك بقوله: وانظر ما بين ما يقوله من عدم اشتراط الخطبة في الجمعة وما علله به. اهـ

أقول فلينظر القارئ إلى ما اقترفه المؤلف الشيخ كمال من جرم وبهتان في نسبته إلى الشيخ ابن العربي بأنه يقول بعدم اشتراط خطبة الجمعة، وما أورده الشيخ ابن العربي هو الخلاف بين أئمة الفقه في كون خطبة الجمعة فرض أم لا، والشيخ ابن العربي يقول بقول بعض من سبقه من الأئمة بأنها ليست بفرض، أما ما حذفه وبتره الشيخ الأزهري المؤلف وهو ينبئ عن سوء طويته وعدم أمانته، هو حذفه لقول الشيخ ابن العربي المكمل للبحث حيث يقول الشيخ ابن العربي: ولكن نقل إلينا بالتواتر أنه صلى الله عليه وسلم لم يزل يخطب فيها، فمذهبنا المحقق التوقف بالحكم عليها، مع العمل بها ولا بد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يصليها بخطبة . . . فنفعل مثله على طريق التأسي لا على طريق الوجوب (ف.ج1ص462 - 463).

فهل يفهم من ذلك الكلام قارئ عادي أو عامي - لا شيخ أزهري - أن الشيخ ابن العربي يقول بعدم اشتراط خطبة الجمعة وأنه يشرع مالم يأذن به الله؟!! أم هو الافتراء والتزوير ممن باع دينه للشيطان؟!

·   في ص80: يوهم المؤلف القارئ بأن الشيخ ابن العربي يقصد بالاعتبار إسقاط فرض الصوم، فيكتب بالخط الأسود الواضح أن الشيخ ابن العربي يقول: فالمسافر إلى الله لا صوم عليه، اهـ، مع إثبات المؤلف وذكره لمعنى الصوم في الاعتبار عند الشيخ، ويؤكد المؤلف ما يقصده بقوله في ص81 أن الشيخ ابن العربي يدور كثيراً في معاني إسقاط التكليف وعدم وجوب الصوم اهـ.

هذا حكم واتهام لم ينسبه أحد من خصوم الشيخ وأعدائه إليه منذ ثمانمائة عام، حتى أتى هذا الشيخ المؤلف فيدعي أنه فهم ما لم يفهمه جميع العلماء ممن قرؤوا الفتوحات سواء من محبي الشيخ ابن العربي أم من أعدائه، ولعل المؤلف - سامحه الله - يشير ويرشدنا إلى مصدر معلوماته وقد ترجم للشيخ الكثير من العلماء في زمانه والقريبي العهد منه.

·   وفي ص80 أيضاً، ينتقد الشيخ المؤلف ما ذكره الشيخ ابن العربي من أن بعض الفقهاء يذهب إلى أن من جامع في رمضان لا يجب عليه إلا القضاء فقط، فيقول عن الشيخ الأكبر: ولم يعين قائله، والشيخ ابن العربي في ذكره لجميع أقوال الفقهاء في كل ما ذكره من مسائل فقهية لم يعين قائلها، فلمّ خص المؤلف هذه المسألة بالذات؟، ذلك لأنه يقصر عن العلم بالقائل وهو قتادة (راجع الميزان / للشعراني) ثم ينتقد الشيخ ابن العربي لقوله في المسألة: أنه لا قضاء عليه ويستحب له الكفارة، وذلك لجهل المؤلف أن الشيخ ابن العربي مجتهد مطلق وله أدلته فيما ذهب إليه من أحكام.

·   وفي ص87 نجد أن المؤلف الشيخ كمال عون ينكر على الشيخ ابن العربي ما جاء به من حظ الأولياء من الصفات المذمومة، فيدل على سقم فهمه وضيق أفقه وعدم تذوقه لدقيق ورقيق المعاني، فالذي أنكره المؤلف لم ينكره أحد من قبله إلا من كان مثله، وأما العلماء فجعلوها من باب الرقائق والإشارات اللطيفة، يدل على سقم فهم الشيخ كمال قوله في ص91: إن الشيخ ابن العربي يعتبر الكافرين في الآيات من أوائل سورة البقرة الأولياء المخلصين لله رب العالمين. اهـ، وهذا فهم لم يسبق إليه أحد ممن قرأ الفتوحات المكية من أشد الناس عداوة للشيخ ابن العربي مثل ابن تيمية وابن القيم والبقاعي وغيرهم، وإنما يدل ذلك على طمس عين بصيرة الشيخ الأزهري السلفي الذي أراد الله تعالى أن يفضح سريرته بما ختم به كتيبه في ص108، 109 حين يقسم على وزير الثقافة الذي وصفه بالجليل، ووكيلها الأول، ورئيس مجمع الخالدين، أن يرحموا الأمة والمسلمين من ضلالات ابن عربي، فيقسم بالله تعالى وبرسوله، وباسم الشعب، وباسم مجلس الشعب، وباسم كل القيم، والآداب، والأخلاق، فهنيئاً للسلفية والوهابية بشيخهم الأزهري وهم يكفـِّرون من حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا شيخهم الأزهري يحلف بالشعب ومجلس الشعب ففضيحته وفضيحتهم بذلك فيها الكفاية.

                                   والله يقول الحق وهو يهدي السبيل

والحمد لله رب العالمين

 

محمود محمود الغراب

 


التقييم الحالي
بناء على 39 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث