وأهم الطرق الصوفية التي كانت أحد العوامل المهمة في نشر الإسلام في غرب إفريقيا: الطريقة القادرية في القرن السادس الهجري التي كان يتزعمها سيدي عبد القادر الجيلاني، والتي أسست لها مراكز في غينيا والسودان الغربي، وامتدت أيضًا من السنغال إلى مصب نهر النيجر.
وكانت التجانية أيضًا من أهم الفرق الصوفية بزعامة الشيخ أحمد التجاني، واتخذ من مدينة فاس بالمغرب مركزا لنشاطها إلى جانب المراكز الأخرى التي انتشرت في أرجاء أخرى من القارة، وكما ذكر محمد فتح الله الزيادي في كتابه "انتشار الإسلام": وهاتان الفرقتان كان لهما دور كبير وبارز في نشر الإسلام بين الإفريقيين بطرق سليمة بحتة وبإقناع بالحجج والبراهين، ودونما استخدام أي سيف أو ضغوطات أخرى.
ويقول أرنولد في كتابه "الدعوة إلى الإسلام": وفي غرب إفريقيا كانت هناك طائفتان قائمتان بصفة خاصة على نشر الإسلام، هما: القادرية والتجانية.
ويتحدث أيضًا عن أثر الطريقة الإدريسية والميرغانية، فيقول عند حديثه عن الحركات التي عملت على نشر الإسلام في إفريقيا: ومن أسبق تلك الحركات، حركة يُعْزَى قيامها إلى السيد أحمد بن إدريس، وقد أرسل قبل موته عام 1835م أحد أتباعه ويدعى محمد عثمان الأميرغني في رحلة إلى إفريقيا لنشر تعاليم الإسلام.
ويقول الإمام محمد أبو زهرة في كتابه "الدعوة إلى الإسلام": وكان للصوفية فضل كبير في هذا؛ فإن أتباع أبي الحسن الشاذلي، والمرسي أبي العباس، ونشاط ابن عطاء الله السكندري، كان لهم دخل بالقدوة والمسلك في إفريقيا، والفضل الواضح الأثر كان للتجانية والسنوسية في القرون الأخيرة.
فقد كانت التجانية لها عناية شديدة بالدعوة إلى الإسلام في غرب إفريقيا ووسطها، حتى إنك ترى الكثرة الكاثرة في ساحل الذهب، وساحل العاج، وغانا، وغينيا، والسنغال، والكونغو، ونيجيريا من المسلمين الأقوياء في تدينهم.
ويَذكر كذلك أنه استجابةً لدعوة السنوسية القوية المستمرة دَخَلَ عدد لا يحصى بألوف الألوف في نيجيريا وغانا وغينيا والسنغال والكونغو وتشاد وأوغندا وغيرها من وسط إفريقيا.
ويُرْجِع أسباب الحروب التي شنها الاستعمار على الصوفية بكل الطرق المحللة في قانون الأخلاق والمحرمة على سواء، يُرْجِع ذلك إلى إحساس الدول التي باشرت استعمار إفريقيا كفرنسا وإنجلترا وإيطاليا بخطر الدعوة الإسلامية التي يقوم بها الصوفية على مطامعهم الاستعمارية، وفشل المبشرين الأوروبيين في مباراتهم في ذلك.
أما في آسيا؛ فقد انتشر الإسلام في القوقاز وداغستان عن طريق دعاة مسلمين كان في مقدمتهم الشيخ الشافعي أبو مسلمة، ثم ساعد ظهور الطريقة النقشبندية في إذكاء روح الدعوة إلى الإسلام واستمرار انتشاره، وتحدثنا الروايات التاريخية أن بعضهم قد خرج إلى الصين، وكان لسلوكياتهم وتصرفاتهم الإسلامية الأثر الكبير في إقناع الكثيرين من الصينيين باعتناق الإسلام.
وكذلك كان انتشار الإسلام في ماليزيا والملايو وإندونيسيا وغيرها من بلاد شرق آسيا نتيجة لجهود المخلصين من التجار وأتباع الطرق الصوفية.
وهكذا الأمر أيضًا بالنسبة لانتشار الإسلام في أوروبا وأمريكا؛ فقد ذكر كثير من المفكرين الذين أسلموا حديثًا كغارودي الفرنسي وهوفمان الألماني وغيرهم أن الذي جذبهم إلى الإسلام الروح التي وجدوها في الصوفية وافتقدوها في الحضارة الأوربية المادية.
وقد أجرت مجلة "منار الإسلام" التي تصدرها دولة الإمارات العربية استطلاعًا عن دخول غير المسلمين للإسلام في الدول العربية، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن أكثر عدد من الأوربيين يدخل الإسلام في الدول العربية يتم في دولة المغرب، ويرجع ذلك إلى حلقات الذكر التي يقيمها المتصوفة هناك، فتجذبهم بروحانيتها، فيلتفون حولها ليشاهدوها، ولشدة تأثرهم بها ينخرطون فيها فجأة وبدون مقدمات، ويكون ذلك مقدمة لإعلانهم الدخول في الإسلام.
ونختم حديثنا في هذا الموضوع بقول الإمام محمد أبو زهرة رحمه الله تعالى عليه في كتابه "الدعوة إلى الإسلام": إن البلاد الإسلامية من أقصى الأرض إلى أقصاها تؤثر فيها الدعوات الصوفية وأعمال الصوفيين، فإذا قاموا بحق الدعوة استجاب الناس لهم إن كانوا مخلصين، وخلاصة القول: إننا نريد أن تتوجه الصوفية إلى الدعوة إلى الإسلام في ربوع الشعوب الإسلامية كلها، لا في مصر وحدها، إن مشايخ الطرق الصوفية في كل الأقاليم الإسلامية لو اتجهوا إلى ما اتجه إليه أسلافهم في الماضي، ونظموا الدعوة إلى الإسلام في مجتمعاتهم، لكانوا قوة في الدعوة إلى الإسلام منتجة مثمرة.