[ 4 ] أيها الولد، لا تكن من الأعمال مُفْلِسًا، ولا من الأحوال خاليًا، وتيقن أن العلم المجرَّد لا يأخُذُ اليَدَ، مثالُهُ: لو كان على رجل في بَرِّيَّةٍ عشرةُ أسيافٍ هندية مع أسلحة أخرى، وكان الرجل شجاعا وأهلَ حَرْبٍ، فَحَمَلَ عليه أسد عظيم مَهِيبٌ، فما ظنك؟ هل تدفع الأسلحة شره عنه بلا استعمالها وضَرْبِها؟ ومن المعلوم أنها لا تَدْفَعُ إلا بالتحريك والضرب، فكذا لو قرأ رجل مائةَ ألفِ مسألة علميةٍ وتعلَّمها ولم يعمل بها، لا تفيده إلا بالعمل.
ومثله أيضًا: لو كان لرجل حرارة ومرض صفراوي يكون علاجه بالسَّكَنْجَبِينِ والكَشْكَابِ فلا يَحْصُلُ البُرْءُ إلا باستعمالهما.
لو كِلْتَ أَلْفَيْ رَطْلِ خَمْرٍ لم تكن * لِتَصِيرَ نَشْوَانًا إذا لم تَشْرَبِ([1])
ولو قرأتَ العلم مائة سنة، وجمعتَ ألف كتاب؛ لا تكون مُسْتَعِدًّا لرحمة الله تعالى إلا بالعمل ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾[النَّجم: 39]،﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا﴾[الكهف: 110]، ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[التوبة: 82]،﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (١٠٧) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾[الكهف: 107-108]،﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾[مريم: 60].
وما تقول في هذا الحديث: «بُنِيَ الْإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»؟
والإيمانُ قولٌ باللسان، وتصديقٌ بالجَنَان، وعملٌ بالأركان.
ودليل الأعمال أكثر من أن يُحْصَى، وإن كان العبد يبلغ الجنة بفضل الله تعالى وكرمه؛ لكن بعد أن يَسْتَعِدَّ بطاعته وعبادته؛ لأن رحمة الله قريب من المحسنين. ولو قيل أيضًا: يبلغ بمجرد الإيمان. قلنا: نعم، لكن متى يبلغ؟ وكم من عقبة كئود ينتقلها إلى أن يصل؟ أول تلك العقبات عقبة الإيمان، وأنه هل يَسْلَمُ مِنْ سَلْبِ الإيمان أم لا؟ وإذا وصل يكون خائبا مُفْلِسًا.
وقال الحسن البصري: يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة: ادخلوا يا عبادي الجنة برحمتي، واقتسموها بأعمالكم.