الاسم والنسب
محمد بن إبراهيم بن عبد الباعث بن أحمد بن غنيم، وينتهي نسبه إلى سيد شباب أهل الجنة الإمام أبي عبد الله الحسين السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عليهما السلام- من البضعة الزهراء فاطمة، سيدة نساء العالمين، بنت أشرف الخلق صفوة الملك الحق، سيد الأولين والآخرين صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
مولده ونشأته
وُلد بمدينة الثغر (الإسكندرية) يوم الاثنين، الأول من شهر يوليو سنة ست وأربعين وتسع مائة وألف ميلادية (1946م)، في بيت متواضع من والدين كريمين.
أما والده فقد كان عالمًا نابغًا، وفقيهًا ذا دراية، واسعَ الاطلاع في شتى علوم الشريعة منقولها ومعقولها، كما كان شاعرًا مطبوعًا ومحاضرًا موهوبًا، ذا مشرب عرفاني وخلُقٍ رباني، جميل الطلعة مشرق المحيا، من رآه بديهةً هابه، ومن خالطه عشرةً أحبه، يصدق عليه قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «خيار عباد الله الذين إذا رُؤوا ذكِرَ الله ... » الحديث، [رواه أحمد، وابن أبي شيبة، والطبراني في «الكبير»، وابن أبي الدنيا بطرق].
وضريحه بمسجده بالإسكندرية مشهور ومعروف، يؤمه القاصي والداني.
وأما والدته فقد كانت متنسكةً متعبدة كثيرة الذكر طويلة الصمت، دائمة العكوف على تلاوة القرآن والانشغال بالصلاة على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، بكاءة من خشية الله، وقافة عند حدوده، لا تُنتهك في مجلسها الحرمات، ولا تثنى فيه الفلتات، ذات زهادة في زهرة الدنيا، تعامل والده معاملة المريد الصادق لشيخه، من حسن السمع والطاعة، وصدق الخدمة وحفظ الحرمة، فلا ترفع صوتها عليه، ولا تكلفه من مئونة الحياة ما يبهظه، توفي وهو عنها راضٍ، فجزاهما الله خيرًا من أبوين كريمين.
تحصيله العلوم:
لم يقدر الله له الالتحاق بالكليات الأزهرية، وإنما تعلم في المدارس النظامية، والتي أفاد منها مبادئ العلوم الأولية بجانب علوم أخرى لم تكن محط رحله ولا موضع اهتمامه، فحمد الله على ذلك، ووجد في بابه عوضًا عن كل فائت، ومن غفلة الكثيرين: إعظام الشأن في جانب تأهيل الخلق، وعدم الاهتبال بما دلت عليه الشواهد من تأهيل الحق، وفي هذا المعنى يقول الشيخ أبو الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني في إحدى حكمه: «علم آدم الأسماء كلها ولم يدخل مدارس التعليم؛ إنباء منه سبحانه عند افتتاح الدورة الآدمية: أن عطاءاته العظمى لا تتوقف إلا على التأهيل الأزلي، لا على ما اشترطه الخلق».
ولقد قال له والده -رحمه الله: سيسعى إليك العلم وسوف تعان على تحصيله وطلبه، وقد حقق الله بشارته؛ فأينعت فيه غروسه وتبدت منه عروسه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ويرجع الشيخ السابقةَ في تحقيق هذا الفضل لصنيعٍ قدمته والدته -رحمها الله- وهو أنها كانت لا يعيش لها الذكور من أولادها؛ فقامت بشراء نسخة من صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري -رحمه الله- وأوقفَتْها باسمه على المشاركين في ختم «الصحيح الجامع» في أشهر رجب وشعبان ورمضان من كل عام؛ فوهب الله لها من لدنه هذا العبد الفقير إلى نواله منةً منهُ سبحانه، فنشأ بناشئة الفضل محبًّا للعلم، ساعيًا إلى تحصيله، عاكفًا على تلقِّيه وأخذه من أربابه منذ نعومة أظفاره، فلم يكن يشغله ما يشغل الأطفال في الصغر، حتى في مرحلة دراسته كان الهم والاهتمام بالعلوم الشرعية، فلزم مجالس والده -رحمه الله- ملقيًا الرسن في بابه، والصماخ إلى عذب خطابه، وكان -رحمه الله- لا يضن عليه بما ندُر من الكتب وعزّ من الأمهات، التي وجد فيها بغية الطالب وبلغة القاصد، فكان -رحمه الله- عمدته من بعد الله ورسوله في ترسم سبيل القصد في تحصيل العلوم الشرعية.
وقد خاطبه -رحمه الله تعالى- وهو في إحدى سنيّ الطلب بقوله نظمًا:
أقر الله عيني يـا مـحمــــدا بتـوفيق لشخصك في الأنام
ودمت بصحةٍ دنيـا و دينًـــا يحـالفك النجاح بلا انصرام
ولا زلت المقدَّم في البـرايا بحب الله والهــادي التهامي
ولقد دفعه والده إلى إلقاء خطبة الجمعة في عدة مساجد وهو ابن ست عشرة سنة، وكان شديد العناية بكل ما يصقل أدائه في هذا الدور العظيم الذي أُنيط به وهو في هذه السن المبكرة.
ثم توفي والده -رحمه الله تعالى- سنة 1970م عن ثلاث وسبعين سنة، فتركَت وفاتُه في نفسه أثرًا أيقظ منه فواتر الهمم في طلب الحديث، بعد أن حفظ القرآن حالة صغره على يد زوج أخته الشيخ/ حنفي محمود، والشيخ/ محمد الشافعي رحمهما الله تعالى.
فيسر الله له الاتصال في ذلك الوقت وهو ابن أربع وعشرين سنة بشيوخ الرواية والإسناد.
شيوخه:
- والده رحمه الله.
- الشيخ عبد الله الصديق الغماري -رحمه الله- والذي كان ينزل في بيته مدة إقامته بالإسكندرية، وأخويه: الشيخ عبد العزيز الصديق الغماري، والشيخ عبد الحي الصديق الغماري.
- الشيخ إبراهيم الكتاني، والشيخ عبد الرحمن الكتاني، والشيخ محمد المنتصر الكتاني، وغيرهم من سادة البيت الكتاني.
- الشيخ محمد الحافظ التيجاني، بالقاهرة بزاويته بـ«المغربلين».
- الشيخ صالح الجعفري.
وغيرهم.
دروسه:
يقوم بإلقاء الكثير من الدروس بمساجد الإسكندرية في كل أيام الأسبوع:
- في يوم السبت يشرح أحاديث «صحيح الإمام مسلم» بمسجد شرق المدينة.
- في يوم الأحد يدَرِّس السيرة بمسجد نور الإسلام.
- في يوم الاثنين يشرح أحاديث «صحيح الإمام البخاري» بمسجد الميناء الشرقية.
- في يوم الثلاثاء يدرِّس التصوف بمسجد النبي دانيال.
- في يوم الأربعاء يقوم بتفسير القرآن بمسجد بدر.
- في يوم الخميس يشرح الشمائل بمسجد والده رحمه الله تعالى.
مؤلفاته:
الشيخ عبد الباعث الكتاني قليل البضاعة في التأليف؛ وذلك لأنه لا يحب أن يطرق بابًا قد طرقه غيره، فضلًا عن اشتغاله بإلقاء الدروس في مساجد الإسكندرية طيلة الأسبوع.
بالرغم من ذلك فقد طُبع له بعض من المؤلفات، بتناول جديد كما هو منهجه في التعامل مع الأبواب المطروقة، والذي يشتمل على التصحيح ورد الشبهات، وحل المعضلات، وإزالة المشكلات، وتفنيد الأباطيل والافتراءات، مما تدعو إليه حاجة العصر.
منها:
- «إبراء الذمة بتحقيق القول حول افتراق الأمة»، صحَّح فيه مفهوم الافتراق في هذه الأمة.
- «نقل الأعضاء بين الحِلِّيَة والحرمة».
- «رد المتشابهات إلى المحكمات في جانب خاتم النبوات صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم».
المصادر:
مأخوذة من ترجمة للشيخ بخط يده من موقعه بتصرف بسيط.