بتاريخ: 1-1-2012
في استقبال العام الجديد أكد د.علي جمعة، مفتي الجمهورية، أنه يجب علينا اليوم ونحن نستقبل عامًا ونودع آخر أن نجلس سويًّا نقيّم هذا العام، سلبًا وإيجابًا، نعالج السلبيات، ونُعلي من الإيجابيات، ونقدم الحلول ونحاول جاهدين أن نحقق مصالح البلاد والعباد.
وقال المفتي إن خروج مصر من تلك المرحلة الحرجة في تاريخها يستلزم التأكيد على عدد من الركائز الأساسية التي ينبغي البناء عليها، من أهمها العلم والبحث العلمي اللذين يُعدان حجري الأساس والمشروع الاستراتيجي الأول لمصر الذي لن يتم البناء دونه، باعتباره الضابط لحركة النهضة التي ينبغي على مصر أن تبدأ أولى خطواتها.
جاء ذلك في كلمة المفتي خلال مشاركته في حلقة لبرنامج استوديو 27 على التليفزيون المصري ليلة أمس مع العالم المصري الجليل د.مصطفى السيد.
وأضاف: "إن مصر في حاجة ماسة لإعادة صياغة المنظومة التعليمية على أسس جديدة تضمن سرعة دخول مصر في مرحلة النهضة الحقيقية، وبما يصب في النهاية لدى رجل الشارع العادي، وفي رفاهيته وارتفاع دخله".
وأشار إلى أن الركيزة الثانية والتي ينبغي أن نحرص عليها جميعًا هي "الوحدة الوطنية" والتي تمثل تجربة فريدة في تاريخ مصر، مؤكدًا أن مصر هي شعب واحد ودم واحد اختلط في السراء والضراء، والتي لم يفرق ترابها في الحروب المختلفة بين دم ودم، فكل منا فداء لهذا الوطن الذي يحمله في قلبه.
وأكد أن الحفاظ على هذه الوحدة من أوجب الواجبات الآن؛ حتى تستطيع مصر عبور هذه المرحلة الصعبة، وأن مبدأ المواطنة ينبغي أن يكون الميزان الذي توزن به الأمور داخل هذا الوطن، فالجميع شركاء في خيره، وشركاء كذلك في اقتسام التكلفة التي سندفعها جميعًا- لا قدر الله- إن تركنا مصر للفرقة والتمزق.
وأوضح أن قضية المرأة هي من الركائز المهمة التي لا نمل في التأكيد عليها ليل نهار باعتبارها الركن الأساس في بناء هذا المجتمع، وأنها كما قالوا نصف المجتمع وتلد النصف الآخر، ويجب أن يكون للمرأة في صناعة النهضة المنشودة النصيب الأكبر.
وطالب المفتي في تحديده للركائز الواجب الحرص عليها في بناء النهضة الجديدة جميعَ التيارات والأطياف الاجتماع على قاعدة أساسية من "المشترك الوطني المصري الحضاري" والمترسخ في وجدان الشعب المصري وعقله، والذي توافقت عليه القوى السياسية والمجتمعية ومؤسسات الأمة المصرية وشباب الصحوة المصرية عبر المرحلة الراهن، لافتًا إلى أنه يجب أن يكون حب مصر قاسمًا مشتركًا بين جميع الأحزاب السياسية العاملة، وأن الانتماء الحقيقي لهذا الوطن ينبغي أن يترجم إلى أفعال للصالح العام وليس لمصالح حزبية ضيقة، و التركز على ما يجمعنا وليس على ما يفرقنا؛ لأن دائرة الاتفاق أكبر بكثير من دائرة الاختلاف، وأن نكف عن إثارة القضايا السطحية التي لا طائل ولا منفعة للوطن من ورائها، وأن نبدأ فورًا في مناقشات موضوعية حول القضايا الجوهرية الأكثر نفعًا للوطن والتي تحافظ على مكتسبات الثورة المصرية، وترتقي بالمجتمع المصري، وتسهم في النهوض بالأمة في جميع المجالات.
وشدد على أن الإعلام من أهم ركائز تلك النهضة المنشودة باعتباره نبض الجماهير والرافد الأول الذي يُشكِّل الرأي العام، لافتًا إلى ضرورة أن يضع صانعو الإعلام أيًّا كان مرئيًّا أو مقروءًا أو مسموعًا أمانة الكلمة أمام أعينهم، وخطورتها في هذه المرحلة الفارقة من تاريخ الوطن.
ودعا مفتي الجمهورية إلى تكاتف الجميع للقضاء على الأمية تمامًا، وإيقاف النزيف المتمثل في تسرب الأطفال من التعليم، ومعالجة جذرية لهذه الظاهرة التي تمثل المنتج والمورد الرئيسي لأطفال الشوارع، ومن ثم المورد والمكون للبلطجية في مصر، كما دعا إلى اتخاذ كافة الأساليب العلمية والتكنولوجية للحفاظ على المياه، وإيجاد بدائل جديدة نظرًا لخطورة التحذيرات العالمية المتتالية، وظهور أزمة مرتقبة بسبب قلة الموارد المائية على مستوى العالم.
وفي نهاية كلمته وجه فضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية مع بداية العام الجديد ثلاث رسائل مهمة؛ أولها رسالة إلى القضاء المصري قال فيها: "ونحن إذ نؤكد أننا جميعًا ضد الفساد والمفسدين، فإن شعب مصر لن يقبل أبدًا أن يكون لأمثال هؤلاء المخربين مكان على أرضه الطاهرة التي رويت بدماء أبنائه الزكية، وأنه في الوقت ذاته نشدد على ثقتنا الكبيرة في قضائنا المصري الشامخ، وأهاب بالقضاء أن تظل منظومته بعيدة كل البعد عن كل المؤثرات حتى يتحقق العدل الذي ننشده جميعًا.
وفي رسالته الثانية التي وجهها إلى جيش مصر العظيم قال فيها: "أنتم الفرسان النبلاء الذين ضربتم وستظلون تضربون أروع الأمثلة في الفداء والتضحية، نشد على أيديكم دومًا بأن تظلوا درع مصر الواقية، نحافظ عليكم وتحافظون علينا".
ووجه رسالته الثالثة إلى جموع الشعب المصري العظيم مشددًا على أن الاقتصاد هو عماد النهضة الحقيقي، وأنه لابد أن يبدأ الجميع بلا استثناء العمل بجد واجتهاد ليسترد اقتصادنا عافيته، خاصة في هذا الوقت الذي يتعرض فيه لأزمة حقيقية، لافتًا إلى أن العمل والإنتاج هما الطريق الوحيد للخروج من تلك الأزمة وأنه من الضروري والواجب الآن أن نسد كل أبواب الترف الزائف، وأن يتركز عملنا على القضايا الكبرى التي نبني بها مستقبل مصر.
وفي ختام كلمته توجه فضيلة المفتي بالدعاء للمولى عز وجل أن يحفظ مصر والمصريين، وأن يؤلف بين قلوبنا وأن يجعلنا دومًا في مقدمة الأمم وأن يجعل العام الجديد انطلاقًا حقيقيًّا لمستقبل مشرق بإذن الله.